المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترجمة الشيخ اللغوي المتفنن عبد الرحمن بن عوف الكوني -حفظه الله- بقلمه (ترجمة ماتعة مليئة بالفوائد)


بلال الجيجلي
11-04-2012, 04:39 PM
ترجمة الشيخ اللغوي المتفنن عبد الرحمن بن عوف الكوني -حفظه الله-

هذه ترجمة موجزة لعبد الرحمن بن عوف كوني ... كتبها عن نَفْسِهِ صاحبُ الترجمة وقد طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ:
أنا (ابن عوف عمر كوني)، اسم والدي عمر، ولقب القبيلة كوني، ولذا تجد الاسم كاملاً في الأوراق الرسمية كذلك. واشتهرت من بعد بعبد الرحمن بن عوف كوني، وبيانه أن الوالد رحمه الله تعالى سمَّاني بابن عوف ليكون نصاً في قصد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف الزهري العربي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، فهو علم مركبٌ تركيبَ إضافة، على حد قول ابن مالك في الخلاصة:
وشاع في الأعلام ذو الإضافة •• كعبد شمس وأبي قحافة
والمركب الإضافي -كابن عباس وابن عمر- إنما يكون علماً بالغلبة عند النحاة، لا بالنقل والارتجال كما ذكره الدماميني، وذهب بعضهم إلى أنه غير علم، وإنما أجري مجراه، وهو اختيار ابن عصفور.
بوركينايِيُّ الأب، ماليُّ الأم.
بدأت طلب العلم في بوركينا - فاسو (فُلتا العليا سابقاً) في مدرسة أهلية بـ(بوبو) وأنا في السادس من عمري، فجودت القرآن قراءةً وتعلمت مبادئ العلوم فيها، ثم انتقلت إلى مالي بلد أخوالي فقرأت على أحد العلماء واسمه (أبوبكر دَنْبَ واقِي)، وكان بصيراً بالفقه المالكي، ذا مشاركة جيدة في غيره من العلوم المعروفة هناك، أخذ العلم عن شيخه الذي كان مفتي مالي وشرق موريتانيا في وقته، وقد توفيا جميعاً؛ أما شيخي فتوفي في مالي، وأما شيخه ففي الجزائر عند عودته من الحج عام 1366هـ، وقد نزل بالجزائر لملاقاة الشيخ عبد الحميد بن باديس، وكانت بينهما مراسلات قبل حجه، فوافته المنية هنالك وقد رثاه تلميذه شيخنا (دَنْبَ) مشيرا إلى ذلك منها:
فإن تذكرتُ نأيَ الشيخ أحزنني •• وفوزُه بالمنى في الله أفرحني
وموتُ غربته إن كان أقلقني •• ففي الشهادة إيمان يسكنني
من بعد ما فاز بالبيت العتيق له ••عتقاً مبيناً وتطهيراً من الدرن
فقرأت على هذا الشيخ عدة كتب منها:
1- منظومة أحمد بن أبي قفّة. في أدلة مذهب مالك مع شرحه لمحمد يحيى الولاتي الشنقيطي.
2- والمجاز الواضح إلى قواعد المذهب الراجح. وشرحه الدليل الماهر الناصح على المجاز الواضح.
3- وتحفة الحكام في نكت العقود والأحكام، لأبي بكر الغرناطي الأندلسي المالكي.
4- دليل القائد لكشف أسرار صفات الواحد.
وبقيت عنده حتى جاءتنا فتوى من المدينة المنورة للشيخ العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي صاحب أضواء البيان - رحمه الله تعالى - في جواز الصلاة في الطائرة على مذهب مالك، وكثير من متأخري فقهاء المالكية لا يرون صحتها فيها لعدم اتصالها بالأرض كما قال خليل : "والصلاة على الأرض أو متصل بها". ولما وقف شيخنا على الفتوى قال لنا: "هذه الفتوى غاية في موضوعها، والذي أفتى بها أهلٌ لأن يؤخذ عنه العلم". قال هذا ولم ير الأمين.
فتعلق حب الالتحاق - بقلبي - بالشيخ الأمين لأقرأ عليه؛ فيسر الله ذلك عن طريق الجامعة الإسلامية، ولم تكن رغبتي فيها ابتداءً، إلا أنها حققت لي أمنية كان من الصعب أن أظفر بها في إبَّانها لولا الله ثم هي، لأني أتيت بمنحتها الدراسية النظامية. فبعد وصولي ذهبت فوراً إلى الأمين في باب الكومة، وتعرفت عليه وكانت معي نسخة من هذه الفتوى اصطحبتها من البلاد، استوضحت منه أشياء فيها؛ كمسألة السبر والتقسيم في أصول الفقه التي بنى عليها الفتوى فسر بذلك، وكان مما قال لي – رحمه الله – اجتهد يا بني فإن في بلادكم الفقر، فقر العلم والكتب.
وكنت قبل المجيء إلى المدينة أرسل يدي في الصلاة قائماً، فلما رأيت الأمين يقبض يده قبضت، فسألته عن الصحيح في المذهب في هذه المسألة؛ فقال لي: "يا ابني اقبض، الصحيح هو وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة في مذهب مالك، إلا أن المتأخرين عملوا برواية ابن القاسم فيها" وذكر لي أشياء في المسألة اطمأننت بها قابضاً. وكنت قد أتيت برسالتين في الموضوع لشيخي في مالي، إحداهما: معيار العدل بأدلة القبض في الصلاة والسدل، وثانيتهما: تكملة معيار العدل بعلل أحاديث القبض لدى أهل النقل؛ فعرضت على الأمين أن يقرأهما ويبدي لي رأيه فيهما ، فرفض قائلاً لا وقت عندي لذلك وما قلته لك يكفي وأنا أعرِف ما ذا سيقول في رسالتيه !، فذهبت إلى الشيخ حماد الأنصاري في حي البساطيّة – رحمه الله – فعرفته بنفسي وبلدي فاستأنس بذلك وانشرح، ثم عرضت عليه ما كنت عرضته على الأمين من قراءة الرسالتين وإبداء الرأي فقبل مني ذلك، وبعد قراءتها قال لي: "احرقهما"! وما زاد على ذلك، فكان وقع هذه الكلمة علي منه في إبَّانها كاللذعة بالميسم!. ثم انصرفت عنه على مضض. وبعد عشر سنوات من قول الشيخ حماد هذا اطلعت بنفسي على سرّ ومنشأ هذا القول وذلك بحصولي على رسالة في الموضوع لأحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي الغماري أسماها: "المثنوني والبتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من الأحاديث والأثار"، يرد بها على رسالة لمحمد الخضر بن مايأبى الجكني الشنقيطي بعنوان: "إبرام النقض في أرجحية السدل على القبض" تأكدت من أن شيخنا في مالي قد اعتمد على رسالة الخضر هذه بعد قراءتها، إذ الغماري يورد عبارات الشنقيطي فقرة فقرة ثم يرد عليها إلى آخرها.
فلما كان جل قصدي في الإتيان إلى المدينة هو طلب العلم على الأمين فقد جعلت داره طيّتي بعد وصولي وتعرفي عليه، أرتادها كلما سنحت لي فرصة مع الانتظام في دراسة الجامعة – جزى الله القائمين عليها خيراً – فحضرت دروسه في التفسير في المسجد النبوي، ودروساً خاصة في مراقي السعود في البيت، وسألته عن مسائل كثيرة في الفقه، والنحو، والصرف، والمنطق، والبلاغة، والعقيدة، كما استفدت من أجوبته الكثيرة لطلبةٍ في فنون غير هذه قد دونت بعضها على أوراق. حتى توفي عام 1393هـ .
ثم لازمت بعده محمد المختار بن أحمد مزيد الجكني الشنقيطي عشر سنين، حضرت دروسه الجفلى في المسجد النبوي في كتب السنة، وقرأت عليه بعضاً من مختصر خليل، وقرأت عليه كتاب "طلعة الأنوار" في مصطلح الحديث، والسيرة النبوية في "البداية والنهاية" لابن كثير، وبعضاً من شرح الأشموني على الخلاصة. وحضرت دروسه في "سنن أبي داود" التي كان يلقيها في مسجد قباء مساء الخميس، وقد سكنت في رباط – أي: وقف – للشيخ المحسن عبد الحميد عباس بجنب مسجد قباء آنذاك، طلبه لي المختار. وبقيت على ملازمته حتى توفي عام 1405هـ رحمه الله تعالى. وكان شهماً ظريفاً عزيز النفس شديد الفراسة إذا داخلته لا تجد أحسن منه خلقاً تهابه دون مداخلةٍ وقد سمعته يقول: ما صافحت أميراً قط.
وبعده في عام 1407هـ بدأت ملازمة الشيخ الحافظ الكبير المتبحر في علوم العربية بل وفي جل علوم الشرع مع زهدٍ وتقشفٍ وفراغٍ من الدنيا إلا العلم فهو ابن بجدته والقادح بزناد ناره إذا كبت الأزند = شيخنا أحمد محمد حامد الحسني الشنقيطي – حفظه الله - .
وصادف بدء ملازمتي له وقت مزايلتي لدراسة الجامعة النظامية عام 1407هـ، وكان مرابطاً متفرغاً لنشر العلم على الطريقة التي جاء بها من بلاد شنقيط لم يتقيد بوظيفة حكومية بل كان أبعد الناس عنها، بخلاف الشيخين قبله: المختار والأمين –رحمهما الله وحفظه - .
فلازمته من ذلك التاريخ المومى إليه أعلاه إلى الآن، قرأت عليه "طرة لامية الأفعال" للحسن بن زين القونانيّ الشنقيطي، و"الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو والخصاصة" وهو المشهور بـ"طرة الاحمرار" للمختار ابن بونه الجكني الشنقيطي، وهو في ألفي بيت في النحو والصرف. و"الإعلام بمثلث الكلام" لابن مالك، و"المقصور والممدود" له.
واستمعت إلى إقرائه لكتاب"ضياء التأويل لمعاني التنزيل" لابن فودي في التفسير إلاّ قليلاً فاتني، و"مختصر خليل" في الفقه المالكي ولا زلت أقرأ فيه ولكونه آية وأعجوبة في الفقه فقد قيدت عنه عند قراءة الكتابين - "الاحمرار" و"مختصر خليل" - أنظاماً كثيرة جداً في مسائل الفنين والفنون الأخرى التي لها صلة بهما.
فهؤلاء هم شيوخ الملازمة، أما غيرهم من أهل العلم الذين حضرت بعض دروسهم:
فالشيخ الألباني، أدركته في العام الذي فارق فيه الجامعة، وحضرت بعض مجالسه العامة.
والشيخ عبد العزيز بن باز، حضرت بعض دروسه في "كتاب التوحيد".
والشيخ حماد الأنصاري في بعض دروس "سنن الترمذي".
والشيخ عبد القادر شيبة الحمد في دروس التفسير.
والشيخ عطية محمد سالم في دروس "الموطأ".
والشيخ الدكتور محمد أمين المصري في تفسير سورة الأنفال.
أما الكتب التي يقرؤها عليّ إخواني طلبة العلم فقسمان:
قسم تتكرر قراءته، وقسم ليس كذلك؛ فهذا الأخير لا نتعرض لذكره لعدم انحصاره بما يتناسب والمقام.
أما القسم الأول فهي هذه الكتب:
متن الآجرومية، ونظماه للعمريطي والشنقيطي ، ومتممة الآجرومية للحطاب، وملحة الإعراب للحريري، وقطر الندى وبل الصدى، وشذور الذهب لابن هشام، وشرحا الألفية لابني عقيل وهشام، ولامية الأفعال مع طرة الحسن، ومذكرة أصول الفقه شرح شيخنا على روضة الناظر، وميزان الذهب في صناعة شعر العرب، والتحفة السنية شرح الآجرومية.
والإخوان الذين يقرؤون على قسمين: قسم يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره يريد العلم، وقسم نظاميٌّ يقرأ المقرر فقط من بعض الكتب المذكورة للنجاح في الاختبارات، وتوجد من النظاميين قلة تقرأ كتاباً مختصراً في مبادئ العربية من أوله إلى آخره للتقوي في الفن. كما يوجد من مدرسي المدارس النظامية من يقرأ متناً كالقطر أو الألفية حباً للعلم والتقوي.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

كتبه فقير عفو ربه ولطفه:
عبد الرحمن بن عوف كوني
صبيحة يوم السبت ثلاثين محرم سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وألف، بباب العوالي - المدينة المنورة.

منقول.