المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الردع والتبكيت بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت (07) للشيخ العتيبي -حفظه الله-


بلال الجيجلي
08-15-2010, 02:08 PM
الردع والتبكيت بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت (الفصل السابع)

بيان تلبيس المقدسي في قصة تبديل اليهود لحكم الزنا


فقد سبق بيان أنواع الحكم بغير ما أنزل الله ، وبيان أنواع التبديل، وذكرت ما عليه السلف من التفصيل والتبيين.

وذكرت تفسير السلف لآية الحكم : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وأنه لا يخرج عن أحد معنيين :


الأول: كفر دون كفر، فيكون الحكم بغير ما أنزل الله حينئذ من كبائر الذنوب التي لا تخرج من ملة الإسلام.


الثاني: استحلال أو جحود الحكم بما أنزل الله فيكون الحكم بغير ما أنزل الله من نواقض الإيمان لكونه جحد أو استحل الحكم بغير ما أنزل الله .


وذكرت أن الآية نزلت في اليهود، وأن الله كفرهم لجحدهم حكم الله، ولأنهم نسبوا إلى شريعة الله ما وضعوه بأنفسهم، وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ذكروا له أن هذا حكم التوراة، وحكم الكتاب الذي أنزله الله لهدايتهم.



ومع وضوح هذا الأمر في سياق الآيات، وفي الأحاديث الواردة في سبب نزول هذه الآية إلا أن عصام برقاوي المقدسي أبى إلا مخالفة ما أورده أئمة أهل السنة، واخترع سبباً للتكفير متعلقاً ببعض ألفاظ الحديث المتشابهة، معرضاً عن اللفظ الصريح المحكم الواضح الذي لا يحتمل تأويلاً.

وهذه من عادة أهل الزيغ أن يتعلقوا بالمتشابه ويتبعوه، ويعرضوا عن المحكم ويردوه.

روى البخاري في صحيحه(4273)، ومسلم في صحيحه(2665) عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمي الله فاحذروهم)) .

قال المقدسي في سرالته المذكورة : [حديث البراء بن عازب قال (مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودي مُحمّم مجلود فدعاهم رسول الله فقال: "أهكذا حد الزنا في كتابكم؟" فقالوا نعم فدعا رجلاً من علمائهم فقال: "أُنشدك بالذي أنزل التوراة على مـوسى هكـذا تجـدون حد الزنى في كتابكم؟" فقال لا والله ولو لا أنك ناشدتني لم أخبرك نجد حد الزنى في كتابنا الرجم لكنه كثر في أشرافنا فكُنّا إذا زنا الشريف تركناه وإذا زنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ فقلنا: تعالوا نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والوضيع فأجمعنا على التحميم والجلد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فقال: فأمر به فرُجم فأنزل الله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}... الظالمون}... الفاسقون} قال البراء: (في الكفار كلها) وتأمل قوله (فأجمعنا) وليس هو: فاستحللنا كما يموّه مرجئة العصر.]



والرد عَلَى كلام المقدسي بما يلي:




الروايات الصحيحة صريحة بأن اليهود جعلوا حكمهم المبدَّل هو حكم الله وشريعته، حيث نسبوا تشريعهم إلى الله -عزَّ وجلَّ- وجل ، فهذا أمر يتضمن استحلالهم ما حرَّم الله وزيادة..

فسبب نزول الآية: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أنَّ اليهودَ جاؤوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكروا له؛ أنَّ رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟)) فقالوا: نفضحهم ويجلدون.

فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إنَّ فيها الرجم، فَأَتَوا بالتوراة، فنشروها، فَوَضَعَ أحدُهم يدَهُ على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَرُجِمَا" ( 1 )

فقد جاء في هذا الحديث التَّصريح بأن اليهود نسبوا حكمهم إلى التوراة ، والتوراة كتاب الله ووحيه وشريعته، فقد نسبوا حكمهم إلى الله حين سألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟)) فقالوا: نفضحهم ويجلدون.

وفي حديث البراء بن عازب –رضي الله عنهما- قال: مر على النبي -صلى الله عليه وسلم-بيهودي محمماً مجلوداً، فدعاهم-صلى الله عليه وسلم- فقال: ((هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟)) قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟)) قال: لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد.

قلنا: تعالوا، فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه)) فأمر به، فرجم، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ..} إلى قوله: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ}، يقول: ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} في الكفار كلها ( 2 ) .

فتأمل في الحديث : ((هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟)) قالوا: نعم ، فنسبوا الحكم إلى كتاب الله وهو التوراة .

وكذلك قول اليهودي: فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم.

ومعلوم أن آية الرجم في التوراة، فجعلوا مكان الرجم التحميم والجلد على أنه حكم الله وشرعه.

فالحديثان صريحان أن كفر اليهود بسبب استحلالهم الحكم بالجلد والتحميم بدل الرجم، ونسبتهم ذلك إلى شريعة الله وكتابه.

وهذا الذي صرحت به الروايت هو ما قرره أهل العلم والهدى :

قال ابن كثير-رحمهُ اللهُ- : "فهذه الأحاديث دالة على أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حكم بموافقة حكم التوراة، وليس هذا من باب الإكرام لهم بما يعتقدون صحته، لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محالة، ولكن هذا بوحي خاص من الله -عزَّ وجلَّ- إليه بذلك، وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم مما تواطؤا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة، فلما اعترفوا به مع [عملهم] على خلافه بَانَ زيغُهُم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم ، وعدولهم إلى تحكيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم، لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به، ولهذا قالوا: {إن أوتيتم هذا} أي: الجلد والتحميم {فخذوه} أي : اقبلوه ، {وإن لم تؤتوه فاحذروا} أي: من قبوله واتباعه" ( 3 ).

وقد بين ابن جرير أن الله كفرهم لأنهم جاحدون لحكم الله حيث قال -رحمهُ اللهُ- : "إن الله عمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس، لأنَّهُ بِجُحُودِهِ حكمَ الله بعد علمه أنَّهُ أنزله في كتابه نظيرَ جُحودِهِ نبوَّةَ نبيه بعد علمه أنه نَبِيٌّ" ( 4 ).

وقال الجصاص -رحمهُ اللهُ- : "من جحد حكم الله ، أو حكم بغير حكم الله ثم قال: إن هذا حكم الله فهو كافر ، كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذَلِكَ" ( 5 ).

وقال إسماعيل القاضي -رحمهُ اللهُ- : "ظاهر الآيات يدلُّ على أنَّ من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكماً يخالف به حكم الله ، وجعله ديناً يعمل به فقد لزمه ما لزمهم من الوعيد المذكور حاكماً كان أو غَيْرُهُ" ( 6 ).

فظهر أن اليهود لم يكونوا عادلين عن حكم الله دون جحد أو استحلال بل كانوا جاحدين لحكم الله ، مستحلين الحكم بما تواضعوا واصطلحوا عليه ، ونسبوا فعلهم هذا إلى شريعة الله .

وهذا معروف عن اليهود كما ذكر الله ذلك عنهم في كتابه حيث قال -عزَّ وجلَّ- : {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} ( 7 ) ، وقال -عزَّ وجلَّ- : {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ( 8 ).

وكما في حديث عدي بن حاتم –رضي الله عنه- حيث قال : ..فانتهيت إليه –يعني : إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ في سورة براءة: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} فقلت: إنا لسنا نعبدهم.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يحرمون ما أحل الله فتحرمون، ويحلون ما حرم الله فتستحلون)) قلت: بلى. قال: ((فتلك عبادتهم)) ( 9 ) .

فاتضح بذلك أن المقدسي أعرض عن الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، وأعرض عن توضيح العلماء وبيانهم، واتبع ما أملاه عليه هواه، وهذا من علامات الزيغ والخذلان .


وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ

كتَبَهُ: أبو عمر أسامةُ العُتَيْبِي



= = = == = = = = = = =


الحواشي والهوامش




( 1 ) رواه البخاري في صحيحه(3436)، ومسلم في صحيحه(1699).

( 2) رواه مسلم في صحيحه(1700).

( 3) تفسير ابن كثير(2/60).

( 4) تفسير الطبري(6/257).

( 5 ) أحكام القرآن (2/439).

( 6 ) نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري(13/129).

( 7 ) سورة البقرة(آية/79).

( 8 ) سورة آل عمران(آية/78).

( 9 ) رَوَاهُ الإمَامُ أحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ(4/257، 378) بِنَحْوِهِ، وَالبُخَارِيُّ فِي التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ(7/ 106)، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ(رقم3095)، وَابنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيْرِهِ(6/1784)، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الكَبِيْرِ(17/92)، وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيْرِهِ(10/114)، والبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ (10/116)، وَفِي الْمَدْخَلِ إلَى السُّنَنِ الكُبْرَى(ص/210)، وَعَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ(4/174) لابنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ وَابنِ المُنْذِرِ وَأَبِي الشَّيْخِ وَابنِ مَرْدَوَيْهِ، وَهُوَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ. وحسنه الشيخ الألباني.

بلال الجيجلي
08-15-2010, 02:13 PM
هذا ما وقفت عليه من مقالات الشيخ أبي عمر العتيبي -حفظه الله- في منتديات الكاشف ردا على المقدسي فنرجو من الشيخ أن يتم مقالاته هذه وأن يضعها في هذا المنتدى لتعم بها الفائدة والله أعلم.
تنبيه: وجدتها بعد في شبكة سحاب السلفية لمن اراد أن يطلع عليها فيها.