المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [تفريغ] غربـة السنة وأهلها / لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي حفظه الله


أم أفنان السلفية
10-03-2010, 01:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } أما بعد :


فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد :
فإن هذه الكلمة تتعلق بغربة أهل السنة (غربة السنة وأهلها ) في هذا الزمان ، نسأل الله جل وعلا بمنه وفضله وجوده وكرمه أن يجعلنا وإياكم من أهل السنة العاملين بها المتمسكين بها الذين تنطبق عليهم هذه الأحاديث الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن فيها المدح لهؤلاء الذين ساروا على طريقته -عليه الصلاة والسلام - فليحرص المؤمن كل الحرص على ذلك فنسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء الذين ذكرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .



فالكلام على السنة وغربتها وأهلها وغربتهم من أعظم ما يثبِّت الإنسان في هذه الأزمان ويقوي إيمانه ويشد من أزره ويسلِّيه ويُصبِّره لأنه إذا سمع أخبار ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أورثه اليقين وقوة اليقين أيضا وأورثه الصبر وأورثه الاحتساب على ما يلحقه في سبيل تمسكه بدينه فضلاً عن دعوته إليه وصبره على الأذى فيه. وهذا الباب باب عظيم والكلام فيه كلام واسع والروايات فيه كثيرة وكلام أئمة السنة والهدى فيه أكثر ولكن حسبنا في هذه الدقائق أن نتكلم بما ييسره الله جل وعلا فإن فيه إن شاء الله إشارة إلى ما بقي في هذا الباب لأني على يقين أني لا أستطيع أن أوفي الموضوع حقه في هذه العجالة .


فنقول مستعينين بالله جل وعلا :


صح من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً كما بدأ " وفي لفظ " كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء " هذا الحديث في صحيح مسلم يخبر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن الإسلام بدأ في أوله غريبا وسيعود في آخره غريبا فهو في طَرَفَيْه الغربة تكتنفه ، طرفه الأول عند الإبتداء حينما كان المطبِّق في الأرض هو الشرك بالله تبارك وتعالى والكفر به والتنكر لما أمر الله سبحانه وتعالى والعَماية عن ذلك كل العَماية ، فبعث الله هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان الإسلام في أول بعثته -عليه الصلاة والسلام - غريباً بين الناس لا يعرفونه يستنكرونه ويستنكرون ما جاء به -عليه الصلاة والسلام - ، وفي آخر الأمر سيعود غريباً ( كما سيأتي بيانه إن شاء الله معنا ) سيعود غريباً بين الناس وذلك لأنه في آخر الزمان يقل أهل الإيمان وأهل الإسلام ويكثر أهل الفجور والطغيان والشرك عياذاً بالله من ذلك ، فلهذا قال -عليه الصلاة والسلام - :" بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبا كما بدأ " فانظروا إلى قوله :" كما بدأ " كما كان في أوله مستغرباً بين أكثر الناس فسيعود في آخره مستغرباً بين أكثر الناس ، وجاء عند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال :" بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً سُئل - صلى الله عليه وسلم - حينما قال : " فطوبى للغرباء " سأله أصحابه رضي الله عنهم : من هم الغرباء ؟


فقال -عليه الصلاة والسلام - :" النُّزّاع من القبائل " يعني قلة هم من القبيلة الواحد والإثنان ومن القبيلة الواحد فقط ومن القبيلة لا أحد ، فبعض القبائل لا أحد فيها يوجد يدين بهذا الدين ، وبعضها فيها الواحد وبعضها فيها الإثنان وبعضها الأكثر من ذلك لكنهم في مجموعهم إذا ما نُسبوا إلى مجموع القبيلة هم قلة لا يكادون يُذكرون معهم لقلتهم ولكثرة المخالف لهم ، وقد جاء أيضاً عند الآجري قيل : من هم يا رسول الله ؟


قال : " الذين يَصلحون إذا فسد الناس "


فهذا فيه بيان لهؤلاء الغرباء ووصف لهم بأن هذا من صفاتهم أنهم يَصلحون في أنفسهم عند فساد الناس ، إذا فسد الناس اشتغلوا هم بإصلاح أنفسهم فهؤلاء طوبى لهم ، و (طوبى) قيل هي الجنة وقيل شجرة في الجنة ، قد جاء عند الترمذي بإسناد فيه ضعف عند الدين بدأ غريباً وسيعود غريبا وهذا يشهد له الذي في الصحيح فطوبى للغرباء ، يشهد له الذي في الصحيح ولكن جاء في آخره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" فطوبى للغرباء الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنتي " فهذا وصف آخر لهم ، فالشق الأول من الحديث له الشاهد الصحيح الذي تقدم من حديث أبي هريرة والشق الأخير فيه لِين " يُصلحون ما أفسد الناس " وهذا عند الترمذي رحمه الله


فالشاهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشّر هؤلاء الغرباء الذين يَصلحون إذا فسد الناس ويُصلحون ما أفسد الناس ، بشّرهم بهذه البشارة بالجنة (على قول ) أو شجرة في الجنة ومُؤداه أنه الجنة لأنها إذا قلنا بأن طوبى شجرة في الجنة فهم داخلون بالجنة فهو تبشير لهم وبشارة لهم بدخولهم جنات عدن ، نسأل الله سبحانه وتعالى من فضله .



وقد جاء أيضاً عند الإمام أحمد من حديث ابن عمر بيان صفة أخرى لهؤلاء الغرباء حيث أضاف في حديث ابن عمر إضافة ثالثة في وصف هؤلاء الغرباء وهو أنهم قومٌ قليل في قوم سوءٍ كثير مَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ، قوم قليل وجاء في لفظ قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير مَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ، فهذه صفة أخرى


الصفة الأولى : أنهم يَصلحون إذا فسد الناس
والصفة الثانية : أنهم يُصلحون ما أفسد الناس
والصفة الثالثة : أن الذين يعصونهم أكثر ممن يطيعونهم


ومن هذا نأخذ أن دعاة الحق ودعاة الهدى وأتباعهم دائماً وأبداً هم أقل من دعاة الباطل ومن أهل الباطل ومن يستجيب لهم أقل ممن يستجيب لأهل الباطل -عياذاً بالله من ذلك - فهذا الحديث ، حديث ابن عمر عند الإمام أحمد رحمه الله بيّن فيه أنهم ناسٌ قليل ( يعني قوم صالحون قليل ) في قوم سوء كثير ، مَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ، وهذا حقيقة فإن الإسلام أول ما بدأ كان الصالحون وهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قلة والطالحون كُثر ، ولذلك فسرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم النُّزاع من القبائل يعني الواحد والإثنين من القبيلة (من كل قبيلة ) وكانوا في استجابتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم - كانوا يستجيبون له على خوف من عشائرهم وقبائلهم لأنهم يؤذونهم ويبالغون في أذيتهم ويبالغون في امتحانهم ويستضعفونهم ويطردونهم ويعذبونهم بل أهل مكة كما نعلم ، الذين آمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قريش ومن قرابته -صلى الله عليه وسلم - هاجروا إلى الحبشة لأنهم أوذوا من أهليهم ومن قبيلتهم من قريش أشد الإيذاء فكانوا مستضعفين فهاجروا إلى الحبشة مرتين ثم بعد ذلك هاجروا إلى المدينة كل ذلك فراراً بدينهم وقد جاء هذا في بعض طرق الحديث أنهم يفرون بدينهم كما جاء أيضاً من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما - ويُروى مرفوعاً ويُروى موقوفاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قيل من الغرباء يا رسول الله ؟ قال :" الفرّارون بدينهم " الفرارون بدينهم يبعثهم الله تعالى مع عيسى ابن مريم عليه السلام وفي هذا الحديث في سنده لين ولكن إذا نظرت إلى الواقع فإنه يشهد له ولسنا نقول بهذا أن الواقع يقوي الأحاديث ، لا ، يبقى سنده فيه ضعف ولكن حال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام وحال المضطهدين في دينهم في زماننا هذا وقبل زماننا وفي آخر الزمان كله على هذا ، يفرون بدينهم حينما يُضطهدون في دينهم ويُفتنون في دينهم فإنهم يفرون حرصاً على سلامة أنفسهم حتى يعبدوا ربهم تبارك وتعالى بطمأنينة وبأمان فهؤلاء هذه صفة من صفاتهم إذ يفرون بسبب دينهم ، أوذوا في دينهم وقد جاء في حديث عياض ابن حمار -رضي الله تعالى عنه - الذي خرّجه مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب فهنا بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا كان أول الإسلام ومبدأ الإسلام ، بِعثة النبي -صلى الله عليه وسلم - ودعاؤه الناس إلى الإسلام ما استجاب له في أول الأمر إلا الواحد والواحد تلو الواحد من القبيلة على الخوف كما قلنا ، يخاف الواحد من عشيرته وقبيلته وربما عُلم به فأوذي واستُضعف وعُذب وامتُحن فهكذا كان الأمر في أول دعوته - عليه الصلاة والسلام - ، الداخلون في الإسلام غرباء في ذلك الحين ثم أعز الله دينه ونصر رسوله وأظهر هذا الدين على الدين كله وذلك بعد هجرته -صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فصار أهل الإسلام بعد ذلك ظاهرين كل الظهور ولم يزالوا في ازدياد حتى فتح الله على رسوله وخليله محمد -صلى الله عليه وسلم - مكة أم القرى فدخل الناس في دين الله أفواجا واستمروا في ذلك إلى عام الوفود وعمّ الإسلام في جزيرة العرب وحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين وأنزل الله جل وعلا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) فظهر الدين وارتفعت راياته وعلا أتباعه وأنصاره وبقوا على ذلك متعاضدين متناصرين في زمن أبي بكر في زمن عمر رضي الله تعالى عنهما في زمن أيضاً عثمان ثم بعد ذلك حدثت الفتن بمقتل عثمان -رضي الله تعالى عنه - وحصل ما حصل وبدأت فتن الشبهات وزادت وكلما جاء عليها زمن تزيد ، وكلما جاء عليها زمن تزيد ، وهكذا وزادت معها الشهوات - نسأل الله العافية والسلامة - فلم تزل الفتن تتزايد شيئاً فشيئاً ( فتن الشبهات وفتن الشبهات ) والشيطان يكيد لبني آدم ويكيد لأهل الإيمان ، والذين يطيعونه ويتوَلَّونه يصبحون من حزبه -عياذاً بالله -فمنهم من دخل في حزب الشيطان من باب فتنة الشبهات والأهواء المضلة والآراء المردية المهلكة فانحرف عن طريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كلمة غير مفهومة ) - عليه الصلاة والسلام - التي كان عليها وهذا الذي أشار إليه - عليه الصلاة والسلام - بقوله :" إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " فهذه البدع والضلالات الكثيرة التي وصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكثرة " إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا " فهذه البدع وهذه الشبهات كانت باباً دخل منه خَلقٌ كثير فأطاعوا إبليس فوقعوا في الشر والبلاء وكان دخولهم من باب الفتن ( فتن الشبهات ) ومنهم من أطاعه من باب آخر ألا وهو فتنة الشهوات فدخل وخالف أوامر الله وأوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصبح في هذا الباب غارقاً -عياذاً بالله من ذلك -


ومنهم من جمع بينهما وهذا صنف ثالث ، جمع بين فتنة الشهوات والشبهات وهذا شر هذه الأنواع ، من جمع بين الفتنتين ، من دخل من البابين ويليه من وقع في فتنة الشبهات ، شبهات العقائد والأهواء والنِّحل المخالفة لما كان عليه رسوله الله -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، والدرجة الثالثة وهي أخفها فتنة الشهوات ولكنها فتنة أيضاً عظيمة وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم - عن فتنة الشبهات وحذّر منها - عليه الصلاة والسلام - في غير حديث كما في حديث أبي هريرة وحديث معاوية وغيرهم - رضي الله عنهم - في الإفتراق حيث أخبر - عليه الصلاة والسلام - أن الأمم قبلنا افترقت وأننا سنفترق ، فافترقت اليهود على إحدى وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة ، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة -نسأل الله العافية والسلامة -


لما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم - عن هذه الواحدة من هي ؟

قال : " من كان على ما أنا عليه وأصحابي " -نسأل الله العافية والسلامة ونسأل الله الثبات - فالإنسان يجب عليه أن يتدبر هذه النصوص وهذه الأحاديث ، يجب عليه أن يتأملها وأن يعلم ما دلت عليه حتى يَحذر فالنبي -صلى الله عليه وسلم - أشار إلى فتنة الشبهات هنا بقوله افترقت وافترقت وافترقت ثم قال : " كلها في النار إلا واحدة " من هم ؟ قال : " من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي " فقوله :" من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي " هو مثل قوله - عليه الصلاة والسلام - :" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد " فمن كان على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه أصحابه وتمسك بسنته وعضّ عليها بالنواجذ فهؤلاء هم الغرباء وهم الناجون " إلا واحدة " من هم ؟

قال :" من كان "

وهناك " عليكم بسنتي "

فمن كان على سنته ومن كان على ما كان عليه هو وأصحابه - عليه الصلاة والسلام - ورضي الله عنهم أجمعين فهذه هي الفرقة الناجية وهم الغرباء ، ومن كان على غير ذلك فإنه هو الهالك - نسأل الله العافية والسلامة - فهذه الفتنة ( فتنة الشبهات ) أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإفتراق وأخبر أن هذا عظيمٌ خطَر في قوله :" كلها في النار إلا واحدة " فإنها متوعدة ( هذه الطوائف متوعدة الثنتين والسبعين متوعدة بالنار عياذاً بالله من ذلك ) لأن هذه الشبهات والأهواء المضلة التي ركبوها فرّقتهم وجعلتهم شيعاً وأحزاباً وصاروا فرقاً وطوائف فتَفرق أهل القبلة إلى درجة أن بعضهم كفَّر بعضا ، وقاتل بعضهم بعضاً كما حصل من الخوارج بعد أن كانوا إخواناً متّحدين على الإسلام الصحيح ، قلوبهم على قلب رجل واحد فلم ينجُ من هذا الضلال إلا الفرقة الواحدة الناجية المنصورة التي ذكرها - عليه الصلاة والسلام - بقوله :" من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، عليكم بسنتي وسنة.. " فالذين هم على سنته هم الناجون في قوله :" من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي " وهم الناجون بنص إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما قال :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ( أو على الحق ظاهرين ) لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " خرّجه البخاري في صحيحه من حديث المغيرة ابن شعبة -رضي الله تعالى عنه - وكذلك خرّجه مسلم في صحيحه من حديث المغيرة ابن شعبة -رضي الله عنه - وهو متفق عليه كما خرّجه أيضاً مسلم من حديث ثوبان ومن حديث جابر ومن حديث معاوية -رضي الله تعالى عنهم جميعا -


فالشاهد أن الطائفة الناجية المنصورة هم أيضاً المتمسكون بسنته - عليه الصلاة والسلام - وهم الغرباء وهم الذين على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم فهم الغرباء في آخر الزمان ، وأنتم انظروا إلى زماننا هذا كم أهل السنة فيه في مقابل أهل الأهواء والبدع ؟



قلة قليلة إذا ما عددتهم أو حصرتهم كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وغيره : " أهل السنة بين أهل الإسلام كأهل الإسلام بين سائر الملل " قليلون ولا شك في ذلك بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " افترقت اليهود وافترقت النصارى وأخبر أن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " هذه الواحدة هم الذين تمسكوا بسنته وتمسكوا بسنة الخلفاء الراشدين هم من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، هم الذين يفرون بدينهم من الفتن ، فهم الطائفة الناجية المنصورة لأنهم على الحق ، متمسكون بما جاء به سيد الخلق وإذا كانوا كذلك لم يضرهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم .


وانظروا النص في هذا الحديث : لم يضرهم لا هذا ولا هذا " لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم "فجعل المناوئين لهم على طبقتين ، على نوعين ، على قسمين قُل ما شئت في التقسيم ، طبقتين ، نوعين ، قسمين ، لا يضر ، المخذِّل والمخالف


المخالف أمره ظاهر ولكن البلاء كله من المخذل فقد يكون معك على ما أنت عليه لكنه يخذلك فلا هو نصرك ولا هو سكت فسلَّمك من شره ، " لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم " والنبي -صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث نفى عنهم الضرر فالضرر ليس بحاصل لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - قد نفاه " لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم " وأما الأذية فتحصل ، الأذية حاصلة كما قال الله جل وعلا للمسلمين { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ ... } الآية فالأذى حاصل وأما الضرر ليس بحاصل بإذن الله لأن الحق منصور


والحق منتصِر وممتحَن فلا ** تعجب وهذي سنة الرحمن


فهؤلاء الغرباء في آخر الزمان المذكورون في هذه الأحاديث كما تقدم معنا بأنهم هم الذين يَصلحون إذا فسد الناس

وهم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من السنة

وهم النُّزاع من القبائل

وهم الذين يفرون بدينهم من الفتن

وهم قوم قليل في قوم سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم

كل هذا فيه تسلية لمن ثبت على السنة وتمسك بها كما كان فيه تسلية للداخلين في الإسلام في أول الأمر و بهذا الأمر الذي ذكرنا فسر الأئمة هذا الحديث كما ذكرت لكم


يا غربة الدين والمستمسكين به *** كقابض الجمر صبراً وهو يتّقد
المقبلين عليه عند غربته *** والمصلحين إذا ما غيرهم فسدوا
إن أعرض الناس عن تبيانه نطقوا *** به وإن أحجموا عن نصره نهِدوا



يتبع إن شاء الله بتفريغ باقي المحاضرة

أم زاهدة
07-13-2012, 01:19 PM
أثابكِ ٱلله ٱلجنة ننتظر بقية ٱلتفريغ يسّر ٱلله أمركِ