المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [طبعة جديدة] [تفريغ] [خطبة جمعة] [الإسلام والتعددية الحزبية] - فضيلة الشيخ/ محمد سعيد رسلان


أبوشعبة محمد المغربي
10-31-2011, 11:31 AM
[تفريغ] [خطبة جمعة] [الإسلام والتعددية الحزبية] - فضيلة الشيخ/ محمد سعيد رسلان (http://www.noor-alyaqeen.com/vb/t22185/)


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومَن اتبع هداه... وبعدُ:

مَن كان يظن يومًا ما أن يأتي أقوامٌ من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، يجيزون إنشاء الأحزاب السياسية باسم السلفية!! زاعمين رغبتهم في قيام الدولة الإسلامية!!
"فالعلمَ، العلمَ أيها الشباب!
لا يُلهينكم عنه سِمسارُ أحزاب، ينفخ في مِيزاب، ولا داعيةُ انتخاب في المجامع صَخَّاب.
ولا يلفتنكم عنه مُعللٌ بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولا عاوٍ في خراب، يأتم بغراب.
ولا يفتننكم عنه مُنزوٍ في خَنْقَة، ولا مُلتوٍ في زَنَقَة، ولا جالسٌ في ساباط على بساط، يحاكي فيكم سنةَ الله في الأسباط؛ فكلُّ واحد من هؤلاء مُشعوذٌ خلاب، وساحرٌ كذاب.
إنكم إن أطعتم هؤلاء الغُواة، وانصعتم إلى هؤلاء العُواة، خسرتم أنفسكم، وخسركم وطنكم، وستندمون يومَ يجني الزارعون ما حصدوا، ولاتَ ساعةَ مندمِ.".اهـ [خطبة/ الإسلام والتعددية (http://www.noor-alyaqeen.com/vb/t22185/)الحزبية].
"إن إخلاصَ المرء في نُبْل هدفه الذي هو تحقيقُ قيامِ الدولةِ الإسلاميةِ لا يُعفيه من النظر في الطريقة النبوية للوصول إلى ذلك المقصود".اهـ [خطبة/ الإسلام والتعددية (http://www.noor-alyaqeen.com/vb/t22185/)الحزبية].

وبالجملة فالخطبةُ فريدةٌ في بابها، مختلفةٌ عن مثيلاتها؛ مليئةٌ بالفوائد الزوائد؛ فلتراجع!

لتحميل ملف التفريغ بصيغة PDF - جاهز للطباعة والنشر- 20 ورقة
اضغط هنا للتحميل من مرفقات شبكة الإمام الآجري. (http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=15278&stc=1&d=1319224324)
(http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=15278&stc=1&d=1319224324)
صورة من ملف التفريغ:
http://www.noor-alyaqeen.com/vb/images/statusicon/wol_error.gifتم تصغير هذه الصورة ... نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بمقاسها الحقيقي علما بأن مقاسات الصورة قبل التصغير هو 741 في 478 وحجم الصورة 118 كيلو بايتhttp://www.noor-alyaqeen.com/vb/imgcache/8317.imgcache.jpg




</I>توقيع أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد (http://www.noor-alyaqeen.com/vb/u4233/)((الميزان عندك أيها السلفي ينبغي أن يكونَ ميزان السنة لا تُحابي في ذلك أحداً، ميزان السنة؛ فحيثما كانت نصرة السنة فحسبك برجل ينصر السنة)).اهـ


مِن كلمات فضيلة الشيخ (هشام البيلي (http://www.albeialy.com/))-حفظه الله وسدد على طريق الحق خطاه.

المصدر/ مقطع (بين الشيخ ربيع بن هادى والعودة والحوالى).

أبوشعبة محمد المغربي
10-31-2011, 11:32 AM
التفريغ [القراءة المباشرة]

إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بعدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرّ الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار.
أمّا بعدُ:
فقديمًا قِيلَ: الذاكرةُ مَلَكَةٌ مُسْتَبِدَّةٌ، وليس يدري إلا اللهُ -تبارك وتعالى- لماذا تستدعي الذاكرةُ في هذه الأيام ليلةَ الثاني من شهر يناير سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وألف؟! وتستدعي صباحَ ذلك اليوم، صباحَ الذلِّ في (غِرْناطَة)!
لماذا تُلحُّ على الذاكرة في هذه الأيام ذكرى ملوك الطَّوائف بعجزِهم وخياناتِهم، واستعانتِهم بالنصارى في الشمال على الممالك المسلمة، وعلى الجيوش المسلمة من إخوانهم؟
لماذا تستدعي الذاكرةُ ذكرى أبي (عبدالله الصغير)؟! وهو آخر الملوك في "الأندلس"، وآخر الملوك في (غِرْناطَة).
تستدعي الذاكرةُ موقفه، وهو يقترب من مقام الملك النصراني الصليبي (فِرْنانْدُو) الذي كان ينتظره على جواده، و(أبو عبدالله الصغير) يترجل عن جواده، ويسعى إليه ماشيًا على قدميه؛ ليقدِّمَ إليه خاتمه الذهبي الذي يختم به المراسيمَ والقراراتِ، ويقدم له مفاتيحَ القَلعة والقصر.
وهو يقول: هذه هي مفاتيح الجنة يقدمها لكَ خُوَيْدِمُكَ أبو عبدالله، ثم يمضي إلى منفاه، ثم يجهش بالبكاء؛ فيسمعُ قولَ أمه -الملكةِ عائشة- تقول له: (ابكِ كالنساء على مُلكٍ لم تستطعِ الحفاظَ عليه كالرجال!!).
الذاكرةُ مَلَكَةٌ مُسْتَبِدَّةٌ، لا يدري إلا اللهُ -تبارك وتعالى- لماذا تستدعي الذاكرةُ في هذه الأيام ذكرى (المُورِيسْكِيين)؟!
و(المُورِيسْكيون): مفردها (مُورِيسكيّ)، و(المُورو): هو المسلمٌ بلغتهم، ولكنه أُلحقَ به ما يصغِّره؛ فمعناها إذًا: المسلمُ الصغير أو المسلمُ الحقير أو المسلمُ الوَضِيع.
(المُورِيسْكيون) هؤلاء هم الذين تمت المعاهدةُ متضمنةً بنودًا تخصهم.
هؤلاء ما زال ضغطُ الصليبين عليهم بعد الجلاء حتى صاروا إلى دين النصرانية، ومع ذلك لم يرحمهم أولئك؛ فعُقدت لهم محاكم التفتيش.
بُدلت الملة، وغُيرت الديانة، وصار المسلمون إلى دين الكفر، ومع ذلك كلِّه لم يُرحموا!!
وفي التاريخ عِبرة، والسعيدُ مَن وُعظَ بغيره، وتذكروا من الأندلس الإبادة!
هذا إذا جعل اللهُ -تبارك وتعالى- للناس بقيةً من عقلِ؛ لأنه لا يعصمهم من ذلك كلِّه إلا رحمةُ الله -ربِّ العالمين- تشملهم، وإلا عنايتُه تعمهم، يهديهم اللهُ -تبارك وتعالى- إلى سبيل الرشاد.
وإنّ من دلائل نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الحديثَ الذي أخرجه الإمام أحمد، وغيرُه بسندٍ صحيحٍ عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن بين يدي الساعة الهَرْجَ"، قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: "القتل؛ إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتلُ بعضِكم بعضًا؛ حتى يقتل الرجلُ أخاه، وحتى يقتل الرجلُ جارَه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه"، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟! قال: "إنه لتُنزع عقولُ أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباءٌ من الناس، يحسب أكثرُهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء".
إذا مَنَّ اللهُ -تبارك وتعالى- بالعقل على عبدٍ؛ فقد أعظمَ له المِنَّة.
وقد لَقِيَ (الخليل بن أحمد) (ابنَ المُقَفَّع)، ففاوضه وكلمه؛ فلما افترقا، سُئلَ كلٌّ عن كلٍّ؛ فكان الجوابُ هكذا..
قال ابن المُقَفَّع: رأيتُ رجلاً يعني -الخليلَ بن أحمد- عقلُه أكبر من علمه.
وسُئلَ (الخليلُ) عن (ابن المُقَفَّع)؛ فقال: رأيتُ رجلاً علمُه أكبر من عقله، ويوشك ذلك أن يقتله؛ فَقُتِلَ بعدُ على الزندقة.
قد يكون عقل الرجل أكبر من علمه؛ فلا يضره بل ينفعه، وقد يكون علمه أكبر من عقله، فهذا يضره ولا ينفعه!
فالعلمَ، العلمَ أيها الشباب!
لا يُلهينكم عنه سِمسارُ أحزاب، ينفخ في مِيزاب، ولا داعيةُ انتخاب في المجامع صَخَّاب.
ولا يلفتنكم عنه مُعللٌ بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولا عاوٍ في خراب، يأتم بغراب.
ولا يفتننكم عنه مُنزوٍ في خَنْقَة، ولا مُلتوٍ في زَنَقَة، ولا جالسٌ في ساباط على بساط، يحاكي فيكم سنةَ الله في الأسباط؛ فكلُّ واحد من هؤلاء مُشعوذٌ خلاب، وساحرٌ كذاب.
إنكم إن أطعتم هؤلاء الغُواة، وانصعتم إلى هؤلاء العُواة، خسرتم أنفسكم، وخسركم وطنكم، وستندمون يومَ يجني الزارعون ما حصدوا، ولاتَ ساعةَ مندمِ.
مَن الذي يفتي إذا جاءت النوازل السياسية؟!
الفتوى في النوازل السياسية قاصرةٌ على المجتهد، قال ربُّنا -جلت قدرتُه-: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء:83].
قال العلامةُ (ابن القيم) -رحمه الله-: "العالمُ بكتاب الله، وسنةِ رسولِه، وأقوالِ الصحابة؛ فهو المجتهد في النوازل؛ فهذا النوع الذي يسوغ لهم الإفتاء، ويسوغ استفتاؤهم، ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدد لها دينَها".اهـ
لا يفتي في دقائق الاجتهاد إلا المجتهد، ويحرم استفتاء طلبة العلم في تلك الدقائق -فضلاً عن غيرِهم- مهما زعموا أنهم فقهاءُ الواقع!
قال (شيخُ الإسلام) -رحمه الله-: "وفي الجملة، فالبحثُ في هذه الدقائق -يعني ما يتعلق بأحكام الاجتهاد- من وظيفة خواص أهل العلم".اهـ
البحثُ في هذه الدقائق من خصائص ووظيفة خواص أهل العلم، لو أفتى فيها مَن ليس في رتبة العالم المجتهد أفسد البلاد، وأرهق العباد.
لأن العالم يشم الفتنة قبل وقوعها، وأما غيرُه فلا يعرفها إلا إذا وقع فيها وقد لا يعرفها.
قال (الحسن البصري) -رحمه الله-: "إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كلُّ عالم، وإذا أدبرت عرفها كلُّ جاهل".اهـ
ينبغي أن يُعاد إلى أهل الاجتهاد الذين يحسنون الاستنباط من كتاب الله -رب العالمين-، ويحسنون النظر في سنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم-.
قال (ابن بادِيس) -رحمه الله-: "فإننا اخترنا الخُطة الدينية على غيرها عن علمٍ وبصيرة، ولو أردنا أن ندخل الميدان السياسي لدخلناه جهرًا، ولقدنا الأمةَ كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهلَ شيءٍ علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نبلغ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها.
فإن مما نعلمه -ولا يخفى على غيرنا- أن القائد الذي يقول لأمته: إنكِ مظلومةٌ في حقوقكِ، وإنني أريد إيصالكِ إليها، يجدُ منها ما لا يجد مَن يقول لها: إنكِ ضالةٌ عن أصول دينكِ، وإنني أريد هدايتكِ؛ فذلكَ تلبيه كلُّها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها!".اهـ
قال (الإبراهيمي) -رحمه الله-: "أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشر ناجِمُها، وهجمَ ليفتكَ بالخير والعلم هاجمها، وسَجَمَ على الوطن بالمِلح الأُجَاج ساجمها.
إن هذه الأحزابَ كالمِيزاب، جمعَ الماءَ كَدَرًا، وفرَّقه هَدَرًا؛ فلا الزُّلالَ جمع، ولا الأرضَ نفع!".
وقال (ابن خلدون) -غفر اللهُ له-: "ومن هذا الباب، نحذِّر من مسالك الثوار، ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء.
فإن كثيرًا من المُنتحلين للعبادة وسلوك الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجَوْر من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه والأمر بالمعروف رجاءً في الثواب عليه من الله.
فيكثر أتباعهم والمتشبثون بهم من الغَوغاء والدَّهماء، ويعرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم يهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين؛ لأن الله -سبحانه- لم يكتب ذلك عليهم".اهـ
قال (الحسن البصري) -رحمه الله-: "والله لو أن الناس إذا ابتُلوا من قبل سلاطينهم صبروا، ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف؛ فيوكلوا إليه، ووالله ما جاءوا بيوم خيرٍ قط".
ثم تلا قوله -تعالى-: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف:137].
في كل بلد يُدعى فيه إلى تفريق أهله المسلمين إلى أحزابٍ سياسية باسم العدل والديمقراطية، تجد فيه المستجيبين لهذه الدعوة من الطامعين في السلطة الذين يزعمون أنهم لا يريدون إلا الدارَ الآخرةَ، وهم ينحر بعضُهم بعضًا بورقةٍ في صندوق الانتخاب، ومَن يعتزل يُرمى بالغائب عن الواقع المرير السلبي في التأثير، ومَن يتنحى يُقال له: فارٌ من الزحف، وطاعنٌ من خلف، وهو ما زاد على أن أخذ بالكتاب الكريم الذي نهى عن التفرق، قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:105].
وتأسى بالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي كان ينهى عن طلب الإمارة؛ فيقول رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا تسألِ الإمارةَ؛ فإنكَ إن أُعطيتها من غير مسألةٍ، أُعنتَ عليها، وإن أُعطيتها عن مسألةٍ وُكلتَ إليها". رواه البخاري، ومسلم.
وأما واقع التحزب؛ فقد رأى الناسُ أن الأمةَ لم تجنِ منه سوى الفتن: بدايته التفرق، ونهايته الاقتتال بعدَ التمزق!
كل هذا وغيرُه من فعل الأحزاب في الأمة المسلمة: اقتسموا أموالَها، وشتتوا آراءها، فَمَسُّوها بفقر، ووعدوها بقصر، وكلٌّ منهم يقول للشعب: اخرج متظاهرًا أمامي؛ فالسعادةُ تحت أقدامي!!
ويقابلهم آخرون يقولون: قطعُ الرقاب!! لكل مشاركٍ في الانتخاب.
وهذا كله من الفتن الغَوية، والناس يحسبونه جهادًا في سبيل إقامة الدولة الإسلامية!!
واعلم أن ربَّك -تبارك وتعالى- ما ذكر الأحزابَ في كتابه إلا ذمها، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد:36]. وقال -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود:17]. وقال -جلت قدرته-: ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ [ص:11].
وللحزبية مفاسد كثيرة، لكنَّ أبرزَها هي: دعوتها إلى التفرق، ولو لم يكن فيها سوى هذا لكفى به إثمًا؛ ولذلك كان من عجائب الآيات التي نددت بالحزبية أنها لا تكاد تذكرها إلا مقرونةً بالفُرقة.
فتأمل قولَه -تعالى-: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:31-32].
وتأمل قولَه -تعالى-: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون:53].
وتأمل قولَه -تعالى-: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم:37].
و قولَه -تعالى-: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ [الزخرف:65].
وكيف لا تُذم الأحزابُ وهي أحزابٌ متعددةٌ؟! وهذه الأمة أمةٌ واحدةٌ!
ولذلك لم يمدح الله فيها إلا الحزبَ الواحدَ الموحِّد، قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة:56]. وقال -جلت قدرته-: ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة:22].
من أجل هذا؛ فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يعبأ بالوحدة السياسية بادئَ ذي بَدْء، ولم يهتم بإصلاحها قبل إصلاح أصلِ الدين، وهذا مما ينبغي أن يُلتفتَ إليه، وأن يُؤمَّ، وألا يُستدبر، وألا يُهمل!
فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يعبأ بالوحدة السياسية بادئَ ذي بَدْء، ولم يهتم بإصلاحها قبل إصلاح أصلِ الدين.
فالوحدةُ الجسديةُ قد تكون خَدَّاعة! وأما الوحدة العَقَدية فجمّاعةٌ مَنَّاعةٌ؛ ولذلك أخبر اللهُ -عز وجل- أن اليهودَ هم الذين عكسوا هذا الهدي النبوي.
فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يعبأ بالوحدة السياسية بادئَ ذي بَدْء، وإنما التفتَ إلى أصل الدين؛ فأسس قواعدَ التوحيدِ، ودعا إلى عبادة رب العالمين، ونبذ الشرك به.
وأما اليهودُ فعلى الضد من هذا الهدي النبوي ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر:14].
وأما رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقد حرص على أن تكون القلوب مجتمعة؛ فتجتمع الأبدان تبعًا، وأما الذين عكسوا الهدي المحمدي، وخرجوا عن السَّنَن النبوي؛ فهم الذين التفتوا إلى الوحدة السياسية قبل أن يُؤصلوا الوحدة العَقَدية!
هذا عكسٌ لطريق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾.
عكسَ اليهودُ الهديَ النبوي، وأخبر اللهُ -ربُّ العالمين- أن من عكسَ الهديَ النبوي؛ فحرص على الوحدة السياسية على حساب الوحدة العَقدية بيَّن الله أن ذلك لا عقل، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14]. ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر:14].
فمَن حرصَ على الوحدة السياسية قبل تأسيس الوحدة العَقدية؛ فهو من الذين لا يعقلون، وهو سائرٌ على هدي اليهود الملاعين الذين تنكبوا هديَ سيد المرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وسرُّ ذلك أنه اعتنى بصلاح ظاهره، وباطنه خراب! فأنَّى له الانتصارُ على العدو؟!!
ومن غريب الموافقات أن هذا هو منهجُ مَن سموا أنفسهم (حركيين)، وهم بهذا يكونون قد دلونا على أنه لا عقولَ لهم!! لأن أصلَ دعوتهم مؤسسٌ على الإصلاح السياسي قبل كل شيء!! حتى العقيدة! وإن زعموا ما زعموا من أنهم في حرصٍ حريصٍ عليها.
وقد أجمع الفقهاء -كلهم- على أن العقلَ شرطٌ في اختيار ولي الأمر؛ فإذا كان هؤلاء قد دلَّ القرآنُ على أنهم لا عقولَ لهم؛ فكيف يكونون ولاةً للأمور، ولا عقلَ لهم؟! وقد أجمع الفقهاء على أن العقلَ شرطٌ في اختيار ولي الأمر.
واعلم أن فرضَ التعددية الحزبية على الدول الضعيفة هو لونٌ من ألوان الاستعمار الجديد، وذلك لما في هذه التعددية الحزبية من تحقيق مبدأ الاستعمار القائل: (فَرِّق، تَسُد).
وقديمًا مزَّق المملكة الإسلامية إلى دُول بل إلى دويلات مستقلٍ بعضها عن بعض حتى أضحت كل دويلة ترى نفسها شعبَ الله المختار!! فأنت تجد كل بلاد مسلمة تذم أختها إلا ما شاء الله حتى لا ترى على وجه الأرض أحسنَ من نفسها.
واليوم يُمَزِّق الاستعمارُ الجديدُ الدُوَيْلةَ المسلمةَ الواحدةَ إلى أحزاب و ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:32].
وقد فعل بهم هذا؛ لأنه ضاق ذرعًا بالدعوة الإسلامية التي تُدخل في دين الله من الملل الأخرى في كل سنة أعدادًا كبيرةً؛ فاهتدوا إلى وسيلة التعددية الحزبية؛ ليظفروا من المسلمين بأمرين:
الأول: صرفُ الدعاة عن الدعوة الولود بإشغالهم بالمهاترات البرلمانية العقيمة؛ لأن في العمل السياسي شغلاً يُنسي ممارسة الدين بالدعوة إلى سبيل الله القويم.
في العمل السياسي شغلٌ يُنسي ممارسه أهلَه خاصة؛ فكيف بدعوة الناس عامة؟!!
والثاني: إطماعهم في الرئاسة بغيةَ تقريبهم مما يُسَهِّلُ تفريقَ صفهم؛ إذ قضت التجربة أنه ما فُتح باب التحزب السياسي إلا اختلف داخلوه، ولو كانوا أهلَ دينٍ واحدٍ، وشريعةٍ محكمةٍ واحدةٍ.
والواقعُ بين ناظريكَ، وكلُّ أمةٍ متفرقةٌ؛ فهي أمةٌ فاشلةٌ ضعيفةٌ، قال ربنا -جلت قدرته- : ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال:46]؛ فكلُّ أمة متفرقة هي أمة فاشلةٌ ضعيفة.
وقد روى الإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" عن الحسن، قال: (شهدتهم يومَ تراموا بالحصى في أمر عثمان حتى جعلتُ أنظر فما أرى أديمَ السماء من الرَّهَد! -أي من الغُبار- فسمعتُ كلامَ امرأةٍ من بعض الحُجَر؛ فقيل لي: هذه أم المؤمنين، فسمعتها تقول: إنَّ نبيكم -صلى الله عليه وآله وسلم- قد بَرِئَ ممَن فرَّق دينَه واحتزب).اهـ
قال عبدالله بن الإمام أحمد: قال مُؤَمَّلُ: هي عائشة، والصوابُ -يقول عبدالله-: أم سلمة.
تقولُ فيما سمعتْ من نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قد بَرِئَ ممن فرَّق دينَه واحتزب.
فهذا الأثر العجيب يُعد غنيمةً ثمينةً نغتنمها في هذه الأيام؛ لأن أم المؤمنين -رضي الله عنها- علمتْ ما بين التحزب والتفرق من صلةٍ فَقَرَنَتْ بينهما.
تأمل؛ فإن عامةَ كلامِ السلف يخرج على هذا النمط: لفظه قليل، ومعناه ثقيلٌ جليلٌ.
ولذلك وجدنا العَلمانيين في كثير من بلاد المسلمين قد اجتهدوا في توقيف توسع الإسلام، ووأد نشاطه فلم يُفلحوا في كبير شيء، بعد أن تمكنوا من كل شيء!!
فأوحى إليهم الشيطانُ بهذه الفكرة؛ ليبثوها في المسلمين، ألا وهي (الحزبيةُ السياسية): تُفَرِّق الأمة، وتُشتت شملَها، وتُمَزِّق صلاتِ أبنائها، وتجعلهم بِدَدًا، شَذَرَ، مَذَرَ: يتقاتلون! يتهارجون! يتهارشون! وكلهم إذا مُدت الأيدي بالسلاح، لا يعلم القاتلُ لمَ قتل؟! ولا يعلم المقتولُ فيما قُتل! كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
(الحزبية السياسية) سماها أولئك لهؤلاء، أسامي زُور، ودلاهم فيها الشيطانُ بحبل غرور؛ فقال: هذا سبيلُ العدل، وشفافية العدل، وحرية التعبير، وديمقراطية التفكير، وصيانة حقوق الإنسان، وضمان عيش الأقليات بأمان، كلُّ ذلك؛ ليدخلوهم في صراعٍ مع حكوماتهم وهم يتفرجون.
فكلُّ مخالفٍ لهم: إما أن يغروه بدفعه لاستعمال العنف في بلاده؛ فإذا استجاب أَغْرَوْا به دولته لتبطش به؛ فيضربون هذا بهذا، والكاسِب هو الشيطانُ الرجيم.
وإما أن يزينوا له الدخول تحت (اللعبة الديمقراطية)!! فجاء مَن كانوا في قومهم داعين إلى الله كالأنبياء؛ فزهَّدهم الشيطانُ في دعوة الأنبياء، وقال لهم: إلى متى وأنتم في المساجد كالدراويش، والناسُ يتقاسمون المُلك؟!!
زهّدهم الشيطانُ في دعوة الأنبياء، وقال لهم: إلى متى وأنتم في المساجد كالدراويش، والناسُ يتقاسمون المُلك؟!!
فاستنزلوهم من عَليائهم، واستُنزلوا إلى برلماناتهم، وأُلقي إليهم منها عظمٌ هزيلٌ؛ ليُشْغَلُوا به لكن بالشم والتقبيل؛ فبينما هم عليه يقتتلون، إذ حُرمَ الناسُ من إرشادهم، كما حُرموا هم أنفسهم من الاستقامة التي كانوا على شيء منها من قبل!! فكانوا كمَن ذهبَ يصيدُ؛ فصِيدَ! وقد قِيلَ اليوم: (السياسةُ لا دينَ لها!).
ولذلك ترى كلُّ مَن دخل هذا البرلمان -بلا استثناء- يُجرَّد من دينه شيئًا فشيئًا حتى لا يبقى له من دعوته إليه سوى الشعارات والدعاوى العريضة.
نزلوا، ثم ضلوا، ثم زلوا، وقد قِيلَ: رُبَّ عَطَبٍ تحت طَلَبٍ.
وحُجةُ كل حزب منهم ترديدُ قولٍ واحدٍ: إلى مَن تتركون البرلمان؟!! ولم يتساءلوا إلى مَن تتركون دعوةَ الناس إلى الرحمن؟!!
بل لو سألوا أنفسهم سؤالاً واحدًا لزالت عنهم الحَيرة، هذا السؤالُ هو:
هل قام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالإصلاح الذي قام به عن طريق الإصلاح السياسي أم عن طريق الإصلاح التربوي العَقَدي؟!!
هذا سؤالٌ مطروحٌ، هل قام رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بالإصلاح الذي قام به عن طريق الإصلاح السياسي أم عن طريق الإصلاح التربوي العَقَدي؟!!
بطريقةٍ أخرى، يُقال: هل بدأ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بإصلاح دولته أم بدأ بإصلاح شعبه؟!
دولةٌ، وشعبٌ..حكومةٌ، وشعبٌ.. بَرْلَمانٌ، وشعبٌ.
هل بدأ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بإصلاح دولته أم بدأ بإصلاح شعبه؟!
سؤالٌ جوابُه لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عَنْزان!
إن إخلاصَ المرء في نُبْل هدفه الذي هو تحقيقُ قيامِ الدولةِ الإسلاميةِ لا يُعفيه من النظر في الطريقة النبوية للوصول إلى ذلك المقصود.
نُبْلُ الهدفِ وحدَه لا يكفي! قد يكونُ المرءُ نبيلَ الهدفِ جدًا، يخوضُ إلى الشاطئ بِركَةً من الوَحْلِ والطين، وهو يحسب أنه سيصل إلى الشاطئ نظيفَ الثَوب والبدن!! وهيهات! وأنَّى يكونُ ذلك؟! وهو يخوضُ إليه بِركَةً من الوَحْلِ والطين!
إن إخلاصَ المرءِ في نُبْلِ هدفِه الذي هو تحقيقُ قيامِ الدولةِ الإسلاميةِ لا يُعفيه من النظر في الطريقة النبوية للوصول إلى ذلك؛ لأن الإخلاصَ لله -وحده- لا يكفي لنيل القَبول عنده.
أرأيتَ لو قِيلَ لمَن يذكرُ الله -تبارك تعالى- بطريقةٍ بِدعِيةٍ: اترك هذا الذِّكرَ، واذكر الله بطريقةٍ سُنية، أفيجوزُ له أن يقول: إنَّ قائلَ هذا لا يحب الذِّكرَ!!
فكذلكَ إذا قِيلَ لهم: ويحكم!! تنكبتم سبيلَ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، استدبرتم الهديَ النبوي، استدبرتم الطريقَ المحمدي، وإنما تسيرون في طريق اليهود؛ فهم الذين يحرصون على الإصلاح السياسي، ولا يلتفتون إلى الإصلاح العَقَدِي التربوي ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر:14]. وبيَّن الله -رب العالمين- تبعًا أنهم قومٌ لا يعقلون.
فكذلكَ لا يُقال: إنّ مَن لا يشارك في البرلمان لا يحبُ قيامَ دولةِ الإسلام؛ لأنه يستحيل أن يُوجدَ مسلمٌ صادقٌ يكره دولةَ الإسلامِ، وإنما قال الله -عز وجل- هذا في الكفار.
فالكفار هم الذين يكرهون قيامَ دولةِ الإسلام؛ فيستحيل أن يُوجدَ مسلمٌ صادقٌ يكرهُ دولةَ الإسلام، قال -جل وعلا-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد:9].
ولا يُقال: كيف تصلون إلى تحكيم الشريعة إذا لم تشاركوا في البرلمان؟!!
ولكن يُقال: هل شاركَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كفارَ قريشٍ في حكمهم حتى وصل إلى تحكيم شريعة الرحمن؟!! هذا هو اللسانُ الصادقُ لأهل الاتباع الصادق.
إنّ لسانَ حال الأحزاب يقول: إن الله لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بحكوماتهم!! فلذلك تسابقوا إلى الكرسي، والله -جل وعلا- يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11].
قد رأى العالمُ -كلُّه- الحالةَ المُذْرية التي وصلت إليها بعضُ الشعوبِ التي ترامى دعاتُهم بين أحضان مطامع التعددية الحزبية، والركضِ وراءَ الصناديق الزجاجية، توهموا أنهم بذلكَ يزاحمون العَلمانية، مع أن العَلمانيةَ هي صاحبةُ المَأدُبَة!
فدخلوا بحزبهم -كما دخل غيرُهم بأحزابهم- في صراعٍ سياسي فيما بينهم، وكذا بينهم وبين دولتهم، انتهى بهم ذلك الصراع إلى وَهَن الدعوة الإسلامية، وعودَ الجهل الذريع إلى الشعوب حتى عُبدَ اللهُ بشر البدع!! لأن الدعاةَ الذين كان من المفترض أن يكونوا نُخبةَ مجتمعاتهم أصبحوا مشغولين بالسياسة!!
وفي بلادٍ أخرى حصل هذا مع زيادةٍ في الشر، وهي تحويل البلاد بطولها وعرضها إلى أوديةٍ من الدماء إلى يوم الناس هذا، وهم إلى الآن يبحثون عن الأمن لو يُشترى.
أفي مثل هذه الصور من الفتنة، يُقال: أيدوا! أيدوا! فأصواتُكم تُسألون عنها يومَ القيامةِ؟!!
أهذا يُقال في مثل هذه الصور من الفتنة؟!
كلُّ هذا سائقه الجهل بالفرق بين الجهاد والفتنة، وهو الذي وراء هذا الخَبْطِ والخَلْطِ، والله المستعان.
إنّ الدعاةَ الذين كان من المفترض أن يكونوا نُخبةَ مجتمعاتهم أصبحوا مشغولين بالسياسة، والسياسةُ لها رجالُها، وقد قِيلَ فيها في هذا العصر: إنها لا دينَ لها!!
فهؤلاء يبحثون عن الإصلاح السياسي، وهذه المشكلةُ في هذا الصراع المُحتدم مشكلةٌ ثنائيةٌ:
أما الأولى: هل الإصلاحُ يتم عن طريق إصلاح الحاكم، أو عن طريق إصلاح الأمة؟
والثانية: إذا كان لابد من الممارسة السياسية، فمَن هم أهلُها؟
الجوابُ عن المشكلة الأولى، وهي: هل الإصلاحُ يتم عن طريق إصلاح الحاكم، أو عن طريق إصلاح الأمة؟!
هل الإصلاحُ يتم عن طريق إصلاح الحاكم، والشعبُ على ما هو عليه من الفساد، وما وصل إليه من الأخلاق المُتَرَدِّيَة، والأوضاع الوَضيعة الرَّدِيَّة، وما تربى عليه من مَرْذُولِ العادات، وسيء النِّحْلات، وما صار إليه من الهُوَّةِ الهاوية من الأخلاق الهابطة المُرْدِيَةِ الرَّدِيَّةِ!!
هل الإصلاحُ يكون بإصلاح الحاكم، أو يكون بإصلاح الأمة؟!
الجوابُ في نصِ آيةٍ وحديثٍ، ولا اجتهادَ مع النص.
قال ربنا -جلت قدرته-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11].
ما أوضحَه من بيان!! لكن مع وضوحِه، فأكثرُ مَن تسموا بأسماء حركاتٍ إسلاميةٍ قد اجتهدوا! ولا اجتهادَ مع النص، وجاء لسانُ حالهم يقول: إن الله لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بحكوماتهم!! ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، غاضِّين الطَّرْفَ عن السيرة النبوية المفسرة لهذا البيان، غافلين عن أنه لا عزَّ لهم حتى يتحكم الدين في نفوسهم؛ لحديث ابن عمر -رضي الله تبارك وتعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذنابَ البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط اللهُ عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم". رواه أبو داود، وهو حديثٌ حسنٌ.
هذا حُكمُ الله، وهذا حُكم رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [الجاثية:6].
فاحذروا -أي إخواننا- من رد الحق تحاكمًا إلى واقعكم، أو اغترارًا بتجربتكم، أو إرضاءً لنُخالة أذهانكم.
أو ليس قد حكم الله ألا تمكينَ في الأرضِ، ولا استخلافَ، ولا أمنَ، ولا نصرَ إلا بأمة، وأيُّ أمةٍ؟!! إنها أمةُ العبادةِ مع توحيدٍ خالصٍ.
حكم اللهُ ألا تمكينَ في الأرض، ولا استخلافَ، ولا أمنَ، ولا نصرَ إلا بأمة، وأيُّ أمةٍ؟!! إنها أمةُ العبادةِ مع توحيدٍ خالصٍ.
فاقرأ كلامًا لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفِه ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:42]، الذي قال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور:55].
أمة العبادة مع التوحيد الخالص هي الأمةُ الموعودة بالاستخلاف في الأرض، والتمكينِ فيها، وأن تُبدلَ من بعد خوفِها أمنًا مع النصر والعزة، مع الارتفاع والرفعة (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)؛ فهذا هو السبيل، بيَّنه العليُّ الجليل.
وأما المشكلةُ الثانية، وهي: إذا كان لابد من الممارسة السياسية؛ فمَن هم أهلُها؟
لا حاجةَ إلى تقرير أنه من المقرر في دين الله -رب العالمين- ومن الثابت فيه الذي لا اختلافَ حولَه أن السياسيةَ من الدين، لا حاجةَ إلى تقرير أن السياسةَ من الدين، قال اللهُ -جل وعلا-: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾ [النساء:105].
وأخبرَ أن تعطيلَ الشريعة اتباعٌ للهوى؛ فقال -جل وعلا-: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة:48].
فتعطيلُ الشريعة اتباعٌ للهوى، وليس تعطيلُ الشريعة إلا جاهليةً مَقِيتَةً، قال اللهُ -جل وعلا-: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50].
أما سببُ فشل الحركات الإسلامية اليومَ في إصلاح هذا الفساد العام؛ فهو خطؤها طريقَ الإصلاح، حيثُ دخلت المُعْتَرَكَ السياسي، وجعلته أصلَ عملها التغييري، مهما زعم كلٌّ منها سلامةَ المنهج، وشموليةَ الدعوة، وإحكامَ التنظيم.
وممارسةُ السياسية اليوم عملٌ لا يدخله إلا مَن استدرجه الشيطانُ؛ ليهلكَه في أسوأ الخواتيم؛ فأقنعه بأنه لا يجوز تركُ هذه الوظائف للفُسّاق والعَلمانيين، وأنه لا يجوز للمسلم أن يتقوقع حولَ نفسه، وأن قانونَ فلانٍ الشيوعي كاد يُطبق في بلادٍ ما لولا وجود الوزير الفلاني، إلى غير ذلك من زخرف القول الذي لم يُؤسس على النظر الشرعي بقدر ما أُسس على النظر الواقعي مع إغماض؛ إذ الصادقُ في تأمله يرى قومًا دخلوا ليغيروا؛ فتغيروا!!
الصادقُ في تأمله يرى قومًا دخلوا ليغيروا؛ فتغيروا!! وحقَّ فيهم قولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَن أتى بابَ السلطان، افتُتن". رواه أحمد، وأبو داودَ، والنسائي، والترمذي، والبيهقي في "الشُّعَب"، وهو صحيحٌ.
ودليلُ المنعِ من مخالطتهم عند ممارساتهم لسياساتهم الجائرةَ، هو قولُ الله -جل وعلا-: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء:140].
(إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ): وقدّمهم في الذِّكر على الكافرين!
(إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا): نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.
عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، قال: كان سعدُ بن أبي وقَّاص في إبله؛ فجاءه ابنُه عمر؛ فلما رآه سعدُ قال: أعوذُ بالله من شر هذا الراكب. فنزل فقال له: أنزلتَ في إبلكَ وغنمكَ، وتركتَ الناس يتنازعون المُلكَ بينهم؟! فضربَ سعدٌ في صدره؛ فقال: اسكتْ، سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "إن اللهَ يحب العبدَ، التَّقيَّ، الغَنيَّ، الخَفيَّ". رواه مسلمٌ.
إذا تعارضت مصلحتُكَ الدينية مع مصلحة غيرِكَ؛ فقدِّم مصلحتكَ ما دام في الجمع بينهما خِيفَةٌ على النفس. قال ربنا -جلت قدرته-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة:105].
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: بينما نحن عند رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ ذكروا الفتنةَ أو ذُكرتْ عنده، قال: "إذا رأيتَ الناسَ قد مَرَجَت عهودُهم، وخَفَّت أماناتُهم، وكانوا هكذا" -وشَبَّك بين أصابعه- قال: فقمتُ إليه؛ فقلتُ له: كيف أفعلُ عند ذلك جعلني اللهُ فداكَ؟ قال: "الزمْ بيتكَ، واملكْ لسانكَ، وخُذْ ما تعرف، ودعْ ما تُنكر، وعليكَ بأمر خاصة نفسِكَ، ودعْ عنكَ أمرَ العامة". رواه أحمد، وأبو داودَ، والحاكم، وهو صحيحٌ.
فإن قِيلَ: ولكنَّ المجتمعَ في حاجة إلى هذه المناصب، فما الجواب؟!!
يجيءُ بعون الله -رب الأرباب- والله المستعان، وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أمّا بعدُ:
فإن قِيلَ: ولكنَّ المجتمعَ في حاجة إلى هذه المناصب؛ فالجوابُ: نعم، ولكن بشرط ألا يمتهنَ المرءُ فيها دينَه!! لأنه إن رَضِي لنفسه أن يكون حَطَبَ جهنم في سبيل إنقاذ غيره؛ فإن له أسوةً بمَن قال فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لابدَّ للناس من عَريف، والعَريفُ في النار". رواه أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين"، ورواه غيرُه، وصححه العلامةُ الألباني -رحمه الله- كما في "السلسلة الصحيحة".
(لابدَّ للناس من عَريف، والعَريفُ في النار): ومعناه: أنَّ مَن لم يمكنه أن يحظى في عمله إلا بمفسدةٍ محضة أو راجحةٍ ورأى دينه إلى نقصان كأن يُضطرَ إلى ترك الواجبات؛ فليسارع إلى إنقاذ نفسه حتى لا يكونَ جسرًا يُقطعُ به إلى الجنة، وعند الباب -باب الجنة- تقع الفُرقة!! نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.
ويكفيه في قضاء حوائجه هؤلاء العُرفاء الذين لا يخلو منهم مجتمع، وإن كانوا على الوصف الذي سبق في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه ليس كلُّ ما ينبغي أن يُوجدَ يجبُ أن تكونَ عضوًا فيه أو إحدى أدواته.
ليس كلُّ ما ينبغي أن يُوجدَ يجبُ أن تكونَ أنت عضوًا فيه أو أن تكونَ إحدى أدواته.
أو ما رأيتَ ما جاء في الصحيحين أن رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن اللهَ ليؤيدُ هذا الدينَ بالرجل الفاجر".
"إن اللهَ ليؤيدُ هذا الدينَ بالرجل الفاجر"، فإن قِيل: ومَن يقضي لكم حوائجكم إنْ شَحَّ العُرَفاءُ؟!
الجواب/ قال الله -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:3].
وهذا الحُكم تابعٌ لبيئةٍ قد تمحضَ فيها الشرُّ أو رجح.
وليس هذا بِمُدْلٍ ولا هو بِأَيِلٍ إلى عدم النصيحة لولاة الأمور بالطريق المشروع، وكذلك يقع مما ينفع اللهُ به ممن يعينُ على الخير، وقد فعلَ ذلك يوسفُ -عليه السلام- من قبل حين قال: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف:55].
كما أن سيرةَ السلف في الإخلاص في لولاة الأمور، وعدم غشهم فيها معروفة.
وإنما التحذير من سياسة مدِّ الجسور التي عند (الإخوان المسلمين)، أو ما رأيتم ما أصابهم من رقةِ دينٍ وفتنةٍ فيه؟!!
هذا وهم من أغش عباد الله لحكامهم، في الوقت الذي يظهرون لهم التجاوبَ التامَ مع الأوامر بدليل أنهم ما يجدون فرصةً للانقضاض على سلطانهم إلا فعلوا: إما ببيعات، وإما بتحزبات، وإما بانتهاز أوقات الثورات، إلى آخر السلسلة الملعونة!!
فينبغي عليكَ أن تفزعَ إلى كتاب ربك، وسنة نبيك -صلى الله عليه وآله وسلم-.
الناسُ لا غنى لهم عن شريعة الله، وحاجةُ الناسِ إلى الشريعة ضروريةٌ فوق حاجتهم إلى كل شيء، ولا نسبةَ لحاجتهم إلى علم الطب إليها!
ألا ترى أن أكثر الناس يعيشون بغير طبيب؟! ولا يكون الطبيب إلا في بعض المدن الجامعة.
أهل البدو كلهم، وأهل الكفور كلهم، وعامة بني آدم لا يحتاجون إلى طبيب، وهم أصحُّ أبدانًا، وأقوى طبيعةً ممن هو متقيدٌ بالطبيب، ولعل أعمارهم متقاربة.
وقد فطرَ اللهُ -رب العالمين- بني آدم على تناول ما ينفعهم، واجتناب ما يضرهم، وجعلَ لكل قومٍ عادةً وعُرفًا في استخراج ما يهجمُ عليهم من الأدواء؛ حتى إن كثيرًا من أصول الطب إنما أُخذت عن عوائد الناس وعُرفهم وتجاربهم.
وأما الشريعةُ: فمبناها على تعريف مواقع رضا الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية، فمبناها على الوحي المحض: على كتاب الله وسنة رسول الله.
الحاجةُ إلى الشريعة أشدُّ من الحاجة إلى النَّفَس! فضلاً عن الطعام والشراب؛ لأن غايةَ ما يُقدرُ في عدم التنفس والطعام والشراب، موتُ البدن وتعطلُ الروح منه، وأما ما يُقدّرُ عند عدم الشريعة؛ ففسادُ الروح والقلب جملةً وهلاكُ الأبد! وشتان ما بين هذا، وهلاك البدن بالموت.
فليس الناسُ -قط- إلى شيءٍ أحوجَ منه إلى معرفة ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
الناسُ يحتاجون إلى معرفة ما جاء به رسولُ الله، لا يحتاجون إلى ما أسسه (مارْكِس)! ولا (أَنْجِلْز) ولا الليبراليون، ولا الديمقراطيون.
لا نحتاجُ نحن إلا إلى كتاب الله وسنة رسول الله؛ فإن عرفنا ذلك واعتقدناه، وعملنا به، ودعونا إليه، وتمسكنا به، وجاهدنا عليه، رفعنا الله -رب العالمين- فوق السحاب! وجعلنا اللهُ -رب العالمين- هامةَ الأمم، وأذلَّ اللهُ -رب العالمين- بأهل الإسلام أهلَ الشرك في كل مكان.
ليس الناسُ -قط- إلى شيءٍ أحوجَ منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- والقيامِ به، والدعوةِ إليه، والصبرِ عليه، وجهادِ مَن خرج عنه حتى يرجعَ إليه، وليس للعَالمِ صلاحٌ بدون ذلك البتة، ولا سبيلَ إلى الوصولِ إلى السعادةِ والفوزِ الأكبر إلا بالعبورِ على هذا الجسر.
وكلُّ مَن دلَّ على غير هذا السبيل؛ فهو ضالٌ مُضلٌ، فهو غَوِيٌّ مارِق، إنما يريدُ أن يحرفَ الأمة عن الصراط المستقيم الذي ينبغي أن تكونَ عليه.
واعلموا -عباد الله- أن اللهَ -رب العالمين- جعل من سنته في خلقه، وجعل -تعالى- من حكمته في الناس أن جعلَ ملوكَ العباد، وأمراءهم، وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم؛ فإن استقاموا استقامت ملوكُهم، وإن عَدَلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكُهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكرُ والخديعةُ؛ فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوقَ الله لديهم، وبخلوا بها منعت ملوكُهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا به عليهم، وإن أخذوا -أي أخذت الرعيةُ ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملاتهم- أخذت منهم الملوكُ ما لا يستحقونه، وضربت عليهم المكوسَ والوظائفَ والضرائب، وكلُّ ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوكُ منهم بالقوة؛ فعمَّالُهم ظهرت في صور أعمالهم.
وليس في الحكمة الإلهية أن يُوَلَّى اللهُ -رب العالمين- على الأشرار الفجار إلا مَن يكونوا من جنسهم، ولما كان الصدرُ الأولُ خيارَ القرون وأبرَّها كانت ولاتُهم كذلك، فلما شابوا شابت لهم الولاة.
فحكمةُ الله تأبى أن يُوَلَّى علينا في مثل هذه الأزمان مثلُ معاوية وعمر بن عبدالعزيز فضلاً عن مثل أبي بكرٍ وعمر، بل ولاتُنا على قدرنا، ولاتُنا على قدرنا.
فعلينا أن نُصلحَ أنفسنا؛ لأن ولاتنا على قدرنا، وولاةُ مَن قبلنا على قدرهم، وكلٌّ من الأمرين جارٍ على مقتضى الحكمة الإلهية، واللهُ -رب العالمين- هو العليمُ الحكيم.
فاحذرِ التلبيسَ والتدليسَ!!
احذرْ أنْ تدخلَ فيما ليس لكَ فيه مدخل، وأنْ تتكلمَ فيما ليس لكَ به علم؛ فإنْ تكلمَ المرءُ في غير فَنِّه أتى بالعجائب!! مَن تكلمَ في غير فَنِّه أتى بالعجائب!!
وأنتَ اليومَ ترى كثيرًا ممَن اسْتُذِلُّوا عن منهج السلف! وكان بعضُهم قَبْلُ عليه قائمًا، وإليه داعيًا؛ فصار داعيًا إلى ضده، وقائمًا على نقيضه، واسْتَزَلَّهُ الشيطانُ الرجيم.. وإخوةٌ له يقاربوه يتكلمون فيما لا يُحسنون.
ولهم عندنا مثالٌ مضروب: أولئكَ (شيوخُ الصامولة!!).
كنا في عهد الصِّبا في الستينيات، كانت قلوبنا -خِداعًا ومَكرًا من غيرنا- تصغوا إلى المعسكر الشرقيّ، وتنأى عن المعسكر الغربيّ؛ لأن الذين كانوا يقومون على الأمر يومئذ كانوا يرتمون في أحضان المعسكر الشيوعيّ.
فكان الإعلامُ يُوجِّهُ إلى ذلكَ المعسكر، ويُبغِّضُ في المعسكر الغربيّ، (وما أسَّخَم من سِتِّي إلا سِيدي!).
كذلك كنا في الصِّبا؛ فكنا نتمنى -دائمًا- عُلوَ المعسكر الشرقيّ على المعسكر الغربيّ.
قامَ المعسكرُ الشرقيّ الشيوعيّ بإطلاقِ ما عُرف (بسفن الفضاء)؛ فابتهجتْ نفوس! فما هي إلا أُوَيْقَات حتى صار المعسكر الغربي إلى إطلاق (سفن فضاء) أيضًا..
قال لي بعضُ الحكماء من الفلاحين -وكان فصيحًا ممُن يُقال له: الفلاحُ الفصيحُ-: قال لي: تعرف يا فلان!
قلتُ: إي نعم يا عمِّ الحاج! ما ذاك؟!
فقالَ: لقد أطلقَ الغربُ -يعني أمريكا- سفينةَ فضاءٍ.. فامتعضتُّ!
قال: أبشرْ، لقد تعطلتْ في الفضاء.
قلتُ: وما صنعوا؟
قال: لم يجدوا أمامهم من سبيل إلا أن يستغيثوا بالروس.
قلتُ: وهل أجابوهم؟!
قال: إي نعم، أَرِيحيةً ونجدةً!
قلتُ: فما صنعوا؟
قال: أرسلوا سفينةَ فضاءٍ لإصلاح العاطبةِ التي تَمُتُّ إلى معسكر الغرب.
قلتُ: وأصلحتها؟!
قال: نعم، أصلحتها في ثوانٍ!
قلتُ: وما كان بها من عَطَب؟
قال: ما وجدوا إلا شيئًا يسيرًا.. كانت هنالك (صامولة) قد فُكَّت؛ فَأَرَّطُوا عليها!
الشيوخُ الذين يتكلمون في السياسة الآن.. من (شيوخِ الصامولة!!)..
للسياسيةِ رجالُها!!
ينبغي علينا أن نبيَّنَ التوحيدَ والاتباع للأمّة، وأن نبدأَ بالإصلاح العَقَدِيّ، لا بالإصلاح السياسي، وإلا تنكبنا سبيلَ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فاحذرْ أن تكونَ من (شيوخ الصامولة!!).
واللهُ يرعاكَ ويحفظكَ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
22 من ذي القعدة 1432هـ، الموافق 20/10/2011م.