كلمة "ييأس" تأتي بمعنى يعلم ويتبين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد قال تعالى في سورة الرعد: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره (ص: 418):
يقول تعالى مبينا فضل القرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا} من الكتب الإلهية {سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} عن أماكنها {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ} جنانا وأنهارا {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} لكان هذا القرآن. {بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعًا} فيأتي بالآيات التي تقتضيها حكمته، فما بال المكذبين يقترحون من الآيات ما يقترحون؟ فهل لهم أو لغيرهم من الأمر شيء؟.
{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} فليعلموا أنه قادر على هدايتهم جميعا ولكنه لا يشاء ذلك، بل يهدي من يشاء، ويضل من يشاء {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا} على كفرهم، لا يعتبرون ولا يتعظون، والله تعالى يوالي عليهم القوارع التي تصيبهم في ديارهم أو تحل قريبا منها، وهم مصرون على كفرهم {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} الذي وعدهم به، لنزول العذاب المتصل الذي لا يمكن رفعه، {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} وهذا تهديد لهم وتخويف من نزول ما وعدهم الله به على كفرهم وعنادهم وظلمهم". انتهى.
فقوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} بمعنى: أفلم يتبين ويعلم الذين آمنوا أن لو شاء الله لهدى الناس جميعاً فلم يضل أحداً منهم؟!
وهذا قول أكثر المفسرين، وحكاه ابن جرير إجماعاً، ولكن ذهب بعض المفسرين أن كلمة "ييأس" على بابها من الإياس من أن يهدي الله جميع الناس لما اقتضته حكمته من وجود الخير والشر، والكفر والإيمان.
وكلا المعنيين صحيح، ومؤداهما واحد وهو أن الله عز وجل قدر أنه لن يهدي جميع الناس، بل منهم المؤمن ومنهم الكافر.
ولكن المعنى الأول لكلمة "ييأس" أشهر عند السلف، وكانت قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وهكذا كانت في مصحف أبي بن كعب {أفلم يتبين الذين آمنوا} ، ثم نسخت هذه القراءة وبقي معناها.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه: أسامة بن عطايا العتيبي
19/ رجب/ 1437 هـ