من دعاء عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه
عن سعيد بن جبير قال: حدثنا أبو الهياج الأسدي قال: رأيت شيخا يطوف بالبيت وهو يقول: "رب قني شح نفسي، رب قني شح نفسي"، لا يزيد عليه، فسألت عنه، فقيل: عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فأتيته فذكرت ذلك له، فقال: " إني إذا وقيت شح نفسي وقيت السرقة والخيانة، وغير ذلك ".
رواه البغوي في معجم الصحابة، وابن أبي شيبة، والفاكهي في أخبار مكة، وابن جرير في تفسيره، وابن عساكر في تاريخ دمشق وسنده صحيح، واللفظ للفاكهي. وفي لفظ غيره: "اللهم قني شح نفسي"
وفي لفظ: "إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل شيئًا"
ورواه الفاكهي من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إن رجلا حدثه قال: بينما أنا أطوف بالكعبة-فذكر نحو الحديث الأول، وزاد فيه- قال: " يقول الله عز وجل: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9] إن من الشح أن يشح على معاصي الله فيعمل بها". وسنده حسن، والمبهم هو أبو الهياج الأسدي.
ذكر ابن رشد في البيان والتحصيل (4/34-35) مسألة: وقال مالك: زعموا أن عبد الرحمن بن عوف اتبعه رجل في الطواف، أي حول البيت فرآه يكثر من قوله اللهم قني شح نفسي، فلما فرغ قال له الرجل: رأيتك تطوف فتقول: اللهم قني شح نفسي، فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] .
قال محمد بن رشد: رضي الله عن عبد الرحمن بن عوف، فإن الذي دعا به أحسن ما يدعى به؛ لأن فيه جماع الخير كله من بذل المال في ذات الله تعالى، وإتعاب الأنفس والجوارح في العبادات كلها من الصيام والصلاة والحج والجهاد وسائر أعمال الطاعات؛ لأن في تقصير العبد في شيء من ذلك إبقاء على نفسه وترفيها له عنها، فإذا لم يشح بنفسه وجسمه في ذلك بلغ الغاية في جميع الأعمال والعبادات، كما أنه إذا لم يشح بماله بذله لله في مرضاته".
اللهم قنا شح نفوسنا..
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
17/ 11/ 1444هـ