منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-12-2020, 07:22 PM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي غير متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,362
شكراً: 2
تم شكره 271 مرة في 211 مشاركة
افتراضي تفريغ: لقاء مفتوح حول قضية الصلح مع دولة اليهود حسب الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن تلاعب أهل البدع والأهواء والانحلال الأخلاقي





بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ الحَمدَ لله، نَحمَدُهُ، ونَستعِينُهُ، ونستغفرُهُ، ونعوذُ بالله مِن شُرُورِ أنفسنا، وسيئاتِ أعمَالِنَا، مَن يَهدِه الله فَلَا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هَادِي لَهُ، وَأشهَدُ أَن لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70 - 71].
أمَّا بَعدُ:
فَإنَّ أَصدَقَ الحَديثِ كَلامُ الله، وخيرَ الهَدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكُلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ فِي النَّارِ.
وبَعدُ:
ألتقي معكم هذه الليلة في هذه المحاضرة، والتي بعنوان:
لقاء مفتوح حول قضية الصلح مع دولة اليهود
حسب الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن تلاعب
أهل البدع والأهواء والانحلال الأخلاقي
إن قضية الصلح بين المسلمين والكفار من المسائل الشرعية التي ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته قولا وعملا، وجرى على ذلك عمل المسلمين في جميع الأعصار، فعمل المسلمين في جميع الأعصار على هذا الأمر وهو مشروعية الصلح مع الكفار، وهذا الأمر مجمع عليه بين الفقهاء، حتى أهل البدع والانحراف يقومون بهذا الصلح، حتى الذين يغدرون من الخوارج وأشباههم أيضا يقومون بالصلح عند الحاجة إليه.
يعني قضية أن فئة تطالب بالصلح مع الكفار لغرض من مصلحتهم، سواء كان جلب مصلحة أو دفع مفسدة، عند حاجتهم أو اضطرارهم لهذا الصلح، فهذا ليس موضع نزاع بين الأمم وبين الناس، حتى الكفار يقومون به بينهم ويفعلونه، فهذا من الأمور الاجتماعية والأمور الفطرية، والأمور التي هي من أمور السياسة التي تطابقت عليها العقول؛ الصلح، والموادعة والمهادنة والسلام.
والله عز وجل يقول: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا[الأنفال:61].
وفي قراءة شعبة عن عاصم: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسِّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا.
فالسِّلم والسَّلم-بفتح السين وكسرها- قراءتان في هذه الآية.
إذن قضية الصلح قضية إجماعية لا يستطيع أحد أن يمنعها، حتى قلت لكم: أهل البدع يفعلونه.
اليوم الذين ينكرون الصلح مع اليهود، اليوم من الذي ينكر الصلح مع اليهود، أو السلام مع اليهود، لا ينكره عاقل، ونفس الذين ينكرونه هم يفعلونه.
لما استولى الإخوانيون على الحكم في مصر، بعدما يقولون انتخابات وغيرها، تعهدوا للكفار الأمريكان وغيرهم أنهم ملتزمون بجميع العقود والعهود التي عقدتها الدولة المصرية مع اليهود، جددوا العقد، إذن يرونه جائزًا.
كذلك الأتراك، لما قام العلمانيون قديمًا من أيام ما بعد أتاتورك، عند قيام الدولة اليهودية، واعتراف الأتراك بدولة اليهود، ثم بعد أن جاء أربكان قبل أردوغان، أيضا أكد على هذه العقود والعهود وأن حزب الرفاه -الذي هو منه- يحترم العقود مع اليهود، كذلك أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية الإخواني التركي العلماني أيضًا يقرون، وجددوا العهد والعقد لليهود، يعني لا تخافوا منا إذا استولينا على الحكم؛ فإننا سنقوم بما قام به أفراخ أتاتورك حذو النعل بالنعل، وحذو القذة بالقذة، يعني سنكون لكم مسالمين موادعين.
هذا الكلام الذي أقوله لكم، هذا حكاية للحقيقة والواقع.
فالإخوانيون مُطَبِّعون، ودائما ينشرون بين الناس قضية السلام، والحرية، واجتماع الأديان، ووحدة الأديان، وفي أمريكا وأوروبا هم أكثر المشاركين في مجالس حوار الأديان.
لذلك استقبلهم الغرب، واحتواهم، وغذاهم، وآمنهم، وأعطاهم الأموال، ومكنهم.
الكفار واليهود والنصارى وجدوا في هؤلاء الإخوان نعم المعين على هدم الإسلام، وأن هؤلاء يوافقونهم على ما هم عليه من الدين، دين الديمقراطية، ودين العلمانية، ودين الليبرالية، والدين الذي هم فيه.
الذين أكلمهم من الإخوة العقلاء السلفيين، وعامة الناس الذين لا يتبعون العواطف دون تحكيمها بالشرع.
إن الإخوان المسلمين، والأحزاب الضالة هذه كلها يدعون إلى السلم مع الكفار، ويداهنونهم أشد المداهنة، ويظهرون لهم المحبة أشد الإظهار.
فالآن الدول المسلمة بينها وبين أمريكا سلام، السعودية ودول الخليج ومصر والشام والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، وغيرها من الدول، كلها بينها وبين أمريكا سلام، وبينها وبين فرنسا سلام، وبينها وبين ألمانيا سلام، وبلجيكا وهولندا وروسيا وكل هذه الدول الكافرة كانت محتلة لكثير من بلاد المسلمين، وبعض هذه الدول ما زالت تحتل بعض بلاد المسلمين، فإسبانيا ما زالت تحتل سبتة ومليلة، وهما من بلاد المغرب، بخلاف احتلال الأندلس، ومع ذلك يوجد بين المغرب وبين إسبانيا سلام.
إذن الدول المحتلة، والدول الاستعمارية سابقا، وهو ليس استعمارًا بل هو استخراب، هؤلاء كلهم بينهم وبين بلاد المسلمين سلام وصلح، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، سواء كانوا الذين ممن يقيمون في بلاد المسلمين، أو ممن يتجنسون بجنسيات الدول الكافرة، يعني قمة الولاء، فهم لا يكتفون بمجرد السلام مع الكفار، بل ينضوون تحت ولايتهم بجواز السفر والجنسية، فتجد كثيرًا من زعماء الأخوان المسلمين حتى الذين يحكمون في بلادهم في البرلمانات وغيرها عندهم جنسية فرنسية أو بريطانية أو ألمانية أو أمريكية، عندهم جنسيات لكفار، ويعيشون تحت مظلة الكفار، ولاء وولاية!
هؤلاء الخونة من الإخوان مع شدة موالاتهم للكفار وتطبيعهم معهم، وإظهارهم منهجهم أنه منهج الموادعة والسلم والمحبة، وأن الذين عندهم مشاكل صنفان من الناس، فالإخوان المفلسون عندهم من الذل والخنوع والتنازل عن العقيدة والولاء والبراء والدين في بلاد الكفار ومع الكفار، لكنهم في نفس الوقت يذمون طائفتين:
- الطائفة الأولى: الحكام المسلمون، يذمونهم بالديكتاتورية، وأنهم مغتصبون للسلطة، وأنهم ظلمة، وأنهم كذا وكذا.
- الصنف الثاني: يذمون الإرهابيين، الذين هم ولّدوهم، وأمدوهم بالإرهاب، في سبيل تكفير الحكام وإثارة الكفار وإثارة الناس ضد الحكام.
فالإخوان عندهم لعب من ثلاثة وجوه:
- الوجه الأول: يظهرون للكفار أنهم أهل سلام، وأهل موادعة ومحبة، وأنهم يحبون الأديان، وحرية الأديان، كما يقول القرضاوي: الحرية قبل الشريعة الإسلامية، كذلك طارق السويدان وغيره.
فالإخوان يقولون: نحن ديمقراطيون، ونحب الديمقراطية، والليبرالية التي هي بمعنى الحرية، أبدًا عندنا حرية! هكذا يقول الإخوانيون، فهم يظهرون أنفسهم بأنهم مسالمون، موادعون، مهادنون، ومن شدة موادعتهم ومهادنتهم للكفار أنهم يتجنسون بجنسياتهم! ويدخلون في جيوشهم، وفي استخباراتهم، ويقدمون لهم الخدمات الجليلة، لأجل قضايا الكفار، حتى لو استلزم أن يضرب العسكري بالصواريخ بلدًا مسلمًا، ما عنده مشكلة الإخواني.
- الناحية الثانية: إظهار الحكام أنهم لا يريدون السلام، وأنهم هم أهل الحقد، وأنهم ديكتاتوريون، ليسوا ديمقراطيين، وأنهم... وأنهم...
وقضية تعامل الإخوان مع الحكام قضية طويلة جدًّا، إلا إذا كان الحاكم معهم، يواليهم ويحبهم، فحينئذ لا يهتمون لكل أخطاء هذا الحاكم الموجبة لتكفيره وذم حكام المسلمين الآخرين، إذا فعلها معهم حكام يمدونهم بالأموال أو يوالونهم ويساعدونهم، مثل حكومة قطر وتركيا وإيران، وكانت من قبل السودان أيام البشير، على نفس الطريقة، والغنوشي أملوا فيه أن يكون هو المسيطر وحتى ينضم إلى هذا الحلف الشيطاني، كذلك مصر لما كانت في عهد مرسي، أرادوا أن يسيطروا على بلاد المسلمين، بحيث يقدمونها لقمة سائغة للكفار والمشركين بسهولة.
- الأمر الثالث: هو دعم الإرهاب، وهو ضد ما يدعونه من السلام، وضد ما يزعمونه من صفات الحكام أنهم ديكتاتوريون ونحو ذلك.
هذه الجماعات هي من أشد الناس عملا بالديكتاتورية التي يزعمون أنها ديكتاتورية، بغض النظر عن معنى الديكتاتورية، وما يتلاعب به الإخوانيون، أنا لا يهمني اللفظة، لكن أقول: إنهم يدعمون تنظيم القاعدة، وأنشئوا داعش، وبوكو حرام، وأنصار الشريعة، وغيرها من الجماعات الإرهابية، وجبهة النصرة، وفتح الشام، وغيرها، كل هذه الألقاب للجماعات الإرهابية التي هي من تحت عباءة الإخوان، ويضربون بها المسلمين، وأحيانًا يضربون الكفار، لأجل أن يغتاظ الكفار من الحكام، لأنهم يجعلون هذه الجماعات الإرهابية منوطة بالحكام، أنهم هم الذين يغذونها وينشئونها مع الاستخبارات الغربية، ومع الصهيونية، وغيرها.
والكلام طويل في هذا الموضوع، لكن أردت أن أنبهكم أن قضية الصلح بين المسلمين والكفار لأمور أوجبتها الحاجة أو الضرورة، سواء كانت لجلب منفعة أو دفع مضرة، لا يوجد خلاف بين عقلاء بني آدم في مشروعيته أبدًا، والواقع العملي يشهد، حتى الإخوانيون سواء سموه تطبيعًا أو سلامًا أو صلحًا، هم يطبقونه تمامًا، سواء كان مع اليهود أو مع النصارى، سواء كان مع ما يسمى بدولة إسرائيل، أو الكيان الصهيوني، أو كان أي كيان آخر، فالإخوانيون يفعلونه، فإذا فعله الإخوانيون صار حلالًا، وإذا فعله غير الإخوانيين، والذين يعرفون مكر الإخوان صار ردة وكفرًا وحرامًا، وأتوا بالشبه الكثيرة الدالة على عدم مشروعية هذا الصلح وهذا السلام، ويسمونه بالتطبيع، وأنه بيع لفلسطين، وبيع للقدس، وأنه وأنه، ويأتون مثل ما تعمل النائحة المستأجرة من البكاء والعويل، وهم يفعلون هذا الصلح مع اليهود بأقبح الوسائل وأخنع الذل، سبحان الله!
إذن؛ لماذا ينكر هؤلاء الإخوان؛ وحتى السلطة الفلسطينية الآن لماذا ينكرون هذا الصلح الذي قامت به الإمارات وقامت به البحرين، لماذا ينكرونه؟ ما السبب؟
هل هو سبب ديني؟ وهل هو لأنه خيانة؟
هذا سأوضحه في نهاية المحاضرة إن شاء الله.
لكن الجواب باختصار: إنهم يحاربونه فقط لأجل أهوائهم، ومصالحهم؛ لأنهم يريدون من هذه الدول أن تكون تابعة لهم، ولتنظيمهم، وأن تكون الإمارات والبحرين مثل قطر، يساعدون الإخوان، وحينئذ؛ كل ما تعمله الإمارات والبحرين من صلح؛ فهو حلال لا شيء فيه ألبتة، ويصبح التطبيع عبادة وقربة، ومما تشكر عليه الإمارات والبحرين كما شكروا على ذلك تركيا وقطر وعمان وغيرها من الدول التي لها دعم للإخوان، أو عملاء للإخوان.
هكذا بكل وضوح وكل صراحة، ما عندهم مشكلة.
لكن المشكلة الأكبر: لماذا دولة الإمارات ليست معنا؟لماذا البحرين ليست معنا؟ لماذا السعودية ليست معنا؟ لماذا مصر ليست معنا؟ فقط هذا هو السبب.
لكن من كان مع الإخوان؛ فما يفعل من صلح وتطبيع فهو حلال لا شيء فيه، حتى لو قالوا العلمانية ممتازة، وقالوا: نحن علمانيون، أبدًا، لا تنكروا على الحكام هذا الكلام، هذه سياسة، هذه فطنة، حتى ولو دعموا اليهود بالأموال، هذه فطنة، حتى ولو صنعوا لليهود الأسلحة، وأرسلوا إليهم الكمامات، وكل شيء يساعد اليهود، وتاجروا معهم، وبنوا المغتصبات -أو المستوطنات-، وبنوا السفارة الأمريكية في القدس، وبنوا سفارة تركيا في القدس، ليس في هذه عند الإخوانيين أي مشكلة، بل كل هذه الأفعال تصبح حكمة، وتصبح ذكاء، وتصب مما يصب في مصلحة القضية، والله هذا هو الواقع.
فالإخوان إذا كنت معهم، أحلوا لك كل حرام، وإذا كنت ضدهم حرموا عليك كل حلال.
إذن؛ الضابط في مسألة الصلح مع اليهود عند الإخوان وعند حكومة قطر وتركيا هو: كن معنا، واتبع هوانا، ونحن معك مائة بالمائة مهما فعلت، بل يجعلون هذا من دين الله، ومن نصرة دين الله أشد النصرة، ومن الجهاد في سبيل الله.
فعندهم تركيا دولة مجاهدة في سبيل الله، لبناء السفارة في القدس، وبناء المستوطنات في بلاد اليهود المحتلين لبلاد المسلمين، بمدهم بالسلاح، وعمل التجارة الكبيرة معهم، ما عندهم مشكلة، وكله لا بأس به، وهذا من الجهاد، تطبيع.. سلام.. سموه ما تشاءون!
هذا هو واقع الأمر، فانتبهوا.
الإخوان الآن عندهم حملة عظيمة على الإمارات والبحرين، طبعًا والسعودية من باب أولى، لأنهم يتهمون السعودية بأنها مطبعة في الباطن، بل يرون أن الإمارات والبحرين ما طبعوا إلا بأمر السعودية، وهذا من العجائب، وكذلك يزعمون أن السعودية ستطبع، وهم في الطريق، هكذا يزعمون، وهذا لخستهم ونذالتهم ورذالتهم.
فكل هذه الهجمة الشرسة سببها: لماذا لا تكونون معنا، ونحن الإخوان المسلمون؟!، نحن الذين سننصر الدين، نحن الذين عندنا الخلافة الإسلامية، هذا السبب فقط لا غير، الحكام المسلمون إذا جعلوا الإخوان المسلمين هم القادة ولهم الريادة كالوا لهم المديح، وحللوا لهم كل حرام.
ومن الطرائف ما تسمعون عنه مما يسمى باتحاد علماء المسلمين
-وهو اتحاد المنافقين، الذي أعلن عنه وأنشئ من لندن عاصمة بريطانيا التي خرج منها وعد بلفور بوطن قومي لليهود في فلسطين، وأكبر دولة داعمة لما يسمى بدولة إسرائيل!-، فهؤلاء أعلنوا اتحاد علماء المفلسين بقيادة القرضاوي من لندن!

فهذا الاتحاد حرم التطبيع، هو يبيح تطبيع قطر وتركيا وتطبيع حماس مع اليهود -فحماس مطبعة وعندها سلام مع اليهود ووقعت على اتفاق أوسلو لأجل دخولهم في البرلمان-، فحماس دخلت في الانتخابات الفلسطينية ودخلت البرلمان، وهذا اعتراف بأوسلو، وعاهدوا اليهود، وتعلمون أنه من ضمن المعاهدة إيقاف العمليات ضد اليهود، وهذا موجود في غزة، فحماس مطبعة، والسلطة الفلسطينية مطبعة، تركيا مطبعة، قطر مطبعة، ما عندهم مشكلة، صلح.. حلال، سلم.. حلال، محبة.. حلال، لكن الإمارات.. لا. البحرين.. لا، السعودية.. لا، لماذا؟، لأنهم ليسوا مع الإخوان.
وهذه هي خلاصة حالهم.
إذن فأول محور هو أن نفهم أن قضية الصلح مع اليهود أو النصارى، أو أي صنف من الكفار، هي قضية مجمع عليها بلا خلاف، وأن هذا الصلح جائز عند الحاجة إليه، والذي يعقد الصلح هو الحاكم المسلم، بما يراه مصلحة للمسلمين، لدفع الشر أو جلب خير، سواء كان لحاجة أو لضرورة.
وذكرت لكم شيئًا من تلاعب أهل البدع والأهواء والانحلال الأخلاقي في هذا الموضوع.
والمحاور الأخرى التي أريد التنبيه عليها في هذا الموضوع بعد بيان مسألة الصلح وما يتعلق به، هي كالتالي:
المسألة الثانية: أن الصلح بين المسلمين والمشركين يجوز ولو كان المشركون يحتلون بعض ديار المسلمين، وهذا ذكره الله في كتابه.
قال E: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ[الحشر:8]. فأثبت الله تعالى في كتابه أن هؤلاء الفقراء أخرجوا من ديارهم وأموالهم واستولى المشركون عليها.
والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له أسامة في حجة الوداع: يا رسول الله، أين تنزل غدا؟ [يعني في أي بيت تنزل؟]فقال: وهل ترك لنا عقيل منزلا؟ [هذه في رواية].
وفي رواية أخرى: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟
وهذا الكلام من الرسول صلى الله عليه وسلم إثبات أن المشركين أخذوا ديار المهاجرين واستولوا عليها واحتلوها، وعقيل كان كافرا، ثم إنه أسلم بعد ذلك رضي الله عنه ، لكنه باع بيوت المهاجرين، سواء كان لعلي أو لجعفر رضي الله عنهما أو للرسول صلى الله عليه وسلم ، وتم بيعه، وما قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا بيع باطل، وسأسكن في بيتي، لا، بل أجراه وأنفذه، وأمضاه، وقال: ما لنا بيت، ذهب البيت!
فالنبي صلى الله عليه وسلم عمل صلحا مع قريش، وهو صلح الحديبية، وهم محتلون لبيوتهم في مكة.
فإن قال متحذلق: نحن لا نتكلم عن بيت أو بيوت، نحن نتكلم قرى ومدن وعن دولة وأرض كاملة!
نقول: وهذا أيضا حصل من المسلمين، فعاقدوا المشركين وعاهدوهم مع احتلالهم؛ من ذلك:
ما فعله صلاح الدين الأيوبي (وهم مثل يتغنون به دائمًا)؛ فعندما احتل النصارى الصليبيون جزءًا كبيرًا من بلاد الشام، فلسطين ولبنان بالكامل، فقاتلهم صلاح الدين واستنقذ منهم المسجد الأقصى، ومع ذلك صالح ريتشارد قلب الأسد، وكانوا يستولون على عكا وجزء كبير من الساحل وصور، وصالحهم صلاح الدين على ملك المسلمين (أرض المسلمين التي هي بلاد الشام التي احتلها الصليبيون)، وأجمع المسلمون على صحة هذا الصلح، لا خلاف بينهم في ذلك.
وهكذا المسلمون اليوم، كلهم مجمعون على جواز الصلح مع إسبانيا، فكل الدول الإسلامية بينها وبين إسبانيا صلح وسلام، وهي محتلة لبعض بلاد المسلمين، بل احتلت الأندلس، إسبانيا والبرتغال، وكثير من الإخوان يحملون الجنسية الإسبانية والبرتغالية، ما عندهم مشكلة، ويسكنون هناك، أقصد هؤلاء الخونة الإخوان الذين يحرمون الصلح ويتكلمون به.
إذن قضية الصلح مع دولة محتلة، فهذا موجود في القرآن والسنة، وفي فعل الولاة على مر التاريخ.
المسألة الثالثة: يقولون: كيف يكون الصلح بيننا وبين دولة ليس بيننا وبينها حرب، يعني: كيف يكون هناك صلح بين الإمارات والبحرين واليهود وليس بينهم حرب، الصلح يكون وقت الحرب!
سبحان الله! يكذبون الكذبة ويصدقونها!
طبعا نحن نعلم أن الإخوانيين يؤيدون تطبيع تركيا مع اليهود، ما عندهم مشكلة، على الرغم من أن قطر وتركيا وغيرهما ليس بينهم وبين اليهود حرب، ومع ذلك عندهم صلح وسلام؛ أين المشكلة في هذا مع الإخوانيين؟ لا مشكلة، المشكلة فقط في الإمارات والبحرين.
والنبي صلى الله عليه وسلم صالح وسالم وهادن اليهود لما جاء المدينة وما كان بينهم حرب، بل كان بينهم سلم، ومع ذلك هادنهم ووادعهم، وذلك لمصلحة.
إذن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا، وهو قدوتنا!
ولكن ذلك إذا كنا مع الإخوان المسلمين يوافقوننا، ولكن إذا كنا ضد الإخوان المسلمين لا يصلح الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فالاقتداء لابد أن يكون بالإخوانيين، هذا هو منهجهم، أن نكون مع الإخوان، والعياذ بالله.
المسألة الرابعة: يقول بعضهم: إن دول الخليج دول غنية، وغير محتاجة، فلماذا تهادن دولة اليهود، وهذا أنا قرأته لشخص جزائري غبي فقط لا غير، ولا أدري من أين يأتون بهذه الشبهات، ما هي علاقة الغنى والفقر بالصلح؟
يعني المسألة فقط تجارة، يظنون أن الإمارات صالحت اليهود لأجل التجارة، ليس الأمر كذلك، فالإمارات دولة غنية، ولا تحتاج للتجارة مع اليهود، ولها سنون طويلة وليس بينها وبين اليهود معاملات تجارية، وكذلك البحرين والسعودية وغيرهم، فلا علاقة للغنى والفقر بمسألة الصلح، والنبي صلى الله عليه وسلم لما صالح اليهود في المدينة لم يكن ذلك بسبب الفقر، ولما صالح مشركي مكة لم يكن ذلك لأنه فقير، فالنبي صلى الله عليه وسلم صالح بعد أن أصبح غنيا بخيبر، فقد اغتنى المسلمون بسبب خيبر، وصالح في تبوك صاحب دومة الجندل، وصالح صاحب أيلات وهم كفار والنبي صلى الله عليه وسلم غني والمسلمون أغنياء في ذلك الوقت، في غزوة تبوك، ومع ذلك صالحهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم صالح الكفار لما كان فقيرًا ولما كان غنيًّا، فالغنى والفقر لا علاقة لهما بالصلح، أنه لا يجوز إذا كنت غنيًّا ويجوز إذا كنت فقيرًا.
ويتفرع على هذه المسألة مسألة أخرى وهو قولهم: إن دول الخليج ليس لها حاجة إلى الصلح، لأنها دول قوية، والصلح يكون في حالة الضعف.
وهذا أيضا باطل ومخالف للشرع، إنما النبي صلى الله عليه وسلم صالح الكفار في حال ضعف وفي حال قوة، في حال قوة لما كان في تبوك، وكان معه قوة جبارة، ومعه آلاف مؤلفة من المسلمين وأرهب الأعداء، حتى أرهب الروم، ومع ذلك صالح، ففي وقت القوة يجوز الصلح.
وهنا أعرج على أمر يكرره هؤلاء الخونة الإخوانيون، وهو أنهم دائما يقولون: الدول العربية ضعيفة وليس عندها قوة، لذلك ما عندها وزير حرب، بل عندها وزير دفاع، فقط تدافع، يعني إذا أرادوا ذم الحكام ذموهم بهذا، وعند الصلح يقولون: دولنا قوية وغنية فلماذا تصالح، هذا نوع من التناقض الفاخر عند هؤلاء الإخوان الفجرة!
كذلك يقولون: الدول الإسلامية لا تملك من أمرها شيئًا، وهي تأتمر بأمر الكفار، هم الذين يقولون صالحوا أو لا تصالحوا.
طيب إذا كانت الدول الإسلامية كما تقولون إنها ضعيفة، وتأتمر بأمر الكفار؛ إذن هم مكرهون وضعفاء وليس عليهم ذنب.
قال الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[البقرة:286].
وقال تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النحل:106].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
إذا كان هؤلاء الإخوان الخونة يقولون إن الدول العربية ضعيفة ومكرهة ومغلوبة على أمرها، فلا حرج عليهم إذن في الصلح.
وأما إذا كنتم أنتم أقوياء وعنكم قدرة فافعلوا شيئا... لا، لا يفعلون شيئا، سوى التطبيل لقطر وإيران ومن دار في فلكهم.
وهؤلاء الإخوانيون الخونة يسمون العلماء السلفيين بعلماء السلطان، الخاضعين للحكام، يفتونهم بما يحبون.
وهذا ليس صحيحًا بل هؤلاء العلماء يفتون بما يرونه جائزًا ديانة لا لإرضاء الحكام.
وهؤلاء الذين ذكرتهم سابقًا ممن يسمون باتحاد علماء المسلمين هم في الحقيقة علماء السلطان؛ لأنهم يعطونك فتوى بفرخة!
ولما أفتوا بتحريم التطبيع ليس لأنهم يرونه حرامًا أو لأنه دين الله أو شريعة الله، وإنما إرضاء لسلاطين قطر وتركيا، فأفتوا بحسب الطلب منهم.
وشيخهم عزمي بشارة الصهيوني الذي ترشح لرئاسة وزراء دولة اليهود -ومعه الجواز اليهودي (المسمى بالإسرائيلي)- هو الذي طلب منهم هذه الفتوى.
فهم ليسوا علماء سلطان فقط؛ بل إنهم يفتون لليهود أو للنصارى بما يشاءون، المهم أن يكسبوا رضا العدو ورضا الكفار، هذه قمة المهانة والمذلة والمداهنة، هذا هي الطرفة؛ يصفون العلماء أنهم أحذية السلطان وأنهم علماء السلاطين، وفي الحقيقة كل هذه الأوصاف تنطبق على الإخوانيين.
حتى هنا في السعودية لما كان الإخوانيون لهم صولة وجولة يجلسون في مجالس الأمراء ويمدحونهم، وإذا خلوا مع أصحابهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون؛ يعني: نستهزئ بالأمراء والملك والسلطان.
والله هذه طريقتهم مع الأمراء والمسئولين إذا جلسوا في مجالسهم كالوا لهم المديح.
وقد كان هناك مسئول -وهو الآن ليس مسئولًا- وهو إخواني خبيث، وقد مكن للإخوان في بعض الجامعات وغيرها، وهو شخص معروف، وولاؤه للإخوان، وما وجدت أحدا يمدح الدولة السعودية كما يفعل هذا الرجل، وهو يعمل في الخفاء على هدم الدولة السعودية، بالاشتراك مع الخونة الإخوان، ففيهم نفاق عظيم.
وهذه المسألة الخامسة: علاقة الإخوان المسلمين بالمنافقين.
قال صلى الله عليه وسلم : «أربع خلال من كن فيه كان منافقا، ومن كان فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».
هذا الحديث ينطبق تماما على الإخوان المسلمين.
(إذا حدث كذب) أكثر الناس كذبا وترويجا للأكاذيب والشائعات هم الإخوان المسلمون، وخاصة على خصومهم، فهم فجرة في الخصومة، ويتشبه بهم عامة أهل البدع، والصعافقة أيضًا من أهل الفتن، عندهم من الفجور في الخصومة شيء عظيم.
كذلك من صفات الإخوان: وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف.
الإخوان يعاهدون الله، ويعاهدون الإسلام، ويعاهدون الحكام، ودائما ينقضون.
فالآن مثلا بين الإخوان في فلسطين وبين اليهود صلح وعهد، وهم دائما ينقضون العهد، واليهود طبعا ينقضون العهد، كلهم ينقضون العهد، هم مثل اليهود -أي يتشهون بهم- في نقضهم للعهد، والغدر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل».
وقال صلى الله عليه وسلم : «كيف أنتم إذا لم يجتبوا دينارًا ولا درهمًا». قالوا وكيف ترى ذلك كائنًا يا أبا هريرة؟
قال: إي والذي نفسي بيده، عن قول الصادق المصدوق. قالوا: وما ذاك؟ قال: قال صلى الله عليه وسلم : «تنتهك ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيشد الله قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم».
وهذا اللفظ من حديث أبي هريرة في صحيح البخاري، جاء بأطول منه وأكثر تفصيلًا من حديث بريدة وغيره.
اليهود من صفاتهم وطباعهم الغدر، وهذا مذكور في كتاب الله، ومذكور في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك يجوز الصلح للحاجة أو للضرورة.
لكن إذا عاهدونا يجب أن نوفي، فالإسلام ليس فيه غدر، فالغدر صفة المنافق (إذا عاهد غدر)، لكن هؤلاء الإخوانيين يعاهدون من باب النفاق، يعني لما يعاهدوا الكفار يعاهدونهم مع غش وخداع، كما تفعل إيران في اتفاقاتها مع الكفار، ويسمونها: تقية، هذه التقية دائما يفعلها الإخوانيون مع الكفار، ومع الحكام المسلمين، دائما يغدرون، ويرون أن هذا من الذكاء، ويستدلون بحديث: «الحرب خدعة». كيف تكون الحرب وأنت في صلح معهم، هم يجعلون الصلح وسيلة للغدر، هذه حقيقة.
حتى تركيا الآن وقطر وإيران، وغيرها من الدول أو الجماعات أو الكيانات التي تتصالح مع اليهود، كلهم عندهم نية الغدر، ونية الخيانة، يرون أن هذا جائز، وهذا عكس الإسلام، الإسلام لا يجيز الغدر حتى وإن غدر الكافر، أنت لا تغدر.
قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ[الأنفال:58].
هذا هو الإسلام... شيء عجيب!
وأنا سأسوق لكم حديثا عجيبا في ذلك.
يقول سليم بن عامر: كان بين معاوية رضي الله عنه وبين الروم عهد، فأراد أن يغزوهم -يعني بعد انتهاء العهد-، فجعل يتهيأ -يعني يستعد للغزو قبل انتهاء وقت الهدنة-، قال: فجعل رجل بأرض الروم على برذون له يقول: وفاء لا غدر، [في رواية: الله أكبر! وفاء لا غدر]. فإذا هو عمرو بن عبسة رضي الله عنه .
قال: فدعاه معاوية رضي الله عنه فقال: ما شأنك؟
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحل له أن يحل عقدة حتى ينقضي أمدها -يعني أمد الهدنة- أو ينبذ إليهم على سواء.
قال: فرجع معاوية بالناس.
معاوية الملك والخليفة الصالح الصحابي الجليل رضي الله عنه كان معه الجيش واستعد بالأموال وغيره، وكانت خسائر مالية؛ لكن لما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ورجع واستسلم لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم . فلا يغدر.
والحديث خرجه الترمذي والإمام أحمد وأبو داود وغيرهم، وذكره ابن المنذر في «الأوسط في ذكر السنن والإجماع»تحت عنوان: «ذكر النهي عن التأهب لقتال من بين المسلمين وبينهم عهد مدة حتى تنقضي المدة. وذكر هذا الحديث، وذكر حديث ابن مسعود: «لكل غادر لواء». أو: «الغادر ينصب له لواء بقدر غدرته يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان».
وذكر حديث: «يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ، خَمسٌ إِذَا ابتُلِيتُم بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَن تُدرِكُوهُنَّ: لَم تَظهَر الفَاحِشَةُ فِي قَومٍ قَطُّ حَتَّى يُعلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوجَاعُ الَّتِي لَم تَكُن مَضَت فِي أَسلَافِهِم الَّذِينَ مَضَوا. وَلَم يَنقُصُوا المِكيَالَ وَالمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المَؤونَةِ وَجَورِ السُّلطَانِ عَلَيهِم.
وَلَم يَمنَعُوا زَكَاةَ أَموَالِهِم، إِلَّا مُنِعُوا القَطرَ مِن السَّمَاءِ، وَلَولَا البَهَائِمُ لَم يُمطَرُوا.
وَلَم يَنقُضُوا عَهدَ اللَّهِ وَعَهدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن غَيرِهِم، فَأَخَذُوا بَعضَ مَا فِي أَيدِيهِم».
وهذه هي البلية الرابعة التي يحرص الإخوانيون على تطبيقها والعمل بها، وهذه هي عاقبة نقض العهد والخيانة حتى مع الكفار ومع اليهود ومع النصارى ومع المشركين.
إذا حصل بين المسلمين وبين المشركين عهد وجب الوفاء بالعهد؛ وإذا نقض المسلمون العهد؛ فهو نقض لعهد الله وعهد رسوله، وعقوبة ذلك هو تسليط العدو الكافر عليهم، وأن يأخذ ما في أيديهم، أو بعض ما في أيديهم، يعني يحتل بعض أرضهم أو بعض معاشهم وأمورهم، هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث صحيح، خرجه البزار والحاكم والبيهقي في الشعب، ورواه ابن ماجه من طريق آخر وغيره.
وفي نهاية الحديث قال صلى الله عليه وسلم :
«وَمَا لَم تَحكُم أَئِمَّتُهُم بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأسَهُم بَينَهُم».
وهذا أمر عظيم، وفيه أهمية الحكم بالشريعة؛ بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا بالديمقراطية ولا بغيرها، يحرص الحكام على تطبيق الشريعة، حتى لا يغضبوا ربهم، وحتى لا يصبح بأسهم بينهم شديدًا.
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما قولا وافق الحديث -وروي عن ابن عباس أيضا مرفوعا-: «ما نقض قوم العهد إلا أظهر الله عليهم عدوهم».
فمن أسباب تسلط الكفار على المسلمين: نقضهم العهود، وغشهم وخداعهم في العهود.
هذا منهج حماس والإخوان والخوارج، هو نقض العهد، هذا دين عندهم؛ فكيف سينصرهم الله، وهم خونة؟
يدخل الواحد منهم على أنه سائح أو أنه زائر أو لاجئ، فيعطونه العهد، فيقوم بعمل تفجير، وهذه خيانة، هذه معاداة لله ورسوله، وهذه كبيرة من كبائر الذنوب، وهم يحسبونه جهادا، وهذا والله قتال في سبيل الطاغوت، وليس في سبيل الله.
قال ابن عباس: «وما جار قوم في الحكم إلا كان القتل بينهم، وما فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت». يعني الطاعون والأمراض.
«وما طفف قوم في الميزان إلا أخذهم الله بالسنين». يعني بالجدب والجوع.
«وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء».
وهذا الحديث قد روي موقوفا، وروي مرفوعا، وله شواهد صحيحة مرفوعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
هؤلاء الإخوانيون يتشبهون بالمنافقين في هذا، رغم الوعيد الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يفعلونه.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاما». خرجه البخاري في صحيحه.
وذكرت مسألة مشابهة الخوارج لليهود في نقضهم العهود، وذكرت الأدلة من الكتاب والسنة.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].
وقال تعالى: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)} [الأنفال: 27].
وذكرت الحديث في ذلك: «وإذا عاهد غدر».
وذكرت أن من شيم اليهود وصفاتهم نقض العهد.
بل إن هذا من صفات أهل الشرك والكفر.
قال تعالى عن الكفار: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25].
وقال تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[البقرة:100].
وهذا واقع المنافقين، وواقع الإخوانيين والخونة، هذه طريقتهم. وكتبت مقالًا في هذا سميتُه: «مشابهة عبد العزيز المقرن وغيره لليهود
في نقضهم الميثاق والعهود».

وهو منشور على النت وفي بعض كتبي المطبوعة.
المسألة السادسة: الصلح.
هل هناك فرق بين السلام والصلح والتطبيع؟
هذه ثلاثة ألفاظ.
كلمة الصلح تساويها أو تقاربها في المعنى كلمة الهدنة والمهادنة والموادعة.
وتجد من الأئمة من بوب في كتبهم ما يتعلق بالموادعة حتى في صحيح الإمام البخاري حيث بوب في كتاب الجزية، وقال: «باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب»، وذكر ما يتعلق بالصلح، والأحاديث المتعلقة بالصلح.. وهكذا.
إذن الموادعة والصلح والهدنة متقاربة.
وكذلك عبارة «السلام».
قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا.
وفي قراءة شعبة عن عاصم: {للسِّلْم}.
والسلام له معنيان أو عدة معان في القرآن؛ منها:
- الأول: الإسلام، فهذا من معاني السلم في القرآن.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[البقرة:208].
يعني في الإسلام.
- الثاني: السلم بمعنى الموادعة، والمصالحة.
فالسلام موجود في القرآن، السلام مع الكفار.
إذن الإمارات والبحرين وغيرها، عندهم سلام مع اليهود، والأصل المعاداة بيننا وبين اليهود واختلاف في الدين، يجوز السلام، والسلام يعني الأمان، وكيف يكون لهؤلاء سلام وأمان؟
والله تعالى قال: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها.
والسلم بمعنى الصلح، وهذا كلام المفسرين.
ابن كثير رحمه الله يقول: «(وإن جنحوا)؛ أي: مالوا. (للسلم)؛ أي: المسالمة والمصالحة والمهادنة. (فاجنح لها)؛ أي: فَمِلْ إليها، واقبل منهم ذلك.
ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تسع سنين أو عشر سنين، أجابهم إلى ذلك، مع ما اشترطوا من الشروط الأخر».
هذا كلام ابن كثير، فسر كلمة (السِّلْم أو السَّلْم) بثلاثة ألفاظ: المسالمة والمصالحة والمهادنة (الهدنة). وكلها تصب في نفس المعنى.
فإن قال قائل: عندما يصير بيننا وبين الكفار صلح أو سلام يعني نحبهم ونواليهم؟
الجواب: ليس هذا هو المقصود.
لا المحبة ولا الموالاة، لكن هناك معنى آخر بخلاف قضية كف الحرب.
الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن بيننا وبين المشركين عيبة مكفوفة -في حديث المسور بن مخرمة في قصة صلح الحديبية في صحيح البخاري-.
ولكن لفظة (عيبة مكفوفة) ليست في صحيح البخاري؛ وهي لفظة صحيحة، خرجها الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما: أن يكون بين المسلمين وبين المشركين عيبة مكفوفة، ولا إسلال ولا إغلال.
احفظوا هذه الألفاظ وافهموها.
وفي نص الحديث: «اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيهن الناس».
والشاهد في: (يأمن) من الأمن والسلم والسلام.
على أن بيننا وبين المشركين -المحادين لله ورسوله، الذين احتلوا أرضنا وفعلوا بالمسلمين ما فعلوا، ومثلوا بهم في أحد، وفعلوا الأفاعيل وسرقوا الأموال، لكن بموجب الصلح-: وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال.
عندنا ثلاث عبارات:
الأولى: عيبة مكفوفة.
الثانية: لا إسلال.
الثالثة: لا إغلال.
قال الخطابي في معالم السنن:
«(مكفوفة): المشرجة وهي المشدودة بشرجها [يعني بحبلها]، والعيبة هاهنا مَثَل، والمعنى: أن بيننا [أي: بين رسول الله وبين المشركين الوثنيين] صدورًا سليمة وعقائد صحيحة في المحافظة على العهد الذي عقدناه بيننا، وقد يُشبّه صدر الإنسان الذي هو مستودع وموضع مكنون أمره بالعيبة التي يودعها حر متاعه ومصون ثيابه...
وقوله: (لا إسلال ولا إغلال): فإن الإسلال من السَّلة وهي السرقة، والإغلال: الخيانة، يقال: أغل الرجل إذا خان أغلالًا، وغل في الغنيمة غلولًا. يقول: إن بعضنا يأمن بعضًا في نفسه وماله، فلا يتعرض لدمه ولا لماله سرًّا ولا جهرًا، ولا يخونه في شيء من ذلك». هذا كلام الخطابي.
ونقله الحافظ ابن حجر، قال: «وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة، أي: أمرًا مطويًّا في صدور سليمة، وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة، لما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها، والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم».
وذكر نحو ما ذكره الخطابي في معنى الإسلال والإغلال.
انتبهوا وانظروا إلى كلام العلماء.
يعني أن الصلح لا يكون مع وجود الحقد، وأن يتربص به، وإذا رأيته أمامي أريد أن أذبحه.
هذه الطريقة طريقة المنافقين، وطريقة الإخوان المفلسين، وطريقة الخوارج، والإرهابيين. ليست طريقة الإسلام.
نحن بيننا وبين الكفار بغض وعندنا بغض لهم، لكن هذا البغض لا يمنع أن تبر أباك الكافر، وأن تحسن إليه، وإذا كان أخاك كذلك، وكذلك إذا كانت زوجتك كتابية، فحينئذ هناك حب طبيعي مع وجود البغض للكافر.
فالبغض للكافر لكفره إذا كان يتصور مع الزوجة، ومع الأب والأم الكتابيين، ومع الابن إذا كان ارتد، أو تربى في بيئة كافرة، إذا كان هذا الأمر متصورا، فكيف بمن كان بيننا وبينهم سلم وليس بيننا وبينهم قرابة ولا مصاهرة ولا نسب؟!
فهذا متصور ولا شيء فيه، فإذا عملنا صلحا مع دولة كافرة، أن يبقى عقد الولاء والبراء موجودا، أننا نعاديهم ونبغضهم في الله، مع الإحسان إليهم.
قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:8-9].
فإذا كان بيننا وبينهم عهد وسلم لا بأس من البر والإحسان، ولا يكون بيننا تربص، كيف يكون الأمان مع التربص؟!
وهؤلاء الإخوان المسلمون ما عندهم عقل!
كيف يكون بينكم وبين الكافر عهد وعقد وبينكم صلح وسلام، ومع ذلك تتربصون بهم وتحاولون الغدر ما أمكنكم؟!
وذلك كما يفعل الكفار، أما عند المسلمين فهذا من عمل المنافقين وليس من عمل المسلمين.
قال ملا علي قاري في مرقاة المفاتيح في قوله: (عيبة مكفوفة):
(أي: صَدْرًا نَقِيًّا عَنِ الْغِلِّ وَالْخِدَاعِ).
هذا كلام علماء المسلمين الذين لم يتلوثوا بلوثة الإخوانين.
انظر ماذا يقول ملا علي قاري: «صَدْرًا نَقِيًّا عَنِ الْغِلِّ وَالْخِدَاعِ، مَطْوِيًّا عَلَى حُسْنِ الْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ بِالصُّلْحِ، وَالْعَرَبُ تُكَنِّي عَنِ الصَّدْرِ بِالْعَيْبَةِ ; لِأَنَّهُ مُسْتَوْدَعُ الْأَسْرَارِ، كَمَا أَنَّ الْعَيْبَةَ مُسْتَوْدَعُ الْأَمْتِعَةِ وَالثِّيَابِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ نَقَاوَةَ الصَّدْرِ مِنَ الْغِلِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ تَرْكَ مَا كَانَ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ مِنَ الْأَضْغَانِ وَالدِّمَاءِ وَالِانْتِهَابِ، أَوِ الْمَعْنَى نَحْفَظُ الْعَهْدَ وَالشَّرْطَ وَلَا نَنْقُضُهُ، كَمَا نَحْفَظُ مَا فِي الْعَيْبَةِ بِشَدِّ رَأْسِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُوَادَعَةٌ مُصَادَقَةٌ تَكُونُ بَيْنَ الْمُتَصَادِقَيْنِ الْمُتَشَاوِرَيْنِ فِي الْأُمُورِ، فَيَكُونُ كُلٌّ صَاحِبَ مُشَاوَرَةٍ لِلْآخَرِ وَعَيْبَةَ سِرِّهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : (الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي). وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا سَلَفَ مِنَّا فِي عَيْبَةٍ مَكْفُوفَةٍ أَيْ: مَشْرُوجَةٌ مُشَدَّدَةٌ لَا يَظْهَرُ أَحَدٌ مَا وَلَا يَذْكُرُهُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ[المائدة:95]» إلى آخر كلامه، وهو كلام نفيس في مرقاة المفاتيح.
فهذا الأمر وهو أنه إذا كان بين المسلمين وبين الكفار سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مشركين عهد فإنه يكون بيننا وبينهم عيبة مكفوفة، ولا إسلال ولا إغلال، ولا يكون تربص وخداع ومكر وحصر لهم واستعداد وتهيئة للحرب في وقت الهدنة، هذا لا يجوز.
بل يجب أن تنتظر المدة كما فعل معاوية رضي الله عنه ، وأراد أن يهاجمهم عند انقضاء المدة، فلا يحارب الحرب الظاهرة، ولا مانع أن يتقوى بالسلاح، وأن يتقوى بالعدة.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال:60].
وأن يغتني اقتصاديا وأن يستفيد من الكفار في حال الصلح معهم من أسلحتهم وعلومهم التي تفيد المسلمين.
نحن -المسلمين- عندنا تقصير كبير في جانب التكنولوجيا، والتطور في السلاح، وهؤلاء الكفار فاقوا المسلمين في صناعة الأسلحة، فلو كان بيننا وبين الكفار حرب دائمة ولا صلح بيننا وبينهم، فكيف سنأخذ علمهم، ونأخذ التكنولوجيا منهم، وكيف سنستطيع صناعة هذه الأسلحة؟
لا يكون هذا إلا بالصلح، والموادعة، فالحكام الذين يلون أمر المسلمين الآن يستفيدون من صلحهم مع الكفار، في صناعة السلاح، والاستفادة من التكنولوجيا.
فانظروا السعودية الآن لما أصبح بينها وبين أمريكا تقارب في السلام ونحو ذلك، حصلوا شيئا كثيرا من التكنولوجيا، ومن الأسلحة، وغيرها مما يفيد المسلمين، ومما يكون فيه ظهور على الكفار في يوم من الأيام.
فلذلك يحصل المسلم من الكافر في وقت السلم ما لا يحصله منه في وقت الحرب، هذه حكمة الحكام.
يعني الآن الإمارات من أهدافها الحصول على طائرات (إف 35)، وكان من ضمن شروط الحصول عليها الصلح مع اليهود، فهذا الصلح له فوائد للإمارات، لهم خاصة، وللفلسطينيين أيضًا خاصة أخرى، وللمسلمين عامة، وهو الصلاة في المسجد الأقصى، وبهذا الصلح أيضا أوقفوا قرار ضم بعض الأجزاء من الضفة الغربية لصالح اليهود المحتلين.
وأيضًا مكنوا دولتهم من الحصول على أسلحة متطورة هم بحاجة إليها.
الأمر الثالث: يدفعون شرورا كثيرة مما يفعله المتآمرون مع الصهاينة، ويقطعون الطريق على هؤلاء الخونة الذين طبعوا مع اليهود قديما لجلب الشر للمسلمين.
يعني هناك أناس عملوا صلحا مع اليهود في الباطن مثل قطر وإيران، وفي الظاهر مثل تركيا للضر بالمسلمين، فالإمارات عملت صلحا ظاهرا لدفع ضر هؤلاء بالمسلمين.
وأنا أقول لكم: إن الذي حصل من صلح الإمارات والبحرين أفشل صفقة القرن إفشالا ذريعا؛ لذلك حصلت فاجعة عظيمة عند هؤلاء الخونة.
فإن قال قائل: اليهود أليس من الأحب إليهم صفقة القرن؟
الجواب: لا.
الأحب إليهم السلام؛ لأنهم في وقت السلام يتحصلون على منافع لهم أكثر من صفقة القرن.
فاليهود مستفيدون، لكن المسلمين مستفيدون أكثر.
فهنا يكون النظر في دفع شر الشرين وتحقيق أعظم المصلحتين.
هذا الذي فعله الحكام الذين عقدوا صلحا مع اليهود الذين هم في البحرين والإمارات.
فحصلوا مصالح ما كانوا يستطيعون تحصيلها بدون هذا الصلح، وجعلهم يحصلون على أمور، ومنها هؤلاء الفجرة الذين يعملون مؤامرة الربيع العربي والذين يتآمرون مع الصهاينة سرا وجهرا ضد الحكام المسلمين، هذا الصلح قلب الطاولة عليهم وأفسد كثيرا من مخططاتهم!
وطبعا كلامي هذا لا يفهمه الإخوانيون، لأن الطاولة مقلوبة عليهم، وهم مندهشون ويتكلمون بلا عقل ولا وعي كالمجانين.
فوالله إذا ناقشت الإخواني اليوم في قضية التطبيع أو السلام أو الصلح كأنك تناقش حمارًا، أو بغلا، أو مجنونا، طبعا مع أن الحمار والبغل أفضل منه من وجهٍ، لكن هم مجانين فقدوا عقولهم؛ حيث خربت الإمارات والبحرين جزءا كبيرا من مخططهم، والإخوان وحكام تركيا وقطر والوا الكفار واطرحوا بين أيديهم في الغرب حتى يطلقوا أيديهم بعمل قلاقل في ليبيا والاستيلاء على خيراتها، وقلاقل في تونس، ومصر والمغرب والسودان وسوريا والعراق، وفي كل مكان من بلاد المسلمين.
هذه القلاقل التي سمح الكفار للإيرانيين والأتراك والقطريين بها إنما هي لأجل غنيمة وهي صفقة القرن، فلما جاءت الإمارات بصلح، وستستفيد منه دولة اليهود، نتنياهو سيستفيد منه في الانتخابات، ويستفيد منه ترامب في الانتخابات، نعم سيستفيدون، ولكن أيضا استفادت الإمارات واستفاد المسلمون، وافسدوا صفقة القرن، وقد كتبت مقالا عن صفقة القرن وبينت المقصود بها.
فهؤلاء الخونة انقلبت عليهم الطاولة، وأصابتهم الإمارات بالجنون، وطبعا السعودية أصابتهم بالجنون..لماذا؟
لأن السعودية لم تعارض فعل الإمارات ولم تشجبه ولم تستنكره، وكذا لم تشجب ما فعلته البحرين، وتركتهم وشأنهم؛ لذلك هم الآن غاضبون من السعودية؛ لأنها لم تستنكر كما استنكر الخونة من الإخوان المفلسين، هم يريدون من السعودية أن تستنكر، وحملوا عليها الحملات الشديدة لأجل أن يستنطقوا السعودية بإنكار هذا السلام.
وللأسف نجح الإخوانيون الخونة ونجح الإرهابيون ونجح عملاء اليهود في استنطاق بعض السلفيين لمحاربة هذا الصلح والكلام بنحو كلام هؤلاء الخونة بدون فهم ولا عقل! ولا وعي، مع احترامي لكل سلفي، ولكن أنا أقول: خدعهم هؤلاء الخونة، وظنوا بهذا الاستنطاق منهم أنهم ضد وحدة الأديان، وضد ما يسمى بالإبراهيمية، وأن هذا من أهداف الليبرالية وأنه من خيانة الإمارات للسعودية، هذا كله خلط من هؤلاء الإخوة بين الواقع وبين الوهم، بين دعاوى الإخوان وبين الواقع الحقيقي الذي فعله الحكام المسلمون.
فأنا أقول: وحدة الأديان باطلة، والديمقراطية باطلة، ونحن نلزم الحكام بتحكيم شرع الله، لكن هذا الصلح لا علاقة لله بهذا الأمر، لأن هذه الدول أصلا عندها نظام ديمقراطي، ولا يحتاجون أن يصالحوا اليهود على النظام، كل يقول: نحن ديمقراطيون، حتى البشير وتركيا الإخوانيون!
وهنا مسألة مهمة، مسألة بين الشبهة والشهوة، ومسألة المنكر الذي يفعله الإخواني، أو الرجل العامي الذي ليس على منهج الإخوان.
وقد بينت هذا الكلام في البداية وسأعود لهذه الشبهة.
إذن لا إسلال ولا إغلال وبيننا عيبة مكفوفة، وأن هؤلاء الحكام يعملون لصالح شعوبهم، وأن هذا خير لهم وأن هناك مصالح كثيرة من هذا الصلح؛ إما خاصة للإمارات، وإما عامة للمسلمين، وإما خاصة للفلسطينيين، وليس معنى هذا أن الكافر لا يستفيد من الصلح، هذا من الغباء.
فالمشركون في مكة لما عملوا صلح الحديبية مع الرسول صلى الله عليه وسلم استفادوا أم لا؟
المجنون يقول: ما استفادوا!
العاقل يقول: استفادوا.
صاحب دومة الجندل وصاحب إيلات لما هادنهم الرسول صلى الله عليه وسلم في غزو تبوك الكفر استفادوا من هذه الهدنة.
واليهود الذين كانوا في المدينة وادعهم وهادنهم النبي صلى الله عليه وسلم استفادوا من هذه المهادنة.
إذن الظن بأن الصلح فقط ليستفيد منه المسلمون ولا يستفيد منه الكفار هذا نوع من الغباء والجهل والسذاجة، فإنه لابد أن يستفيد الكافر، وإلا لماذا يتصالح معك؟!
ونحن لا ننظر إلى مقدار استفادة الكافر بمثل ما ننظر إلى مقدار استفادة المسلم، هل استفاد المسلمون؟ هذا الذي ينظر إليه.
وهل استفادة المسلمين هذه يجعلها لا تتعارض مع استفادة الكفار؟
فاز نتنياهو.. فاز ترامب، ما المشكلة؟ هو خير لهم.
وفي النهاية نجح نتنياهو أو غيره كلهم يهود ملاعين.
أو نجح ترامب أو غيره كلهم نصارى ملاعين.
ولكن الواقع العملي يظهر أن سياسة ترامب مع المسلمين -مع أنه مع اليهود أشد حرصا من غيره- أخف من أوباما ومن بايدن الذي يخطط لإعادة الربيع العبري، وإعادة قوة الرافضة الإيرانيين، ونحو ذلك.
فهذه مصالح ومفاسد تقدر وهي محل اجتهاد، يعني إذا فاز نتنياهو أو ما فاز هذا لا يضرنا نحن، أو فاز ترامب أو ما فاز، هذا لا يضرنا نحن.
وقد استفادت الإمارات من هذا الصلح أنها أفسدت صفقة القرن وأفسدت على العملاء من قطر وتركيا مؤامراتهم، وأشياء كثيرة، أشياء نحن نعلمها، وأشياء نحن لا نعلمها، وإلا لم يقدموا على هذه الخطوة، هم والبحرين.
فصل
في مسألة التطبيع
هذه كلمة مجملة، ويراد بها أساسًا أن تعود الأمور طبيعية؛ السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا هو السر، هذا هو الأمان في الإسلام.
لكن الإخوان يفسرون التطبيع على أنه الموالاة والمحبة، وأنهم يمسحون الآيات القرآنية التي تعادي الكفار من اليهود والنصارى من المناهج، ويخترعون أشياء وأكاذيب لأجل المخادعة، والمكر.
فترى الإخواني يكتب مقالا طويلا ليحرم تطبيع الإمارات مثلا، وكل ما يذكره من ملاحظات ومؤاخذات على الإمارات عندما تطبقها على تركيا تجدها منطبقة عليهم تماما، ومع ذلك يؤيد تركيا ويؤيد الصلح والتطبيع، ويعترض على الإمارات!
كذلك بالنسبة لحماس في فلسطين، وقطر، كل هذه الأمور موجودة ويتغاضى عنها!
إذن هو شخص كذاب لعَّاب، هذه أمور سياسية وليست دينية، وأمور للمكر والخداع، وإلا فحقيقتهم أنهم يتجارى بهم الهوى كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، ففيهم شبه من أهل النفاق، والعياذ بالله من النفاق.
أقرأ لكم كلامًا لابن المنذر، يقول رحمه الله :
«ومن ذلك أن للإمام أن يقر فيما يصالح عليه من رأى صلحه صلاحا بعض ما فيه من الضيم والضعف، فيما يشرطه العدو على أهل الإسلام في صلحهم إذا كان يرجو فيما يستقبل عاقبة نفع ذلك بعد ألا يكون فيما يعطيهم لله معصية، فمما أعطاهم بذلك في ذلك اليوم: تركه كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) وكتب: باسمك اللهم، وكتابة ذكر محمد مكان رسول الله، والانصرراف عنهم عامه على غير تمام العمرة، ورده من جاء منهم مسلمًا إليهم، وقد ضاق بذلك بعض من حضره من المسلمين واضطربوا منه وعجبوا؛ إذ لم تحتمل عقولهم وأن لهم مما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مما كان محمودا في العاقبة غير الصديق رضوان الله عليه، فإنه ممن خص بعد رسول الله Oبمعرفة صواب ذلك وفهمه، وقد قال عمر بن الخطاب: اتهموا الرأي على الدين...» إلى آخر ما ذكر. وفي بعض ما ذكره نظر في الألفاظ، ولو عبر بألفاظ أخرى لكان خيرًا.
ومما ذكره العلماء أيضا في باب الصلح -مما يدل على وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالعهد-:
جاء أبو رافع القبطي، وكان قبطيا نصرانيا، بكتاب من قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كان عبدا، قال: فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أخيس بالعهد (يعني: لا أنقض العهد)، ولا أحبس البرد (يعني: الرسول، البريد، وهذا مُرسل من المشركين)، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي في قلبك الآن فارجع (يعني: هاجر)، قال: فرجعت إليهم، ثم إني أقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت.
فانظروا إلى ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ، إنه ما قَبِلَ من أبي رافع أن يبقى، وأن يسلم لا بأس، لكن لم يرض أن يبقى عنده، حتى لا يتهمه الكفار بنقض العهد، وحبس الرسل، فرده النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن عجيب ما في فتاوى العلماء، انظروا إلى أهل العلم واتركوا دجل الإخوانيين:
سئل عطاء بن أبي رباح عن رجل أسرته الديلم (وهم قوم كانوا وثنيين) فأخذوا عليه عهدا وميثاقا على أن يرسل إليهم بشيء قد سموه (يعني: أنهم يطلقونه من الأسر بشرط أن يدفع إليهم مالا، وإلا يرجع إليهم، إلى الأسر)، فلم يجد الذي سموه له، فقال لعطاء: أيرجع إليهم أم لا؟
(هذا السائل مسلم، وأسره الكفار، وأطلقوه واشترطوا عليه مالا، إذا لم يحضره يرجع إليهم)، فقال له عطاء: ارجع إليهم. فقال له الرجل: إنهم أهل شرك. قال: تفي بالعهد. فأعاد عليه، فأبى عطاء إلا أن يفي بالعهد.
وأفتى الأوزاعي رحمه الله كذلك بفتوى عطاء.
هؤلاء لو كان إخوانيا لقال اخدعه، الله نجاك منه، اتركه.
انظروا فتاوى العلماء!
وقال ميمون بن مهران رحمه الله : «ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر: الرحم، تصلها برة كانت أو فاجرة، والأمانة تؤديها إلى البر والفاجر، والعهد تفي به للبر والفاجر».
ومما قاله أيضا ابن المنذر في هذا الباب: قال أبو بكر : «وإنما يجب الوفاء بالعهد ما لم ينقض العدو؛ فإذا نقضوا العهد جاز نقضه».
لا يجب بل يجوز، وهذا يرجع إلى قدرة الإمام وما يراه من مصلحة، ولم يكن فاعله في ذلك مذموما استدلالا بالكتاب والسنة، فأما الكتاب؛ فقوله: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) الآية.
وأما السنة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عاقد قريشا في الحديبية فلما نقضت قريش العهد سار إليهم وقام بفتح مكة، وإنما يجب على الإمام الوفاء بكل عهد لا يخالف كتابا ولا سنة، فأما ما خالف كتابا وسنة، فنقض ذلك واجب، ولا يجوز الوفاء بشيء عقد على خلاف الكتاب والسنة.
يعني العقود إنما تجوز إذا كانت شرعية.
فالسلام مع اليهود يجوز إذا لم يشتمل على محرم، فلو كان من ضمن شروط الصلح وحدة الأديان، فهذا شرط باطل ولكن العقد صحيح، فلا يقبل الشرط ولا يجب العمل به، لكن هذا لا يفسد الصلح الذي تم بين المسلمين والكفار.

فصل
قضية المنكر الذي يفعله الإخواني وغير الإخواني
إذن انتهينا من كلمة تطبيع وما يتلاعب به الإخوان في المقصود منها، وأنها في الحقيقة تعني عودة العلاقات الطبيعية بيننا وبين اليهود.
ومما يتعلق بتناقض أهل الأهواء في هذا الموضوع ما يتعلق بالسعودية وموقفها من هذا الصلح.
ولكن هنا عندنا قضية المنكر الذي يفعله الإخواني وغير الإخواني، وهذه مسألة مهمة تحتاج إلى تفصيل، ولكن سأوجز وأختصر.
مشكلة أهل الأهواء أن الواحد منهم إذا فعل أي منكر بشبهة يرى أنه معذور، ويقولون: معذور بالتأويل!
أما إذا كان الذي يفعل المنكر فاسقا فقالوا: لا يعذر بالتأويل؛ لأنه موضع تهمة.
وهذا باطل، فالفاسق إذا فعل عن تأويل، ففعله أيضا باطل، حتى المبتدع إذا فعل عن تأويل ففعله باطل.
فمثلا الإخواني إذا كان في بلاد الكفار قد يسرق من الكفار أو يزني بنسائهم، بذريعة أن هذا لمصلحة الإسلام والتخفي بإظهار الانحلال معهم بحيث يبدو مثلهم وحتى يقبلوه في مجتمعهم، ويستطيع الوصول إلى المناصب ودخول البرلمان مما قد يصل به ليكون رئيس وزراء بريطانيا أو نحو ذلك، أو أمريكا أو غير ذلك، ولكنه إذا كان فاسقًا مسلمًا وليس إخوانيًّا وشرب الخمر أو زنى بتأويل، وذلك كذلك حتى يندمج مع المجتمع، ويصل إلى ما وصل إليه غيره من البرلمان والرئاسة؛ فعندهم يكون هذا العامي الفاسق غير معذور، ولكن الإخواني يكون معذورا بل ومأجورا، وهذا والله منكر عظيم، فكلاهما مبطل، العامي الفاسق أو الإخواني الفاسق، بل فعل الإخواني أشد جرما؛ لأنه فسق وبدعة، حيث تعبد لله وتقرب إليه بالبدع، وبالمعاصي، والكبائر، والفسق الموجب للحد -كشرب الخمر والزنا-، ومع ذلك الإخواني قد يفعل هذا -أقول: قد يفعل، فليس كل إخواني يفعل ذلك حتى لا أظلمهم- ، لكن بعض الإخوانيين يفعلون، وقد أخبرني بعضهم بهذه الأمور شخصيا، فأنا عندي معلومات خاصة عن ذلك، وهي معروفة ومعلومة، أنه قد يفعل الإخواني أو المبتدع هذا الفعل ليندمج في المجتمع.

فصل
في موقف السعودية من التطبيع مع اليهود
السعودية دولة مسلمة تحكم بشرع الله، وهي من الدول التي دعمت القضية الفلسطينية أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وإلى يومنا هذا الدولة السعودية محافظة على دعم القضية الفلسطينية في حين تخلى عنها بعض أبنائها، وتاجروا بها، وتلاعبوا بها، واغتنوا بها، بالأموال الطائلة، تحت مسمى دعم القضية الفلسطينية، وهم يأكلون ويشربون ويتلاعبون، وعندهم من التطبيع والمعاملات السرية مع اليهود شيء يندى له الجبين.
والسعودية أكبر دولة تدعم القضية الفلسطينية ولا تزال تدعمها، حتى بعد خيانة أصحاب القضية، السعودية لم تخن.
وبالطبع لما لم يجدوا أن السعودية خانت اضطروا لاختراع أشياء تدين السعودية، فمرة يقولون: الملك عبد العزيز باع، وزوروا وثيقة من قرأها عرف أنها مزورة، لكن الحمير لا تفهم، فكيف سيفهمون؟!
واخترعوا أن السعودية لها علاقات سرية، وأن الأمير تركي الفيصل قابل بعض اليهود أو الملك عبد الله سلم عليه بعض اليهود في بعض زياراته إلى أمريكا، أو إلى أوربا، فيأتون إلى لقطات لها سياقها الخاص، ويحاولون جمع أدلة من الشرق والغرب؛ ليستدلوا على ذلك بإثبات شيء غير موجود، وهو وجود علاقة مع اليهود.
فتركيا أمامهم مُطَبِّعة مائة بالمائة، وقطر أمامهم تطبيعها السري والعلني، والأدلة موجودة، ونتنياهو وزوجته زاروا السلطان قابوس قبل موته، زاروا عمان، لا مشكلة، ولا يحاربونه، فالأدلة موجودة على غير السعودية، فيتركونها ويأتون إلى السعودية، ويخترعون الأدلة، ويجمعون بين الصور من هنا وهناك لإثبات أمر مفقود.
وهذا دليل على أن عداوتهم للسعودية عداوة متجذرة، لحقدهم على تطبيق الشريعة في السعودية، وأنها لم تمكن الإخوانيين من مقاليد الحكم، وأنها لا تدعم الإخوانيين ولا تعترف بهم ولا تتودد إليهم، هذا سبب عداوتهم للسعودية، لا يحبون السعودية لأنها داعمة للإسلام الصحيح، ولأنها ضد توجهات الخونة.
فأعظم دولة عملت على دعم القضية الفلسطينية منذ بدايتها إلى يومنا هذا هي الدولة السعودية، من أيام الملك عبد العزيز رحمه الله إلى الآن الملك سلمان -حفظه الله- وابنه ولي العهد محمد بن سلمان.
فالسعودية موقفها من الصلح معروف، وهي ليس عندها مشكلة بإقامة صلح مع اليهود بشروط، فما يسمى بالسلام أو الصلح أو التطبيع مع اليهود، من ناحية السعودية ليس عندها مانع مبدئي لأنه جائز شرعا؛ لكن السعودية تريد أن يكون ثمن هذا الصلح إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وإعادة اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم.
إذن السعودية واضحة في هذا الموضوع، والملك عبد الله رحمه الله أعلن مبادرة السلام، وقال لليهود: نحن مستعدون أن نعترف بدولة إسرائيل.
كما اعترفت مصر والأردن وتركيا وقطر وموريتانيا بل وكوسوفا التي تسيطر عليها سياسيا تركيا اعترفت بإسرائيل، وغيرهم من الدول اعترفوا بدولة اليهود، والآن الإمارات والبحرين.
فالسعودية قالت: نحن مستعدون أن نعترف بدولة إسرائيل، ونقيم معها علاقات سياسية، تبادل سفراء ونحوه، واقتصادية، كغيرها من الدول مثل أمريكا وأوربا وروسيا والصين وغيرهم.
وهذا كله عند السعودية بشروط هي الاعتراف بدولة فلسطينية مثلها مثل دولة إسرائيل، لها رئيس ودولة وعندها مطارات وموانئ، فالآن السلطة الفلسطينية ليست مستقلة، بل تحيط بها الأجهزة اليهودية، فلا يستطيع أي واحد أن يخرج من غزة إلى مصر أو من الضفة إلى الأردن إلا بموافقة أمنية من اليهود.
ويأتي شخص يقول لك: مصر أغلقت الحدود!
قل له: اسكت يا غبي! اسكت يا أحمق!
الذي أغلق الحدود هم اليهود، وهذا الكذاب الأحمق يعلم ذلك، وهم الذين يسمحون لمصر بغلق المعبر أو فتحه، لماذا؟
لأنها هي المسيطرة على القطاع والضفة، والسلطة ليست دولة إلى الآن، وهذا تضمنه اتفاق أوسلو، أن تكون السلطة ضمن سلطة اليهود.
وأنا أحكي لكم عن نفسي وأنا فلسطيني الأصل وقد كنت أريد الذهاب إلى فلسطين بعد أوسلو، ولا أستطيع أن أدخل فلسطين لأني ليس معي الجنسية الفلسطينية، ولا جواز سفر فلسطيني، وقريتي كوكبة بالقرب من مجدل عسقلان، لأن أرضي محتلة، واليهود طردونا.
المهم إذا أردت أن أدخل لابد أن يستخرج لي أقاربي تصريحا من اليهود ليوافقوا لي على أن أدخل، وهذا ينطبق على كل شخص لا يمتلك الهوية الفلسطينية (التي هي الهوية الإسرائيلية)، فالآن لا يستطيع أحد أن يدخل إلى أرض السلطة الفلسطينية إلا إذا كان من أهل هؤلاء البلد الساكنين وفي وقت اتفاق أوسلو كانوا داخل الأرض، أي: عندهم هوية فلسطينية في الأرض وليس ممن هجروا، ونحن ممن هجروا، فأنا لا أستطيع الدخول إلا بتصريح من اليهود. هذه هي القضية.
فالسعودية تريد أن يكون ثمن لهذا الصلح بأن تكون هناك دولة فلسطينية مكافئة للدولة اليهودية في السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية التي فيها المسجد الأقصى، هذا هو الذي طلبته السعودية مقابل الصلح والتطبيع والسلام مع اليهود.
فكمبدأ: السعودية لا تعارض السلام والتطبيع المشروط. وعندما يكون الثمن هو حل القضية الفلسطينية.
قد يقول قائل: الأراضي المحتلة!
أقول: عندك بلاد الأندلس لا أقول سبتة ومليلة المغربيتين، فهل استطعت استرجاع بلاد الأندلس المحتلة من الإسبان، فماذا فعل المسلمون؟
عملوا سلاما مع إسبانيا، ومع البرتغال.
هذا هو الحاصل، فلا يخدعنكم الإخوانيون.
السعودية لا تعارض السلام والتطبيع المشروط.
ولما سمع اليهود ذلك فرحوا به، وعرض نتنياهو زيارة الملك عبد الله رحمه الله ، فرفض إلا في حالة الموافقة على هذه الشروط بدون مماطلة وزيارات ومحادثات لا تنتهي، واليهود مخادعون ومتلاعبون، والإخوان أخذوا طباع المكر والخسة واللف والدوران من اليهود!
فاليهود والإخوانيون والمنافقون عموما شيخهم واحد هو إبليس!
السعودية لا تمانع السلام مع اليهود بشرط حل القضية الفلسطينية، لكن الخونة من الإخوانيين لا يريدون حل القضية، بل يريدون التكسب بها.
وكما ذكرت لكم في محاضرة سابقة، الإخوان لا يريدون حل قضية بورما ولا مشكلة الإيجور في الصين، هم يريدون المتاجرة بقضايا المسلمين ودمائهم وآلامهم في كل مكان، كما يفعلون اليوم في موقفهم من تطبيع البحرين والإمارات مع اليهود، هي قضية متاجرة فقط لا غير.
يتاجرون بإظهار حرصهم على قضية فلسطين، وأن هذا التطبيع خيانة، بل الإخوانيون هم الخونة.
وأختم بخاتمة أخرى:
هل يوجد في بلاد المسلمين يهود ممن كانوا غير مطبعين؟
يعني مثلا قبل هذا الصلح هل كان هناك يهود في الإمارات أو شخص يحمل الجنسية الإسرائيلية؟
هل جاء للعمرة أشخاص عندهم شخصية إسرائيلية؟
هذا بغض النظر عن مسألة دولة إسرائيل هذه نبهت عليها عدة مرات.
أقول: نعم الفلسطينيون الذي يسكنون في أراضي (48) ليس عندهم جنسيات أخرى، عندهم جنسية اليهود، فهؤلاء المسلمون الفلسطينيون الذين يسكنون في الرملة ويافا وصفد وغيرها من المدن التي يحتلها اليهود ضمن دولتهم، هم معهم جنسية إسرائيلية يهودية، وإذا جاءوا إلى العمرة يأتون بجوازات أردنية مؤقتة، فالأردن تساعدهم، وهم إسرائيليون، يعني يحملون الجنسية الإسرائيلية، وبعضهم يحمل بطاقته الإسرائيلية، وكنا نراهم هنا، وكنت أعطي محاضرات للفلسطينيين الذين هم من أراضي (48) لما يأتون للعمرة.
إذن يوجد من يأتي إلى البلاد السعودية من يحمل الجنسية اليهودية، ولكن هو ليس بيهودي، هو مسلم، للعمرة، أو بعض المسلمين الذين يحملون الجنسية اليهودية وعندهم جنسية أخرى؛ بريطانية .. أمريكية، ويأتون للعمل بهذه الجنسيات الأخرى.
كذلك بعض الذين يحملون الجنسيات البريطانية والأمريكية عندهم جنسية يهودية وديانتهم اليهودية ويأتون للعمل في دول الخليج أو في غيرها تحت مسمى أنه بريطاني أو خبير أمريكي، فلا يتعامل معه بديانته ولكن بمهنته وأنه يحمل الجواز الأمريكي، هذا أمر موجود، ولا يحتاج إلى صلح مع اليهود ولا غيره، لكن هنا الكلام على دولة اليهود والكيان الصهيوني معه سلام أو صلح أو تطبيع بمعنى عودة العلاقات الطبيعية، كما قال تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}.
فهذا إذا رأت دولة مسلمة مصلحة لها أو دفع مضرة عنها بهذا السلام، فهذا جائز مشروع.
والسعودية لا تمانع منه إذا كان في ذلك مصلحة الفلسطينيين.
فالسعودية لا مانع لديها إذا كان ذلك سيعيد للفلسطينيين دولتهم وأرضهم كما أعلنته إعلانا رسميًّا ضمن جامعة الدول العربية، وهذا لا بأس به لما فيه من مصلحة عظيمة للمسلمين بإنهاء قضية يتاجر بها الصهاينة والإخوانيون والمنافقون ويعملون الفتن لأجلها، انتهاؤها يكون بقيام دولة فلسطينية وسلم كما هو سلم بين الدول العربية وأمريكا وأوربا والصين وروسيا.
وأخيرًا أيها الإخوة، لا تنخدعوا بالدعايات الإخوانية، لا تنخدعوا بشعارات الإخوان.
طبقوا شرع الله، واعملوا بشريعة الله، والشيخ ابن باز رحمه الله له كتاب في ذلك. كل أو معظم الشبهات التي يقولونها الآن في صلح الإمارات والبحرين مع اليهود قد قالوه من قبل في صلح السلطة الفلسطينية مع اليهود، كلهم قالوا نفس الشبه، يجترها الإخوانيون، فانتبهوا واحذروا، واعملوا بشريعة الله، ولا تنخدعوا بالعواطف الجياشة، كن مع الحق، ولا تتكلم بما لا تعرف، ولا يخدعنك الإخوان الخونة.
أسأل الله تعالى أن يعز دول الإسلام بالإسلام، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة الله، وأن يحفظ أهل فلسطين، وأن ينصر الإسلام وأهله ويعز دينه.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.



رابط بي دي إف:
http://www.m-noor.com/otiby.net/book/files/tafregat/sol7-yahood.pdf

رابط المحاضرة صوتيا:


http://www.m-noor.com/otiby.net/soun...n/solh1442.mp3

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:21 AM.


powered by vbulletin