منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-23-2014, 02:16 PM
أبويوسف ماهر التونسي أبويوسف ماهر التونسي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 61
شكراً: 7
تم شكره 8 مرة في 5 مشاركة
افتراضي فَصْلٌ: الصَّلَاةُ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ لِشَيْخِ الإِسْلَامِ بِن تَيْمِية.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ،

فَصْلٌ وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَخَلْفَ أَهْلِ الْفُجُورِ فَفِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ وَتَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ،

لَكِنْ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ فِي هَؤُلَاءِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ .

فَإِنَّ مَنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلْفُجُورِ أَوْ الْبِدَعِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَنَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ هَجْرُهُ لِيَنْتَهِيَ عَنْ فُجُورِهِ وَبِدْعَتِهِ ;

وَلِهَذَا فَرَّقَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِ الدَّاعِيَةِ فَإِنَّ الدَّاعِيَةَ أَظْهَرَ الْمُنْكَرَ فَاسْتَحَقَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّاكِتِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسَرَّ بِالذَّنْبِ فَهَذَا لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ ،

فَإِنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَلَكِنْ إذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ ;

وَلِهَذَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ تُقْبَلُ مِنْهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ وَتُوكَلُ سَرَائِرُهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَنْ أَظْهَرَ الْكُفْرَ .

فَإِذَا كَانَ دَاعِيَةً مُنِعَ مِنْ وِلَايَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَشَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا لِأَجْلِ فَسَادِ الصَّلَاةِ أَوْ اتِّهَامِهِ فِي شَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ فَإِذَا أَمْكَنَ لِإِنْسَانِ أَلَّا يُقَدِّمَ مُظْهِرًا لِلْمُنْكَرِ فِي الْإِمَامَةِ وَجَبَ ذَلِكَ.

لَكِنْ إذَا وَلَّاهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ صَرْفُهُ عَنْ الْإِمَامَةِ أَوْ كَانَ هُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَّا بِشَرِّ أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ مَا أَظْهَرَهُ مِنْ الْمُنْكَرِ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْفَسَادِ الْقَلِيلِ بِالْفَسَادِ الْكَثِيرِ وَلَا دَفْعُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ بِتَحْصِيلِ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ .

وَمَطْلُوبُهَا تَرْجِيحُ خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا جَمِيعًا وَدَفْعُ شَرِّ الشَّرَّيْنِ إذَا لَمْ يَنْدَفِعَا جَمِيعًا .

فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَرِ زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَلْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ ،

وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَامِ فَاجِرٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ .

وَلِهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ .

وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ .

وَحِينَئِذٍ فَإِذَا صَلَّى خَلْفَ الْفَاجِرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِلْعُلَمَاءِ .

مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَنَّهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَا يُشْرَعُ بِحَيْثُ تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْكَارِ بِصَلَاتِهِ خَلْفَ هَذَا فَكَانَتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ مَنْهِيًّا عَنْهَا فَيُعِيدُهَا .

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يُعِيدُ ، قَالَ : لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَرْكِ الْإِنْكَارِ هُوَ أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ .

وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الصَّلَاةُ إلَّا خَلْفَهُ كَالْجُمُعَةِ فَهُنَا لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ وَإِعَادَتُهَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ ،

وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ : إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ أُعِيدَتْ الْجُمُعَةُ خَلْفَهُ وَإِلَّا لَمْ تُعَدْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ النِّزَاعُ فِي الْإِعَادَةِ حَيْثُ يُنْهَى الرَّجُلُ عَنْ الصَّلَاةِ .

فَأَمَّا إذَا أُمِرَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ فَالصَّحِيحُ هُنَا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ .

وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَهُنَاكَ قَدْ تَنَازَعُوا فِي نَفْسِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ .

وَمَنْ قَالَ إنَّهُ يَكْفُرُ أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ خَلْفَ كَافِرٍ لَكِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالنَّاسُ مُضْطَرِبُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهَا قَوْلَانِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد أَيْضًا فِيهَا رِوَايَتَانِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْكَلَامِ فَذَكَرُوا لِلْأَشْعَرِيِّ فِيهَا قَوْلَيْنِ .

وَغَالِبُ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا تَفْصِيلٌ .

وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا فَيُطْلَقُ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ صَاحِبِهِ وَيُقَالُ مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ لَكِنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي قَالَهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا .

وَهَذَا كَمَا فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ : { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }

فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ نُصُوصِ الْوَعِيدِ حَقٌّ لَكِنَّ الشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ لَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْوَعِيدِ فَلَا يُشْهَدُ لِمُعَيَّنِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِالنَّارِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ الْوَعِيدُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ ثُبُوتِ مَانِعٍ فَقَدْ لَا يَكُونُ التَّحْرِيمُ بَلَغَهُ وَقَدْ يَتُوبُ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ تَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ عَظِيمَةٌ تَمْحُو عُقُوبَةَ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ يُبْتَلَى بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ وَقَدْ يَشْفَعُ فِيهِ شَفِيعٌ مُطَاعٌ .

وَهَكَذَا الْأَقْوَالُ الَّتِي يَكْفُرُ قَائِلُهَا قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَمْ تَبْلُغْهُ النُّصُوصُ الْمُوجِبَةُ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَقَدْ تَكُونُ عِنْدَهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فَهْمِهَا وَقَدْ يَكُونُ قَدْ عَرَضَتْ لَهُ شُبُهَاتٌ يَعْذُرُهُ اللَّهُ بِهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مُجْتَهِدًا فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَأَخْطَأَ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ خَطَأَهُ كَائِنًا مَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسَائِلِ النَّظَرِيَّةِ أَوْ الْعَمَلِيَّةِ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ .

وَجَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَا قَسَّمُوا الْمَسَائِلَ إلَى مَسَائِلِ أُصُولٍ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا وَمَسَائِلِ فُرُوعٍ لَا يَكْفُرُ بِإِنْكَارِهَا .

فَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ نَوْعٍ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْأُصُولِ وَبَيْنَ نَوْعٍ آخَرَ وَتَسْمِيَتِهِ مَسَائِلَ الْفُرُوعِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ لَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَعَنْهُمْ تَلَقَّاهُ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ وَهُوَ تَفْرِيقٌ مُتَنَاقِضٌ ،

فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ :
مَا حَدُّ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي يَكْفُرُ الْمُخْطِئُ فِيهَا ؟
وَمَا الْفَاصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ ؟

فَإِنْ قَالَ : مَسَائِلُ الْأُصُولِ هِيَ مَسَائِلُ الِاعْتِقَادِ وَمَسَائِلُ الْفُرُوعِ هِيَ مَسَائِلُ الْعَمَلِ .

قِيلَ لَهُ : فَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي مُحَمَّدٍ ﷺ هَلْ رَأَى رَبَّهُ أَمْ لَا ؟
وَفِي أَنَّ عُثْمَانَ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ أَمْ عَلِيٌّ أَفْضَلُ ؟
وَفِي كَثِيرٍ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَتَصْحِيحِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ هِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَلَا كُفْرَ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ ،

وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ هِيَ مَسَائِلُ عَمَلِيَّةٌ وَالْمُنْكِرُ لَهَا يَكْفُرُ بِالِاتِّفَاقِ .

وَإِنْ قَالَ الْأُصُولُ : هِيَ الْمَسَائِلُ الْقَطْعِيَّةُ قِيل لَا : كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْعَمَلِ قَطْعِيَّةٌ وَكَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً وَكَوْنُ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيَّةً أَوْ ظَنِّيَّةً هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ ،

وَقَدْ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ رَجُلٍ قَطْعِيَّةً لِظُهُورِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ لَهُ كَمَنْ سَمِعَ النَّصَّ مِنْ الرَّسُولِ ﷺ وَتَيَقَّنَ مُرَادَهُ مِنْهُ .

وَعِنْدَ رَجُلٍ لَا تَكُونُ ظَنِّيَّةً فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ قَطْعِيَّةً لِعَدَمِ بُلُوغِ النَّصِّ إيَّاهُ أَوْ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ أَوْ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعِلْمِ بِدَلَالَتِهِ .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ حَدِيثُ الَّذِي قَالَ لِأَهْلِهِ :
" { إذَا أَنَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ بِرَدِّ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَالْبَحْرَ بِرَدِّ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَقَالَ : مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟ قَالَ خَشْيَتَك يَا رَبِّ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ }

فَهَذَا شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي الْمُعَادِ بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ اللَّهُ عَلَيْهِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ .

وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .

وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ مَذَاهِبَ الْأَئِمَّةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ ،

وَلِهَذَا حَكَى طَائِفَةٌ عَنْهُمْ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَفْهَمُوا غَوْرَ قَوْلِهِمْ ،

فَطَائِفَةٌ تَحْكِي عَنْ أَحْمَد فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا حَتَّى تَجْعَلَ الْخِلَافَ فِي تَكْفِيرِ الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُفَضِّلَةِ لِعَلِيِّ وَرُبَّمَا رَجَّحَتْ التَّكْفِيرَ وَالتَّخْلِيدَ فِي النَّارِ ،

وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ أَحْمَد وَلَا غَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ الْمُرْجِئَةَ الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ وَلَا يُكَفِّرُ مَنْ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ بَلْ نُصُوصُهُ صَرِيحَةٌ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .

وَإِنَّمَا كَانَ يُكَفِّرُ الجهمية الْمُنْكِرِينَ لِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ ; لِأَنَّ مُنَاقَضَةَ أَقْوَالِهِمْ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ ، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ تَعْطِيلُ الْخَالِقِ ، وَكَانَ قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِمْ حَتَّى عَرَفَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ وَأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى التَّعْطِيلِ ،

وَتَكْفِيرُ الجهمية مَشْهُورٌ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ ، لَكِنْ مَا كَانَ يَكْفُرُ أَعْيَانُهُمْ

فَإِنَّ الَّذِي يَدْعُو إلَى الْقَوْلِ أَعْظَمُ مِنْ الَّذِي يَقُولُ بِهِ وَاَلَّذِي يُعَاقِبُ مُخَالِفَهُ أَعْظَمُ مِنْ الَّذِي يَدْعُو فَقَطْ وَاَلَّذِي يُكَفِّرُ مُخَالِفَهُ أَعْظَمُ مِنْ الَّذِي يُعَاقِبُهُ ،

وَمَعَ هَذَا فَاَلَّذِينَ كَانُوا مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ يَقُولُونَ بِقَوْلِ الجهمية : إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إلَى ذَلِكَ ويمتحنونهم وَيُعَاقِبُونَهُمْ إذَا لَمْ يُجِيبُوهُمْ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ لَمْ يُجِبْهُمْ،
حَتَّى أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَمْسَكُوا الْأَسِيرَ لَمْ يُطْلِقُوهُ حَتَّى يُقِرَّ بِقَوْلِ الجهمية : إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ .
وَلَا يُوَلُّونَ مُتَوَلِّيًا وَلَا يُعْطُونَ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا لِمَنْ يَقُولُ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا فَالْإِمَامُ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لِمَنْ يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّهُمْ مُكَذِّبُونَ لِلرَّسُولِ وَلَا جَاحِدُونَ لِمَا جَاءَ بِهِ وَلَكِنْ تَأَوَّلُوا فَأَخْطَئُوا وَقَلَّدُوا مَنْ قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ .

وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا قَالَ لِحَفْصِ الْفَرْدِ حِينَ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ : كَفَرْت بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ ، بَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ وَلَمْ يَحْكُمْ بِرِدَّةِ حَفْصٍ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ بِهَا وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ لَسَعَى فِي قَتْلِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي كُتُبِهِ بِقَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ .

وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي الْقَدَرِيِّ : إنْ جَحَدَ عِلْمَ اللَّهِ كَفَرَ وَلَفْظُ بَعْضِهِمْ نَاظَرُوا الْقَدَرِيَّةَ بِالْعِلْمِ فَإِنْ أَقَرُّوا بِهِ خَصَمُوا وَإِنْ جَحَدُوهُ كَفَرُوا .

وَسُئِلَ أَحْمَد عَنْ الْقَدَرِيِّ : هَلْ يَكْفُرُ ؟

فَقَالَ : إنْ جَحَدَ الْعِلْمَ كَفَرَ وَحِينَئِذٍ فَجَاحِدُ الْعِلْمِ هُوَ مِنْ جِنْسِ الجهمية .

وَأَمَّا قَتْلُ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدَعِ فَقَدْ يُقْتَلُ لِكَفِّ ضَرَرِهِ عَنْ النَّاسِ كَمَا يُقْتَلُ الْمُحَارِبُ .

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كُفْرًا فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِقَتْلِهِ يَكُونُ قَتْلُهُ لِرِدَّتِهِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ غَيْلَانُ الْقَدَرِيُّ وَغَيْرُهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ . وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهَا تَنْبِيهًا .

فرحمة الله على شيخ الإسلام ورفع درجته.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:32 PM.


powered by vbulletin