منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-16-2018, 05:47 PM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي غير متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,362
شكراً: 2
تم شكره 271 مرة في 211 مشاركة
افتراضي أفعال العباد بين أهل السنة والقدرية الجبرية والقدرية النفاة

أفعال العباد بين أهل السنة
والقدرية الجبرية والقدرية النفاة

تأليف
أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي

المقدمة
إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِيْنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الكَلامِ كَلامُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ ؛ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكَلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ.
فالإيمان بالله واليوم الآخر هو سبب سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وسبب نجاته يوم القيامة.
وأركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
والإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ويجوز الاستثناء فيه، وله نواقض قولية وعملية واعتقادية، وارتكاب الذنوب والمعاصي-التي دون الكفر والشرك-؛ لا يخرج العبد من الملة، بل ينقص إيمانه على قدر معاصيه وذنوبه.
فالإيمان بالقدر هام جداً في حياة المؤمن، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويعلم أنه مأمور بالعبادة، مثاب عليه، وهي أفعاله حقيقة، وهو تحت مشيئة الله وحكمه، لا مرد له من الله، ولا خروج له عن ملك الله، ولا حياة له ولا سعادة إلا بطاعة الله والبعد عن معصية الله.
وقد تواردت الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات القدر، وما يجب على المؤمن تجاهه، بأسلوب يسير واضح بيِّن جلي.
فآمن أهل السنة بكتاب الله على مراد الله، وبسنة رسول اللهr على مراد رسول الله، فاطمأنت قلوبهم، وسعدت نفوسهم، ورضيت أفئدتهم بما قضاه الله وقدره.
ولكن لم يرتض إبليس من جنده وأوليائه أن يتركوا بني آدم يسعدون، بل قعد لهم بكل طريق، وأضل خلقاً من الجن والإنس بتلبيسه ووسوسته، فنشأت ونبتت بين المسلمين نابتة تعارض الوحيين، وتحرف الآيات والأحاديث، وتأخذ ببعض النصوص دون البعض الآخر، وتقدم الأوهام والظنون على الكتاب الحق المبين الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42].
فنشأت القدرية النفاة الذين ينفون عن الله شيئاً من خلقه، ويخرجون أفعال العباد عن ملكه.
ونشأت القدرية الجبرية الذين ينفون عن العبد ما أثبته الله له من فعله الذي يجازى به، ونسبوا أفعال العباد –حسنها وقبيحها-إلى الله فعلاً ووصفاً، فنسبوا إليه -جل وعلا- كل قبيح، ونزهوا أنفسهم عن كل لوم وتقبيح!
وحاول صنف ثالث أن يتوسط بين الفريقين الضالين، فجعل أفعال العباد خارجة عن قدرة الله أو إرادته!، ومنهم من اخترع نظرية الكسب، ولم يوجدوا تعريفاً له يطمئن إليه فؤاد ولا قلب، بل من حقق الصواب فيه ترك قولهم كله، وفاء إلى قول أهل السنة البعيد عن النظريات الفلسفية، والسفسطات الخيالية، والمحالات العقلية.
ولما لمسألة خلق أفعال العباد من الأهمية، كتبت هذا البحث والذي بعنوان: «أفعال العباد بين أهل السنة والقدرية الجبرية والقدرية النفاة».
وقد قسمته إلى مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة وفهرس الموضوعات.
المقدمة
التمهيد:مجمل عقيدة أهل السنة في الإيمان بالقضاء والقدر
المبحث الأول: عقيدة أهل السنة في أفعال العباد
المبحث الثاني: عقيدة المخالفين لأهل السنة في خلق أفعال العباد وفيه:
تمهيد، وثلاثة مطالب.
المطلب الأول: شبه القدرية الجبرية والرد عليها.
المطلب الثاني: شبه القدرية النفاة والرد عليها.
المطلب الثالث: شبه الأشاعرة والماتريدية والرد عليهم.
الخاتمة.
فهرس الموضوعات.
أسأل الله التوفيق والسداد
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
20/4/1431هـ







التمهيد
مجمل عقيدة أهل السنة في الإيمان بالقضاء والقدر
الإيمان بالقدر خيره وشره هو الركن السادس من أركان الإيمان التي لا يصح عمل عامل إلا بالإيمان به، كما جاء في القران الكريم وسنة محمد r، وعلى ما كان عليه أهل القرون المفضلة – رحمهم الله -.
تعريف القدر:
القدر-بسكون الدال وفتحها- لغةً:
مبلغ الشيء وكنهه ونهايته، ويطلق في اللغة على عدة معان منها:
الطاقة: مثل قوله تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}[البقرة/236] ([1]).
الحُكْم: قال تعالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ}أَي: الحُكْمِ([2]).
التضييق: ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}[الفجر/16] ([3]).
التقدير: ومنه قولهr عن رؤية هلال رمضان: «…إن غم عليكم فاقدروا له»([4])" أي احسبوا له([5]).
ولما كان من عادة أهل العلم أنهم يقرنون كلمة القدر بكلمة القضاء حسُنَ بيان معنى القضاء.
تعريف القضاء لغة :
هو إحكام الشيء، وإتمام الأمر، ويُطلق القضاء في اللغة على عدة معان منها:
الأمر: ومنه قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء/23] أي أمر أن لا تعبدوا إلا إياه([6]).
الأداء والإنهاء: مثل قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}[الحجر/66] ([7]).
الحكم: ومنه قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ}[طه/72]([8]).
الفراغ: ومنه قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}[فصلت/12]([9]).
الأداء والإتمام: ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}[البقرة/200] أي: أديتموها([10]).
الإعلام: ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}[الإسراء/4] ([11]).
القدر وإحكام الشيء: قال تعالى: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}[مريم/21] قال القرطبي:«مقدراً في اللوح مسطوراً»([12])، وقال البغوي: «محكوماً مفروغاً منه، لا يرد ولا يبدل»([13]).
الفَصْلُ في الحُكْمِ: قال تعالى: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِىَ بينهم}[الشورى:14] أي لفُصِل الحكم بينهم، ومثل ذلك قولهم: قد قَضَى القاضي بين الخُصوم أي قد قَطع بينهم في الحكم([14]).
فمما سبق يتضح أن القدر والقضاء كلاهما إذا أُطلق بمفرده قد يكون بمعنى الآخر فيكونان مترادفان في المعنى.
فالقدر هو: القضاء الموفَّق، يقال: قدّر الله هذا تقديراً، وإذا وافَقَ الشيءُ الشيءَ قلتَ: جاء قَدَرُه([15]).
وهو القضاء، والحكم، ومبلغ الشيء([16])، «قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1]، أي: الحكم، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:4]»([17]).
وهو ما يقدره الله عز وجل من القضاء، ويحكم به من الأمور.
القدر شرعاً: هو عَلِمُ الله عز وجلَّ بِمَقَادِيرِ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانِهَا أَزَلًا، ثُمَّ إيجادُهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ عَلَى وَفْقِ مَا عَلِمَهُ مِنْهَا، وَأَنَّهُ كَتَبَهَا فِي اللَّوْحِ قَبْلَ إِحْدَاثِهَا([18]).
علاقة «القضاء» بالـ«القدر».
اختلف أهل العلم في القضاء والقدر هل هما بمعنى واحدٍ أم بينهما اختلاف على قولين:
القول الأول: لا فرق بينهما، فالقدر هو القضاء والقضاء هو القدر.
القول الثاني: التفرقة بينهما، وأصحاب هذا القول اختلفوا في الفرق بين القضاء والقدر على أقوال منها:
1- القضاء هو الحكم بالكليات على سبيل الإجمال والقدر هو الحكم بوقوع الجزئيات على سبيل التفصيل([19]).
2- أن القدر بمعنى التقدير والقضاء بمعنى التفصيل والقطع([20]).
3- ذهب الأشاعرة إلى أن القضاء هو إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء على وفق ما توجد عليه، وقدره إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها ([21]).
والراجح:أن القدر إذا ذكر مفرداً اشتمل على معنى القضاء، وإذا ذكر القضاء مفرداً اشتمل على معنى القدر، لكن إذا ذكرا معاً: فمن أهل العلم من يجعل القدر هو التقدير السابق، والقضاء: هو الإبرام والإيجاد، فيكون القدر أسبق . ومنهم من يرى العكس، فيجعل القضاء هو السابق، والتقدير هو اللاحق([22]).
الفرق بين القضاء الكوني والقضاء الشرعي:
القضاء يرد في القرآن الكريم بمعنيين فقد يكون قضاء شرعياً أو قضاء كونياً.
فالقضاء الكوني: بمعنى ما يقدره الله في الكون وهذ القضاء :
1- قد يكون محبوباً لله وقد لا يكون .
2- ولا بد أن يقع لأنه متعلق بمشيئة الله وقدرته فإذا شاءه الله وقع .
ومن أمثلة هذا القضاء :خلق الجنة والرسل، وإبليس والنار. ومنه قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ}[فصلت/12] فهنا القضاء كوني.
القضاء الشرعي: بمعنى الأمر، وهو يخالف القضاء الكوني من جهتين:
1- فهولا يكون إلا فيما يحبه الله مثل أمره بالصلاة وبر الوالدين.
2- وهو لايلزم وقوعه فقد يقع وقد لا يقع مثل أن يأمر الله بالشيء ولا يمتثله العباد فقد أمر بالصلاة ومع ذلك لايمتثل كل العباد؟
ومن هذا القضاء قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء/23].
وكالقضاء في التنويع السابق كلمات أخرى تأتي في القرآن قد تكون كونية وقد تكون شرعية ولها نفس الأحكام السابقة، مثل الإرادة والحكم والأمر فكل منها قد يكون كوناً بمعنى المشيئة وقد يكون شرعياً([23]).
أدلة الإيمان بالقضاء والقدر إجمالاً([24]):
قال الله تعالى: ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ[الأحزاب:38]، وقال تعالى: ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ[الأنفال:42، 44]، وقال تعالى: ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ [الأحزاب:32]، وقال تعالى: ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ[التغابن:11]، وقال تعالى: ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ [آل عمران:166]، وقال تعالى: ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ[البقرة: 156-157].
وفي حديث جبريل أن النبي r ذكر له من الإيمان: « وتؤمن بالقدر خيره وشره »([25]).
وقالr: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك»([26]).
وقالr: «وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل»([27]) .
وقال r: «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس »([28]).
قَالَ البَغَوِيُّ رحمه الله: «وَالقَدَرُ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللهِ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكاً مُقَرَّباً، وَلاَ نَبِيًّا مُرْسَلاً، لا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيْهِ، وَالبَحْثُ عَنْهُ بِطَرِيْقِ العَقْلِ، بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ، فَجَعَلَهُمْ فَرِيْقَيْنِ: أَهْلَ يَمِيْنٍ؛ خَلَقَهُمْ لِلنَّعِيْمِ فَضْلاً، وَأَهْلَ شِمَالٍ؛ خَلَقَهُمْ لِلْجَحِيْمِ عَدْلاً، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ}[الأعراف:179]»([29]).
وَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ عَلَيَّ بنَ أَبِيْ طَالِبٍ-t- فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ، أَخْبِرْنِي عَنِ القَدَرِ. قَالَ: «طَرِيْقٌ مُظْلِمٌ، فَلاَ تَسْلُكْهُ»، فَأَعَادَ السُّؤَالَ، فَقَالَ: «بَحْرٌ عَمِيْقٌ لا تَلِجْهُ»، فَأَعَادَ السُّؤَالَ، فَقَالَ: «سِرُّ اللهِ، خَفِيَ عَلَيْكَ فَلاَ تُفَتِّشْهُ»([30]).
وقال الطحاوي رحمه الله: «وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسُلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه : {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فمن سأل : لم فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب، كان من الكافرين»([31]).
والمقصود بكون القدر سراً من أسرار الله: التنبيه على أن العقول تعجز عن إدراك كنه الغاية المقصودة بالأفعال كما تعجز عن إدراك حقيقة الفاعل ولكن نفي الشيء غير نفي العلم به([32]).
والإيمان بالقدر على أربع مراتب:
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه تعالى قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأقوالهم وأعمالهم وجميع حركاتهم وسكناتهم وأسرارهم وعلانيتهم ومن هو منهم من أهل الجنة ومن هو منهم من أهل النار .
قال تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق/12]، وقال تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[طه/98]
المرتبة الثانية: الإيمان بكتابة ذلك، وأنه تعالى قد كتب جميع ما سبق به علمه أنه كائن، وفي ضمن ذلك الإيمان باللوح والقلم .
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحج/70].
المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهما متلازمتان من جهة ما كان وما سيكون ولا ملازمة بينهما من جهة ما لم يكن ولا هو كائن ؛ فما شاء الله تعالى فهو كائن بقدرته لا محالة وما لم يشأ الله تعالى لم يكن لعدم مشيئة الله إياه لا لعدم قدرة الله عليه، تعالى الله عن ذلك، قال الله عز وجل: ﰖﰗ[فاطر:44] .
ومن أدلة المشيئة:قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[المائدة/48].
وقوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام/41]، وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الإنسان/30]، وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير/29].
المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا فيما بينهما إلا والله خالقها وخالق.
قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الأنعام/102]، وقال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر/62]، وقال عز وجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[غافر/62] ([33]).
وذكر أهل العلم أن التقدير على أربعة أنواع :
1- التقدير الأزلي: وذلك بكتابة مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِr: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)) قَالَ: ((وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)) ([34]) .
2- التقدير العمري: وهذا يختص بكل إنسان فيكتب عمله حين ينفخ فيه الروح وهو جنين في بطن أمه، وهذه الكتابة لا تختلف عن ما كُتب في اللوح المحفوظ إنما تؤخذ من الكتابة الأزلية وتُكتب لكل عبد على حده.
عن عبد الله بن مسعود قال:حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ.
فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا»([35]).
3- التقدير الحولي: وهذا يكون في ليلة القدر من كل سنة، فيكتب الله تعالى في ليلة القدر كل ما هو واقع في العام المقبل، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان/3، 4].
4- التقدير اليومي: فكل يوم يقدر الله تعالى لعباده أمورا متعددة فيعطي ويمنع ويحيي ويميت ويبسط ويضيق إلى آخره، كما قال تعالى :{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن/29].
عن أبي الدَّرْدَاءِt عن النبي r في قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ} قال: «من شَأْنِهِ أَنْ يَغْفِرَ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجَ كَرْبًا، وَيَرْفَعَ قَوْمًا وَيَخْفِضَ آخَرِينَ»([36]).
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي –رحمه لله –عند تفسيره قوله تعالى: ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ[الأنعام:149]: «فملكه تعالى وحده للتوفيق والهداية، هو الحجة البالغة على خلقه، يعني فمن هديناه وتفضلنا عليه بالتوفيق، فهو فضل منا ورحمة.ومن لم نفعل له ذلك فهو عدل منا وحكمة، لأنه لم يكن له ذلك دينا علينا ولا واجبا مستحقا يستحقه علينا، بل إن أعطينا ذلك ففضل، وإن لم نعطه فعدل، وأن الله تبارك وتعالى قدر مقادير الخلق، قبل أن يخلق الخلق، وعلم أن قوما صائرون إلى الشقاء وقوما صائرون إلى السعادة، فريق في الجنة وفريق في السعير.
وأقام الحجة على الجميع، ببعث الرسل وتأييدهم بالمعجزات التي لا تترك في الحق لبسا فقامت عليهم حجة الله في أرضه بذلك.»([37])
وقال رحمه الله: « ولا يخفي تصريح القرآن بأن الله خالق كل شيء، كما قال تعالى: ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ[الرعد:16]، وقال تعالى: ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ [الفرقان:2], وقال: ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ[فاطر:3]، وقال تعالى: ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ [القمر:49]، فالإيمان بالقدر خيره وشره الذي هو من عقائد المسلمين...»([38]).


المبحث الأول
عقيدة أهل السنة في أفعال العباد
إن عقيدة أهل السنة في أفعال العباد تتضمن عدة أمور:
أولاً: أن الله سبحانه وتعالى خلق العباد، وخلق أفعالهم، فهم خلقه وما قام بهم من أفعال تنسب إليه عز وجل خلقاً وإيجاداً.
قال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصَّافَات:96]. أي أن الله خلقكم وخلق ما عملتموه من الأصنام والأوثان.
قال ابن كثير رحمه الله: «يحتمل أن تكون «ما» مصدرية فيكون تقدير الكلام: خلقكم وعملكم، ويحتمل أن تكون بمعنى «الذي» تقديره: والله خلقكم والذي تعملونه. وكلا القولين متلازم، والأول أظهرُ([39])؛ لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد –فذكر سنده- عن حذيفة t مرفوعاً قال: «إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته»([40])»([41]).
ومما يدل على أن الله خلق أعمال العباد أنه سبحانه وتعالى نسب ما يصنعه الإنسان من البيوت والفلك إليه سبحانه وتعالى خلقاً وإيجاداً فقال تعالى: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون}، مع قوله تعالى: {ويصنع الفلك}، وقال تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها} مع أن هذه كلها مصنوعة لبني آدم، فكما أنه سبحانه وتعالى خلق المصنوع والملبوس والمبنى دلَّ على أنه خالق كل صانع وصنعته([42]).
ثانياً: أن أفعال العباد تنسب إليهم لقيامهم بها، وقيامها بهم. وهذا في كتاب الله عز وجل كثير كما قال تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ}[هود/38]، فنسب صناعة الفلك لنوح عليه السلام إذ هو صانعه، وقوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة/74]، فنسب إليهم أعمالهم من خير أو شر، وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}[البقرة/233] فنسب الرضاعة للوالدات.
ثالثاً: أن العباد لهم مشيئة وإرادة تقوم بهم، ولهم قدرة يُقْدِرُهُمُ الله بها على أعمالهم، وهي مشيئة حقيقية، وإرادة حقيقية، وقدرة حقيقية([43])، قال تعالى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف/77] فنسب يوشع بن نون عليه السلام([44]) المشيئة في أخذ الأجرة على بناء الجدار لنبي الله موسى عليه السلام.
وقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ}[البقرة/233] فنسب عز وجل إرادة استرضاع الأولاد إلى الآباء.
عن أبي بَكْرٍ الصديق t قال: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ»([45])، فنسب القدرة إليهم.
رابعاً: أن مشيئة العباد وإرادتهم لا تكون إلا إذا شاءها الله وأرادها، وكذلك قدرتهم على الفعل لولا إقدار الله لهم على الفعل لما استطاعوا ولا قدروا على فعله، فكما أن الله هو الذي أوجدهم بلا حق سابق لهم عليه في خلقهم، فكذلك هو الذي يأذن لهم ويقدرهم على أعمالهم، فالله بكل شيء عليم، وهو على كل شيء قدير، وهو حكيم عليم، ولا يظلم ربك أحداً، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.
قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير/29]، وقال عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة/253].
وإرادة الله على نوعين: كونية، وشرعية، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
خامساً: أن العباد ليسوا مجبورين على أفعالهم بحيث إنهم لا قدرة لهم ولا اختيار، بل قد بين الله لهم الحق والباطل، ويسر لهم طريقي الخير والشر، وهداهم النجدين، ووعدهم بالثواب إن أطاعوا واتبعوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه، وأوعدهم بالعقاب والعذاب إن عصوا واتبعوا هواهم، وخالفوا أمر الله وهداه.
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله -ذاكراً عقيدة أهل السنة-: «ويؤمنون بالقدر كله، وأن جميع أعمال العباد- خيرها وشرها- قد أحاط بها علم الله، وجرى بها قلمه، ونفذت فيها مشيئته، وتعلقت بها حكمته، حيث خلق للعباد قدرة وإرادة، تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم، لم يجبرهم على شيء منها بل مختارين لها، وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته»([46]).
أقسام الإرادة:
قد دلت النصوص الشرعية أن الإرادة تنقسم إلى نوعين:
أولاً: الْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ القدريَّةُ: وهي المشيئة الشَّامِلَةُ لِجَمِيعِ الْحوادث، ولا ملازمة بينها وبين المحبة والرضا، بل يدخل فيها الكفر والإيمان، والطاعات والعصيان، والمرضيّ والمحبوب، والمكروه وضده، وهذه الإرادة ليس لأحد خروج منها ولا محيص عنها كقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} .
ثانياً: الْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ الدينيةُ: وهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، وعلى مقتضاها أمر عباده ونهاهم كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
وهذه الإرادة لا يحصل اتباعها إلا لمن سبقت له بذلك الإرادة الكونية، فتجتمع الإرادة الكونيةوالشرعية في حق المؤمن الطائع، وتنفرد الكونية في حق الفاجر العاصي، فالله سبحانه دعا عباده عامة إلى مرضاته، وهدى لإجابته من شاء منهم كما قال تعالى : {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}([47]) « فَمَنْ أَمَرَهُ وَأَعَانَهُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَانَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِهِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ خَلْقُهُ وَأَمْرُهُ إِنْشَاءً وَخَلْقًا وَمَحَبَّةً، فَكَانَ مُرَادًا بِجِهَةِ الْخَلْقِ وَمُرَادًا بِجِهَةِ الْأَمْرِ. وَمَنْ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَانَ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ خَلْقُهُ، لِعَدَمِ الْحِكْمَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَعَلُّقِ الْخَلْقِ بِهِ، وَلِحُصُولِ الْحِكْمَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِخَلْقِ ضِدِّهِ»([48]).
بعض أقوال السلف وأئمة أهل السنة في خلق أفعال العباد:
1- قال حذيفة t: «إن الله خلق كل صانع وصنعته، إن الله خلق صانع الخزم([49]) وصنعته»([50]).
قال الإمام أبو عبيد في غريب الحديث بعد تعريفه للخزم: «وفي هذا الحديث تكذيب لقول المعتزلة الذين يقولون إن أعمال العباد ليست بمخلوقة، ومما يصدق قول حذيفة ويكذب قول أولئك: قول الله تبارك وتعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصَّافَات:96] ألا ترى أنهم كانوا ينحتون الأصنام ويعملونها بأيديهم، ثم قال لهم: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وكذلك قول حذيفة: «ويصنع كل صنعةٍ»»([51]).
2- قال يحيى بن سعيد القطان: «ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة». قال الإمام البخاري بعد روايته كلام القطان: «حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور، المكتوب، الموعى في القلوب؛ فهو كلام الله ليس بخلق، قال الله: {بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}[العنكبوت/49]» ([52]).
3- قال أبو بكر المرُّوذي: قال رجل لأبي عبدالله: إن عندنا قوماً يقولون: إن الله خلق الخير، ولم يخلق الشر، ويقولون: القرآن مخلوق.
فقال: «هذا كفرٌ، هؤلاء قدرية جهمية، الخير والشر مقدر على العباد»
قيل له: الله خلق الخير والشر؟ قال: «نعم، الله قدره»([53]).
4- قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي: «ومن قول أهل السنة والجماعة في أكساب العباد: أنها مخلوقة لله تعالى، لا يمترون فيه، ولا يعدون من أهل الهدى ودين الحق من ينكر هذا القول وينفيه، ويشهدون أن الله تعالى يهدي من يشاء إلى دينه ويضل من يشاء عنه، لا حجة لمن أضله الله عليه ولا عذر له لديه، قال الله عز وجل : {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام:149]، وقال عز وجل : {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة: 13 ]، وقال عز وجل : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[الأعراف: 179]، فسبحانه خلق الخلق بلا حاجة إليهم، فجعلهم فريقين : فريقا للنعيم فضلا، وفريقا للجحيم عدلا، وجعل منهم غويا ورشيدا وشقيا وسعيدا، وقريبا من رحمته وبعيدا وكذلك من مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريدٌ لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، لم يؤمن أحد به إلا بمشيئته، ولم يَكْفُر أحد إلا بمشيئته ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس: 99 ]، ولو شاء أن لا يُعصى ما خلق إبليس، فكُفر الكافرين وإيمان المؤمنين وإلحاد الملحدين وتوحيد الموحدين وطاعة المطيعين ومعصية العاصين كلها بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة ويسخط الكفر والمعصية ولا يرضاها، قال الله عز وجل : {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[الزمر: 7 ]» ([54]).
5- وقَالَ البَغَوِيُّ فِي «شَرْحِ السُّنَّةِ»: «الإيْمَانُ بِالقَدَرِ فَرْضٌ لازِمٌ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَالِقُ أَعْمَالِ العِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، كَتَبَهَا عَلَيْهِمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصَّافَات:96]، فَالإِيْمَانُ وَالكُفْرُ، وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ كُلُّهَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيْئَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَرْضَى الإيْمَانَ وَالطَّاعَةَ، وَوَعَدَ عَلَيْهِمَا الثَّوَابَ، وَلاَ يَرْضَى الكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ، وَوَعَدَ عَلَيْهِمَا العِقَابَ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ}[إِبْرَاهِيْم:27]»([55]).


المبحث الثاني
عقيدة المخالفين لأهل السنة في خلق أفعال العباد
تمهيد
أولاً: عقيدة القدرية الجبرية([56]):
يعتقد القدرية الجبرية أن العباد مجبورون على أعمالهم، لا قدرةَ لهم ولا إرادة ولا اختيار، والله وحده هو خالق أفعال العباد، وأعمالهم إنما تنسب إليهم مجازاً([57]).
يقول البغدادي عن الجهم: «وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، كما يقال: زالت الشمس ودارت الرحى، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لما وصفتا به»([58]).
فالإنسان عند الجهم يختلف عن الجمادات، لأن الله خلق للإنسان قوة كان بها الفعل، كما خلق له إرادة للفعل، واختياراً منفرداً له، لكن هذه الإرادة كاللون والطول ونحوهما مما لا إرادة للإنسان فيه ولا قدرة([59]).

ثانياً: عقيدة القدرية النفاة ([60]):
يعتقد القدرية النفاة أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله، وإنما العباد هم الخالقون لها
وَقَالُوا: إن الأفْعَالالاختيارية من المخلوقات الحية لا تعلق لها بخلق الله، واختلفوافيما بينهم هل يقدر الله على أَفْعَال العِبَاد أم لا؟
وكان بعض قدماء القدرية يقولون بخلق أفعال العباد الصالحة، وأما الفاسدة كالذنوب والمعاصي فليست من خلق الله! ([61])
يقول القاضي عبد الجبار: «اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن الله جل وعزّ أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن من قال: إن الله سبحانه خالقها ومحدثها فقد عظم خطؤه؛ وأحالوا حدوث فعل من فاعلين»([62]).
ويقول القاسم بن إبراهيم الرسي راداً على من قال: إن الله هو الخالق لأفعال العباد: «ولو كان هو الفاعل لأعمالهم الخالق لها لم يخاطبهم ولم يعظهم، ولم يلمهم على ما كان منهم من تقصير، ولم يمدحهم على ما كان منهم من جميل وحسن»([63]).
ثالثاً: عقيدة الأشاعرة والماتريدية في أفعال العباد:
لقد حاول هؤلاء أن يتوسطوا بين الجبرية والمعتزلة القدرية، وظنوا أنهم يسلكون المسلك الصحيح بهذا التوسط بعيداً عن منهج أهل السنة والجماعة، فتفرقت بهم السبل فمال الأشاعرة إلى ناحية الجبر، ومال الماتريدية إلى جهة الاعتزال.
هذا وقد وافق الأشاعرة والماتريدية أهل السنة في مسألة خلق أفعال العباد الاختيارية والاضطرارية فقالوا: إنها مخلوقة لله تعالى، ولم تختلف عبارتهم في ذلك.
قال صاحب الجوهرة:
فخالق لعبده وما عمل موفق لمن أراد أن يصل([64])
وقال أبو المعين النسفي: «ومنهم من حقق الأفعال للخلق، وقال: إنهم بها صاروا عصاة مطيعين، وجعلوها مخلوقة لله تعالى، ونفوا إحالة تعلق قدرتين بمقدور واحد، ونفوا الضرورة عن أفعالهم بدخولها تحت قدرة الباري جل وعلا..وهذا مذهب أهل السنة والجماعة»([65]) ويعني بهم الماتريدية.
ولكنهم خالفوا أهل السنة في بعض فروع هذه المسألة، ومن ذلك: هل العبد فاعل لفعله حقيقة أو لا؟
فالأشعرية نسبوا فعل الإنسان الاختياري إليه كسباً لا خلقاً، قال أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك: «إن كسب العبد فعل الله تعالى ومفعوله وخلقه ومخلوقه وإحداثه ومحدثه وكسب العبد ومكتسبه..» ([66]).
وقال الفخر الرازي: «المؤثر في حصول هذا الفعل هو قدرة الله تعالى، وليس لقدرة العبد في وجوده أثر. وهذا قول أبي الحسن الأشعري وأكثر أتباعه»([67]).
وقال النسفي-وهو ماتريدي-: «ثم الأشعرية وإن وافقتنا في حقيقة المذهب، فقد زعمت أن ما هو مقدور العبد يسمى كسباً، ولا يسمى فعلاً له، كما لا يسمى خلقاً»([68]).
وقد اضطربوا في هذا الكسب الذي أثبتوه للعبد واختلفت عبارتهم فيه.
وأشهر تفسير عندهم للكسب هو كما قال شارح أم البراهين: "والكسب مقارنة القدرة الحادثة للفعل من غير تأثير»([69]) .
وحاولوا بهذا التفسير التوسط بين الجبرية والمعتزلة، فقالوا بالكسب فراراً من قول الجبرية، وزعموا أنهم بهذا الكسب يثبتون للعبد اختياراً !، وقالوا بعدم تأثير قدرة العبد الحادثة في الفعل فراراً من قول المعتزلة وتحقيقاً تاماً لوحدانية الأفعال فلا مؤثر إلا الله وحده، ولا يوجد تأثير للأسباب في مسبباتها!!.
فهذا الكلام جعل تصنيف المذهب الأشعري بأنه مذهب جبري([70]).
أما الماتريدية : فقالوا: «إن الفعل من العبد لن يحصل إلا بوجود قدرة يخترعها الله تعالى لا قدرة للعبد عليها، وفعل يخترعه العبد لا قدرة لله تعالى عليه، وحصول الفعل المجموع مقدور بهما»([71]).
وهم بقولهم هذا يجعلون الرب جل وعلا غير قادر على بعض مخلوقاته، وهو مخالف لقول الله تعالى: ﰖﰗ[فاطر:44] .
وقالوا: بإثبات إرادة جزئية غير مخلوقة وأمرها بأيديهم والله لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره.
قال مصطفى صبري: «أما إرادة العباد..عند الماتريدية لها معنيان: إرادتهم الكلية وهي مخلوقة لله تعالى، أما إرادتهم الجزئية فغير مخلوقة، وأمرها بأيديهم، وهي ما يملكونه من أفعالهم المنسوبة إليهم، ومدار تكليفهم بها، ومسؤوليتهم عنها»([72]).
وقال: «وكثير من العلماء جعلوا كسب العباد عبارة عن إرادتهم الجزئية، وهو المشهور من مذهب الماتريدية، وربما عبروا عنها بالقصد وصرف الإرادة الكلية نحو الفعل، قالوا: إن هذه الإرادة الجزئية صادرة من العباد، وهي لا موجودة ولا معدومة، وإنما من قبيل الحال المتوسط بينهما، أو من الأمور الاعتبارية، فلا يتضمن صدورها منهم معنى الخلق؛ إذ الخلق يتعلق بالموجود..»([73]).
وقال البوطي: «إن الإرادة الجزئية التي هي عبارة عن تعلق الإرادة الكلية بجانب معيّن من الفعل والترك صادرة من العبد اختيارًا وليست مخلوقة لله تعالى لأنها ليست من الموجودات الخارجية»([74]).
وقولهم هذا وقولهم بعدم قدرة الله على فعل العبد قربهم من المعتزلة([75]).
رابعاً: منشأ ضلال القدرية والجبريّة ومن وافقهم:
إن ضلال من ضلَّ في مسألة خلق أفعال العباد له عدة أسباب تعود إلا الجهل بالكتاب والسنة، والإعراض عن منهج السلف وطريقتهم، وإعطاء العقل منزلة علية فوق نصوص الشرع، وتأثرهم بكتب الفلاسفة والكلام المذموم.
ولما سبق ذكره من أسباب تولَّد عندهم الضلال في عدة مسائل أدت بهم إلى ما وقعوا فيه من مخالفة لقول أهل السنة في مسألة أفعال العباد وهي:
1- ما يتعلق بإرادة الرب عز وجلَّ، وخلطهم بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية([76]).
قال ابن أبي العزّ الحنفي: «ومنشأ الضلال من التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبّة والرضا، فسوّى بينهما الجبريّة والقدريّة، ثم اختلفوا، فقالت الجبريّة: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوباً مرضياً، وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة لله، ولا مرضيّة له، فليست مقدّرة ولا مقضّية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه.
وقد دلّ على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنّة والفطرة الصحيحة»([77]).
2- تعليل أفعال الله، فهل أفعال الله معللة أم لا؟
فعقيدة أهل السنة: أن الله تعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها هو، وهو يُعلم العباد أو بعضهم من حكمته مما يُطلعه عليهم وقد لا يعلمون ذلك([78]).
وخالفهم قومٌ فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى خلق المخلوقات وأمر المأمورات لا لعلة، ولا لداع، ولا لباعث، بل فعل ذلك بمحض المشيئة وصرف الإرادة، وهذا قول الفلاسفة المنتسبين للإسلام كابن سينا، وهو قول الجهمية، والأشاعرة([79]).
وخالفهم آخرون فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى فعل المفعولات وخلق المخلوقات لحكمة، ولكن هذه الحكمة لا ترجع إلى فعله، وإنما لأمر آخر، ويقولون إن هذه الحكمة تُدرك بالعقل، وهذا هو قول المعتزلة([80]).
3- التحسين والتقبيح العقلي، هل العقل يُدرك حسن الأشياء وقبحها دون الشرع؟
فعقيدة أهل السنة والجماعة: عدم إطلاق القول بالتحسين والتقبيح العقلي وعدم نفيه، بل يقولون: إن عامة الشرائع تكون مشتملة على أمر بمصلحة أو نهي عن مفسدة يُدركها العقل ولو لم يرد الشرع بذلك كالعدل والظلم، فالعقل قد يدرك حسن بعض الأمور أو قبحها، ولكن الثواب والعقاب يكون بعد ورود الشرع([81]).
وقد خالف قوم فقالوا: إن العقل لا يدل على حسن الشيء أو قبحه، وإنما يُعرف الحسن والقبح من موارد الشرع، فالحَسَن ما أمر الله به، والقبيح ما نهى الله عنه، ولا حكم للعقل فهو لايحسن ولا يقبح ، وقالوا إذا جاء في الشرع: إن هذا مذموم فيجب اجتنابه وإن لم يدرك العقل قبحه، وإذا قال الشرع: هذا محمود فيجب امتثاله وإن لم يدرك العقل حسنه، وهو قول الأشاعرة([82]) وهو مشتمل على حق وباطل يعلم بما سبق ذكره من قول أهل السنة.
وخالفهم آخرون فقالوا: الحسن والقبح صفتان ذاتيتان في الأشياء، فالحاكم بالحسن والقبح هو العقل، وأما الشرع فإنما فهو كاشف ومبين، فالعقل مستقل تماماً بمعرفة الحسن والقبح ولو لم يرد الشرع، والثواب والعقاب حسب ما اقتضاه العقل من الحسن والقبح، وهو قول الجهمية والمعتزلة([83]).
4- وجوب فعل الأصلح على الله، هل يجب على الله فعل الأصلح لعباده؟
عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله تعالى قضى أن يفعل ما فيه مصلحة للعباد، كما قال تعالى:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام/12]، أي أن هذه الكتابة تفضلاً منه وإحساناً، وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم/47].
ولا يجب على الله فعل الأصلح، لكن فعل الله يتضمن المصلحة للعباد، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس/99]، ولكنه يفعل ما اقتضته حكمته جل وعلا، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير.
ما للعباد عليه حق واجب كل ولا سعـي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع([84])
وخالف قوم فقالوا: يجب على الله فعل الأصلح للعباد، ولو لم يفعل ذلك لكان ظلماً لهم! وأوجبوا على الربِّ جل وعلا وحرموا أشياء بعقولهم جعلوها شريعة له يجب عليه مراعاتها، من غير أن يوجبها هو على نفسه، ولا حرمها، وأوجبوا عليه من جنس ما يجب على العباد، وحرموا عليه من جنس ما يحرم عليهم، وهو قول المعتزلة([85]).
وخالفهم آخرون فقالوا: لا يجب على الله شيء، ولا يحرم عليه شيء بإيجابه وتحريمه، ونفوا الحِكَمَ والأسبابَ والتعليلَ، وأن يكون العبد فاعلاً أو مختاراً، وهو قول الجهمية([86]).

5- حقيقة الظلم الذي نفاه الله عز وجل عن نفسه، وحقيقة عدل الله سبحانه وتعالى.
عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الله سبحانه وتعالى حَكَمٌ عدلٌ([87])، لا يظلم الناس شيئاً، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء/40]، وقال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس/44].
والظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه لغةً وشرعاً، والله سبحانه وتعالى يضع الأشياء في مواضعها، لا يُحَمِّل المرء سيئات خلقِهِ التي لم يتسبب فيها، ولا يُعذبه على ما لم
تكسب يداه، ولا ينقص من حسناته ولا يزيد من سيئاته بغير موجِب(
[88]).
وإن الله قادرٌ على الظلم ولكنه امتنع منه تفضلاً منه ورحمة ولذلك استحق الحمد عليه.
ولهذا يقول الله تعالى في الحديث القدسي: «يا عِبَادِي إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا»([89]).
وخالفهم قوم فقالوا: إن الظلم هو التصرف في ملك الغير، ومخالفة الآمر الذي تجب طاعته.
وبناءً عليه، فالظلم من الله غير ممكن إطلاقاً، لأنه محال لذاته أي أن الله سبحانه وتعالى لم يمنع نفسه عن الظلم، وإنما هو أصلاً ممتنع عن الله، لأن كل ما سوى الله ملكه، وليس فوق الله تعالى آمر تجب طاعته، وهو قول الجهمية والأشاعرة([90]).
وبناء عليه قال الجهمية: إن الظلم هو الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة، وكل ممكن فهو عدل، وبناءً عليه قالوا بمسألة الجبر.
وقال آخرون: كل ضرر لا نفع فيه وليس بدفع ضرر فهو ظلم، وبناءً عليه فالظلم الذي حرمه الله وتنزه عن فعله هو نظير الظلم من الآدميين، وهو كل ما فيه إضرار بالآخرين من غير منفعة، وشبهوا أفعال الله حسنها وقبيحها بأفعال عباده، ولهذا يُسمون بمشبهة الأفعال، لأنهم قالوا: الشيء الحسن من أفعال المخلوقين هو حسن بالنسبة لله، والقبيح الذي ينزه الله عنه كالذي ينزه عنه المخلوق، وهو قول المعتزلة([91]).
والمعتزلة قالوا: ما كان من أفعال بني آدم قبيحاً وظلماً فإنه يكون ظلماً في حقه تعالى، وعليه قالوا: لو كان الله خالقاً لأفعال العباد التي هي ظلم لكان ظالماً.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والذى يكشف تلبيس المعتزلة أن يقال لهم: .. لا يعرف الناس من يسمى ظالماً ولم يقم به الفعل الذى به صار ظالماً، بل لا يعرفون ظالماً إلا من قام به الفعل الذى فعله وبه صار ظالماً، وإن كان فعله متعلقاً بغيره، وله مفعول منفصل عنه، لكن لا يعرفون الظالم إلا بأن يكون قد قام به ذلك، فكونكم أخذتم في حد الظالم أنه من فعل الظلم وعنيتم بذلك من فعله في غيره فهذا تلبيس، وإفساد للشرع والعقل واللغة..ثم يقال لهم: الظلم فيه نسبة وإضافة، فهو ظلم من الظالم بمعنى أنه عدوان وبغى منه، وهو ظلم للمظلوم بمعنى أنه بغى واعتداء عليه، وأما من لم يكن متعدى عليه به، ولا هو منه عدوان على غيره؛ فهو في حقه ليس بظلم لا منه ولا له»([92]).
خامساً: مناقشة الجبريّة والقدريّة ومن وافقهم إجمالاً:
فيما سيأتي من المطالب عرض لشبهات المخالفين لأهل السنة في مسألة أفعال العباد، ونقض لتلك الشبه، ولكن يحسن ذكر جواب إجمالي عن شبهاتهم.
يقول ابن أبي العزّ الحنفي في معرض ردّه على هؤلاء وهؤلاء: «وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اخلفوا فيه من الحقّ بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
فكلّ دليل صحيح يقيمه الجبريّ فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يدلّ على أن العبد ليس بفاعلٍ في الحقيقة، ولا مريد ولا مختار، وأن حركاته الاختياريّة بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار.
وكل دليل صحيح يقيمه القدري فإنما يدلّ على أن العبد فاعل لفعله حقيقةً، وأنه مريدٌ له مختار له حقيقة، وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق، ولا يدلّ على أنه غير مقدورٍ لله تعالى، وأنه واقعٌ بغير مشيئته وقدرته.
فإذا ضممت ما مع كل طائفةٍ منهما من الحق إلى حقِّ الأخرى فإنما يدلُّ ذلك على ما دلَّ عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال، وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقةً، وأنه يستوجبون عليها المدح والذمّ.
وهذا هو الواقع في نفس الأمر، فإن أدلّة الحق لا تتعارض، والحقّ يصدّق بعضه بعضاً. ويضيق هذا المختصر عن ذكر أدّلة الفريقين، ولكنها تتكافأ وتتساقط، ويُستفاد من دليل
كل فريقٍ بطلان قول الآخرين»([93]).
وَقَالَ شَيْخُ الإسْلامِ: «مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي هَذَا البَابِ وَغَيْرِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِيْنَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؛ وَهُوَ أَنَّ اللهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيْكُهُ، وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيْعُ الأَعْيَانِ القَائِمَةِ بِأَنْفُسِهَا وَصِفَاتُهَا القَائمِةُ بِهَا مِنْ أَفعَالِ العِبَادِ، وَغَيْرِ أفْعَالِ العِبَادِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَلاَ يَكُونُ فِي الوُجُودِ شَيْءٌ إِلاَّ بِمَشِيْئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، ولا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ شَاءَهُ، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَلاَ يَشَاءُ شيئاً إِلاَّ وَهُوَ قَادر عَلَيْهِ.
وَأَنَّهُ-سُبْحَانَهُ- يَعْلَمُ مَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ -لَوْ كَانَ- كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ أَفْعَالُ العِبَادِ وَغَيْرُهَا، وَقَدْقَدَّرَ مَقَادِيْرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، قَدَّرَ أَرْزَاقَهُمْ وَآجَالَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ، وَكَتَبَ ذَلِكَ وَكَتَبَ مَا يَصِيْرُونَ إِلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ وَشَقَاوَةٍ، فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِخَلْقِهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَمَشِيْئَتِهِ لِكُلِّ مَا كَانَ، وَعِلْمِهِ بِالأشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ، وَتَقْدِيْرِهِ لَهَا، وَكِتَابَتِهِ إِيَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ.
وَغُلاةُ القَدَرِيَّةِ يُنْكِرُونَ عِلْمَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَكِتَابَتَهُ السَّابِقَةَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ أَمَرَ وَنَهَى وَهُوَ لا يَعْلَمُ مَنْ يُطِيْعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيْهِ، بَلِ الأَمْرُ أُنُفٌ، أَيْ: مُسْتَأْنَفٌ، وَهَذَا القَوْلُ أَوَّلُ مَا حَدَثَ فِي الإسْلامِ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ، وَبَعْدَ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِيْ سُفْيَانَ فِي زَمَنِ الفِتْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ ابنِ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ بَنِيْ أُمَيَّةَ، فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ عَبْدِاللهِ بنِ عُمَرَ، وَعَبْدِاللهِ بنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ ظَهَرَ ذَلِكَ عَنْهُ بِالبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ.
فَلَمَّا بَلَغَ الصَّحَابَةَ قَوْلُ هَؤُلاءِ تَبَرَّؤُوا مِنْهُمْ، وَأَنْكَرُوا مَقَالَتَهُمْ كَمَا قَالَ عَبْدُاللهِ بنُ عُمَرَ لَمَّا أُخْبِرَ عَنْهُمْ: «إِذَا لَقِيْتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيْءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّيْ»([94])، وَكَذَلِكَ كَلامُ ابنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بنِ عَبْدِاللهِ وَوَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابةِ.
ثُمَّ لَمَّا كَثُرَ خَوْضُ النَّاسِ فِي القَدَرِ صَارَ جُمْهُورُهُمْ يُقِرُّ بِالعِلْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَالكِتَابِ السَّابِقِ، وَلَكِنْ يُنْكِرُونَ عُمُومَ مَشِيْئَةِ اللهِ وَعُمُومَ خَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَيَظنُّونَ أَنَّهُ لا مَعْنَى لِمَشِيْئَتِهِ إِلاَّ أَمْرُهُ، فَمَا شَاءَ فَقَدْ أَمَرَ بِهِ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ؛ فلَزِمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَشَاءُ مَا لا يَكُونُ، وَيَكُونُ مَا لا يَشَاءُ.
وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللهُ خَالِقاً لأَفْعَالِ العِبَادِ، أَوْ قَادِراً عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ عِبَادِهِ مِنَ النِّعَمِ بِمَا يَقْتَضِي إِيْمَانَهُمْ بِهِ وَطَاعَتَهِمْ لَهُ.
وَزَعَمُوا أَنَّ نِعْمَتَهُ الَّتِي بِهَا يُمْكِنُ الإيْمَانُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ عَلَى الكُفَّارِ كَأَبِيْ جَهْلٍ وَأَبِى لَهَبٍ مِثْلَ نِعْمَتِهِ بِذَلِكَ عَلَى أَبِيْ بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى وَلَدَيْهِ مَالاً قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، لَكِنَّ هَؤُلاءِ أَحْدَثُوا أَعْمَالَهُمُ الصَّالِحَةَ، وَهَؤُلاءِ أَحْدَثُوا أَعْمَالَهُمُ الفَاسِدَةَ مِنْ غَيْرِ نِعْمَةٍ خَصَّ اللهُ بِهَا الْمُؤْمِنِيْنَ، وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيْمَانِ إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[الحجرات:17]، وَقَالَ: {وَلَـكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيْمَان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحجرات:7-8]»([95]).
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مذهب السلف، ومذهب المخالفين لهم وخاصة الأشاعرة في قوله رحمه الله: « وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ - مَعَ قَوْلِهِمْ: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْعَبْدَ هَلُوعًا إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ - إنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ حَقِيقَةً وَلَهُ مَشِيئَةٌ وَقُدْرَةٌ قَالَ تَعَالَى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} {وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إنَّهُ تَذْكِرَةٌ} {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} {وَمَا يَذْكُرُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} .
وَهَذَا الْمَوْضِعُ اضْطَرَبَ فِيهِ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ النفاة:
الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ أَفْعَالٌ قَبِيحَةٌ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَكُونُ فِعْلًا لَهُ .
وَقَالَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَائِلِينَ إلَى الْجَبْرِ: بَلْ هِيَ فِعْلُهُ، وَلَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْعِبَادِ بَلْ هِيَ كَسْبٌ لِلْعَبْدِ.
وَقَالُوا: إنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي حُدُوثِ مَقْدُورِهَا وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا وَإِنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ مَقْدُورِهَا مُقَارِنًا لَهَا فَيَكُونُ الْفِعْلُ خَلْقًا مِنْ اللَّهِ إبْدَاعًا وَإِحْدَاثًا وَكَسْبًا مِنْ الْعَبْدِ لِوُقُوعِهِ مُقَارِنًا لِقُدْرَتِهِ.
وَقَالُوا: إنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مُحْدِثًا لِأَفْعَالِهِ وَلَا مُوجِدًا لَهَا، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ يَقُولُونَ: إنَّا لَا نَقُولُ بِالْجَبْرِ الْمَحْضِ بَلْ نُثْبِتُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً حَادِثَةً وَالْجَبْرِيُّ الْمَحْضُ الَّذِي لَا يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً .
وَأَخَذُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْكَسْبِ الَّذِي أَثْبَتُوهُ، وَبَيْنَ الْخَلْقِ فَقَالُوا: الْكَسْبُ عِبَارَةٌ عَنْ اقْتِرَانِ الْمَقْدُورِ بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ، وَالْخَلْقُ هُوَ الْمَقْدُورُ بِالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: الْكَسْبُ هُوَ الْفِعْلُ الْقَائِمُ بِمَحَلِّ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالْخَلْقُ هُوَ الْفِعْلُ الْخَارِجُ عَنْ مَحَلِّ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُمْ النَّاسُ: هَذَا لَا يُوجِبُ فَرْقًا بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ كَسَبَ وَبَيْنَ كَوْنِهِ فَعَلَ وَأَوْجَدَ وَأَحْدَثَ وَصَنَعَ وَعَمِلَ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ فِعْلَهُ وَإِحْدَاثَهُ وَعَمَلَهُ وَصُنْعَهُ هُوَ أَيْضًا مَقْدُورٌ بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ .
وَأَيْضًا: فَهَذَا فَرْقٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَقْدُورِ فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ أَوْ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّهَا لَا يَعُودُ إلَى نَفْسِ تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ فِيهِ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى «أَصْلَيْنِ»: 1-إنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلٍ يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّ خَلْقَهُ لِلْعَالَمِ هُوَ نَفْسُ الْعَالَمِ، وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .
2-وَالثَّانِي: إنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ مَقْدُورُهَا إلَّا فِي مَحَلِّ وُجُودِهَا، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ مَقْدُورِهَا خَارِجًا عَنْ مَحَلِّهَا . وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ .
وَأَيْضًا فَإِذَا فُسِّرَ التَّأْثِيرُ بِمُجَرَّدِ الِاقْتِرَانِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَارِقُ فِي الْمَحَلِّ أَوْ خَارِجًا عَنْ الْمَحَلِّ.
وَأَيْضًا قَالَ لَهُمْ الْمُنَازِعُونَ: مِنْ الْمُسْتَقِرِّ فِي فِطَرِ النَّاسِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْعَدْلَ فَهُوَ عَادِلٌ، وَمَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ فَهُوَ ظَالِمٌ، وَمَنْ فَعَلَ الْكَذِبَ فَهُوَ كَاذِبٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فَاعِلًا لِكَذِبِهِ وَظُلْمِهِ وَعَدْلِهِ بَلْ اللَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَّصِفَ بِالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ!..»([96]).

المطلب الأول
شبه القدرية الجبرية والرد عليها([97])
استدل الجبرية بأدلة نقلية وعقلية على أن الله سبحانه تعالى خالق كل شيء، ورب كل شيء ومليكه، ووافقوا أهل السنة في أن الله عز وجل خالق أفعال العباد، لكنهم فارقوهم حيث نسبوا أفعال العباد إلى الله بأنه فاعلها حقيقة، ونفوها عن العباد حقيقة، وجعلوا نسبتها إليهم مجازاً.
ولهم في ذلك تلبيسات وشبهات نقلية وعقلية، أذكر بعضها والله الموفق.
1- الآيات التي تدل على أن الله خالق كل شيء: مثل قوله تعالى:{ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الأنعام:102].
وقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الزمر:62.
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} فاطر:3.
فهذه الآيات تدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه لا خالق إلا هو، وأفعال العباد شيء؛ فالله خالقها وحده، ومن ثم فلا قدرة، ولا إرادة للعباد في أفعالهم؛ فهم مجبورون غير مختارين([98]).
المناقشة:
أما دلالة الآيات على أن الله خالق كل شيء فهذا حق، وعقيدة أهل السنة أن الله خالق كل شيء، وخالق العباد وأعمالهم.
ولكن ليس في الآيات ما يدل على نفي أن العبد فاعل لفعله على الحقيقة، وليس فيها نفي إرادة العبد لأفعالهم، بل قد دلت الأدلة المتكاثرة على أن أفعال العباد تنسب إليهم فعلاً، ومن ذلك الإرادة والمشيئة، وتنسب إلى الله خلقاً وإيجاداً..
2- الآيات التي تثبت المشيئة لله وحده، وأنه لا مشيئة للإنسان إلا تحت مشيئة الله: كقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} الإنسان:30.
وقوله -عز وجل-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} التكوير:29.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر:31].
وغيرها من الآيات في هذا السياق؛ فهم يرون أن الإنسان إذا كان مسلوب الإرادة، والله هو الذي يشاء ويريد، ويهدي ويضل - فهو الخالق لأعمال العباد، وهم مجبورون لا إرادة لهم، ولا مشيئة، ولا خلق([99]).
المناقشة:
أن هذه الأدلة رد عليهم وليس لهم فيها حجة؛ لأنها تثبت أن للعبد مشيئة، وليس فيها أن العبد مسلوب الإرادة والمشيئة كما يزعمه الجبرية.
فالله يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فنسب للعبد مشيئة، وعلق نفوذها بمشيئة الله عز وجل، فأثبت في الآية مشيئتين:
مشيئة لله، ومشيئة للعبد متعلقة بمشيئة الله، فلا يشاء العبد إلا ما شاءه الله وأراده كوناً وقدراً.
3- ويستدلون بالآيات التي تنفي الفعل عن العبد، وتثبته لله: كقوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّاللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىوَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌعَلِيمٌ}[الأنفال 17]. فنفى عن نبيه الرمي، وأثبته لنفسه عز وجل، فدل علىأنه لا صنع للعبد. وكذلك قوله - عز وجل -: {إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}[النساء:78].
فهذه الآيات وما جرى مجراها - عندهم - نص في أنَّ الإنسان لا إرادة له ولا فعل([100]).
المناقشة:
نوقش استدلال الجبرية بالآية الكريمة على ما ذهبوا إليه من الجبر بأن الآيةتشهد عليهم لا لهم فإنه تعالى أثبت لنبيه رمياً بقوله: {فَلَمْتَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَوَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّاللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فعلم أن المثبت غير المنفي، وذلك لأن الرمي لهابتداء وهو الحذف وله اِنْتِهَاء وهو الإصابة، وكل منهما رمي، فيكون المعنى- واللهأعلم- وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أَصَابَ.
وإلا فطرد قولهم: وَمَا صليت إذ صليت، وما صمت إذ صمت، وما زنيت إذ زنيت وما سرقت إذ سرقت، وفساد هذا ظاهر([101]).
4- أن الجزاء غير مترتب على الأعْمَال بدليل: قوله r: «لن يدخل أحد الجنة بعمله»، قالوا: ولاأنت يَا رسول الله؟ قَالَ: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»([102]).
المناقشة:
نوقش: بأن البَاء التي في النفي غير البَاء التي في الإِثْبَات في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الزخرف/72].
فَالنَّفْي في قوله: «لن يدخل أحد الجنة بعمله» بَاء العِوَض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الجنة، كما زعمت المعتزلة أن العَامِل يستحق دخول الجنة على ربهبعمله! بل ذلك برحمة الله وفضله([103])، والباء في قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} باء السببية والجزاء.
5- واستدلوا بالعقل فقالوا: إن الله عَلِمَ وأراد أزلاً وجود أفعال العباد، وتعلقت قدرته بوجودها فيما لا يزال؛ فما وقع من أفعال العباد فهو بقضاء الله وقدرته، والعباد مجبورون عليها([104]).
المناقشة:
أن علم الله بوجود أفعال العباد، وإرادته وجودها كوناً وقدراً، وتعلق قدرته سبحانه وتعالى بوجودها ووقوعها بقضاء الله وقدره لا يلزم أن يكون العباد مجبورين عليها كما سبق بيانه من عقيدة أهل السنة، وكذلك فيما سبق من رد على ما توهموا من أدلة كتاب الله، بل الأدلة مثبتة لمشيئة العباد، وأن لهم قدرة وإرادة، وأنهم ليسوا مجبورين، بل مشيئتهم متعلقة بمشيئة الله، ولا يكون في الوجود شيء إلا بإرادة الله ومشيئته.
فلا يحيل العقل ولا يمنع وجود مشيئة للعبد تحت مشيئة الله، وأن العبد غير مجبور وإلا لكان العابد على الحقيقة هو الله! كما هو ظن المجبرة، ومن المعلوم شرعاً وعقلاً أن الله هو المعبود، وأن العابد هو العباد.

المطلب الثاني
شبه القدرية النفاة والرد عليها([105])
كان مِمَّا استدل به القدرية النفاة على دعواهم أدلة نقلية وعقلية، أما الأدلة النقلية:
1-استدلالهم بالآيات الدالة على إثبات المشيئة للعباد: كقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}[التكوير:28]، وقوله:{مَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف:29]، وقوله -عز وجل-: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[المدثر:37].
وغيرها من الآيات الدالة على إثبات المشيئة للعباد، فقالوا: لو لم تكن أفعالهم لما علق مشيئتهم عليها.
المناقشة:
أن الآيات التي تثبت المشيئة للعباد، فهي معارضةبما سبق في أدلة الجبرية، من الآيات التي تثبت المشيئة لله، وأنه لا مشيئة للعبادإلا تحت مشيئة الله، ونحن نثبت للعبد مشيئة وإرادة، ولكنها خاضعة لمشيئة اللهسبحانه وتعالى.
2-واستدلوا بالآيات التي تبين أن العباد هم الذين يؤمنون ويكفرون، ويطيعون ويعصون،كما في قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى}[الإسراء:94]، وقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}[البقرة:28]، وقوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[النساء:39]، وقوله تعالى: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[آل عمران:71].
قالوا: كيف يكون الله خالقاً لأفعال العباد مع أن هذه الآيات تنص على أنهم هم الذين يؤمنون، ويكفرون، ويلبسون الحق بالباطل؟
فلو لم تكن أفعالهم حقيقة لما عاتبهم، وذمهم على ترك الإيمان، وفعل الكفر([106]).
المناقشة:
أن الآيات التي تثبت أن العباد هم الذين يؤمنونويكفرون، ويطيعون ويعصون، فهي بناء على أنهم هم الذين يريدون ذلك، وهم الذينيفعلونه، وأهل السنة يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة، ولكن الزعم أن ذلك يدل على أنالله لا يكون خالقاً لأفعال العباد، هو الباطل المردود الممنوع، لأنه لا تعارض بين كون العبد فاعلاً لفعله حقيقة، والعبد وأفعاله مخلوقة لله جل وعلا.
3- وكذلك استدلوا على آيات الجزاء كما في قوله تعالى:ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ[السجدة:17]، وقوله تعالى:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[التوبة:82].
قالوا: ولو لم يكن العباد هم العاملين والخالقين لأفعالهم، والصانعين لها لكان هذا الكلام كذباً، وكان الجزاء على ما يخلقه فينا ضعيفاً([107]).
المناقشة:
أن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات، فالمنفي في قوله r : «لن يدخل الجنة أحد بعمله»([108])، باء العوض، وهو أن يكون العملكالثمن لدخول الرجل إلى الجنة، كما زعمت المعتزلة أن العامل مستحق دخول الجنة علىربه بعمله، بل ذلك برحمة الله وفضله، والباء في قوله تعالى: ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ[السجدة:17]، وغيرها، باء السبب، أي بسببعملكم، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل اللهورحمته.
4- واستدلوا بمثل قوله تعالى:ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ[النمل:88].
ووجه استدلالهم أن الله بين في هذه الآية أن أفعاله كلها متقنة، والإتقان يتضمن الإحكامَ، والحسنَ جميعاً، ومعلومٌ أن في أفعال العباد ما يشتمل على التهود، والتنصر، والتمجس، وليس شيء من ذلك متقناً؛ فلا يجوز أن يكون الله خالقاً لها([109]).
المناقشة:
أن معنى قوله تعالى: ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎأن الجبال صنع اللهتعالى وهو سبحانه أتقن كل شيء، أي : أتقن كل ما خلق، وأحكمه، وأودع فيه من الحكمة ما أودع،ﰐ ﰑ ﰒتعليل لما قبلها من كونه صنع ما صنع، وأتقن كل شيء، ومعناها أنه عليم بما يفعل عباده من خير وشر، وسيجازيهم عليه أتمالجزاء([110]).
أما ما يقع من الكفر، والمعاصي،والقبائح، فقد قدرها سبحانه أزلاً، ولو شاء ألا توجد لما وجدت، والعباد هم الذينيفعلونها، وتنسب إليهم، وهي من مخلوقاته-تعالى-، لكنه لم يجبرهم عليها . والكفر والتنصر، والتمجس، وإن كان غير متقن في ذاته، بل هو من أعظم الباطل، إلاأن الله شاء وجودها لحكم عظيمة، ومن أهمها : الاختبار، والامتحان لعباده، منالذي يعبده حق العبادة، ومن الذي يكفر به ويشرك معه غيره، وغلطُ المعتزلة نشأ-كما أسلفنا-من الخلط بين ما هو خلق لله، ينسب إليه، وبين ما هو من مخلوقاته،كالقبائح والطعوم والروائح وغيرها التي تنسب إلى مسبباتها([111]).
5- واستدلوا بقوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَاالْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَلَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُالْخَالِقِينَ}[المؤمنون: 14]، فسمى غيره خالقاً، وعليه يسمى العبد خالقاً لفعله([112]).
المناقشة:
نوقشبأن المراد بالخلق في هذه الآية هو التقدير، بدليل قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍوَكِيلٌ}[الزمر: 62]. أي خالق كل شيء مخلوق، وقد دخلت أفعال العبادكُلّهَا في هذا العموم.
وإن تعجب فعجب أن يدخل المعتزلة في هذا العموم كلام الله وهو صفة من صفاته يستحيل عليه أن يكون مخلوقاً، وأن يخرجوا من هذا العمومأفعال العباد التي هي مخلوقة له وداخلة في هذا العموم حَتْمًا، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96].
ولا نقول أن "ما" مصدرية: أي خلقكم وعملكم، إذ سياق الآية يَأْبَاهُ، لأن إبراهيم عليه السلام إنما أنكر عليهم عبادة المنحوت لا النحت، ولو لم يكن النحت مخلوقاً للهتعالى لم يكن المنحوت مخلوقاً له بل الخشب والحجر لا غير.
ولا منافاة بين كون العبدمحدثاً لفعله، وكـون هذا الإحـداث وجب وجوده بمشيئة الله تعالى. قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَاوَتَقْوَاهَا}[الشمس: 7، 8]. فقوله: {وَنَفْسٍ وَمَاسَوَّاهَا}؛إِثْبَات للقدر، وقوله: {فَأَلْهَمَهَافُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}؛إِثْبَات لفعل العبد بإضافة الفجور والتقوى إلىنفسه، ليعلم أنها هي الفَاجِرَة وهي المتقية([113]).
6- أن خلق الله لا يتفاوت، ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ [الملك:3]، وما يقوم بالعباد يتفاوت من طاعة ومعصية ([114]).
المناقشة:
إن الآية وردت في خلق السماوات، قال تعالى:ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ، وإن كان الأولى تعميم الآية لتقررتناسب خلقه - سبحانه وتعالى -، وإتقانه، وتناهي حسنه، فيشمل خلق السموات وغيرها،
وعلى هذا فقدتولى ابن حزم -رحمه الله- مناقشة المعتزلة، فقال : «وأما قوله تعالى:ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴفلا حجة لهم في هذا أيضاً ؛ لأن التفاوت المعهود، هوما نافر النفوس، أو خرج عن المعهود، فنحن نسمي الصورة المضطربة بأن فيها تفاوتاً، فليس هذا التفاوت الذي نفاه الله - تعالى - عن خلقه، فإذاً ليس هو هذا الذييسميه الناس تفاوتاً، فلم يبق إلا التفاوت الذي نفاه الله - تعالى - عما خلق، هوشيء غير موجود فيه البتة ؛ لأنه لو وجد في خلق الله - تعالى - تفاوت، لكذب قولالله عز وجل:ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ، ولا يُكذِّب الله - تعالى - إلاكافر، فبطل ظن المعتزلة، أن الكفر، والظلم، والكذب، والجور، تفاوت ؛ لأن كلذلك موجود في خلق الله عز وجل، مرئي فيه، مشاهد بالعيان فيه، فبطل احتجاجهم،والحمد لله رب العالمين .
فإن قال قائل : فما هذا التفاوت الذي أخبر الله عز وجلأنه لا يرى في خلقه ؟ قيل: ... إن العالم كله ما دون الله - تعالى - هو مخلوق لله- تعالى - أجسامه وأعراضه كلها، لا نحاشي منها شيئاً، ثم إذا نظر الناظر في تقسيمأنواع أعراضه، وأنواع أجسامه، جرت القسمة جرياً مستوياً في تفصيل أجناسه،وأنواعه، بحدودها المميزة لها، وفصولها المفرقة بينها، على رتبة واحدة، وهيئةواحدة، إلى أن يبلغ إلى الأشخاص التي تلي هذه الأنواع، لا تفاوت في شيء من ذلكالبتة، بوجه من الوجوه، ولا تخالف في شيء منه أصلاً»([115]).
مناقشة أدلتهم العقلية :
1-قالوا إن هناك فرقاً بين الأمور الاختيارية والأمور الاضطرارية، إذ نحن نفصل بين المحسن والمسيء وبين حسن الوجه وقبحه، فنحمد المحسن على إحسانه ونذم المسيء على إساءته، ولا تجوز هذه الطريقة في حسن الوجه وقبحه قالوا فلولا أن أحدهما متعلق بنا والآخر غير متعلق بنا لما فصلنا بينهما. (لأنهم ينكرون خلق الله لأفعال العباد) ([116]).
المناقشة:
دعوى التفريق بين الأمورالاختيارية، والأمور الاضطرارية، والفصل بين المحسن والمسيء، وبين حسن الوجهوقبيحه، هذه الدعوى مقبولة، ودل عليها الشرع والعقل، والثواب والعقاب مترتب علىالأمور الاختيارية دون الاضطرارية، ولكن من أين دل هذا على أن الله غير خالقلأفعال العباد، وأن العباد وحدهم هم الخالقون له ؟ إنه لا دليل فيها مطلقاً، إذما نفعله بالاضطرار خلق الله، والله لا يحاسبنا عليه، بل قد يجزي عباده على مايبتليهم به من الأمراض، وعموم الابتلاءات، إذا صبروا عليها، وردوا الأمر إلىقضاء الله وقدره، أما ما نفعله بالاختيار، والمشيئة التي أعطانا الله إياها،فإنه فعل لنا حقيقة، ونحن مسئولون عنه، ولا يمنع ذلك أن يكون مخلوقاً للهسبحانه وتعالى.
2-قالت المعتزلة: وجدنا أفعالنا واقعة على حسب قصدنا، فوجب أن تكون خلقاً لنا، وفعلاً لنا؛ قالوا: وبيان ذلك؛ أن الواحد منا إذا أراد أن يقوم قام، وإذا أراد أن يقعد قعد، وإذا أراد أن يتحرك تحرك، وإذا أراد أن يسكن سكن، وغير ذلك. فإذا حصلت أفعاله على حسب قصده ومقتضى إرادته، دل على أن أفعاله خلق له وفعل له .
يقول القاضي عبدالجبار: «... طريقة أخرى في أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم، وأنهم المحدثون لها. وتحريرها: هو أن هذه التصرفات يجب وقوعها بحسب قصودنا ودواعينا، ويجب انتفاؤها بحسب كراهتنا وصرفنا، مع سلامة الأحوال؛ إما محققاً أو مقدراً، فلولا أنها محتاجة إلينا ومتعلقة بنا؛ وإلا لما وجب ذلك فيها»([117]) .
ويقول ابن منتويه – وهو يسوق الدلالة على أن الواحد منا فاعل على الحقيقة -: «...إن العلم بوقوع تصرفنا بحسب دواعينا وقصودنا وغير ذلك من أحوالنا حاصل على وجه لا يمكن دفعه عن النفس، ومعلوم استمرار ذلك... فكل ما نقض هذه الجملة يجب بطلانه»([118]).
المناقشة:
إن هذه الشبهة باطلة، وبيان ذلك من وجوه، منها:
أولاً: قولهم "إن أفعال العباد تحصل بحسب قصودهم.." غير صحيح على إطلاقه، فإنا نرى من يريد شيئاً ويقصده، ولا يحصل له ما يريده وما يقصده، فإنه ربما أراد أن ينطق بصواب فيخطئ، وربما أراد أكلا لقوة وصحة، فيضعف ويمرض؛ وربما ابتاع سلعة ليربح فيخسر، وربما أراد القيام فيعرض له ما يمنعه منه إلى غير ذلك، فبطل ما ذكرتموه، وصح أن فعله خلق لغيره يجري على حسب مشيئة الخالق تعالى، وإنما يظهر كسبه لذلك الفعل بعد تقدم المشيئة والخلق من الخالق .
ثانياً: إن وقوع الكسب من الخلق على حسب القصد منهم، لا يدل على أنه خلق لهم... ودليل ذلك: أن مشي الفرس مثلاً... يحصل على قصد الراكب وإرادته من عدو وتقريب... ووقوف إلى غير ذلك. ولا يقول عاقل: إن الراكب خلق جري الفرس ولا سرعتها ولا غير ذلك من أفعالها، فبطل أن يكون حصول الفعل على قصد الفاعل دليلاً على أنه خلقه. ومثل ذلك السفن يحصل سيرها وتوجهها في السير يميناً وشمالاً على حسب قصد الملاح، ولا يدل ذلك على أن الملاح خلق سير السفن ولا توجهها. فإن كابروا الحقائق وقالوا: نقول: إن ذلك خلقه الملاح والفارس، فقد خرجوا عن الدين وسووا بين الخالق والعباد في أن قدرة كل واحد منهما تتعلق بمقدورات، وهذا كفر صراح.وإن قالوا: حركات السفن تقع على حسب قصد الملاح، وليست بخلق له قلنا: فكذلك أفعال أحدنا قد تقع – ولا نقول: إنها تقع في كل حال – على حسب قصده، ولا يدل ذلك على أن خلقها... يؤكد ذلك – أيضاً – أن نمو الزرع يحصل على حسب قصد الزارع وقيامه عليه بسقيه، وغير ذلك، ولا يقول أحد أن نمو الزرع خلقه الزارع.. وإن كان حاصلاً على حسب إرادة القائم عليه وقصده؛ وكذلك فيما يحصل من الواحد منا إذا أراد الله تعالى حصوله على حسب قصده لا يدل على أنه هو خلقه، بل الخالق له هو الله تعالى .
ثالثا: أهل السنة لا يقولون: إن العبد مجبور على أفعاله حتى يلزمهم ما ذكروه بل يقولون: إن العبد له قدرة ومشيئة لكنها تحت قدرة الله ومشيئته.
وإذا كان العبد غير مجبور على أفعاله، وأن له قدرة ومشيئة، فإن ما يحصل منه من تصرفات قد تقع على حسب قصده لا يمنع أن تكون بهذه القدرة التي أعطاه الله إياها، والتي لا تخرج عن قدرة الله الشاملة. وعلى ذلك فكون العبد يحصل له بعض التصرفات على حسب قصده لا يدل على أنه هو الخالق لأفعاله، وعليه فتبطل هذه الشبهة. والله أعلم([119]).
3- قال المعتزلة: إنّه يقبح منه تعالى تكليفنا فعل الطاعات واجتناب المعاصي; لأنّـا غير قادرين على ممانعة القديم..
فإذا كان الفاعل فينا للمعصية هو الله تعالى لم نقدر على الطاعة; لأنّ الله تعالى إنْ خلق فينا فعل الطاعة كان واجب الحصول.. وإنْ لم يخلقه كان ممتنع الحصول. ولو لم يكن العبد متمكّـناً من الفعل والترك، كانت أفعاله جارية مجرى حركات الجمادات، وكما إنّ البديهة حاكمة بأنّه لا يجوز أمر الجماد ونهيه ومدحه وذمّه، وجب أن يكون الأمر كذلك في أفعال العباد([120]).
المناقشة:
أن هذا مردود بأن الله تعالى خالق أفعال العباد، بمعنى أنهامخلوقة له، والعباد فاعلون لأفعالهم، ولهم قدرة على الفعل والترك، وهم متمكنونمن ذلك بما مكنهم الله تعالى، وهذا لا يعارض ما سبق من أن الله يعلم ما هم عاملون، وأنه خالق أفعالهم،وفرق أفعال العباد عن الجمادات لا يحتاج إلى بيان ؛ لأننا نقول : إن العباد فاعلونحقيقة، ولهم إرادة ومشيئة، وبهذه افترقوا عن الجمادات، وخوطبوا بتكليف الشرع([121]).
4-قالت المعتزلة : لو كان اللهخالقاً لأفعال العباد، لبطل الثواب والعقاب ؛ إذ كيف يعاقبهم الله على أمر خلقهفيهم ؟ ...
المناقشة:
أنه قد ثبتبالأدلة القاطعة، أن الله خالق أفعال العباد، كما ثبت بالأدلة القاطعة، أنالإنسان مكلف، وأنه سيلقى الجزاء يوم القيامة على ما عمله في الدنيا، والله-سبحانه وتعالى- قد أقام الحجة على العباد، وأعطاهم المشيئة والقدرة على الاختيار، والعباد هم الفاعلون حقيقة لأفعالهم، وإن كانت أفعالهم كلها مخلوقة لله-تعالى-: فإذا ثبت هذا، ووضح الحق لطالب الحق، بطل هذا السؤال الوارد ؛ إذ لا تعارضالبتة بين تكليف العباد، وبين خلق الله لأفعالهم ؛ لأن الله مكنهم، وأقام الحجةعليهم، ولم يجبرهم، وأخبر أنه ليس بظلام للعبيد، وأنه لا يظلم الناس مثقال ذرة،والله فطر العبد على محبته، وتألهه، والإنابة إليه، فإذا لم يفعل العبد ما خلقله، وفطر عليه، عوقب على ذلك، بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي.
5-قال المعتزلة: إن الفعل الواحد لا يجوز أن يحدث من جهتين، ولا من قادرين، ولا بقدرتين، لأن الحدوث الذي يتعلق بالقادر هو من الصفات التي لا تقبل التزايد، بل ليس للمحدث بكونه حادثاً أزيد من صفة واحد([122]).
المناقشة:
أن هذا الدليل قد يكون دليلاًللجبرية الذين أثبتوا الفعل لله ونفوه عن العبد، والمعتزلة أثبتوا الفعل للعبدونفوه عن الله!
وسبب غلطهم جميعاً أنهم غفلوا عن الفرق بين ما هو خلق الله-تعالى-وما هو مخلوق له-سبحانه وتعالى-، وأفعال العباد مخلوقة لله-تعالى-، وليستهي نفس فعل الرب وخلقه، حتى لا يضاف إلى الله-تعالى-ما يفعله العباد، منالظلم والكذب، والقبائح ؛ لأن هذه الصفات يتصف بها من كانت فعلاً له، كما يفعلهاالعبد وتقوم به، ولا يتصف بها من كانت مخلوقة له، إذا كان قد جعلها صفة لغيره،كما أنه سبحانه لا يتصف بما خلقه في غيره من الطعوم والألوان والروائح والأشكالوالمقادير والحركات، وغير ذلك([123]).
6- قالت المعتزلة: إن في أفعال العباد ما هو ظلمٌ وجور فلو كانت مخلوقة لله لصح نسبتها إليه، والله منزه عن ذلك.
يقول القاضي عبدالجبار: «وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقاً لأفعال العباد؛ هو أن في أفعال العباد ما هو ظلم وجور، فلو كان تعالى خالقاً لها؛ لوجب أن يكون ظالماً جائراً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً»([124]).
وقالوا: «... كيف يستقيم الحكم على قولكم بأن الله يعذب المكلفين على ذنوبهم، وهو خلقها فيهم؟ فأين العدل في تعذيبهم على ما هو خالقه فيهم؟»([125]).
المناقشة:
قولهم "إن في أفعال العباد ما هو ظلم وكذب... فلو كان الله خالقاً لها لنسبت إليه" باطل من وجوه:
أ-هذا الإلزام غير صحيح؛ لأن كون الباري تعالى خالقاً لا يوجب أن يتصف بما خلق من ظلم وكذب وطاعة ومعصية؛ لأن هذه الصفات؛ إنما هي لمن قامت به، فالظلم خلق من ظلم وكذب وطاعة ومعصية؛ لأن هذه الصفات؛ إنما هي لمن قامت به، فالظلم مثلاً: صفة للظالم... ألا ترى أن الأسود صفة لمن قام به السواد، ولا يكون صفة لله تعالى، وإن كان تعالى هو خالق السواد، فكذلك الظلم والكذب والطاعة والمعصية كلها صفات لمن حلت به ولا يوجب ذلك وصف خالقها بها([126]).
ب-وهذه الصفات من ظلم وكذب وجور ومعصية وطاعة... إنما خلقها سبحانه وتعالى لمن حلت فيه، فالظلم خلقه تعالى للظالم به، وخلق الجور للجائر به، وكذلك الكذب والمعصية... كما أنه خلق الظلمة للمظلم بها، وخلق الضوء للمستضيء به... فكما أنه تعالى خلق الظلمة لليل، والضياء للنهار... ولم يوجب ذلك كونه ظلمة ولا ضياء، فكذلك خلق الطاعة للطائع بها، والكذب كذباً للكاذب به، والجور جوراً للجائر به؛ ولم يوجب ذلك كونه جائراً ولا ظالماً ولا كاذباً... فصح أن خلقه تعالى لهذه الصفات لا يلزم وصفه بها ([127]).
ج- أن الظلم والجور لا يكون ظلماً ولا جوراً إلا إذا خالف الآمر... وهذا كله يصح الوصف به لمن فوقه آمر أمره وناه نهاه، وهم الخلق... وأما الخالق فليس فوقه آمر ولا ناه، فلا يصح وصفه بشيء من هذا([128]).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فالإنسان يوصف بالظلم لأنه مخالف لأمر ربه، ولأنه قد يتصرف في ملك غير بغير إذنه/ والرب تعالى ليس فوقه آمر، ولا لغيره مُلْكٌ، بل إنما يتصرف في ملكه، فكل ما يمكن فليس بظلم..» ([129]).
فإذا كان لا يلزم من كونه تعالى خالقاً للجور والظلم وصفه بشيء منها إضافة إلى أنه لا يصح وصفه بهذه الصفات، لأنها تستلزم أن يكون فوقه تعالى آمر، والله يتنزه عن ذلك. إذا كان الأمر كذلك؛ بطل قولكم "إن في أفعال العباد ما هو ظلم وكذب... فلو كان الله خالقاً لها لنسبت إليه"، وبذلك يبطل الجزء الأول من الشبهة. والله أعلم.
وقولهم:«كيف يعذب الله المكلفين على ذنوبهم وهو خلقها فيهم، فأين العدل في تعذيبهم على ما هو خالقه فيهم؟»
مردود بأن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية، وإن كانت خلقاً لله تعالى فهي عقوبة له على ذنوب قبلها، فالذنب يكسب الذنب ومن عقاب السيئة السيئة بعدها، فالذنوب كالأمراض التي يورث بعضها بعضاً. بقي أن يقال: فالكلام في الذنب الأول الجالب لما بعده من الذنوب. يقال: هو عقوبة أيضاً على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه، فإن الله سبحانه وتعالى خلقه لعبادته وحده لا شريك له، وفطره على محبته وتأليهه والإنابة إليه، كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا... الآية}[الروم: 30].
فلما لم يفعل ما خلق له وفطر عليه من محبة الله وعبوديته عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي، فإنه صادف قلباً خالياً قابلاً للخير والشر، ولو كان فيه الخير الذي يمنع ضده لم يتمكن منه الشر قال تعالى: {... كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف: 24]...
وأما إذا صادف قلباً فارغاً تمكن منه بحسب فراغه فيكون جعله مذنباً مسيئاً في هذا الحال عقوبة له على عدم الإخلاص، وهو محض العدل.فإن قيل: فذلك العدم من خلقه فيه؟ فالجواب: هذا سؤال فاسد. فإن العدم كاسمه لا يفتقر إلى التكوين والإحداث، فعدم الفعل ليس أمراً وجودياً حتى يضاف إلى الفاعل([130]).
وبذلك تبطل هذه الشبهة. والله أعلم([131]).





المطلب الثالث
شبه الأشاعرة والرد عليهم والماتريدية
أولاً: نقض شبه الأشاعرة([132]):
قد سبق بيان أن الأشاعرة يثبتون أن الله خالق أفعال العباد، ووافقوا أهل السنة في هذه القضية، ولكنهم أتوا بنظرية الكسب، وزعموا أنهم بذلك يثبتون للعبد اختياراً، وقالوا بعدم تأثير قدرة العبد الحادثة في الفعل فراراً من قول المعتزلة وتحقيقاً تاماً لوحدانية الأفعال فلا مؤثر إلا الله وحده، ولا يوجد تأثير للأسباب في مسبباتها!!.
المناقشة:
أولاً: مناقشة تفسير الأشاعرة للكسب بالاقتران:
قولهم باطل لأنه مخالف للغة العرب، واستعمال القرآن الكريم، فهو في اللغة بمعنى الطلب والجمع([133])، وهو في القرآن لم يخرج عن هذا المعنى، فمن ذلك قول الله تعالى: {أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}[البقرة: 267]، وهو يستعمل في فعل الصالحات والسيئات، فمن الأول قوله تعالى: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}[الأنعام: 158] ومن الثاني قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}[البقرة: 79] ومن الآيات التي تجمع بينهما قوله تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ}[عمران: 161].
فظهر مما تقدم أن الكسب يرجع إلى ما يكسبه الإنسان من عمل القلب أو عمل الجوارح وهو المعبر عنه بالاجتراح والعمل، وظهر أن تفسير الأشعرية للكسب بالمقارنة قول لم يسبقوا إليه([134]) .
ثانياً: إثباتهم قدرة للعبد غير مؤثرة فراراً من القول بأن ذلك يفضي إلى إثبات مؤثر غير الله تعالى، فيستلزم القول بأن أفعال العباد مخلوقة لهم بقدرتهم قول تبين ضعفه فإنه إذا تبين أن الله قد خلق العبد وخلق صفاته التي بها يقع الفعل من القدرة والإرادة وهما من أسباب العمل، وخلق أيضاً عمله على وفق سنته من تأثير الأسباب في مسبباتها فلا حرج بعد ذلك، ولا يلزم أن تكون الأسباب هي الخالقة للفعل.
ثالثاً: إن بناء التكليف على هذه المقارنة غير معقول وينتهي إلى القول بتكليف العاجز، وهذا هو الذي دفع الأيجي إلى وصفه الأشعرية بأنهم مجبرة متوسطة([135])، ودفع التفتازاني إلى أن يقول: "فالإنسان مضطر في صورة المختار"([136])، ودفع الرازي بعد أن أورد إشكالات على كسب الأشعري: "وعند هذا التحقيق يظهر أن الكسب اسم بلا مسمى"([137]).
رابعاً: إثبات مقارنة القدرة الحادثة للفعل قول عند التحقيق قصد به مخالفة الجبرية وهو ليس بشيء، كما تقدم في الفقرة السابقة، إذ يقال لهم: ما الداعي لذكرها إذاً إذا كانت لا تؤثر؟، وما المزية لها في الذكر إذا كانت لا تؤثر في الفعل؟. فإن قولكم: الفعل يقارن القدرة الحادثة قول لا طائل تحته إذ يمكن أن نقول: إنه يقارن العلم والسمع والبصر الحادث وغير ذلك من الصفات... فصار بهذا ذكرهم للقدرة لا معنى له وهو مجرد تمويه([138]).
وقد تنازع الأشعرية في معنى قدرة العبد على الطاعة. فقال الأشعري: هي العرض المقارن للطاعة. وهذا فيما حكاه عنه الأشاعرة. وقال إمام الحرمين: هي سلامة السباب والآلات([139]).
وأورد على كلام الأشعري الإلزام الذي تقدم، وهو أنه يلزم من هذا تكليف العاجز، لأن التكليف على قوله واقع قبل إقدراه على العمل.
وأجيب عن هذا الإيراد بجوابين بناء على أن العرض هل يبقى زمانين أو لا؟
فعلى قول الأشعري: إن العرض لا يبقى زمانين:فالجواب: إن العبد قادر بالقوة لما اتصف به من سلامة الأسباب والآلات. وهي التي عليها اعتبار التكليف. وعلى القول بأن العرض يبقى زمانين فإنه لا مانع من تقدم القدرة على الطاعة، ولكن ما زال الإشكال باقياً عليه في عدم فائدة هذه القدرة غير المؤثرة!
وأما تفسير إمام الحرمين فأورد عليه: أن الكافر أيضاً يكون قادراً بهذا الاعتبار على الطاعة، فاحتاجوا إلى إدخال جملة أخرى تكون قيداً لكلامه وهي:"وتسهيل سبيل الخير إليه" وبهذا يخرج الكافر([140]) . مع ملاحظة أمرين:الأول: إن إمام الحرمين نص على مسألة تسهيل سبيل الخير في رسالته النظامية([141]) .الثاني: إن إمام الحرمين أثبت قدرة للعبد مؤثرة في مقدورها([142]). ولكي يكون هذا القول صواباً لابد من تفسير التأثير تفسيراً صحيحاً وهو: أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة لا أنها منفردة بالإيجاد سواء كان في صفة الفعل أو ذاته. ومع هذا فما خلقه الله فعلاً للعبد كان العبد هو الفاعل له حقيقة، لأنه قائم به، والشيء إنما يوصف به من قام به([143]) .
ثانياً: نقض شبه الماتريدية:
ما زعمه الماتريدية من أن الفعل من العبد يحصل بوجود قدرة يخترعها الله تعالى لا قدرة للعبد عليها، وفعل يخترعه العبد لا قدرة لله تعالى عليه، وحصول الفعل المجموع مقدور بهما من المخالف للكتاب والسنة، فالله خالق كل شيء، ولا يخرج شيء من خلقه عن قدرته عليه، وخلقه له: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الزمر/62]،{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة/284] فلا يمكن أن يخرج العبد عن قدرة الله، كما أنه لا يكون إلا مخلوقاً لله هو وفعله القائم به: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات/96].
فما قام به الماتريدية من إخراج شيء من مخلوقات الله عن قدرته من الفرية العظيمة على الله عز وجل{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}[الكهف/5].
وما زعمه الماتريدية من أن الإرادة الجزئية من العبد غير مخلوقة لله تعالى لأنها منزلة ما بين الموجود والمعدوم، وادعاء أن العباد يملكون إرادتهم الجزئية لكونها غير مخلوقة لله باطل لأنه يعود إلى قول المعتزلة بتعدد الخالقين، ولا خالق إلا الله {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}
وما يرد به على المعتزلة يرد به على الماتريدية([144]).


الخاتمة
يظهر مما سبق أن أهل السنة وسط في باب القدر بين الجهمية الجبرية ومن وافقهم، والمعتزلة القدرية ومن وافقهم، فأثبتوا أن الله خالق كل شيء، وأن صفاته كلها صفات كمال وجلال وجمال، ولا ينسب الشر إلى أفعاله وصفاته، ولكن الشر إنما يقع في مفعولاته، وهو شر نسبي ولا يوجد شر محض، لأن الشر المحض عدم.
وكذلك أثبتوا أن العبد فاعل لفعله على الحقيقة، وأنه محاسب عليه، مجزي به، وأن الله خالق العبد وما يعمله، وأنه لا يخرج عن سلطان الله وملكه ومشيئته.
وأن السعادة كل السعادة في اتباع الكتاب والسنة، والسير على منهج السلف الصالح.
وتبين أن العبد إذا ابتعد عن أهل السنة وأخذ يتلمس الحق من كتب أهل الضلال زاغ وانحرف، فكيف صار الأمر بالأشاعرة إلى قول الجهمية الجبرية، وصار أمر الماتريدية إلى قول المعتزلة القدرية.
أسأل الله أن يثبتنا على السنة، وأن يصرف عنا السوء وأهله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد


([1])تاج العروس للزبيدي(13/370).

([2]) المصدر السابق(13/370-371).

([3]) تهذيب اللغة للأزهري(9/39).

([4]) رواه البخاري في صحيحه(2/672رقم1801)، ومسلم(2/760رقم1080) عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.

([5]) لسان العرب لابن منظور(5/78).

([6]) تهذيب اللغة للأزهري(9/169).

([7]) لسان العرب(15/187).

([8]) مقاييس اللغة لابن فارس(5/99).

([9]) لسان العرب(15/186).

([10]) لسان العرب(15/187).

([11]) تهذيب اللغة للأزهري(9/170).

([12]) تفسير القرطبي(11/91).

([13]) تفسير البغوي(5/224).

([14]) تهذيب اللغة للأزهري(9/170).

([15]) كتاب العين (5/112)، وتهذيب اللغة للأزهري(9/37).

([16])القاموس المحيط للفيروزآبادي(ص/591).

([17]) المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده(6/300).

([18]) انظر: شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس(ص/27).

([19]) انظر: فتح الباري(11/149).

([20]) انظر: المفردات في غريب القرآن(ص/407).

([21]) انظر: المواقف للعضد الإيجي(3/261).

([22]) انظر: تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبدالغني المقدسي للشيخ عبدالرزاق العباد(ص/238-239).

([23]) انظر: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل(3/1373-1384).

([24]) سيأتي ذكرها نفصيلاً عند بيان مراتب الإيمان بالقضاء والقدر.

([25]) رواه مسلم في صحيحه(رقم8) من حديث عبدالله بن عمر عن عمر t.

([26]) رواه الإمام أحمد في المسند(5/185)، وأبو داود في سننه(رقم4699)، وابن ماجه في سننه (65)، من حديث زيد بن ثابت t، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع(رقم 5120).

([27]) رواه مسلم في صحيحه(رقم2664) من حديث أبي هريرة t.

([28])رواه مسلم في صحيحه(رقم2655) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

([29]) شَرْحُ السُّنَّةِ(1/144).

([30]) رَوَاهُ الآجُرِّيُّ فِي الشَّرِيْعَةِ(رقم422-الدميجي)، وابنُ بَطَّةَ فِي الإِبَانَةِ(رقم1583)، واللالَكَائِيُّ فِي شَرْحِ أُصُولِ الاعْتِقَادِ(رقم1123)، وابنُ عَسَاكِرٍ فِي تَارِيْخِ دِمَشْقَ(42/ 512 -513)، (15/182) وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ t وَفِي أسَانِيْدِهَا ضَعْفٌ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعاً مِنْ حَدِيْثِ ابنِ عُمَرَ، وأَنَسٍ، وعَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيْثِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِيْسَىuوَأَسَانِيدُهُ الْمَرْفُوعَةُ وَاهِيَةٌ جِدًّا.
وَمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيّ t قَدْ تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ، وأَجْمَعُوا عَلَى مَعْنَاهُ، قَالَ ابنُ عَبْدِالبَرِّ فِي الاسْتِذْكَارِ(8/263): «وَقَالَ العُلَمَاءُ وَالْحُكَمَاءُ قَدِيْماً: القَدَرُ سِرُّ اللهِ فَلا تَنْظُرُوا فِيْهِ».

([31]) العقيدة الطحاوية(ص/276مع شرح ابن أبي العز).

([32]) انظر: بيان تلبيس الجهمية(1/198).


([33]) انظر: شفاء العليل لابن القيم(ص/29-54)، طَرِيْقُ الهِجْرَتَيْنِ(ص/161)، وأعلام السنة المنشور للشيخ حافظ الحكمي(ص/126).

([34])رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ(2653).

([35])البخاري 3/1174رقم3036)، ومسلم في صحيحه(4/2036رقم2643)..

([36]) رواه ابن ماجه في سننه(1/73رقم202)، وابن حبان في صحيحه(2/464رقم689)، وحسنه الشيخ الألباني في ظلال الجنة(301).

([37] ) أضواء البيان( 7/ 238-239).

([38] ) المصدر السابق(7/ 324- 325).

([39]) وقد رجح شيخ الإسلام الثاني، وغلَّط الأول فقال رحمه الله –كما في مجموع الفتاوى(8/79)- : « وقال تعالى: {أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون} فـ«ما» بمعنى «الذي»، ومن جعلها مصدرية فقد غلط»، وأيده ابن القيم في شفاء العليل(2/698) فقال: «والظاهر خلاف هذا، وأنها موصولة».

([40]) رواه البخاري في خلق أفعال العباد(ص/46)، والبزار في مسنده(7/258رقم2837)، وابن أبي عاصم في السنة(1/158رقم357،358)، والمحاملي في الأمالي(1/309رقم325)، والخطيب في تاريخ بغداد(2/31)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة(3/538رقم942)، وابن منده في التوحيد(رقم113)، وابن عدي في الكامل، والحاكم في المستدرك(1/31)، والبيهقي في الأسماء والصفات(رقم36، 558)، وفي القضاء والقدر(ص/170-171)، وفي شعب الإيمان(1/ 209)، وفي الاعتقاد(ص/144)، وقوام السنة الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة(2/307رقم 259)، وابن عساكر في تاريخ دمشق(52/93، 57/349)، وغيرهم عن حذيفةt به مرفوعاً، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والألباني في السلسلة الصحيحة(2/ 381).
لفظ البخاري في خلق أفعال العباد، والبيهقي في الاعتقاد وفي رواية في كتاب القضاء والقدر وفي الأسماء والصفات، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد، والخطيب، وابن عساكر في رواية: «إن الله يصنع كل صانع وصنعته».
لفظ المحاملي، واللالكائي: «إن الله عز وجل صانع كل صانع وصنعته»، وفي لفظ للبيهقي في كتاب القدر: «إن الله يصنع كل صانع وصنعته»، وفي لفظ البيهقي في الأسماء والصفات: «إن الله عز وجل صنع كل صانع وصنعته»، ولفظ ابن أبي عاصم والبيهقي في الشعب، وابن عساكر في رواية: «إن الله خلق كل صانع وصنعته»، ولفظ البزار: «خلق الله كل صانع وصنعته»، ولفظ الحاكم، وابن منده، وقوام السنة الأصبهاني: «إن الله خالق كل صانع وصنعته».

([41]) تفسير ابن كثير(4/14).

([42]) انظر: مجموع الفتاوى(8/79).

([43]) انظر:شفاء العليل لابن القيم(2/463).

([44]) انظر: تفسير ابن كثير(3/101).

([45]) رواه الإمام أحمد في المسند(1/7)، والترمذي في سننه(4/467رقم2168، 5/256رقم 3057)، وأبو داود في سننه(4/122رقم4338)، وابن ماجه في سننه(2/1327رقم4005) و ابن حبان في صحيحه(1/539رقم304) وقال الترمذي: «صحيح»، وفي موضع آخر: «حسن صحيح».

([46]) القول السديد شرح كتاب التوحيد(ص/ 6).


([47]) انظر: شفاء العليل لابن القيم(1/441-445)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي(ص/116)، وأعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي(ص/137-138)

([48]) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي(ص/119).

([49]) الخَزْمُ: شجر يتخذ من لحائها الحبال، وبالمدينة سوق يقال لها سوق الخزامين. انظر: غريب الحديث لابن الجوزي(1/277).

([50]) رواه البخاري في خلق أفعال العباد(ص/47) بسند صحيح، وأول هذا الأثر قد صحَّ مرفوعاً إلى النبي r كما سبق بيانه.

([51]) غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام (4/128).

([52]) خلق أفعال العباد(ص/47).

([53]) السنة للخلال (3/543).

([54]) اعتقاد أئمة أهل الحديث للإسماعيلي(ص/57)، وانظر: عقيدة السلف أصحاب الحديث للإمام أبي عثمان الصابوني(ص/75-89).

([55]) شَرْحُ السُّنَّةِ(1/142-143).

([56]) الجبرية: من الجبر، والمراد بالجبرية الذين ينفون الفعل عن العبد مطلقاً، وسندونه إلى الله عزّ وجل، فلا اختيار للإنسان في أفعاله، وهم صنفان: صنف نفوا عن العبد الفعل والقدرة عليه كالجهمية، وصنف أثبتوا للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً كالأشاعرة.
انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي(ص/89-92)، والملل والنحل للشهرستاني(1/79)، والمغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبدالجبار(8/3)وسأذكر قولهم من بعض كتبهم.

([57]) انظر: فتح الباري(13/345).

([58]) الفرق بين الفرق للبغدادي (ص 211). وانظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبدالجبار(8/3)، والملل والنحل للشهرستاني (1/87).

([59]) انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/338).

([60])القدرية النفاة: قوم خالفوا منهج السلف في الإيمان بالقضاء والقدر، وهم على أصناف؛ فمنهم من أنكر علم الله السابق لوقوع المقدرات، وهم الذين كفرهم عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ثم نشأ من قال بأن الله لا يخلق الشر، وإنما يخلق الخير، ثم استقر مذهب القدرية وعلى رأسهم المعتزلة على أن الله يعلم ما يكون، وهو مريد للخير فقط، فنفوا الإرادة الكونية المتعلقة بأفعال العباد، وأثبتوا الشرعية، وزعموا أن الله لم يخلق أفعال العباد، وإنما هو الفاعلون لها، ولم يصرحوا جميعاً بأن العبد يخلق فعله، ولكن صرح بذلك بعض متأخريهم، وجهر بما لم يجرؤ من قبله على النطق به، وعلى هذا جرى عمل المتأخرين من المعتزلة، ووافق المعتزلة: بعض فرق الخوارج كالميمونية، وبعض فرق الشيعة كالرافضة والزيدية.
انظر: الفرق بين الفرق للبغدادي(ص/24، 105، 280)، والتنبيه والرد للملطي(ص/176-187).

([61]) سبق ذكر ما رواه الخلال في السنة(3/543) عن أبي بكر المرُّوذي: قال رجل لأبي عبدالله: إن عندنا قوماً يقولون: إن الله خلق الخير، ولم يخلق الشر..

([62]) المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبدالجبار(8/3).

([63]) كتاب العدل والتوحيد ونفي التشبيه عن الله الواحد الحميد للرسي-ضمن مجموع مؤلفات للمعتزلة(ص/274).

([64]) جوهرة التوحيد للقاني(ص/99-مع شرحها تحفة المريد).

([65]) تبصرة الأدلة في أصول الدين على طريقة أبي منصور الماتريدي لأبي المعين النسفي(2/596).

([66]) مجرد مقالات الأشعري لابن فورك(ص/91-93).

([67]) القضاء والقدر للرازي(ص/31).

([68]) تبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي(2/596)، وانظر: شرح المواقف للجرجاني(ص/237).

([69]) شرح أم البراهين لمحمد يوسف السنوسي(ص/45).

([70]) انظر: الآمدي وآراؤه الكلامية(ص/ 474).

([71]) تبصرة الأدلة للنسفي(2/675).

([72]) موقف البشر تحت سلطان القدر لشيخ الإسلام في آخر عهد الدولة العثمانية مصطفى صبري(ص/69).

([73]) المصدر السابق(ص/69) وقد ذكر ما سبق عنهم ثم فنده ورد عليه، ولكنه مال إلى مذهب الأشاعرة!

([74]) الإنسان مسير أم مخيّر؟ لمحمد رمضان البوطي(ص/54).

([75])الماتريدية لأحمد الحربي(ص/438) .

([76]) سبق بيان قسمي الإرادة عند حكاية قول أهل السنة.

([77])شرح العقيدة الطحاوية(ص/279).

([78]) انظر: شفاء العليل لابن القيم(3/1025-1313) فقد ذكر عقيدة السلف، وفنَّد شبه المخالفين.

([79]) انظر: الإشارات والتنبيهات لابن سينا(ص/300-مع شرح الطوسي)، شرح مواقف الإيجي للشريف الجرجاني(ص/235)، ومجموع الفتاوى(14/308-309).

([80])شرح العقيدة الطحاوية(ص/279).

([81]) انظر: مجموع فتاوى لشيخ الإسلام(8/434-436).

([82]) لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول للمكلاتي المالكي(ص/302)

([83]) الملل والنحل للشهرستاني(1/88)، وشرح المواقف للشريف الجرجاني(ص/298).

([84]) بدائع الفوائد(2/390).

([85]) الفرق بين الفرق(ص/133-134)، وتبصرة الأدلة للنسفي(2/723-758).

([86]) منهاج السنة لشيخ الإسلام(1/325)، وبدائع الفوائد لابن القيم(2/390).

([87]) اختلف العلماء هل «العدل» من أسماء الله؟ فذهب الخطابي وابن منده والحليمي والبيهقي وابن العربي والقرطبي وابن القيم والسعدي ونور الحسن خان إلى أنه من أسماء الله وذلك لوروده في حديث أبي هريرة الذي فيه عدُّ الأسماء، ولكنه حديث ضعيف لما فيه من الاضطراب والإدراج، وكثير من العلماء لم يعدوه من الأسماء الحسنى، لأنه لم يصح وُرُوده إلا مضافاً، فيكون من باب الصفات لا من باب الأسماء. انظر: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنة د.محمد خليفة التميمي(ص/179)
وقد ورد وصف الله عز وجل بصفة العدل مضافة، أو صفة لكلامه جل وعز، قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنعام/115]، قال ابن كثير(1/61) : «أي: صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام»، وفي الحديث الصحيح: «ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك»، وروي عن عبدالله بن مسعود مرفوعاً: «اللهم أنت العدل في قضائك» انظر: التوحيد لابن منده(2/149)، ومدارج السالكين لابن القيم(2/212).

([88]) انظر: منهاج السنة(1/90، 2/236)، وشفاء العليل لابن القيم(3/976)، شرح العقيدة الطحاوية(ص/507).

([89]) رواه مسلم في صحيحه(4/1994رقم2577) من حديث أبي ذرٍّ t مرفوعاً.

([90]) انظر: منهاج السنة(1/90، 2/232)، ومفتاح دار السعادة لابن القيم(2/106).

([91]) الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار(ص/69)

([92]) مجموع الفتاوى(18/153-154).

([93])شرح العقيدة الطحاوية(ص/494).

([94]) جُزْءُ مِنْ حَدِيْثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ(رقم8).

([95]) انْظُرْ: مَجْمُوعَ الفَتَاوَى(8/449-451).

([96]) مجموع الفتاوى(8/118-125).

([97]) كتب إمام الزيدية في زمانه يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب(توفي سنة:298هـ) وهو من رؤوس المعتزلة كتاباً بعنوان: «الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية» رد فيه على الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن الحنفية وهو من رؤوس الكيسانية إحدى فرق الشيعة القائلين بالجبر والتشبيه، والكتاب مطبوع في (193) صفحة، وقد جرى فيه على طريقة المعتزلة، واشتمل على أكثر شبه الجبرية مع الرد عليها، ومن تأمل كتاب «شفاء العليل» للإمام ابن القيم وجد أنه رد على عامة تلك الشبه تارة بطريقة العرض لمنهج السلف، وتارة بطريقة الرد على منهج الجبرية، مع استيفائه رحمه الله لشبه المعتزلة والأشاعرة ونحوهم ونقضها.

([98]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية(ص/494) .

([99]) انظر للشبهة والرد عليها: تفسير القرطبي(14/97)، ومجموع الفتاوى(8/488)، وروح المعاني للألوسي(20/103).

([100]) انظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز(ص/494).

([101]) انظر: القدر لشيخ الإسلام ابن تيمية(ص/18)، وشفاء العليل لابن القيم(2/491)، شرح الطحاوية لابن أبي العز(ص/495).

([102]) رواه مسلم في صحيحه(4/2169رقم2816).

([103]) انظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز(ص/495).

([104]) هذه خلاصة عدة شبه ذكرها الجبرية وعلى رأسهم الحسن بن علي ابن الحنفية فيما ذكره عنه يحيى بن الحسين الزيدي في كتابه «الرد والاحتجاج" الذي سبق أن أشرت إليه.

([105]) معظم مادة هذا المطلب من كتاب القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة(ص/338 فما بعدها، و360فما بعدها)، وكتاب المعتزلة وأصولهم الخمسة للمعتق(ص/178-181) مع زيادة فوائد.

([106]) انظر: القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة (ص/338) والمناقشة(ص/360).

([107]) انظر: شرح الأصول الخمسة(ص/361)، والمناقشة في شرح الطحاوية لابن أبي العز(ص/495).

([108]) رواه مسلم في صحيحه(4/2169رقم2816).

([109])انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار(ص355-362).

([110]) انظر: تفسير ابن كثير(3/378).

([111])القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة (ص/361-362).

([112]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز(ص/496).

([113]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز(ص/496-497) وقد سبق الكلام حول معنى «ما» (ص/16).

([114]) متشابه القرآن للهمذاني(ص/661).

([115]) الفصل لابن حزم(3/67-69)، والقضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة (ص/359).

([116]) انظر: شرح الأصول الخمسة(ص/332).

([117]) شرح الأصول الخمسة(336)

([118]) المحيط بالتكليف(ص/340).

([119]) المعتزلة وأصولهم الخمسة للمعتق(ص/178-179).

([120])القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة (ص/336).

([121]) المصدر السابق(ص/356).

([122]) القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة (ص/337).

([123]) انظر: مجموع الفتاوى(14/110).

([124]) شرح الأصول الخمسة(ص/345).

([125]) شرح العقيدة الطحاوية(ص/497).

([126]) الإنصاف للباقلاني(ص/155)، وانظر: منهاج السنة(1/321).

([127]) الإنصاف(ص/156).

([128]) المصدر السابق(ص/156).

([129]) منهاج السنة(5/97)، وانظر: شفاء العليل لابن القيم(ص/209).

([130]) انظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز(ص/497-498).

([131]) المعتزلة وأصولهم الخمسة للمعتق(ص/179-181).

([132]) استفدت معظم مادة هذا المطلب من كتاب: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف(1/346) مع زيادة فوائد.

([133]) القاموس المحيط(ص/167).

([134]) انظر: الشرح الجديد على جوهرة التوحيد للعدوي(ص/79).

([135]) المواقف للأيجي(3/712).

([136]) شرح المقاصد(4/263).

([137]) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين(ص/288).

([138]) الشرح الجديد للعدوي(ص/80).

([139]) تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد(ص/100).

([140]) تحفة المريد(ص/100).

([141]) الرسالة النظامية(ص/52).

([142]) المصدر السابق(ص/43-50).

([143])مجموع الفتاوى(8/126، 129، 389). منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف(1/346).

([144]) وانظر لمزيد نقض قولهم: موقف البشر تحت سلطان القدر لمصطفى صبري(ص/69).
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:30 AM.


powered by vbulletin