الحمد لله وبعد ،
لازالت قضية القيام للصلاة تشغلني شخصيّا وذلك أنّ كل كلام أهل العلم الذي وقفت عليه في المسألة فهمت منه أنّ المؤذن هو الذي يرقب قدوم الإمام للصلاة أو إذا كان الإمام داخل المسجد انتظر إشارته وإذنه بالإقامة، ومن ثمّ اختلف أهل العلم متى يقوم المصلى إثر شروع المؤذن في الإقامة.
بيد أن الذي يحدث في مساجدنا التونسية هو غياب المؤذن والإمام سويا داخل "المقصورة" ويخرجان سويّا للصلاة.
وما إن يُفتح الباب لخروجهم يهب المصلون للقيام وللاصطفاف وربما انشغل المؤذن بتعديل المكبر وكل هذا والناس قيام ينتظرون الإقامة أصلا ولمّا تقم الصلاة بعد،
بل أكثر من هذا ، ففي بعض المساجد لا يأذن الإمام بالإقامة إلا بعد إصطفاف الصفوف !
وقد ، والله، بحثت مليّا واستفرغت طاقتي ووسعي في هذه المسألة وقد سبق أن نقلت في هذا الباب طرفا من كلام أهل العلم وقد وجدت بعد ذلك فتوى لأحدهم جاء فيها :
(ولم يقل أحدٌ من أهل العلم فيما نعلم بمشروعية القيام قبل أن يشرع المؤذن في الإقامة، وأما القول بتحريمه فلا يظهر، والظاهرُ أنه خلاف الأولى والأفضل).
والغاية من إضافتي هذه هي نقل كلام لابن تيمية من شرحه على العمدة وقفت عليه فبحثت على تفريغ له على الشاملة فلم أجد ولاكن وجدت من فرّغه وأضاف عليه بعض الآثار فجزاه الله خيرا واصلح حاله وهداه:
قال رحمه الله في شرح العمدة [ شرح كتاب صفة الصلاة صفحة 31] :
فصل
ويستحب أن يقوم الإمام والمأموم إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة.
لما روي عن الحجاج بن فروخ الواسطي عن العوام ابن حوشبٍ عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه, قال
كان بلال إذا قال قد قامت الصلاة, نهض رسول الله ﷺ.
رواه حرب, وأبو يعلى الموصلي وأبو حفص العكبري وغيرهم, وهو محفوظ عن الحجاج.
وقد قيل:إنه لا يروي إلا عنه, وهو وإن كان فيه لين فليس في الباب حديث يخالفه وقد اعتضد بعمل الصحابة.
قال ابن المنذر وغيره: كان أنس بن مالك إذا قيل:
قد قامت الصلاة , نهض وقام.
وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما: أنه كان يفعل ذلك. رواه النجاد وغيره.
ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك, وهذا يتعين اتباعه, لا سيما إذا كان الكلام في الاستحباب, ولم يوجد ما يعتمد عليه سوى ذلك.
ولأنَّ قوله: [ حي على الصلاة حي على الفلاح] دعاء إلى الصلاة, لكن هو مشترك بين الأذان والإقامة.
فإذا قيل: [ قد قامت الصلاة ] تم الدعاء إلى الصلاة, فينبغي أن تكون الإجابة عقبه.
ولأن قوله: [ قد قامت الصلاة ] فيه معنى الأمر بإقامتها, فاستحب أن يكون القيام إلى الصلاة عقبه, امتثالاً للأمر, وهو أيضاً إخبار عن قرب قيامها, فإذا كان القيام عقبه كان أتم في القرب, ولأن قيامه قبل ذلك لا حاجة إليه.
وتأخيره القيام عن ذلك يقتضي تأخير التحريم والتسوية.
فأما إذا عرضت له حاجة فلا بأس أن يتأخر القيام إلى الصلاة عن الإقامة.
لما روى أنس قال: أقيمت الصلاة والنبي ﷺ يناجي رجلاً في جانب المسجد, فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم, وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي .
فأما التكبير فيستحب أن يكون بعد فراغ الإقامة إن كانت الصفوف مستويةً, كبر عقبها, وإن لم يكن مستوية سواها ثم كبّر.
لأنا قد قدمنا عن النبي ﷺ أنه كان يقول كما يقول المؤذن في الإقامة, وصح من غير وجه أنه كان يعدل الصفوف بعد القيام إلى الصلاة, وقد جاء مفسراً أنه يفعل ذلك بعد الإقامة.
فروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة, فأقبل النبي ﷺ علينا بوجهه, فقال:
أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ .
وفي روايةٍ عن رسول الله ﷺ: بعد أن أقيمت الصلاة قبل أن يكبر أقبل بوجهه على أصحابه.
وقال إسحاق بن راهوية: سن رسول الله ﷺ أن يكبر بعد فراغ المؤذن من الإقامة كلها, قال:
[وأخذ بذلك بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه] ,
وقد روي أبو موسى عن النبي ﷺ قال: [ إذا أقمتم الصلاة فليؤمكم أحدكم ] , [ إذَا قَرَأَالإِمَامُ فَأَنْصِتُوا ] رواه أحمد.
ثم إذا كان الإمام حاضراً بحيث يرونه, قاموا عند كلمة الإقامة, قام الإمام أو لم يقم, وإن علموا بقربه من المسجد أو خارج المسجد ولم يروه, فهل يقومون؟
على روايتين.
إحداهما: يقومون؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ ﷺ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلاَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنْبٌ, فَقَالَ لَنَا: مَكَانِكُمْ فَمَكْثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا يَعْنِي قِيَامًا ثُمَّ رَجِعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. متفق عليه.
ولمسلم عن أبي هريرة قال: إن كانت الصلاة لتقام لرسول الله ﷺ, فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يأخذ النبي ﷺ مقامه.
والرواية الثانية: لا يقومون حتى يروه.
لما روى أبو قتادةرضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي رواه الجماعة إلا ابن ماجةبهذا اللفظ .
إلا البخاري لم يذكر قوله: خرجت وهذا يدل على نسخ ما كانوا يفعلونه قبل ذلك.
وقد روي عن أبي خالد الوالبي قال: خرج إلينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكنا قيام, فقال: ما لي أراكم سامدين؟ يعني قيامًا.
ولأن في ذلك مشقة على المأمومين من غير فائدة, وقيام إلى الصلاة قد تحقق قرب الشروع فيها فلم يكن إليه حاجة.انتهى كلامه رحمه الله
وقال الكوسج في مسائله للإمام أحمد :
[179 ] قُلْتُ : متى يقوم الناس إذا أقامَ المؤذنُ ؟
قَالَ : إذا كان إمامهم في المسجد يقومون إذا قَالَ : قد قامت الصلاة .
قَالَ إسحاق : كما قَالَ سواء .انتهى
قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد :
رَأَيْتُ أَحْمَدَ يَنْهَضُ إِلَى الصَّلَاةِ مَعَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ إِمَامٌ أَوْ غَيْرُ إِمَامٍ .
قُلْتُ لِأَحْمَدَ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ، أَعْنِي: إِلَى الصَّلَاةِ؟
قَالَ: إِذَا قَالَ، يَعْنِي: الْمُؤَذِّنَ -: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ . انتهى
وقال صالح في مسائله لأبيه [ 1202 ] قلت مَتى يقوم الرجل إِذا فرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة ؟
قَالَ إِذا قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة .اهـ
وقال ابن أبي شيبة في المصنف [ 4121]:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِخَنَاصِرَةَ يَقُولُ حِينَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ : قُومُوا ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ.
وقال [ 4122 ] : حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ :
أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُومَ الإِمَامُ حَتَّى يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ.
وقال عبد الرزاق في المصنف [ 1936 ] :
عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء إنه يقال إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فليقم الناس حينئذ قال نعم .
وكره هذا الفعل أصحاب ابن مسعود إذا كان الإمام غائباً
قال ابن أبي شيبة [ 4118]:
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمَ الإِمَامُ
وقال ابن المنذر في الأوسط [ 1947 - 1958]:
وَحَدَّثُونَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِذَا قِيلَ: قِدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَثَبَ فَقَامَ
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ بَدْوة مِنَ الْإِقَامَةِ.
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَكَانَ مَالِكٌ لَا يُوَقِّتُ بِهِ وَقْتًا يَقُولُ: ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ فِيهِمُ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ.انتهى
والغاية هذا النقل هو بيان لمذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسالة.
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه وسلم.
التعديل الأخير تم بواسطة أبويوسف ماهر التونسي ; 07-27-2014 الساعة 01:30 AM
|