منتديات منابر النور العلمية

منتديات منابر النور العلمية (http://m-noor.com//index.php)
-   منبر الحديث الشريف وعلومه (http://m-noor.com//forumdisplay.php?f=8)
-   -   بطلان إطلاق عبارة «المجروح لا يجرح» أو عبارة «المجروح يجرح» (http://m-noor.com//showthread.php?t=17299)

أسامة بن عطايا العتيبي 03-13-2017 10:24 PM

بطلان إطلاق عبارة «المجروح لا يجرح» أو عبارة «المجروح يجرح»
 
بطلان إطلاق عبارة «المجروح لا يجرح» أو عبارة «المجروح يجرح»

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فقد انتشرت هذه الأيام قاعدة باطلة ينشرها بعض الناس وهي «المجروح لا يجرح»، وهي قاعدة محدثة مخترعة بهذا الإطلاق، وسأبين وجوه الإخلال فيها في نقاط.

أولاً: المجروح هو الشخص الذي جرح، والجرح اصطلاحاً هو: « وصف الراوي في عدالته أوضبطه بما يقتضي تليين روايته أو تضعيفها أو ردَّها» كما في ضوابط الجرح والتعديل للشيخ عبدالعزيز العبداللطيف.

فيدخل في المجروح: من جرح في ضبطه مثل: سيء الحفظ، وفاحش الغلط.
ويدخل فيه من جرح في عدالته مثل: المبتدع بأي بدعة، والفاسق بكذب أو شرب خمر أو نحو ذلك، ومخروم المروءة.

ثانياً: باب الجرح والتعديل منه ما هو إخبار مجرد، وهذا يصح من كل ثقة صح النقل عنه بشيء ثبت عنده عن هذا الشخص المجروح، وإما فيه حكم، فهذا لا يصلح من أي ثقة، بل لابد أن يتصف بالعلم والبصيرة والمعرفة بأسباب التعديل والتجريح وأن يكون صاحب عدل وإنصاف، وأن يكون يقظاً غير مغفل، هذا هو الأصل.

فبعض الرواة يتم الحكم عليهم بسوء الحفظ أو برواية المنكرات بعد سبر مروياتهم وعرضها على مرويات الثقات ثم يخبر بحكمه الذي ظهر له بعد هذا الجهد والعمل الذي قام به.

ثالثاً: الجرح والتعديل في الرواة زمن الرواية، وبعد زمن الرواية يبقى في صحة الأخبار عن المشايخ وغيرهم، حتى في باب الشهادات عند القضاة.

وليس كل جرح يرد به خبر الرواي، فالجرح بالبدعة غير المكفرة، من غير الداعية مما احتمله العلماء، ونقلوا رواياتهم ما داموا ضابطين لها وليس ثمة ما يمنع قبول روايتهم.

وليس كل جرح في الضبط يؤثر في حكم الراوي، فسيء الحفظ من علماء السنة بإمكانه أن يجرح شخصا بالبدعة أو الفسق ويقبل حكمه في ذلك.

رابعاً: القول بأن المجروح لا يجرح فيه إبطال لأحكام القضاة الذين يكون عندهم جرح في ضبطهم أو عدالتهم، فعليه لا يحق للقاضي سيء الحفظ أن يجرح أحدا من الشهود لأن المجرح لا يجرح! وهذا غلط ظاهر، وبدعة غريبة.

ومن القضاة المشاهير من أهل السنة وفيهم ضعف في حفظهم: شريك بن عبدالله النخعي القاضي.


خامساً:
القول بأن المجروح لا يجرح فيه إبطال لفتوى العلماء الفقهاء من أهل الفتيا الذين جرحوا في عدالتهم أو ضبطهم بجروحات احتملها الأئمة منهم، وليس بكل جرح.

فالمفتي يخبر عن حكم الله، فلو رددنا خبره بأي جرح فإننا سنرد فتياه، مما يبين أن الواجب تقييد الجرح بما يؤثر في قبول أحكامه.
فمن مشاهير علماء الفتيا: أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن الحسن الشيباني، وغيرهم من الفقهاء الذين ضعفوا في حديثهم.

سادساً: القول بأن المجروح لا يجرح فيه إبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتعلق بالتحذير من أهل البدع، والتحذير من أهل المخالفات للشرع.

فإذا كان العالم مجروحا بسوء الحفظ، أو برواية المنكرات الحديثية، فرأى جهمياً أو صوفيا أو شيعيا أو خارجيا أو مرجئا عرف منهجه من أقواله وافعاله وهو محكوم عليه بأنه لا يقبل جرحه بسبب سوء حفظه فحينئذ سيتوقف عن تحذير الناس منه لكونه مردود القول، وعليه فيسقط عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا مصادم للنصوص، ومخالف لما عليه السلف الصالح.

سابعاً: لما ذكر الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف رحمه الله هذه القضية ذكرها بلفظ: «لا يُلتفت إلى الجرح الصادر من المجروح إلّا إذا كان الجارح إماماً له عناية بهذا الشأن وقد خلا الراوي المجروح عن التوثيق ولم تظهر قرينة تدل على تحامل الجارح في جرحه».

فلم يطلق القول بأن المجروح لا يجرح، بل فصَّل.

ومع رد بعض العلماء لتضعيف بعض المحدثين لما فيهم من ضعف، نجدهم في نفس الوقت يعتمدون أقوالهم، حتى فيما تفردوا به، ما لم يكونوا مخالفين لغيرهم ممن لم يُتكلم فيه، فهذه قضية قد تكون مرجحة لا مبطلة لجرح المجروح من المختصين في الكلام بالرجال. يراجع كتاب الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف «ضوابط الجرح والتعديل».

ثامناً: القول بأن المجروح لا يجرح فيه مخالفة لكلام العلماء في الجرح والتعديل، والذين نقلوا بعض جروحات علماء مجروحين في كتبهم، بل قد يؤدي لرد كتب مصنفة في علم الرجال بسبب جرح مؤلفيها بجروحات احتملها الأئمة واستجازوا نقلها عنهم.

ومن أمثلة ذلك:

أ- قال الحافظ الذهبي في ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل(ص/ 175) : «فلما كان عند انقراض عامة التابعين في حدود الخمسين تكلم طائفة من الجهابذة في التوثيق والتضعيف فقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي».

وقال السخاوي في نهاية كتابه التوبيخ لمن ذم التأريخ-والتي طبعت باسم المتكلمون في الرجال(ص/97): «فلما كان عند آخر عصر التابعين وهو حدود الخميس ومئة تكلم في التوثيق والترجيح طائفة من الأئمة، فقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي ».

ومعلوم أن أبا حنيفة رحمه الله سيء الحفظ «ضعيف الحديث»، وهو من مرجئة الفقهاء، ومع ذلك اعتمد الأئمة جرحه لجابر الجعفي، فكيف يقال: المجروح لا يجرح وقد جَرَح، ونقله الأئمة في كتب الجرح والتعديل مثل: عباس الدوري في تاريخه، ابن جرير في تاريخه، وابن حبان في المجروحين، وابن عدي في الكامل، والذهبي في تاريخ الإسلام أيضاً، وغيرهم.

ب- ذكر الذهبي ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل من حكم بضعفه مع كونه ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل، فذكر في الطبقة السابعة (ص/ 203) : «وعبد الله بن محمد بن وهب الدينوري الحافظ وكان ضعيفاً».
وبالرجوع إلى ترجمته نجده متروكاً، ومن الأئمة من كذبه.

ت- قال السخاوي فيما طبع باسم: المتكلمون في الرجال(ص/109) : «وأبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة وهو ضعيف لكنه من أئمة هذا الشأن».

فانظر كيف ضعفه، وجعله ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل وهو مجروح.

ولكن الصحيح أن محمد بن عثمان بن أبي شيبة صدوق على أقل الأحوال، وما ورد من تكذيبه والطعن فيه محل نظر، وقد دافع عنه العلامة المعلمي بقوة في التنكيل فيرجع إليه.

ولكن الشاهد هو اعتبار السخاوي له معتمدا في الجرح والتعديل وهو مجروح عنده.

ث- بالرجوع إلى كتاب الذهبي والسخاوي نجد أنهما ذكرا أئمة كثيرين ممن يعتمد قولهم في الجرح والتعديل وهم مجروحون إما ببدعة، أو سوء حفظ وغير ذلك من الجروحات، مما يبين أن المجروح من أئمة هذا الشأن له تعامل خاص، وله ضوابط، وليست القضية على إطلاقها كما هو نص القاعدة الباطلة «المجروح لا يجرح».


ومن ذلك:


1- إبراهيم بن طهمان وصفه الإمام أحمد بالإرجاء وذكر الحاكم رجوعه عنه.

2- مسعر بن كدام رمي بالإرجاء.

3- شريك النخعي سيء الحفظ.

4- الحسن بن صالح. شيعي، ومذهبه في الخروج معروف

5- أبو معاوية الضرير مرجئ.

6- إسماعيل بن عياش، ضعيف في غير أهل بلده، وهو ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل دون تقييد ببلده.

7- عبد الوارث بن سعيد. قال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 677) : «وكان يضرب المثل بفصاحته، وإليه المنتهى في التثبت، إلا أنه قدري متعصب لعمرو بن عبيد».

8- محمد بن فضيل بن غزوان. شيعي. بل قال أبو داود: «كان شيعياً محترقاً».

9- يحيى بن حمزة الحضرمي. قدري ليس بداعية.

10- عبدالرزاق بن همام الصنعاني رمي بالتشيع.

11- عبيد الله بن موسى العبسي رمي بالتشيع

12- أبو غسان مالك بن اسماعيل، كان شيعياً من أصحاب الحسن بن صالح بن حي.

13- مروان بن محمد الطاطري، كان مرجئاً.

14- علي بن الجعد رمي بالتشيع وببعض قول الجهمية.

15- إسماعيل بن أبي أويس، وهومتكلم فيه كثيرا، وانتقى له الشيخان، وهو مغفل ليس يقظاً.

16- محمد بن حميد الرازي وهو متهم بالكذب وسرقة الحديث

17- نعيم بن حماد الخُزاعي كثير المنكرات.

18- يحيى بن عبد الحميد الحماني، يسرق الحديث، وكذبه غير واحد.

19- عبد الرحمن بن يوسف بن خراش البغدادي ، قال السخاوي: «له مصنف في الجرح والتعديل قوي النفس كأبي حاتم»، وهو شيعي رمي بالرفض.

20- يعقوب بن شيبة السدوسي من الواقفة. وكلامه في الرجال كثير، ولعلماء الحديث عناية بأقواله.

21- ابن حزم الأندلسي وهو من المعتزلة، وقال ابن عبدالهادي: «جهمي جلد».

إلى غير ذلك من المذكورين في ذلك الكتاب وهم ممن يعتمد قولهم في الجرح والتعديل وهم من المجروحين في عدالتهم، أو في ضبطهم.

ويوجد غيرهم بالعشرات، فليست هي بالنادرة أو القليلة.


جـ - ومن المصنفين في الحديث ولهم عناية به وتكلموا في الرجال علماء وقعوا في بعض البدع كبدعة الأشاعرة –وإن كان بعض العلماء لم يصفهم بأنهم أشاعرة أو لم يبدعهم- أو التصوف، مثل أبي نعيم الأصبهاني وله كتاب في الضعفاء مستل من مستخرجه، وابن حبان وله كتاب الثقات وكتاب المجروحين، والبيهقي صاحب السنن، والنووي في خلاصته وغيرها، وابن طاهر القيسراني وكان صوفياً، وابن الجوزي له كلام كثير في الرجال والحديث، وأبي الحسن بن القطان الفاسي، وغيرهم.

فكلهم قد جرح ويصدق عليه بأنه مجروح، ومع ذلك لم نر من العلماء من قال إنه لا يقبل جرحهم، ولا يُحكى كلامهم.

لذلك فإطلاق عبارة «المجروح لا يجرح» عبارة خاطئة، وقاعدة باطلة، مخالفة للكتاب والسنة، ولما عليه السلف الصالح.

والواجب التفصيل في ذلك، فالمجروح قد يقبل خبره، وقد لا يقبل، وقد يقبل حكمه وقد لا يقبل، والقضية المعينة هي التي تحدد ذلك.

وأما الكلام على الشروط التي يجب أن تكون في ولي الأمر، وفي القاضي، وفي المفتي، وفي الناقد فالأصل هو أن يكون عدلاً، ثقة، يقظاً، عادلاً، أميناً، ورعاً، وبضاف للولاية العظمى أن يكون قرشياً.

ولكن عند عدم توفر بعض الشروط لا يعني ذلك بطلان الولاية، أو بطلان القضاء، أو الفتيا، أو النقد.


فنحن نتعامل مع واقع عملي عليه سلف الأمة وخلفها، يتصادم مع إطلاق هذه القاعدة، لا سيما وقد استصحبها الكوثري لرد كل المطاعن في أبي حنيفة رحمه الله، فكان يأتي لأدنى كلام في الراوي(جرح) فيهدم به الرواية، لكون المجروح لا يجرح، وهذا من اتباعه للهوى، وقد رد عليه العلامة المعلمي ردا بليغاً، ودافع عن هؤلاء الذي جرحهم الكوثري ورد مروياتهم حسب الحال، مستصحباً العدل والإنصاف، والدفاع عن أئمة الإسلام، في كتابه العظيم «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل».

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
14/ 6/ 1438 هـ



الساعة الآن 12:28 PM.

powered by vbulletin