منتديات منابر النور العلمية

منتديات منابر النور العلمية (http://m-noor.com//index.php)
-   المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام (http://m-noor.com//forumdisplay.php?f=5)
-   -   بيان خطأ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم البخاري في تصحيحه لأثر فيه تفسير {ن} بأنه «الدواة» في تعليقه على كتاب أصول السنة لابن أبي زمنين (http://m-noor.com//showthread.php?t=17544)

أسامة بن عطايا العتيبي 12-25-2017 06:05 AM

بيان خطأ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم البخاري في تصحيحه لأثر فيه تفسير {ن} بأنه «الدواة» في تعليقه على كتاب أصول السنة لابن أبي زمنين
 
بيان خطأ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم البخاري في تصحيحه لأثر فيه تفسير {ن} بأنه «الدواة» في تعليقه على كتاب أصول السنة لابن أبي زمنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن العلم رحم بين أهله، وما منا إلا راد ومردود عليه، ومن منا يسلم من الوهم والخطأ؟
وفي أثناء شرحي للرسالة الوافية لأبي عمر الداني رحمه الله مر معي في الفصل المتعلق باللوح والقلم أثر ابن عباس رضي الله عنهما : «في قوله: {ن والقلم} قال: أول ما خلق الله القلم، وخلقت له الدواة وهي النون، فقال له ربه: اكتب؛ قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر خيره وشره؛ فجرى بما هو كائن حتى تقوم الساعة».
وفيه تفسيره لـ {ن} بأنها الدواة أي المحبرة، وحسب بحثي في تخريج الأثر وجدت أن ابن عباس رضي الله عنهما روي عنه تفسير النون بأنه الدواة وهذا لا يصح.
والصحيح عنه أنه فسر «ن» بأنه الحوت الذي كبس الله الأرض عليه كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
والنسخة المعتمدة في الشرح نسخة الدكتور دغش العجمي فهي أحسن المطبوعات للكتاب، مع رجوعي للمخطوط الوحيد -المتوفر حسب علمي- للرسالة الوافية أثناء شرحي لها.
فوجدته خرج الأثر تخريجاً فيه خلط بين روايات تفسير «ن» بالحوت وبالدواة، ولم يميز، ولم يحكم على الأثر بشيء، بل مجرد إحالة لمصادر.
ومن حضر الدرس عندهم تحقيق القحطاني للرسالة الوافية، ولم يخرج الأثر بل عزا لتخريج الدكتور عبدالله البخاري وأثنى على تخريجه للحديث، فرجع أحد الإخوة الحاضرين إلى تخريج الدكتور عبدالله البخاري للأثر فإذا بالإمام ابن أبي زمنين يورده باللفظ الذي عند الداني، وفيه تفسير «ن» بالدواة أي المحبرة، وإذا بالدكتور البخاري يقول: «إسناده ضعيف ومتنه صحيح ثابت عن ابن عباس موقوفاً، في الإسناد رجل مجهول بين الحكم وابن عباس، ولم أقف على من خرجه بهذا الإسناد، وله طرق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما»، ثم أورده من طريق أبي الضحى، وأبي ظبيان-وعنه الحكم والأعمش، وعن الأعمش ست رواة-، وعروة بن عامر المكي.
ولم ينبه إلى أنها جميعاً ليس فيها تفسير «ن» بالدواة، وإنما يوجد فيها تفسير «ن» بالحوت، أو لم يذكر هذا التفسير في بعض الروايات أساساً.
وهذا يعتبر خللا في التخريج، لأنه صحح أثرا فيه لفظة غير صحيحة وهي متعلقة بتفسير القرآن، بل جميع الروايات الذي ذكر فيها تفسير {ن} فتفسيرها مغاير للأثر الذي خرجه في كتاب أصول السنة لابن أبي زمنين.
وهذا الخطأ ليس بسبب توفر وسائل التخريج السريع في زماننا، ولا طباعة كتب جديدة كانت مخطوطة، وإنما بسبب وهم وعدم انتباه أثناء التخريج، فكان انتباهه إلى ما يتعلق بخلق القلم، وكتابته ما هو كائن إلى يوم القيامة، لأن من رجع لتلك المصادر التي رجع إليها الدكتور عبدالله سيعلم هذا الخلل.
قال ابن أبي زمنين في أصول السنة(ص/129رقم58-تحقيق د.عبدالله البخاري.ط1، ص/160رقم58 الطبعة الجديدة) : «وحدثني أحمد بن مطرف عن العنابي عن نصر عن أسد قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدثنا عبد الملك بن حميد عن الحكم عمن حدثه عن ابن عباس -رضي الله عنه- في قوله {ن * والقلم وما يسطرون} قال: «أول ما خلق الله القلم وخلقت له الدواة وهي النون فقال له ربه: اكتب قال: رب ما أكتب? قال: اكتب القدر خيره وشره، فجرى بما كان حتى تقوم الساعة».
قال الدكتور عبدالله البخاري: «[58] إسناده ضعيف، ومتنه صحيح ثابت عن ابن عباس موقوفاً.
في الإسناد رجل مجهول بين الحكم وابن عباس.
ولم أقف على من خرجه بهذا الإسناد.
وله طرق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما».
ثم ذكرها. ولم يتكلم عن لفظة «وخلقت له الدواة وهي النون» نهائياً، وسيأتي تفصيلها بنوع اختصار.

والأثر الذي ذكره ابن أبي الزمنين رواه ابن أبي شيبة في المصنف(7/ 259رقم35874) عن يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية عن أبيه عن الحكم عن بعض أصحابه عن ابن عباس قال: «أول ما خلق الله القلم ثم خلقت له النون وهي الدواة».
وعبد الملك بن أبي غنية هو عبدالملك بن حميد في إسناد ابن أبي زمنين.
وهذا الأثر إسناده ضعيف بسبب إبهام شيخ الحكم بن عتيبة.

ألفاظ الروايات التي ذكرها الدكتور عبدالله البخاري:

أولاً: رواية أبي الضحى مسلم بن صُبيح الكوفي عن ابن عباس.
السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 401رقم871) : «أول ما خلق الله القلم، ثم قال: له اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة».
السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 410رقم894): «أول ما خلق ربي القلم قال: له اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة».
تفسير الطبري (29/ 15) : «إن أوّل شيء خلق ربي القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم خلق النون فوق الماء، ثم كبس الأرض عليه».
تاريخ الطبري(1/ 29) : «إن أول شيء خلق ربي عز وجل القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة».
وفي تاريخ الطبري(1/ 39) : «إن أول شيء خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم خلق النون فوق الماء، ثم كبس الأرض عليه». وهذا الموضع لم يذكره الدكتور عبدالله البخاري في تخريجه، وذكرته للفائدة.
الشريعة للآجري (ص/178) : «أول ما خلق الله تعالى: القلم، فقال: اكتب قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم خلق النون فكبس على ظهره الأرض، فذلك قوله: {ن والقلم وما يسطرون} [القلم: 1]».
فجميع هذه الألفاظ لم يذكر فيه تفسير النون بأنها الدواة، وإذا ذكرت فسرت بما يفهم منه أنه الحوت.

ثانياً: رواية أبي ظبيان حصين بن جندب الكوفي عن ابن عباس.
أ/ لفظ طريق الحكم بن عتيبة عنه.
السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 401رقم872) : «إن أول ما خلق الله عز وجل القلم، قال: وأمره فكتب ما هو كائن، قال: فكتب فيما كتب {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1]».
ليس فيه ذكر الدواة.
وهذا اللفظ يظهر من استبعاد أن يكون المبهم في رواية ابن أبي زمنين هو أبو ظبيان، لأنه لم يشتمل على ذكر تفسير {ن} بالدواة. والله أعلم.

ب- سليمان بن مهران الأعمش عنه.
1- محمد بن فضيل عن الأعمش به.
تفسير الطبري(29/ 14)، وتاريخ الطبري: «أوّل ما خلق الله من شيء القلم، فقال له: اكتب، فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات، ثم خلق النون فدُحيت الأرض على ظهره، فاضطرب النون، فمادت الأرض، فأُثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض».

2- وكيع بن الجراح الرؤاسي عن الأعمش به.
نسخة وكيع عن الأعمش(رقم4) : «إن أول ما خلق الله من شيء القلم، فقال: اكتب، فقال: أي رب، وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، قال: ثم خلق النون، فدحا الأرض عليها، فارتفع بخار الماء، ففتق منه السموات، واضطربت النون، فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال، وإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة»
تفسير الطبري، وتاريخ الطبري أحال إلى رواية محمد بن فضيل بعد أن رواها قال: عن ابن عباس نحوه.
السنن الكبرى للبيهقي (9/ 3)، والأسماء والصفات للبيهقي (2/ رقم804) نفس لفظ نسخة وكيع.
وفيها تفسير النون بما يفهم منه أنه الحوت.

3- شعبة بن الحجاج عن الأعمش به.
تفسير الطبري، وتاريخ الطبري: «أوّل ما خلق الله من شيء القلم، فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت منه السموات، ثم خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحرّكت الأرض فمادت، فأثبت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض، قال: وقرأ: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)» .

4- معمر بن راشد عن الأعمش به.
لفظ تفسير الطبري: «إنّ أوّل شيء خُلق القلم -ثم ذكر نحو حديث واصل عن ابن فضيل، وزاد فيه:- ثم قرأ ابن عباس: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) .
تاريخ الطبري: «إن أول شيء خلق القلم».
5- [علي بن] مسهر عن الأعمش به. [ووقع في المطبوعتين: مسهر، والصواب: علي بن مسهر].
الشريعة للآجري (ص/ 178-179) : «أول ما خلق الله عز وجل القلم، فقال: اكتب قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم خلق النون، وكبس على ظهره الأرض، فذلك قوله عز وجل: {ن، والقلم وما يسطرون} [القلم: 1]».

6- سفيان الثوري عن الأعمش به.
تفسير الطبري: «أوّل ما خلق الله القلم، قال: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، ثم خلق النون، ورفع بخار الماء، ففُتِقت منه السماء وبُسِطت الأرض على ظهر النون، فاضطرب النون، فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الأرض».

ثالثاً: رواية عروة بن عامر المكي عن ابن عباس.
تفسير الطبري: «أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق، قال: والكتاب عنده، قال: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) . يعني القرآن في أمّ الكتاب الذي عند الله منه نسخ».
السنة لعبد الله بن أحمد(2/ 411رقم898) : «إن أول ما خلق الله عز وجل القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق، فالكتاب عنده، ثم قرأ {وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} [الزخرف: 4] ».

فتبين بما سبق أن أثر ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه ابن أبي زمنين صحيح، سوى لفظة : « وخلقت له الدواة وهي النون» فهي لا تصح حسب الطرق التي أوردها الدكتور عبدالله البخاري، وبينت وهمه في هذه القضية.

وهذا التنبيه للعلم والفائدة.

وقد مرت عليّ مواضع في تحقيق الدكتور عبدالله البخاري لكتاب أصول السنة تحتاج إلى تصويب، وإذا تيسر وقت آخر ذكرت بعضها للفائدة، وحتى يستفيد الدكتور عبداله البخاري من هذه التنبيهات، ويستفيد الإخوة القراء.

وسبب ذكر هذا التنبيه علناً أن الكتاب مطبوع ومنتشر، وجميع من عنده الكتاب يحتاج لهذه الفائدة وليس الدكتور عبدالله البخاري وحده حتى أكتب له سراً.

وليس من طريقتي تتبع أخطاء الدكتور عبدالله البخاري، ولا غيره من طلبة العلم والدكاترة، ولكن هذه أمور تأتي عرضاً، وتذكر للفائدة، وكم لي ولغيري من كتابات فيها استدراك على علماء جبال في مسائل علمية ولا يحصل تحسس لدى طلبة العلم، ولكن رأيت من بعضهم تحسسا عند نقدي لخطأ علمي لبعض المشايخ وطلبة العلم رغم الطريقة العلمية البحتة، وهذا من النَّفَس الدخيل على المنهج السلفي وهو التحسس من النقد العلمي المؤدب، وتحميله ما لا يحتمل، والتشكيك في المقاصد.

وهذا ليس عيباً، ولا تنقصاً، فجميعنا عنده أخطاء، ونشكر من ينبهنا عليها، ما دام أن المقال علمي بحت، ليس فيه سب ولا شتم، وليس فيه تضليل ولا تخوين!



والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
7/ 4/ 1439 هـ



الساعة الآن 01:10 PM.

powered by vbulletin