منتديات منابر النور العلمية

منتديات منابر النور العلمية (http://m-noor.com//index.php)
-   المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام (http://m-noor.com//forumdisplay.php?f=5)
-   -   وصية من وصايا سلمان الفارسي رضي الله عنه (http://m-noor.com//showthread.php?t=17866)

أسامة بن عطايا العتيبي 01-09-2019 02:47 PM

وصية من وصايا سلمان الفارسي رضي الله عنه
 
وصية من وصايا سلمان الفارسي رضي الله عنه


عن طارق بن شهاب رضي الله عنه: أنه بات عند سلمان رضي الله عنه ينظر اجتهاده قال: فقام فصلى من آخر الليل فكأنه لم ير الذي كان يظن، فذكر ذلك له.
فقال سلمان: «حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة.

فإذا أمسى الناس كانوا على ثلاث منازل:

فمنهم من له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له، ومنهم لا له ولا عليه.

فرجل اغتنم ظلمة الليل، وغفلة الناس، فقام يصلي حتى أصبح فذلك له ولا عليه.

ورجل اغتنم غفلة الناس، وظلمة الليل، فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له.

ورجل صلى العشاء، ثم نام فذلك لا له ولا عليه، فإياك والحقحقة وعليك بالقصد والدوام».
رواه عبدالرزاق في المصنف، ومن طريقه: الطبراني، ومحمد بن نصر، وأبو نعيم في حلية الأولياء وسنده صحيح. [صحيح الترغيب: 633 ]

معاني بعض الكلمات:
المقتلة: الكبائر.
الحقحقة: السير الشديد، والمراد لزوم الوسطية والبعد عن الغلو.
القصد: التوسط والاعتدال.
الدوام: المداومة والاستمرار.

وقد وردت قصة طارق بن شهاب رضي الله عنه بشيء من الطول أذكرها لكثرة فوائدها:
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : كَان لِي أَخٌ كَبِيرٌ مِنِّي يُقَالُ لَهُ : أَبُو عَزْرَةَ، وَكَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ سَلْمَانَ، فَكُنْتُ مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيَّاهُ أَحْبَبْتُهُ.

وَكَانَ سَلْمَانُ إِذَا جَاءَ مَكَّةَ نَزَلَ الْقَادِسِيَّةِ، فَقَالَ لِي أَخِي : هَلْ لَكَ فِي سَلْمَانَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ، فَانْطَلَقْنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ بِالْقَادِسِيَّةِ فِي خُصٍّ فَإِذَا عِلْجٌ تَزْدَرِيهِ الْعَيْنُ حِينَ تَرَاهُ، فَإِذَا إِزَارُهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يَخْلِطُ زِنْبِيلا أَوْ يَدْبَغُ إِهَابًا، وَإِذَا عِلْجَةٌ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الْعَاطِيَةُ.

فَقَالَ لَهُ أَخِي : مَا هَذِهِ الْعِلْجَةُ؟ قَالَ : هَذِهِ أَصَبْتُهَا مِنَ الْمَغْنَمِ أَمْسِ، وَقَدْ أَرَدْتُهَا عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَأَبَتْ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعًا فَأَبَتْ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ ثَلاثًا فَأَبَتْ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ ثِنْتَيْنِ فَأَبَتْ، وَأُرِيدُهَا عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ وَاحِدَةً، فَهِيَ تَأْبَى.

قَالَ : فَعَجِبْتُ إِذًا، فَقُلْتُ : مَا تُغْنِي عَنْهَا صَلاةٌ وَاحِدَةٌ، إِذَا تَرَكَتْ سَائِرَهَا؟!

قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي إِنَّ مَثَلَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ سِهَامِ الْغَنِيمَةِ، فَمَنْ ضَرَبَ بِخَمْسٍ أَفْضَلَ مِمَّنْ يَضْرِبُ فِيهَا بِأَرْبَعٍ، وَمَنْ يَضْرِبُ فِيهَا بِأَرْبَعٍ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَضْرِبُ فِيهَا بِثَلاثٍ، وَمَنْ يَضْرِبُ فِيهَا بِثِنْتَيْنِ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَضْرِبُ فِيهَا بِوَاحِدَةٍ، وَمَنْ يَضْرِبُ فِيهَا بِوَاحِدَةٍ أَفْضَلُ مِمَّنْ لا يَضْرِبُ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَأَنَّهَا إِذَا رَغِبَتْ فِي صَلاةٍ وَاحِدَةٍ رَغِبَتْ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ،

إِنَّ هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ كَفَّارَاتٌ لَمَّا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتَنَبْتَ الْمُقْتِلَ،

يُصْبِحُ النَّاسُ فَيَجْتَرِحُونَ فَيَحْضُرُ الظُّهْرُ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَتَوَضَّأُ، فَيُكَفِّرُ الْوُضُوءُ الْجِرَاحَاتِ الصِّغَارَ ، ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الصَّلاةِ، فَيُكَفِّرُ الْمَشْيُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُصَلِّي فَيُكَفِّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ،

ثُمَّ يَجْتَرِحُونَ، فَيَحْضُرُ الْعَصْرُ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُكَفِّرُ الْوُضُوءُ الْجِرَاحَاتِ الصِّغَارَ، ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الصَّلاةِ فَيُكَفِّرُ الْمَشْيُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُصَلِّي فَيُكَفِّرُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ،

ثُمَّ تَنْزِلُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ، فَتَصْعَدُ مَلائِكَةُ النَّهَارِ،

ثُمَّ يَجْتَرِحُونَ، فَيَحْضُرُ الْمَغْرِبُ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَتَوَضَّأُ، فَيُكَفِّرُ الْوُضُوءُ الْجِرَاحَاتِ الصِّغَارَ، ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الصَّلاةِ فَيُكَفِّرُ الْمَشْيُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُصَلِّي فَتُكَفِّرُ الصَّلاةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ،

ثُمَّ يَجْتَرِحُونَ، فَتَحْضُرُ الْعِشَاءُ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَتَوَضَّأُ، فَيُكَفِّرُ الْوُضُوءُ الْجِرَاحَاتِ الصِّغَارَ، ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الصَّلاةِ فَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْمَشْيُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُصَلِّي فَتُكَفِّرُ الصَّلاةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ،

ثُمَّ يَنْزِلُ النَّاسُ ثَلاثَةَ مَنَازِلَ : فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ وَلا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَيْهِ وَلا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لا لَهُ وَلا عَلَيْهِ.

فَقُلْتُ : إِيشِ لَهُ وَلا عَلَيْهِ؟ وَعَلَيْهِ وَلا لَهُ؟ وَلا لَهُ وَلا عَلَيْهِ؟

قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي، يَغْتَنِمُ الرَّجُلُ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وَغَفْلَةَ النَّاسِ فَيُصَلِّي، فَذَلِكَ لَهُ وَلا عَلَيْهِ،

وَيَغْتَنِمُ الرَّجُلُ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ وَغَفْلَةَ النَّاسِ فَيَقُومُ فَيَسْعَى فِي مَعَاصِي اللَّهِ، فَهَذَا عَلَيْهِ وَلا لَهُ،

وَيَنَامُ الرَّجُلُ حَتَّى يُصْبِحَ، فَهَذَا لا لَهُ وَلا عَلَيْهِ.

قَالَ : فَأَعْجَبَنِي مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لأَصْحَبَنَّكَ، فَكُنْتُ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْضُلَهُ فِي عَمَلٍ، إِنْ سَقَيْتُ الدَّوَابَّ هَيَّأَ لَنَا الْعَلَفَ، وَإِنْ عَجَنْتُ خَبَزَ،

فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ طَرَحَ بُرْدًا، ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَيْهِ، قَالَ : وَجِئْتُ فَاتَّكَأْتُ إِلَى جَنْبِهِ، قَالَ : وَكَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ أَقُومُهَا، فَانْتَبَهْتُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، فَقُلْتُ : صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ وَهُوَ نَائِمٌ، لا أُصَلِّي حَتَّى يَقُومَ قَالَ : وَكَانَ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، حَتَّى إِذَا كَانَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ قَامَ فَتَوَضَّأَ، فَرَكَعَ رَكَعَاتٍ.

فَلَمَّا صَلَّيْنَا الْفَجْرَ، قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، كَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ أَقُومُهَا، فَاسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا أَنْتَ نَائِمٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقُومَ وَأَنْتَ نَائِمٌ.

فَقَالَ : مَا نِمْتُ اللَّيْلَةَ!

فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! أَيَّ شَيْءٍ كُنْتَ تَصْنَعُ؟

قَالَ : أَيَّ شَيْءٍ رَأَيْتَنِي أَصْنَعُ إِذَا تَعَارَيْتُ مِنَ اللَّيْلِ؟

قَالَ : قُلْتُ : رَأَيْتُكَ تَذْكُرُ اللَّهَ، سُبْحَانَ اللَّهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.

قَالَ : يَا ابْنَ أَخِي، فَإِنَّ تِلْكَ مِنَ الصَّلاةِ، فَعَلَيْكَ بِالْقَصْدِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ».

رواه ابن أبي شيبة في المصنف مختصرا، وأبو داود في الزهد، وابن نصر في قيام الليل، والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم من طريق الأعمش عن سليمان بن ميسرة-وفي بعض الروايات قرن معه المغيرة بن شبل- عن طارق بن شهاب به. وسنده صحيح، الأعمش سمع من سليمان بن ميسرة، وهو قليل التدليس، وعنعنته محمولة على السماع فيمن ثبت سماعه منه لا فيمن لم يدركه أو لم يسمع منه.

تنبيه: معنى قوله: «إذا جاء مكة نزل القادسية» أي أراد السفر لمكة. وهذا لفظ أبي داود في الزهد، وعند غيره: «إذا أراد الغزو نزل القادسية». والقادسية بالعراق، ووقعت عندها معركة القادسية المشهورة وكانت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 14 أو 15هـ

والله أعلم

كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
3/ 5/ 1440هـ


الساعة الآن 06:51 PM.

powered by vbulletin