منتديات منابر النور العلمية

منتديات منابر النور العلمية (http://m-noor.com//index.php)
-   المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام (http://m-noor.com//forumdisplay.php?f=5)
-   -   مؤاخذات على شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب (http://m-noor.com//showthread.php?t=17203)

أحمد بن صالح الحوالي 12-31-2016 03:29 PM

مؤاخذات على شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب
 
مؤاخذات على شيخ الجامع الأزهر أحمد الطيب
الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فمن المؤلم جداً أن يقع شيخ الجامع الأزهر في مخالفات -عقائدية وعبادية- لنصوص الكتاب والسنة وما يعتقده ويقرره الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنهم- أجمعين، فهو يرى جواز التبرك بمقامات الأولياء ومزاراتهم والاستغاثة بهم، أقرَّ هذه المخالفات الخطيرة بموافقته لعلي شودكيفيتش في تمهيده للكتاب المسمى بــِ"الولاية والنبوة([1]) عند الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي".
وزاد شيخ الأزهر جواز الاستغاثة بغير الله، مع الأسف الشديد.
ولقد منّ الله عليّ بانتقاد هذه المخالفات الخطيرة.
انطلاقاً من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومما قرره الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-.
فإلى القراء الكرام الانتقادات المذكورة.

شيخ الأزهر أحمد الطيب خرافي من الدرجة الأولى.
فهو يرى جواز التبرك بمقامات الأولياء ومزاراتهم، بل ويرى الاستغاثة بهم.
فينقل في (ص14) عمن سماه بعلي شودكيفيتش قوله في تمهيده لكتاب الولاية والنبوة عند الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي كما يدّعي:
"وإذن فليس صحيحاً ما يقال من أن الأماكن الأرضية كلها ذات طبيعة واحدة، وأن بعضها لا يفضل البعض الآخر في شيء ما، بل حقيقة الأمر –كما يرى ابن عربي- أن مرور ولي من الأولياء بمكان ما، أو أثره الذي يتبقى منه بعد رحيله عنه، يُنشئ في المكان شيئاً من البركات أو النفحات الطيبة، وانطلاقاً من شهادة العيان هذه يقدم الشيخ الأكبر تأصيلاً –وتبريراً كذلك- لصورة من أشد صور "التبرك بمقامات الأولياء ومزاراتهم" ظهوراً ووضوحاً. وسنرى أن ابن عربي لا يكتفي بما قاله هنا، بل لديه الكثير مما سيقوله في هذا الأمر أيضاً".
أقول: لقد أقرَّ شيخ الجامع الأزهر هذا الكلام الباطل الذي صدر من علي شودكيفيتش، ومنه قوله:
"وإذن فليس صحيحاً ما يقال من أن الأماكن الأرضية كلها ذات طبيعة واحدة، وأن بعضها لا يفضل البعض الآخر في شيء ما".
وأقول:
1-من قال هذا الكلام؟ والظاهر أن قائليه من أهل البدع.
2-وانظر إليه كيف يأخذ تفضيل الأماكن بعضها على بعض من الضال ابن عربي بمرور الأولياء الذين يدّعي لهم ابن عربي الولاية، ولعلهم على شاكلته.
وينسى أن الله قد نصّ في كتابه على تفضيل الكعبة والأماكن المقدسة.
قال تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ..)الآية.
ونصَّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على فضل المسجد الحرام، ويتبعه المشاعر المقدسة، وأن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة.
ونصَّ على الصلاة في مسجده وأن الصلاة فيه بألف صلاة وأكثر.
ونصَّ على الصلاة في المسجد الأقصى وأن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة.
ونص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على فضل الصلاة في المساجد الثلاثة فقال:
«صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ».
أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1190)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1394).

وقال –صلى الله عليه وسلم-: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة".
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (14694)، وابن ماجه في "سننه" حديث(1406).

وقال –صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة".
رواه ابن خزيمة في صحيحه، ورواه البزار حديث(422).

ونصَّ –صلى الله عليه وسلم- على فضل الصلاة في مسجد قباء.

ونعتقد أن أماكن المساجد الإسلامية على كثرتها أفضل من غيرها من الأماكن الأخرى.
قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ)
وهذه الأدلة من القرآن والسنة تدل على بطلان ما يقوله ابن عربي، وبطلان إقرار شيخ الأزهر له.

وانظر إليه كيف يُقلِّد ابن عربي -القائل بوحدة الوجود- في هذا الضلال، ثم يصفه بالشيخ الأكبر.
ثم يقر الاعتراض على شيخ الإسلام ابن تيمية في حمايته لجناب التوحيد والإيمان.
ومن ذلك استنكار شيخ الإسلام –رحمه الله- للزيارات البدعية للقبور، واستنكاره –رحمه الله- للتوسل بالأولياء.
واستنكاره للاحتفال بالمولد النبوي والاحتفال بموالد الأولياء، وهذا الاستنكار منه –رحمه الله- عين الحق.

ثم يُقِر شيخ الأزهر قول علي شودكيفيتش:
"كتب ابن عربي كلامه هذا بعد وصوله إلى بلاد المشرق في مطلع القرن الثالث عشر الميلادي، ولم يمض على ذلك قرن من الزمان حتى شنَّ ابن تيمية –الجدلي الحنبلي- حرباً شعواء لا هوادة فيها على زيارة القبور، وعلى أمور أخرى تجري مجراها، وأبطل التوسل بالأولياء، بل أبطل التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- نفسه، كما انتقد الاحتفال بالمولد النبوي ، ورآه بدعة في الدين، ورأى موالد الأولياء كلها بدعة من باب أولى، وبالرغم من أنه لم يكن أول من نازع في هذا الأمر إلا أنه كان –وإلى مدى بعيد جداً- أعنف من عارض هذا الأمر وأثار حوله الشكوك والاعتراضات، وقد ظل عبر قرون متطاولة صاحب النفوذ الأقوى في هذا الباب".
أقول: إقرار شيخ الأزهر لقول علي شودكيفيتش:
"حتى شنَّ ابن تيمية –الجدلي الحنبلي- حرباً شعواء لا هوادة فيها على زيارة القبور، وعلى أمور أخرى تجري مجراها"، على هذه الصورة، وبهذا الإطلاق فيه ظلم لشيخ الإسلام –رحمه الله، فكيف يُقِره شيخ الأزهر؟
فإنَّ زيارة القبور عند ابن تيمية وأهل السنة أنواع، منها المشروع، ومنها المبتدع الممنوع.
فالمشروع منها ما كان فيه إتباع للرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- وإتباع لأصحابه، وهو السلام على أهل القبور، والدعاء لهم، والاستغفار لهم، فهذا النوع يرى شيخ الإسلام مشروعيته.
والممنوع منها ما يفعله أهل الضلال من الروافض وغلاة الصوفية من التبرك بأهل القبور والتوسل بهم، بل والاستغاثة بهم، انظر "مجموع الفتاوى" (27/376-379)، وانظر "الجواب الباهر" له (ص18).
ألا يتقي الله من يصور شيخ الإسلام بهذه الصورة الشوهاء.
1-قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكر الآخرة".
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (23005)، ومسلم في "صحيحه" (977) ، والطبراني في "الكبير" (1152).
فبيّن –صلى الله عليه وسلم- الحكمة في إذنه بزيارة القبور، وهي أنها تُذكِّر الزائرين الآخرة، ولم يحثهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على التبرك بها، وحاشاه –صلى الله عليه وسلم- أن يقول ذلك.

2-وقال الإمام أحمد –رحمه الله- في "مسنده" حديث (23850):
" حدثنا حسين بن محمد، حدثنا شيبان، عن عبد الملك، عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنه قال: لقي أبو بصرة الغفاري، أبا هريرة، وهو جاء من الطور فقال: من أين أقبلت؟ قال: من الطور صليت فيه قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"".
وهو حديث صحيح، وأخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1/109)، والطيالسي في "مسنده" حديث(1348) و (2506) ، والبخاري في "التأريخ الكبير" (3/124)، والطبراني في "الكبير" (2160) من طريق أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، بهذا الإسناد.

3-وعن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر(ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و (لإيلاف قريش) فلما قضى حجه ورجع والناس يبتدرون فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له منكم فيها الصلاة فليصل ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل".
قال الألباني في "تحذير الساجد" حاشية (ص137): "رواه ابن أبي شيبة (2/84/1) وسنده صحيح على شرط الشيخين".

4-وروى البخاري في "صحيحه" حديث (2958) بإسناده إلى نافع: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «رَجَعْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ([2]) الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا، كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/118) أثناء شرحه لحديث ابن عمر:
"وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مُوَافَقَةُ الْمُسَيَّبِ بْنِ حَزْنٍ وَالِدِ سَعِيدٍ لِابْنِ عُمَرَ عَلَى خَفَاءِ الشَّجَرَةِ وَبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِهَا افْتِتَانٌ لِمَا وَقَعَ تَحْتَهَا مِنَ الْخَيْرِ فَلَوْ بَقِيَتْ لَمَا أُمِنَ تَعْظِيمُ بَعْضِ الْجُهَّالِ لَهَا حَتَّى رُبَّمَا أَفْضَى بِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ أَنَّ لَهَا قُوَّةَ نَفْعٍ أَوْ ضَرٍّ كَمَا نَرَاهُ الْآنَ مُشَاهَدًا فِيمَا هُوَ دُونَهَا وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ بن عُمَرَ بِقَوْلِهِ كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ أَيْ كَانَ خَفَاؤُهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى".
5-وروى البخاري في "المغازي" حديث (4162) بإسناده إلى سَعِيد بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ، ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا».
6-وروى –رحمه الله- في "صحيحه" حديث (4163) من طريق طارق بن عبد الرحمن قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا، فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا هَذَا المَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي " أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ العَامِ المُقْبِلِ نَسِينَاهَا، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا "، فَقَالَ سَعِيدٌ: «إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ؟».

7-وعن قزعة قال: سألت ابن عمر: آتي الطور؟ فقال: دع الطور ولا تأتها وقال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.
قال الألباني –رحمه الله- في "تحذير الساجد" حاشية (ص139-140):
"رواه ابن أبي شيبة (2/83/2) والأزرقي في "أخبار مكة" (ص304) وإسناده صحيح، وروى أحمد (6/8) وأبو يعلى وابن منده في "التوحيد" (26/1-2) مثله عن أبي بصرة الغفاري، وهو صحيح أيضاً، خرجته في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" أواخر المائة الثالثة، وفي "إرواء الغليل رقم (951).

أقول: 1-انظر إلى إنكار الصحابي أبي بصرة على أبي هريرة ذهابه إلى الطور للصلاة فيه، واستشهاد أبي بصرة بهذا الحديث : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " ، واستسلام أبي هريرة لهذا الحديث ولنصيحة أخيه أبي بصرة.
وإن كان الطور من المواضع التي كلّم الله موسى فيها، فهل يوافق شيخ الأزهر هذين الصحابيين الكريمين -رضي الله عنهما- أو يخالفهما ويقدم عليهما أقوال أهل الضلال ومنهم ابن عربي؟
2-وانظر إلى استنكار الخليفة الراشد عمر -رضي الله عنه-على قوم يبتدرون إلى مكان صلى فيه أفضل رسول -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله: -رضي الله-عنه: "هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً".
فهو يرى أن تتبع آثار الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه الهلاك المماثل لهلاك اليهود والنصارى بتتبع آثار أنبيائهم.
أفيتبع المسلمون هذا الخليفة الراشد ومن معه من الصحابة في هذه الحجة أم يتبعون أهل الضلال من أمثال ابن عربي؟
3-وانظر إلى فقه ابن عمر- رضي الله عنهما - حيث يعتبر اختفاء الشجرة التي بايع رسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه اعتبر اختفاءها رحمة من الله؛ لأنها لو بقيت لضل الجهال بتقصدهم الصلاة عندها وتعظيمها.
واستفد من هذا التعليق الممتاز من الحافظ على حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وتأمل كلام المسيب وأدرك هدفه ومغزاه من الإخبار باختفاء هذه الشجرة، فإنه يدل على فرحه باختفاء هذه الشجرة، التي لو بقيت لافتتن بها الجهال.
وتأمل كلام ابنه سعيد التابعي العظيم وروايته عن أبيه اختفاء هذه الشجرة؛ انكاراً منه لمن يتقصدون الصلاة في مكان يزعمون أنه موضع الشجرة التي بايع تحتها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
4- وانظر إلى فقه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر ونهيه لمن سأله عن إتيان الطور، مستدلاً بقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد".
أرجو أن يستفيد شيخ الأزهر وأمثاله من فقه هؤلاء الصحابة الكرام، ومن سار على نهجهم من السلف الصالح، ومن سار على نهجهم أيضاً، ولا يسلكوا مسلك الهالكين من أهل الكتاب.

وقوله (أي علي شودكيفيتش) : " وعلى أمور أخرى تجري مجراها"، وإقرار شيخ الأزهر له.
نقول: ما هي هذه الأمور التي تجري مجرى زيارة القبور؟
قول علي شودكيفيتش : " وأبطل التوسل بالأولياء، بل أبطل التوسل بالنبي –صلى الله عليه وسلم- نفسه، كما انتقد الاحتفال بالمولد النبوي ، ورآه بدعة في الدين، ورأى موالد الأولياء كلها بدعة". وإقرار شيخ الأزهر له.
أقول: التوسل منه المشروع، ومنه الممنوع، وقد بيَّن ذلك شيخ الإسلام بياناً شافياً
فقال -رحمه الله-: في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة"(ص17-19):
" 28 - ولفظ (التوسل) قد يراد به ثلاثة أمور، يراد به أمران متفق عليهما بين المسلمين.
29 - أحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته.
30 - والثاني: دعاؤه وشفاعته([3])، وهذا أيضاً نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين. ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً.
31 - ولكن التوسل بالإيمان وبطاعته هو أصل الدين، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة، فمن أنكر هذا المعنى فكفره ظاهر للخاصة والعامة.
32 - وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك فمن أنكره فهو أيضاً كافر، لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرِّف ذلك، فإن أصر على إنكاره فهو مرتد.
33 - أَمَّا دعاؤه وشفاعته في الدنيا فلم ينكره أحد من أهل القبلة.
34 - وأما الشفاعة يوم القيامة، فمذهب أهل السنة والجماعة - وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم - أن له شفاعات يوم القيامة خاصة وعامة، وأنه يشفع فيمن يأذن الله له أن يشفع فيه من أمته من أهل الكبائر. ولا ينتفع بشفاعته إلا أهل التوحيد المؤمنون دون أهل الشرك، ولو كان المشرك محباً له معظمًا له لم تنقذه شفاعته من النار، وإنما ينجيه من النار التوحيد والإيمان به. ولهذا لما كان أبو طالب وغيره يحبونه ولم يقروا بالتوحيد الذي جاء به لم يمكن أن يخرجوا من النار بشفاعته ولا بغيرها.
35 - وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قالا لا إله إلا الله خالصاً من قلبه".
36 - وعنه في "صحيح مسلم" قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً".
37 - وفي السنن عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً" وفي لفظ قال:"ومن لقي الله لا يشرك به شيئاً فهو في شفاعتي"".
وقال –رحمه الله- في (ص 79-83) من الكتاب المذكور:
" 236 - إذا عرف هذا فقد تبين أن لفظ "الوسيلة" و"التوسل" فيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه، ويعطى كل ذي حق حقه، فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك.
237 - ويعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه فإن كثيراً من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب.
238 - فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} وفي قوله تعالى: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} .
239 - فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغى إليه وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات.
240 - فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً.
241 - فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب أو استحباب، وأصلُ ذلك الإيمان بما جاء به الرسول.
242 - فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى ذلك إلا ذلك.
243 - والثاني لفظ "الوسيلة" في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة".
244 - وقوله: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، حلت له الشفاعة".
245 - فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة، وأخبر أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله وهو يرجو أن يكون ذلك العبد، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول وأخبر أن من سأل له هذه الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة لأن الجزاء من جنس العمل، فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم، فإن الشفاعة نوع من الدعاء كما قال: إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا .
246 - وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته.
247 - والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به كما يقسمون ويسألون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح.
248 - وحينئذ فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين، ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة.
فأما المعنيان الأولان - الصحيحان باتفاق العلماء -
فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته.
والثاني: دعاؤه وشفاعته كما تقدم.
فهذان جائزان بإجماع المسلمين.
249 - ومن هذا قول عمر بن الخطاب: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا . أي بدعائه وشفاعته.
وقوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي القربة إليه بطاعته. وطاعةُ رسوله طاعته.
قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاع الله} .
250 - فهذا التوسل الأول هو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين.
وأما التوسل بدعائه وشفاعته - كما قال عمر - فإنه توسل بدعائه لا بذاته، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسُّل بعمه العباس ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له فإنه مشروع دائماً.
251 - فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:
أحدهما: التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
252 - والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
253 - والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عن من ليس قوله حجة كما سنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
254 - وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يُسأل بمخلوق، ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك.
255 - قال أبو الحسين القدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى بشرح الكرخي في باب الكراهة: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة.
256 - قال بشر بن الوليد حدثنا أبو يوسف قال: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به. وأكره أن يقول: "بمعاقد العز من عرشك" أو "بحق خلقك". وهو قول أبي يوسف. قال أبو يوسف: بمعقد العز من عرشه هو الله فلا أكره هذا، وأكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام .
257 - قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقاً.
258 - وهذا الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه من أن الله لا يسأل بمخلوق له معنيان:
259 - أحدهما: هو موافق لسائر الأئمة الذين يمنعون أن يقسم أحد بالمخلوق، فإنه إذا منع أن يقسم على مخلوق بمخلوق، فَلأنْ يمنع أن يقسم على الخالق بمخلوق أولى وأحرى".

وأقول: ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في هذه المسائل، ومنها التوسل؛ واجبه وجائزه وممنوعه حق، وكذا ما قرره في "الاستغاثة" وغيرها، وحربه عليها هو عين الحق.
ولقد نزّه الله عنها أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم-، ومن سار على نهجهم السديد من الوقوع في الضلالات، كالاستغاثة بغير الله، والتوسل بالمخلوقين، ومن عمل الموالد.

فالتوسل بالأولياء بدعة، جرّت المبتدعة إلى الاستغاثة بهم، واللجوء إليهم في الشدائد، وذلك من الشرك بالله، وهو عين الضلال.
قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)) [سورة الأحقاف].
فحكم الله على من يدعو غيره بأنه في غاية الضلال، وبيّن أن المدعوين لا يستجيبون لهم، وأنهم سيكونون أعداء لمن يدعوهم.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ(14)) [سورة فاطر].
1- فبيّنَ أن المدعوين من دون الله لا يملكون قطميرا.
2- وأنهم لا يسمعون دعاء من يدعوهم.
3-وأنهم على فرض أنهم يسمعون دعاء الداعين لا يستجيبون لهم، وأنهم عن دعائهم غافلون؛ لأنهم لا يملكون هذه الاستجابة، ولأنهم لا يملكون كلهم قطميراً واحداً، ولأن الدعاء عبادة عظيمة وخاصة بالله.
والاحتفال بالمولد من البدع الخطيرة، إذ لم يحتفل النبي -صلى الله عليه وسلم- بمولده، ولا الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان، ولو كان حقاً ومن دين الله لقام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، وقد أكمل الله الدين، فمخترعو البدع ومنها الموالد كأنهم مستدركون على الله وعلى رسوله-صلى الله عليه وسلم-، ومشاقون لله تعالى، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، والله يقول: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) .
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة " وفي رواية زيادة: "وكل ضلالة في النار".
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (17144)، وأبو داود في "سننه" حديث (4607)، وابن حبان في "صحيحه" حديث (5)، والدارمي في "سننه" حديث (96).

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (2697)، ومسلم في "صحيحه" حديث (1718).
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: " إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني: الأهواء -، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ".
قال معاوية –رضي الله عنه- عقب روايته لهذا الحديث: "والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم، لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به".
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (16937). وله شواهد من حديث أبي هريرة،
ومن حديث أنس، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن حديث عوف بن مالك الأشجعي ، ومن حديث أبي أمامة –رضي الله عنهم-.
فاجعل هذه التوجيهات والتحذيرات نصب عينيك، واحذر أشد الحذر من مخالفتها ومصادمتها.
ثم استمر علي شودكيفيتش ويوافقه شيخ الأزهر في الإرجاف بالباطل على شيخ الإسلام رافع راية التوحيد إلى أن قال:
" وإليه يرجع السبب فيما أقدم عليه الوهابيون –في البلاد العربية- من تدمير مزارات كانت موضع إجلال واحترام من أجيال لا تعد ولا تحصى من المسلمين.
ولا يزال تراثه يشعل الحملات العنيفة –حتى يومنا هذا- ضد الانحرافات التي أفسدت –فيما يزعم- نقاء الإسلام- في صورته الحقيقية .
وغني عن البيان القول بأن ظاهرة التبرك بقبور الأولياء لم تكن بدعة ابتدعها المسلمون في القرن الثالث عشر، فقد نشأت هذه الظاهرة في وقت مبكر جداً من العصور الإسلامية الأولى حين عبّر المسلمون عن تعظيمهم –في بادئ الأمر – لآل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- ولصحابته، ثم بُدئ في بغداد في تشييد الأضرحة على قبور الأولياء الذين اشتهروا في القرن الثالث الهجري تكريماً لهم وتعظيماً لشأنهم، وقد حدث هذا مع بداية القرن الرابع الهجري على أقل تقدير".
أقول: يتباكى علي شودكيفيتش على تدمير المزارات التي يقدسها الخرافيون القبوريون، ويوافقه شيخ الأزهر؛ لأنهما يجهلان أو يتجاهلان أن رسول الهدى –صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك.
1-فقد روى مسلم في "صحيحه" حديث (969):
أن عليّاً –رضي الله عنه- قال لأبي الهياج : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ «أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته».
وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (741) وأبو يعلى في "مسنده" (614) ، والحاكم في "المستدرك" (1/369).

فالمعترض على من يهدم المزارات إنما هو معترض على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
2-أضف إلى ذلك قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:
"لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني".
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (8804)، وأبو داود في "سننه" حديث (2042)،
والطبراني في "الأوسط" حديث (8026).

3-وقوله –صلى الله عليه وسلم-: " «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَساجد»، قَالَتْ عائشة –رضي الله عنه-: وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا".
أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (1330) ، ومسلم في "صحيحه" حديث(529).

4-وعن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه".
أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (970)، والإمام أحمد حديث (14148)، والترمذي في "جامعه" حديث (1052).

5-وعن جندب بن عبد الله البجلي –رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس، وهو يقول ...
ثم ساق كلاماً لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- في فضل أبي بكر –رضي الله عنه-.
ثم ساق قوله –صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك».
أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث (532)، وأبو عوانة في "مسنده" (1/401)، والطبراني في "الكبير" حديث (1686).

وقد أورد العلامة الألباني في كتابه "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" أربعة عشر حديثاً عن عدد من الصحابة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذا المعنى.
وساق أقوال العلماء الآخذين بهذه الأحاديث من مالكية وشافعية وحنابلة وأحناف.
فعليك أن تتبع سبيل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسبيل المؤمنين.

قول علي شودكيفيتش ويوافقه شيخ الأزهر: "ولا يزال تراثه يشعل الحملات العنيفة –حتى يومنا هذا- ضد الانحرافات التي أفسدت –فيما يزعم- نقاء الإسلام- في صورته الحقيقية".
أقول: هذه الحملات العنيفة من شيخ الإسلام وغيره تنطلق من توجيهات الرسول –صلى الله عليه وسلم- التي هي من صميم الإسلام، فإياك ثم إياك أن تهول على توجيهات الرسول الكريم، والواجب عليك وعلى أمثالك أن تنقادوا لتوجيهات الرسول، وأن تجعلوا قول الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)) [سورة النور] نصب أعينكم.
قال الإمام أحمد –رحمه الله-: "أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك".

قول علي شودكيفيتش ويوافقه شيخ الأزهر:
" وغني عن البيان القول بأن ظاهرة التبرك بقبور الأولياء لم تكن بدعة ابتدعها المسلمون في القرن الثالث عشر، فقد نشأت هذه الظاهرة في وقت مبكر جداً من العصور الإسلامية الأولى حين عبّر المسلمون عن تعظيمهم –في بادئ الأمر – لآل بيت النبي –صلى الله عليه وسلم- ولصحابته، ثم بُدئ في بغداد في تشييد الأضرحة على قبور الأولياء الذين اشتهروا في القرن الثالث الهجري تكريماً لهم وتعظيماً لشأنهم، وقد حدث هذا مع بداية القرن الرابع الهجري على أقل تقدير".
أقول: قوله عن ظاهرة التبرك بقبور الأولياء:
" فقد نشأت هذه الظاهرة في وقت مبكر جداً من العصور الإسلامية الأولى".
يقال له : وهل نشوء هذه الظاهرة في وقت مبكر جداً يجعلها مشروعة ومن دين الله؟؟
ولقد نشأت قبلها بدع خطيرة، بعضها نشأ في عهد الصحابة؛ مثل بدعة الخوارج فإنها نشأت في عهد علي -رضي الله عنه- ومن بقي من إخوانه من الصحابة؛ إذ خرجوا على علي -رضي الله عنه- فقاتلهم وقتلهم، وأيده الصحابة على ذلك، وذلك بناء على توجيهات الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث أمر بقتلهم، وقال: "إنهم شر الخلق والخليقة" .
وكذلك بدعة إنكار القدر نشأت في آخر عهد الصحابة، وتبرأ منهم ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وكذلك بدعة الجهمية نشأت في آخر عصر التابعين، أنشأها الجهم بن صفوان.
فعلى منهجكما تكون هذه البدع مشروعة من باب أولى؛ لأنها نشأت قبل بدعة التبرك بالأولياء والاستغاثة بهم .
وأقول: إن ظاهرة التبرك بالقبور التي يقوم بها الخرافيون الصوفية لا يبعد أن يكونوا قلّدوا فيها الروافض الذين يؤلهون الأئمة من أهل البيت، ويقولون عنهم: إنهم يعلمون الغيب، ويتصرفون في كل ذرة من ذرات الكون، ويستغيثون بهم في الشدائد وغيرها، ويعبدون قبورهم.
فسار الصوفية على هذا المنهج، ومن المؤسف أن شيخ الأزهر يرى أن هذه الضلالات التي يمازجها الشرك من الأمور المشروعة، ومن هنا لم ينكرها لا على الروافض ولا على الصوفية الضالة.
ولا يلتفت إلى الآيات القرآنية ولا إلى التوجيهات النبوية المعصومة.
ويتابع علي شودكيفيتش في الاستدلال بعمل أهل بغداد -وعلى رأسهم الروافض- في تشييد القبور على الأولياء في القرن الثالث الهجري تكريماً لهم وتعظيماً لشأنهم.
ونقول له: لماذا لم يعمل الناس هذا العمل، (وهو تشييد البنايات على قبور الصحابة وسادة التابعين)، وهم أولياء الله حقاً وأفضل الناس بعد الأنبياء، وقد قال فيهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ»؟
أخرجه البخاري في "صحيحه" حديث (2652) ، ومسلم في "صحيحه" حديث(2533).
فبعد القرون التي أشاد بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ظهر الغلو في الأولياء، وظهرت فتنة بناء المساجد والقباب على قبورهم.
فاعرف هذا.
قال شيخ الأزهر فيما يظهر لي في حاشية (ص15):
" ابن تيمية، "مجموعة الرسائل والمسائل" ط. رشيد رضا (5/85، 93)، "الفتاوى الكبرى" بيروت 1965 (1/93، 127، 344، 351) و (2/218، 226) والفصلين 18, 19 من كتابه "الصراط المستقيم". وفيما يتعلق بموضوع زيارة قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- والاستغاثة به انظر رد معاصره تقي الدين السبكي الفقيه الشافعي في كتابه "شفاء السقام" بيروت 1978 حيث يثبت الزيارة والاستغاثة بطائفة من الأحاديث النبوية الشريفة، وقد جمع يوسف النبهاني أخيراً شواهد كثيرة في كتابه: شواهد الحق، القاهرة 1974، ولخص المناقشات التي دارت في العصور المختلفة حول مشروعية زيارة النبي –صلى الله عليه وسلم- والاستغاثة بالأولياء".
أقول: قدّمنا ذكر بعض الآيات التي تنص على أن دعاء غير الله من الشرك الأكبر.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إن الدعاء هو العبادة "، ثم قرأ: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" حديث (18386)، (18391)، (18432)، (18436)، وأبو داود في "سننه" حديث (1479)، والترمذي في "جامعه" حديث (2969)، (3247)، (3372)، وابن ماجه في "سننه" حديث (3828).
قال الترمذي: صحيح الإسناد([4]).
ومعنى "الدعاء هو العبادة" كما قال العلماء: أي جلها ومعظمها كقوله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة" أي أعظم أركان الحج، وكقوله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" ولا شك أن الدعاء كذلك ولذا تعبدنا الله به في كل صلاة.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.

هذه لمحة عن أهمية الدعاء وإشارة خاطفة إلى بعض ما أمرنا به ربنا تعالى من دعائه وحده.

ومن المؤسف أن شيخ الأزهر يرى مشروعية الاستغاثة بالأولياء، متجاهلاً الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدل على أن الدعاء هو أهم العبادات الخاصة بالله، وأن صرفه لغير الله شرك به.
وأقول: إن السبكي والنبهاني من الخرافيين، وقد تجاهلا في كتابيهما الآيات القرآنية التي تدل على أن الاستغاثة بغير الله من الشرك الأكبر والضلال البعيد.
وقد ردَّ ابن عبد الهادي –رحمه الله- على السبكي في كتابه "الصارم المنكي"، وبيّن بطلان استدلالاته، فلماذا تتعلق بالباطل، ولا تذكر الرد العلمي لابن عبد الهادي الذي دمغ به أباطيل السبكي؟ وبيّنَ ضعف ونكارة الأحاديث التي استدل بها السبكي، بل وبيّنَ أن بعضها من الموضوعات المكذوبات على رسو الله –صلى الله عليه وسلم-.
ومن كلامه على الأحاديث التي احتج بها السبكي قوله:
"وجميع الأحاديث التي ذكرها المعترض في هذا الباب وزعم أنها بضعة عشر حديثاً ليس فيها حديث صحيح، بل كلها ضعيفة واهية، وقد بلغ الضعف ببعضها إلى أن حكم عليه الأئمة الحفاظ بالوضع، كما أشار إليه شيخ الإسلام". "الصارم المنكي" (ص21) و (ص184)، نشر مؤسسة الريان.
وردَّ العلامة محمود شكري الآلوسي على النبهاني في كتاب سماه "غاية الأماني في الرد على النبهاني" بيّنَ فيه ضلالات النبهاني، وضعّف الأحاديث التي يحتج بها على ضلالاته.

وهاك مرة أخرى أدلة أخرى تدمغ الذين يدعون أولياء من دون الله:

1-قال تعالى مخاطبا نبيه الكريم: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ}.

والظلم هنا هو الشرك {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}.
فلا يكشف الضر عن العباد إلا الله.

فهذا نهي صريح للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته عن دعاء غير الله مهما علت منزلته وارتفعت درجته سواء كان نبيا أو ملكا مقربا، فهذا أكمل المخلوقات وسيد المرسلين والنبيين لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، قال تعالى في سورة الأعراف آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فبديهي أنه لا يملك ذلك لغيره.
وصرح بهذا المعنى في آيات أُخر قال الله آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً}.

{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}.

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.

وقال صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}: "يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا.

يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا".

فإذا كان أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم كذلك، فغيره أبعد عن ذلك وأبعد، فهذه البيانات الواضحة والتصريحات القوية التي تصدر عن أصدق القائلين الهدف الأصيل منها أن يقطع المؤمن الصادق كل أمل وكل رجاء من غير الله ويتجه بدعائه ورجائه ورغباته وكل مطالبه إلى الله وحده مباشرة.

ولذا قال عقب هذه الآية التي تلوناها عليكم من سورة يونس: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}.

وقال في سورة الأنعام مستعملا الأسلوب نفسه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
هكذا بصيغة القصر في الآيتين مما يدل على انفراد الله وحده بجلب النفع ودفع الضر.

2- وقال تعالى ضاربا مثلا لحال من يدعو غير الله: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.

شبهت حال من يدعو غير الله بحال شخص استولت عليه الشياطين فحرفته عن الجادة فهو تائه مضطرب الفكر والعقل ذاهب اللب يتخبط في سيره لا يهتدي لجهة ولا يعرف مقصدا في الوقت الذي يدعي فيه إلى خلاصه والطريق الذي فيه نجاحه وفلاحه فيمعن ويوغل في البعد عن طريق الخلاص والنجاة حتى يلقى هلاكه ومصيره المشئوم.

3- وقال تعالى ضاربا مثلا لخيبة الأمل التي يُمنى بها من يدعو غير الله: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ}.

فهل يستجيب ماء بئر في الدنيا لمن وقف على حافته يمد كفيه ويبسطهما إليه ولو كان ملتهب الأحشاء محترق الفؤاد من الظمأ؟

4- وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.

وهذا تصوير صحيح لواقع كل مدعو من دون الله وأن من في السماوات والأرض لو اجتمعوا لخلق ذرة فضلا عن ذباب لا يستطيعون ذلك، ولوقفوا عاجزين وهذا غاية الغايات في العجز، فإذا كان هذا حال المدعوين فلماذا لا يثوب الداعون لهم إلى رشدهم.
ولذا قال تعالى: (ما قدروا حق قدره إن الله لقوي عزيز)، فهو قادر على كل شيء غالب على كل شيء إنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، والواقع أن الذين يستجيزون لأنفسهم دعاء غير الله لا يشعرون أن هذا النداء في هذه الآية موجه إليهم وأن هذا المثل فيها مضروب لهم ومن جراء فقدان هذا الشعور والإحساس لم يرهفوا أسماعهم لهذا المثل الذي قال الله فيه فاستمعوا له وإلا لكان لهم منه أكبر زاجر وأقوى رادع ولفتحوا أسماعهم وأبصارهم وأفئدتهم على قدرة الله الهائلة التي يصغر أمامها كل شيء فاتجهوا إليه وحده ضارعين وداعين.

5- وقال تعالى مبينا غناه المطلق وفقر من عداه المطلق وأن المدعوين من دون الله جميعا صفر اليدين مما يتعلق به المشركون بهم الداعون لهم من دون الله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}.

فهذه الآية فيها تحطيم لكل أمل يتعلق به الضالون فالمدعوون من دون الله مع الأسف لا يملكون من هذا الملك الواسع والكون الكبير السموات والأرض مثقال ذرة لا على سبيل الاستقلال ولا على سبيل المشاركة والله غني غنىً مطلقا، والشفاعة متوقفة على إذنه، على أنه لا حظ فيها لهؤلاء الداعين لغير الله وإنما هي للموحدين.
6-وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}.

فالله تبارك وتعالى يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يتحدى المشركين بأن يشيروا إلى أي نقطة من السموات والأرض قد خلقها آلهتهم ولو مجتمعة أو أي جزئية شاركوا فيها في الخلق والتصرف وهم لا يمكن أن يدعوا ذلك فهم معترفون بأن الله وحده المنفرد بخلق الكون والتصرف في شئونه.

فإن توقح متوقح منهم فليأتِ بالبرهان الواضح ولا يمكنه ذلك لا من طريق النقل ولا من طريق العقل وبعد عجزهم الفاضح أمام التحديات فما حكمهم إن أصروا على دعاء غير الله؟

حكمهم أنهم خلق الله إنهم غارقون في ضلال بعيد لأنهم يدعون من لا يملك شيئا في السماوات والأرض لا لنفسه ولا لغيره وقد عجزوا وأفحموا عن إقامة البرهان على شيء من ذلك وهم مع ذلك لا يستجيبون لهم ولو بحت أصواتهم وانقطعت حناجرهم من النداء والهتاف ولو استمروا فيهما إلى يوم القيامة.

والنتيجة المرة أنهم يوم القيامة يبارزونهم ويصارحونهم بالعداء الشديد {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} إنها لنهاية أليمة ومصير مشئوم وهذا الذي أشرنا إليه قليل من كثير فما يزخر به القرآن من محاربة هذا الاتجاه المخزي فمن أراد أن يعرف الحقيقة فليمط عن وجهه حجاب التعصب الأعمى وليقرأ القرآن ملاحظا ما أشرنا إليه فسيجد الأمر أوضح وأقوى"([5]).

أسأل الله أن يوفق المسلمين جميعاً للتمسك بالكتاب والسنة في عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم وسياستهم وسائر شؤون حياتهم.
وصلى الله على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

كتبه
ربيع بن هادي عمير
1/4/1438هــ





[1] - إن تقديم الولاية على النبوة ليثير المخاوف من أن علي شودكيفيتش يفضل الولاية على النبوة.
[2] - يعني الشجرة التي بايع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أصحابه تحتها، وهي بالحديبية.
[3] - أي في حياته –صلى الله عليه وسلم-، ثم في الآخرة.
[4] - وهو كذلك، وقد صححه غير الترمذي.
[5] - انظر "أضواء إسلامية على بعض الأفكار الخاطئة".
https://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=162460


الساعة الآن 08:23 AM.

powered by vbulletin