منتديات منابر النور العلمية

منتديات منابر النور العلمية (http://m-noor.com//index.php)
-   منبر الحديث الشريف وعلومه (http://m-noor.com//forumdisplay.php?f=8)
-   -   بعض من أدب الخلاف عند أهل السنة مع المخالفين (http://m-noor.com//showthread.php?t=8706)

أبو حمود هادي محجب 08-12-2011 02:31 PM

بعض من أدب الخلاف عند أهل السنة مع المخالفين
 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله, نَحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ مُحمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



{يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} (آل عمران:102), {يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1), {يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} (الأحزاب:71),... أما بعد :



فإنَّ أصدقَ الحديث كلامُ اللهِ, وخيرَ الهدي هديُ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم , وشرَّ الأمور مُحدثاتُها, وكلَّ مُحدثة بدعة, وكلَّ بدعة ضلالة, وكلَّ ضلالة في النَّار.


وإنَّ التحقق بصفة العدل ؛ وسلوك درب المنصفين يلزم معه التأدب بآداب خاصة, هذه الآداب التزم بها أهل السنة والجماعة . وإنَّ الكلام في نقد الرجال وإصدار الحكم منزلق خطير لا بُدَّ من ضبطه وإحكامه حتى لا يتجرأ المتجرئون فيجرح العدل ويقدح في الثقة.

ومن أهم هذه الآداب:



أولاً : التجرد وتحري القصد عند الكلام على المخالفين.



فعلى المسلم أن يخلص في القول والعمل, فقد تلتبس المقاصد عند الكلام على المخالفين, فهناك من يحب ويقصد الظهور أو التشفي والانتقام , والانتصار لحظوظ النفس, أو التعصب للطائفة والجماعة التي ينتمي إليها.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه, فلا يستحضر ما لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , ولا يغضب لغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب إذا حصل ما له بهواه, ويكون معه مع ذلك شبهة دين أنَّ الذي يرضى له ويغضب له أنَّه السنة وأنَّه الحق وهو الدين, فإذا قدر أنَّ الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله ؛ وأن تكون كلمة الله هي العليا؛ بل قصد الحمية لنفسه وطائفته, أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو لغرض من الدنيا ؛ لم يكن لله, ولم يكن مجاهداً في سبيل الله» منهاج السنة النبوية (5/256).



وقال ابن القيم رحمه الله: «وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ, ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ, ومَن رزقه الله بصيرة فلا يغترَّ باللفظ» مفتاح دار السعادة (1/141).



ثانياً : أهمية التثبت والتبين قبل إطلاق الحكم واتخاذ المواقف, فإنَّ التعجل في إطلاق الحكم على على الآخر واتخاذ الموقف منه؛ أو توجيه نقد إليه يعرض صاحبه للزلل والخطأ, والأصل في هذا قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات:6).



والتسرع في نقل الأخبار والأقوال وإشاعتها قبل التثبت والتأكد والتبين مِمَّا عابه الله تبارك وتعالى وذمَّ فاعله, فقال تبارك وتعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (النساء:83).



وتتضح أهمية التثبت والتبين في زماننا هذا الذي قلَّ فيه العلم وضعف فيه الإيمان إلاَّ من رحم الله وكثر فيه الهوى وفشت فيه الفتن؛ وتَجرأ فيه على الكذب أناسٌ كثيرون -نسأل الله العافية والسلامة- عبر وسائل الإعلام بشتى صورها, وما ذلك إلاَّ لضرب العلماء السلفيين وطلبة العلم السلفيين بعضهم ببعض.



وقد قال الحسن البصري رحمه الله: «المؤمن وقَّافٌ حتى يتبيَّن».



وقد نَبَّهَ أهل العلم على أمور في جانب التثبت ينبغي مراعاتها عند مجيء خبر ما من أي شخص كان, وهي كما يلي:



1. لا بُدَّ من التأكد من عدالة ناقل الخبر أو القول, لأنه تبارك وتعالى يقول: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ} (الحجرات:6), فالفاسق لا يقبل منه الخبر حتى نتبين من صحة الخبر.



2. لا بدَّ أن يكون الناقل للخبر أو القول ضابطاً متقناً جيد الفهم حاذقاً, فكم من العدول غير ضابطين, أو سيئي الفهم, يفهمون الكلام على غير معناه, وقد أشار النبي r إلى هذا بقوله: «نَضَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها, ثُمَّ أدَّاها لمن لم يسمعها, فرُبَّ حامل فقه لا فقه له, ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» رواه أحمد (27/318) برقم (16754).



3. الاتصال بالجهة أو الشخص الذي نقل الخبر أو الفتوى والتأكد من صدورها منه.



ثالثاً : لزوم حمل الكلام على أحسن المحامل, ما دام يحتمل ذلك, وإحسان الظن بالمسلمين.



رابعاً : وقوع الخطأ من فرد من أهل السنة لا يلزم وقوعه من أهل السنة كلهم, وهذا منتهى العدل حينما ننسب الخطأ لمن وقع منه وحده؛ وقد قال تبارك وتعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الأنعام:164). وأما المذاهب المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة فإنَّ كل مذهب يذكر بِما فيه من الأخطاء.



خامساً : الامتناع عن المجادلة المفضية إلى النِزاع, فقد حذَّر الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز من الجدال؛ فقال: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت:46). وقال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (الأنعام:121).



وقد قال صلى الله عليه وسلم : «ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاَّ أوتوا الجدل», أخرجه مالك (33), والترمذي (3253), وابن ماجه (48).



سادساً : حمل كلام المخالف على ظاهره, وعدم التعرض للنوايا والبواطن. ويشهد لهذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الرجل الذي اعترض على قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم : «اتق الله», فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ويلك! أولستُ أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟», ثُمَّ ولَّى الرجل, فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألاَ أضرب عنقه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني لم أؤمر أن أنَقِّبَ عن قلوب الناس, ولا أشُقَّ بطونهم». أخرجه البخري (4094), ومسلم (1064).



وكذلك حديث أسامة بن زيد حينما قتل المشرك بعد أن قال ( لا إله إلا الله ), فلما بلغ الخبرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أقتلته بعد أن قالها», فقال أسامة: «إنَّما قالها متعوذاً» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هلاَّ شققت عن قلبه». أخرجه البخاري (2498), والبيهقي في الكبرى (16627).



إذن؛ فما في القلوب لا يعلمه إلاَّ الله تبارك وتعالى؛ {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر:19). وأنت أيها العبد المؤمن مأمور بالأخذ بظاهر الإنسان وظاهر كلامه. ومَما يدلُّ على هذا أيضاً ما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: «إنَّ أناساً كانوا يؤاخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنَّ الوحي قد انقطع, فمن أظهر لنا خيراً أمَّناه وقربناه, وليس لنا من سريرته شيء, ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نقربه ولم نصدقه, وإن قال: سريرته حسنة».



والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم المنافقين بأسمائهم وقد استأمن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه على أسمائهم, ومع ذلك عاملهم بالظاهر منهم وهو الإسلام.



وأذكر إخواني هنا بقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة:8).


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه
أبو حمود هادي بن قادري بن حسين محجب
الخميس الموافق 11 / 9 / 1432 هـ

خليف عبد الشافي 08-14-2011 10:02 PM

جزاك الله خيرا


الساعة الآن 06:45 PM.

powered by vbulletin