بَتْرُ مصطفى المأربيّ كلامَ الشيخ ربيع المدخلي فيما يتعلق بأفعال الله -عزَّ وجلَّ-
قال المأربي: "خامسا:ذكر الشيخ ربيع في شريط "الجلسة الثانية من المخيم الربيعي" (ب) كلامًا عن الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة الله تعالى، فقال: (إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم) قال قائل: قديم النوع، قال الشيخ: (قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية).اﻫ
وعبارة الشيخ هذه ظاهرة في تخصيص القول في هذه الصفات: بأنها قديمة النوع, حادثة الآحاد؛ بصفة الكلام فقط، وهذا هو موضع الاستدراك، فإن السلف قالوا في هذا النوع من الصفات:قديم النوع حادث الآحاد ,ولم يخصصوا ذلك بصفة الكلام، فالله عز وجل خالق لا مخلوق ,والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء متى شاء ,فكون الله خالقاً؛هذا قديم ,وأما المخلوق فمحدث,والله عز وجل يخلق ما يشاء، متى شاء، وكذلك الرحمة، فإنها صفة قديمة، ولكن الله عز وجل يرحم من خلقه من شاء ومتى شاء، وهكذا الرزق، فالله عز وجل رازق، وباعث ووارث، ومحي، ومميت، وكل هذا قديم النوع، حادث الآحاد.".
ثم قال المأربي: "وهذا بخلاف قوله السابق,فقد جزم بقوله: (هذا في كلام الله ,في الأفعال ما جاء)!! وعلى هذا فيلزمه التراجع".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي نقل كلام الشيخ محرفاً مزوراً ليس كما هو في الشريط، وأعني بذلك العبارة التي انتقدها المأربي على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
فالذي قاله الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بعد كلام السائل: "قديم النوع حادثة الآحاد، هذا في الكلام؛ في الأفعال الله يفعل ما يشاء , إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى ما لا نهاية".
والذي نقله المأربي وزور فيه: "قديمة النوع حادثة الأفعال، هذا في كلام الله؛ في الأفعال ما جاء ,إنما هه, فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فانظر إلى هذه الفروق بين النقلين:
1- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "قديم النوع حادث الآحاد"
ونقل المأربي: "قديمة النوع حادثة الأفعال"!!
2- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "هذا في الكلام"
ونقل المأربي: "هذا في كلام الله".
3- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "في الأفعال الله يفعل ما يشاء".
ونقل المأربي: "في الأفعال ما جاء"!!!.
فانظر إلى هذا التحريف الخطير من المأربي لتحقيق مآربه الدنيئة!!
فالجملة: "الله يفعل ما يشاء" جعلها المأربي: "في الأفعال ما جاء" .
فحسبه الله ما أكذبه، وعن الهدى ما أبعده، ولسبل أهل الزيغ ما أقربه، وللحق ما أعْنَدَه، وعلى الباطل ما أجلده!!
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قرر في كلامه المذكور القاعدة السلفية فيما يتعلق بأفعال الله وهي: أن الله يفعل ما يشاء، متى شاء، والله فعال لما يريد فيما مضى وفيما سيأتي إلى مالا نهاية، وأن أفعال الله وإن كانت حادثة الآحاد فهي ليست مخلوقة لأنها صفة الله، والقول في الصفات كالقول في الذات .
وهذا القدر أجمع عليه السلف، وليس فيه مشابهة لقول أهل البدع بل هو مبطل لكل قول مخالف لما عليه السلف في هذه المسألة .
فهذا كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ظاهر جداً في مذهب السلف والرد على منهج الخلف.
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قد تضمن كلامه أن الله فعال في الأزل وهو معنى قول العلماء: "قديمة النوع" .
فقد قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فعّال لما يريد, فيما مضى، وفيما سيأتي, إلى مالا نهاية".
فهذه الجملة المختصرة من شيخنا أسد السنة –حفظه الله وكسر شوكة عدوه- هي بمعنى قولهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد".
فالمأربي بجهله بعبارات العلماء يقف عند ظواهر بعض الألفاظ دون فقه أو فهم مع ما يقوم به من بتر وحذف –حسيبه الله!-.
فالسلف-أهل القرون الثلاثة- لم نجد في عباراتهم: "قديمة النوع حادثة الآحاد" لفظاً، وإنما هو مستنبط من كلامهم: الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وما سيأتي ونحو ذلك .
قال حرب الكرماني في مسائله التي نقلها عن الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما: " وهو سبحانه بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش، وللعرش حمله يحملونه، وله حدٌّ، والله أعلم بحده، والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده، ولا إله غيره، والله تعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم، ويتحرك، ويسمع، ويبصر، وينظر، ويقبض ويبسط، ويفرح، ويحب، ويكره، ويبغض، ويرضى، ويسخط، ويغضب، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي ويمنع، وينْزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء، وكما شاء، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير -إلى أن قال:- ولم يزل الله متكلماً عالماً، فتبارك الله أحسن الخالقين" درء التعارض(2/23) .
وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي: أنا كافر برب يزول عن مكانه. فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء.
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: "لا يجوز الخوض في أمر الله تعالى كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين؛ لقوله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الله تعالى بصفاته وأفعاله -يعني كما نتوهم فيهم، وإنما يجوز النظر والتفكر في أمر المخلوقين، وذلك أنه يمكن أن يكون الله موصوفاً بالنُّزول كل ليلة إذا مضى ثلثها إلى السماء الدنيا كما يشاء، ولا يسأل كيف نزوله، لأن الخالق يصنع ما يشاء كما يشاء".
وقال الإمام أحمد –في كلام طويل-: "والتسليم لله بأمره يغير صفه ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب فهذه صفات وصف الله نفسه لا تدفع ولا ترد".
وقال عثمان الدارمي -رحمه الله-: "فالله الحي القيوم القابض الباسط يتحرك إذا شاء، وينْزل إذا شاء، ويفعل ما يشاء، بخلاف الأصنام الميتة التي لا تزول حتى تزال.
إلى أن قال: بل هو العالي على كل شيء، المحيط بكل شيء في جميع أحواله؛ من نزوله وارتفاعه، وهو الفعال لما يريد، لا يأفل في شيء، بل الأشياء كلها تخشع له وتتواضع، والشمس والقمر والكواكب خلائق مخلوقة، إذا أفلت أفلت في مخلوق في عين حمئة كما قال الله تعالى، والله أعلى وأجل لا يحيط به شيء ولا يحتوي عليه شيء".
تنبيه: النقول من درء التعارض لشيخ الإسلام -رحمه الله- المجلد الثاني.
إلى غير ذلك من العبارات التي نطق بها السلف .
فمن يثبت أن الله فعال لما يريد، يفعل ما يشاء فيما مضى وفيما يأتي فهو قائل بقدم النوع وحدوث الآحاد . والله أعلم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثاً، بل قديماً، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه، فإن نعيم أهل الجنة يدوم نوعه ولا يدوم كل واحد واحدٍ من الأعيان الفانية، ومن الأعيان الحادثة مالا يفنى بعد حدوثه؛ كأرواح الآدميين، فإنها مبدعة، كانت بعد أن لم تكن، ومع هذا فهي باقية دائمة". درء التعارض(2/148) .
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أراد تقرير أمر مهم وهو أن آحاد الأفعال ليست قديمة بل هي حادثة وهي غير مخلوقة .
فقد قال -حفظَهُ اللهُ-: "إن الله يُحْدث من أمره ما يشاء،ويفعل ما يشاء , وفعّال لما يريد، ما نقول: إن فعله قديم، شف, نقول: فعله حادث، هذه الأفعال حادثة، لكن لا تُسَمَّى مخلوقة، لأن الحادث هذا, إن كان فعل مخلوق؛ فهو مخلوق، وإن كان فعل الله؛ فهو فعل الله, وإن كان حادثًا؛ فلا يسمى مخلوقًا، عرفتم".
فقوله: "هذه الأفعال حادثة" إشارة إلى آحاد الأفعال ولم يتطرق إلى ذكر جنسها بتاتاً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ وهو صحيح مطابق لما عليه السلف الصالح.
الوجه الخامس: أن ما تبادر إلى ذهن المأربي من تخصيص صفة الكلام بأنها قديمة النوع حادثة الآحاد، وأن أفعال الله لا يقال فيها هذا؛ فهو من سوء فهمه .
وذلك لأنه ظن أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يتحدث عن جنس الأفعال وهذا ليس هو ظاهر كلام الشيخ -حفظَهُ اللهُ- .
وإنما ظاهره أنه أراد آحاد الأفعال وأفرادها كالنُّزول في الثلث الأخير من الليل والاستواء على العرش، والمجيء يوم القيامة ونحوها من الأفعال المقيدة بزمن، بخلاف صفة الكلام فإنها قديمة وأفرادها حادثة، وهي من الصفات الذاتية الملازمة لله عز وجل التي لا يصلح نفيها في زمن من الأزمان .
فالله عز وجل يتكلم ويسكت ولكن لما يسكت الله عز وجل لا يقال: إنه ليس متكلماً .
أما صفات الأفعال المتعلقة بأزمان فبخلاف ذلك .
مثل: صفة الغضب، فغضب الله قديم النوع حادث الآحاد ومع ذلك لا يجوز أن تقول –والله راضٍ- إنه غضبان .
ولا يجوز إذا كان غضبان أن تقول: إنه راضٍ .
أو قبل أن يستوي على العرش لا يقال إنه كان مستوياً على العرش قبل أن يخلقه.
أما صفة الكلام فهي ملازمة له أبداً .
فإذا سكت الله عز وجل لم يجز أن يقال إنه ليس بمتكلم، ويجوز أن تقول إنه لم يتكلم بصيغة الفعل وليس الوصف.
قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين في القواعد المثلى(ص/34): "القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة ومنها الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا .
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً . وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بمشيئته يتكلم متى شاء بما شاء ..." .
فصفة الكلام ذاتية فعلية بخلاف الأفعال الاختيارية كالنُّزول والاستواء والمجيء والإتيان فصفات فعلية غير ملازمة للذات دائماً .
بل هي بنوعها قديمة حادثة بآحادها .
وقال الشيخ محمد أمان الجامي -رحمه الله- في الصفات الإلهية(ص/206): "فالقول الجامع لهذه الأقوال –في فهمنا- أن صفات الأفعال أو الصفات الاختيارية تختلف عن الصفات الذاتية الثبوتية التي تتعلق بها مشيئة الله تعالى، لا بأعيانها، ولا بأنواعها، كالقدرة، والإرادة، والعلم، والسمع والبصر، والحكمة، والعزة، والوجه، واليد، وغيرها
بل هي صفات تتعلق بها مشيئة الله، وتتجدد حسب المشيئة، كالمجيء، والاستواء، والغضب، والفرح، والضحك .
أما صفة الكلام فهي من صفات الذات باعتبار أصل الصفة، ومن صفات الأفعال باعتبار أنواع الكلام وأفراده، والله أعلم.
هذا ما يدل عليه كلام أهل العلم من أتباع السلف عند التحقيق وبالله التوفيق" انتهى كلام الشيخ محمد أمان -رحمه الله- .
فالمأربي بجهله لم يفرق بين صفة الكلام والصفات الفعلية الاختيارية كالنُّزول والإحياء والإماتة والاستواء، وظن أن التفريق يدل على أن الصفات الفعلية ليست قديمة النوع!
الوجه السادس: أن المأربي بنى نقده واتهام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بالقول بأن صفات الأفعال ليست قديمة النوع –بناه- على نقل محرف مزور مما يهدم بنيان المأربي من أساسه.
الوجه السابع: إن قيل: لم فرَّق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بين صفة الكلام وبين صفات الأفعال الأخرى؟
فيقال: الشيخ أراد الإلماح إلى الفرق الذي ذكرته من قبل عن الشيخ ابن عثيمين والشيخ محمد أمان وهو: أن صفة الكلام صفة ذاتية فعلية بخلاف الاستواء والنُّزول والمجيء فإنها فعلية اختيارية .
الخلاصة
1- أن المأربي محرف ومزور لكلام الشيخ لتحقيق مآربه الدنيئة .
2- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يقل: "في الأفعال ما جاء" بل هذا من اختراع المأربي وكذبه .
3- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يصف الله بأنه فعال لما يريد في الماضي واللاحق إلى مالا نهاية وهذا حقيقة قول السلف في الصفات الفعلية: "قديمة النوع حادثة الآحاد".
4- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يفرق بين صفة الكلام والصفات الفعلية الأخرى كالنزول والمجيء ونحوها من الصفات التي لا تلازم الذات دائماً وهذا هو ما عليه السلف .
5- أن الشيخ ربيعاً -حفظَهُ اللهُ- يتكلم عن آحاد الأفعال لا عن جنسها فبين أنها حادثة وليست قديمة الآحاد .
بيان معنى رؤية الله بالقلب ودحض أباطيل مصطفى المأربي.
قال المأربي: " الشيخ ربيع يدعي أنه يرى الله بقلبه ـ أي في اليقظة ـ بل وكل من يؤمن بأن الله في السماء كذلك!! وهذا قول المبتدعة الضُّلاّل!!
فقد جاء في شريط "الجلسة الرابعة في المخيم الربيعي" وجه (أ): قال السائل للشيخ ربيع: هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ: (لا,لا) قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟ قال الشيخ:(اختلفوا في رؤية الله في الجنة؟)قال السائل ,لا, قال الشيخ: (اختلفوا في جزئية) قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة يا شيخ؟ قال الشيخ: (لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة ,ابن عباس يقول: رآه بقلبه, وعائشة تقول: ما رآه, فهم متفقون ما رآه بعينه أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اﻫ
قال المأربي: "ثم تأمل كيف لجّ الشيخ في الخطأ؛ فادعى أنه يرى ربه بقلبه، وذلك في اليقظة بلا شك، لأن السياق وكلامه الذي بعد هذا؛ يدل على هذا، والإسراء والمعراج كانا في اليقظة، وليس في نوم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن ذلك في المنام، انظر" شرح الطحاوية" (1/ 273).
وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!
وقال المأربي: "وإذا رجعت إلى سياق كلام الشيخ ربيع؛ ظهر لك أنه يرى الله بقلبه، تلك الرؤية التي عزاها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهذا سياق كلامه مرة أخرى، قال:
" ...... ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة، ابن عباس يقول: رآه بقلبه، وعائشة تقول: ما رآه، فهم متفقون ما رآه بعينه، أما الرؤية بالقلب: أنا أرى الله بقلبي، أنت ما ترى الله بقلبك؟! .... تؤمن بالله وتعرف أن الله في السماء؟.... فهذه الرؤية القلبية" إ هـ .
فها هو يذكر الاتفاق على عدم الرؤية البصرية، ويدعي مباشرة أنه يرى الله بقلبه، أي أن الرؤية القلبية التي ادعاها ابن عباس؛ موجودة عنده وعند أخريين!! لأن الصحابة لم يختلفوا في المثال العلمي المشهود، إنما اختلفوا في الرؤية البصرية، أو القلبية، أو نفي ذلك كله، لحديث: " نور أني أراه؟ "
وإذا ظهر لك هذا الحال من كلام الشيخ ربيع، فتأمل قول شيخ الإسلام:" فهذا كله وما أشبهه، لم يريدوا به أن القلب ترفع جميع الحجب بينه وبين الله تعالى .... الخ.
فهذا شيخ الإسلام يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم رؤيةً قلبية ـ على قول ابن عباس ـ وأما غيره فلم يجوّز ذلك له أحد من العلماء، إنما هي مشاهدة تتعلق بالمثال العلمي، ولعل ذلك لزيادة الإيمان في بعض الأوقات، كما جاء في الحديث، في تعريف الإحسان:" اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وأكد ذلك شيخ الإسلام بقوله: "ولكن هذا التجلي، يحصل بوسائط .. "
فلو أن الشيخ ربيعاً أثبت لنفسه هذا التجلي -فمع ما فيه من التزكية لنفسه، وناهيك بهذه الرتبة التي ادعاها لنفسه- لربما نازعه في ذلك غير واحد، كما هو ملاحظ من حاله في ظلم كثير من العباد!! فكيف وهو يدعي رؤيةً قلبيةً، بل جاد بهذه الرتبة السنية على كل من آمن بالعلو!!!".
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي حرَّف في نقله، وبتر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وزاد فيه من عنده فحسبه الله ما أكذبه!
وهذه الفروق بين الحوار الذي بين السائل وبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل المأربي:
1- في الحوار: "قال السائل: انزين يا شيخ ورأى النبي -r- ربَّه، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لربه؟".
ونقل المأربي: "قال السائل: لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج؟"
وحرَّف كلام السائل فهو قال: "يا شيخ ورأى النبي-r- ربَّه،ورؤيا النبي -r-لربه".
والمأربي نقل: ": لكن يقولون اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج".
وزاد المأربي في كلام السائل"في المعراج"!!!
2- قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه، اختلفوا في جزئية"
وحذف المأربي كلمة:"إيه" ولها دلالة هنا .كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
3- تصرفات في كلام الشيخ غير مؤثرة ولكن تدل على اختلال أمانة النقل عند المأربي وهي كالآتي:
أ- قال السائل: "هذا ما يكون من العقيدة ياشيخ؟"
ونقل المأربي: "قال السائل: هذا ما يكون في العقيدة ياشيخ؟"
فغير كلمة "من" إلى كلمة "في"!!
ب- وقال الشيخ: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة".
ونقل المأربي: "لا, نحن ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول: اختلفوا في العقيدة".
فزاد المأربي كلمة: "نحن"!!
4- وهو التحريف الخبيث الذي فعله المأربي .
في الحوار: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى الله بقلبك؟!
قال السائل: نعم يا شيخ، أي كأنك تراه، "بعدها كلمة غير واضحة ولعلها: لا أكثر" تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية فما فيش خلاف بينهم".
ونقل المأربي: "أما الرؤية بالقلب:أنا أرى الله بقلبي, أنت ما ترى ربك بقلبك؟!) فسكت السائل، فقال الشيخ: قليل (تؤمن بالله، وتعرف أن الله في السماء؟) قال: نعم، قال: (فهذه الرؤية القلبية).اﻫ ".
فقارن بين كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وبين نقل هذا المجرم الأثيم .
ففيه عدة فروق مع الحذف والتزوير وأهمها أن الشيخ يقول: "أي كأنك تراه" والمأربي يجعلها: "قليل"!!
فسبحان الله!
لماذا يخفي المأربي هذه الجملة؟
لأنها توضح مراد الشيخ والذي يريد المأربي أن يوهم خلافه وليطعن على الشيخ بالكذب والتزوير.
والسائل قال: "نعم يا شيخ" والمأربي جعلها: "فسكت السائل"!!
ثم أتى بكلام السائل: نعم بعد كلام الشيخ: تؤمن بالله وتعرف أنه في السماء فنقل قول السائل: "نعم" وهو لا وجود له في الشريط، بل من كيس المأربي!!
تنبيهان:
1- كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في الوجه الثاني من الجلسة الرابعة من المخيم الربيعي وليس الوجه الأول كما ذكره المأربي .
2- قول الشيخ "أي كأنك تراه" لم تتضح لي كلمة "أي" وتشتبه مع "يعني" فلست متأكداً أن الشيخ قال: "أي" أو "يعني" والمعنى واحد ولكن ذكرته من باب الدقة والأمانة .
الوجه الثاني: أن الكلام الذي نقله مصطفى المأربي كان الشايجي قد نقله من قبل، وكذا الحداديون، فرددت عليهم كلامهم الفاسد قبل أكثر من سنة!
فها هو مصطفى المأربي يعيد كلام الشايجي القطبي والحداديين، ولكن مع مزيد تحريف وخيانة، فقد كانوا أقل خيانة منه في النقل. والله المستعان .
وهذا يبين لنا أن مصطفى المأربي مزبلة الحزبيين حيث إنه جمع كلام أعداء السلفيين، وصاغه بأسلوبه، وزاد في الكذب والخيانة والجهل والغباوة، عليه من الله ما يستحق .
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- وضح مراده من الرؤية القلبية وهي مرتبة الإحسان فقال الشيخ: "أي كأنك تراه" والتي حذفها مصطفى المأربي ليتم له مأربه من شين أسد السنة والطعن فيه، والمأربي حقيق بهذا الشين والطعن {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} .
الوجه الرابع: أن كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في معنى الرؤية القلبية وأنها مرتبة المشاهدة هي المرتبة الأولى من مرتبتي الإحسان؛ هو كلام العلماء .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوى(3/389): "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي -r- لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقال الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله- (3/999): "فقال -r-: ((الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))
أخبر -r- أن مرتبة الإحسان على درجتين، وأن للمحسنين في الإحسان مقامين متفاوتين:
المقام الأول-وهو أعلاهما-: أن تعبد الله كأنك تراه، وهذا مقام المشاهدة وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته الله عز وجل بقلبه وهو أن يتنور القلب بالإيمان، وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان، فمن عبد الله عز وجل على استحضار قربه منه، وإقباله عليه، وأنه بين يديه كأنه يراه أوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم ".
الوجه الخامس: هب أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يفسر مراده بقوله: "أي كأنك تراه" لكان هذا هو المتعين لأن هذا هو المراد بالرؤية القلبية والتي فسرها الشيخ بقوله: "تؤمن بالله، واعرف أنه فوق السماء واعرفوه، هذا الرؤية القلبية".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى(3/390): "وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه، فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه، ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق، وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم، وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه فهذا كله يقع في الدنيا، وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ فيعلم أنه منام وربما علم في المنام أنه منام .
فهكذا من العبَّاد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه؛ وهو غالط في ذلك. وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك بإجماع أهل العلم والإيمان .
نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت الأحاديث عن النبي -r- حيث قال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب، وكما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب)) ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله– في مجموع الفتاوى(6/420): " فصل . المقتضى لكتابة هذا أن بعض الفقهاء كان قد سألني لأجل نسائه من مدة هل ترى المؤمنات الله في الآخرة؟
فأجبت بما حضرني إذ ذاك من أن الظاهر أنهن يرينه، وذكرت له أنه قد روى أبو بكر "يعني: الآجري" عن ابن عباس –رضي الله عنهما -: أنهن يرينه في الأعياد.
وأن أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعا من الرجال والنساء،
وكذلك كلام العلماء، وأن المعنى يقتضي ذلك حسب التتبع، وما لم يحضرني الساعة .
وكان قد سنح لي فيما روي عن ابن عباس –رضي الله عنهما-أن سبب ذلك أن "الرؤية" المعتادة العامة في الآخرة تكون بحسب الصلوات العامة المعتادة،
فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .
ولما كانت السنة قد مضت بأن النساء يؤمرن بالخروج في العيد حتى العواتق والحيض وكان على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يخرج عامة نساء المؤمنين في العيد جعل عيدهن في الآخرة بالرؤية على مقدار عيدهن في الدنيا".
لاحظ قوله: "وترائيه بالقلوب" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في درء تعارض العقل والنقل(8/040-41): "والإحساس نوعان نوع بلا واسطة كالإحساس بنفس الشمس والقمر والكواكب، وإحساس بواسطة كالإحساس بالشمس والقمر والكواكب في مرآه أو ماء أو نحو ذلك .
والقلوب مفطورة على أن يتجلى لها من الحقائق ما هي مستعدة لتجليها فيها،
فإذا تجلى فيها شيء أحست به إحساسا باطنا بواسطة تجليه فيها،
وأيضا فنفس مشاهدة القلوب لنفسه تبارك وتعالى أمر ممكن، وإن كان ذلك قد يقال: إنه مختص ببعض الخلق، كما قال أبو ذر وابن عباس وغيرهما من السلف أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده وقال ابن عباس: رآه بفؤاده مرتين .
فهذا النوع إذا كان ممكنا، وقد قيل: إنه واقع لم يكن نفيه إلا بدليل،
وأما الرؤية بالعين في الدنيا وان كانت ممكنة عند السلف والأئمة، لكن لم تثبت لأحد، ولم يدعها أحد من العلماء لأحد إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم على قول بعضهم وقد ادعاها طائفة من الصوفية لغيره لكن هذا باطل، لأنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن أحدا لا يراه في الدنيا بعينه،
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت)) وقد بسطنا الكلام على مسالة الرؤية في غير هذا الموضع وبينا أن النصوص عن الإمام أحمد وأمثاله من الأئمة هو الثابت عن ابن عباس من أنه يقال: رآه بقلبه أو رآه بفؤاده،
وأما تقييد الرؤية بالعين فلم يثبت لا عن ابن عباس ولا عن أحمد،
والذي في الصحيح عن أبي ذر انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال: ((نور أنى أراه))
وقد روى أحمد بإسناده عن أبي ذر –رضي الله عنه- أنه رآه بفؤاده،
واعتمد أحمد على قول أبي ذر لأن أبا ذر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذه المسالة وأجابه وهو أعلم بمعنى ما أجابه به النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أثبت أنه رآه بفؤاده دل ذلك على مراده))".
وهناك كلام آخر أكتفي بما سبق .
الوجه السادس: أن الرؤية القلبية ليست خاصةً ببعض الناس الذين بلغوا رتباً سنية ولكن تتفاوت مراتب الناس في هذه الرؤية كرؤيا الله في المنام .
قال أحمد بن إبراهيم الواسطي في كتابه النصيحة في صفات الرب جلا وعلا (ص/29): ((فمن تكون الجارية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب لا يستنير بأنواع المعرفة والإيمان،
ومن أنكر هذا القول فليؤمن به وليجرب ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه مبصراً من وجه، أعمى من وجه، كما سبق .
مبصراً من جهة الإثبات والوجود والتحقيق، أعمى من جهة الحصر والتحديد والتكييف فإنه إذا علم ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى ووجد بركته ونوره عاجلا وآجلا ولا ينبئك مثل خبير والله الموفق والمعين)).
وعلى هذا فيكون كلام المأربي: "وعلى هذا فقد ادعى الشيخ قولاً لم يقل به إلا أهل البدع،ومع ذلك، فإنهم لم يقولوا: إن كل من عرف أن الله فوق السماء؛ يرى ربه بقلبه، إنما يراه أقوام خواص، بلغوا رتبة سَنَّيِةً -عندهم-!!" لا وجه له عند أهل السنة.
لأن المأربي يظن أن هذه الرؤية متساوية بين من تحصل له وهذا من جهله بالعقيدة والشريعة .
وفي كلام شيخ الإسلام الذي لم يتمه المأربي إبطال لهذا الظن الفاسد وبيانه في:
الوجه السابع: أن المأربي لم يفهم كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- بسبب عدم قراءته لكلامه وافياً بل اقتطع منه ما يوافق هواه .
فتتمة كلام شيخ الإسلام بعد قوله -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره " قال شيخ الإسلام: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله و كتابه و رسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون .
وكذلك إيمانهم بالمعاد والجنة والنار وغير ذلك من أمور الغيب، وكذلك ما يخبر به الناس بعضهم بعضاً من أمور الغيب هو كذلك، بل يشاهدون الأمور ويسمعون الأصوات، وهم متنوعون في الرؤية والسماع،
فالواحد منهم يتبين له من حال المشهود ما لم يتبين للآخر، حتى قد يختلفون فيثبت هذا ما لا يثبت الآخر، فكيف فيما أخبروا به من الغيب..." إلخ كلامه -رحمه الله- .
فالمؤمنون مشتركون في المثال العلمي المشهود لكنهم متفاوتون حسب معرفتهم بالله ومحبتهم له وإيمانهم به عز وجل .
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الجواب الصحيح(3/400): "والمقصود هنا أنه كثيراً ما يوجد في كلام الناس؛ الأنبياء وغيرهم: من ذكر ظهور الله عز وجل، والمراد به ظهوره في قلوب عباده بالمعرفة والمحبة والذكر".
ولشيخ الإسلام كلام كثير بنحو هذا المعنى في الجواب الصحيح فيرجع إليه.
الوجه الثامن: فإن قيل: فما معنى قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد -صلى الله عليه وسلم- " وفي رواية: "إن الله عز وجل اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالرؤية".
ومعنى قول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مخصوص بما لم يشركه فيه غيره"
وقول شيخ الإسلام الذي نقله عنه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-:" ومن قال يرى في الدنيا بالفؤاد لغيره صلى الله عليه وسلم ,فهو مبتدع ضال".
فالجواب من عدة جهات:
الجهة الأولى: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ذكر أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين أن الله اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً كما في الصحيحين.
وذكر –أيضاً- أن الله اصطفى موسى بالكلام مع علم ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الله كلم آدم، وكلم الملائكة، وكلم إبليس، وكلم محمداً -صلى الله عليه وسلم- .
فلابد من أن الاختصاص أو الاصطفاء المذكور هنا هو قدر زائد لا ينفي أصل الاشتراك .
والذي يظهر لي من قول ابن عباس -رضي الله عنه- أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة حتى صارت علماً عليه فلا يذكر إبراهيم إلا ويذكر أنه خليل الله .
ولا يذكر موسى إلا ويذكر أنه كليم الله .
ولا يذكر محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا ويذكر أنه رأى الله .
هذا ما يظهر لي من توجيه لكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- .
وكلام ابن عباس -رضي الله عنهما- روي مرفوعاً ولا يصح بل الصحيح أنه موقوف .
الجهة الثانية: أنه من المحتمل أن ابن عباس -رضي الله عنهما- عنى بالرؤية التي اخْتُصَّ بها محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- هي رؤيا المنام .
فقد رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربَّه في المنام مرتين وقد روى ابن عباس -رضي الله عنهما- كلا الحديثين:
الحديث الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأيت ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أعلم يا رب . قال: فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري، قال: فتجلى لي ما بين السماء والأرض)) الحديث وهو صحيح له طرق وقد روي من حديث ابن عباس ومعاذ وثوبان -رضي الله عنهم- وغيرهما .
الحديث الثاني: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء)) وقد اختلف في صحته وقد صححه الإمام أحمد وغيره، ولتفصيل ذلك راجع إبطال التأويلات لأبي يعلى(1/139-145) .
وبنحو هذا قال شيخ الإسلام فيما نقله عنه ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد(3/37-38) .
وهذا الوجه لا يتأتى عند تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- لآيتي النجم كما سيأتي.
الجهة الثالثة: أنه من المحتمل أن تكون الرؤية التي اختص بها محمد -صلى الله عليه وسلم- هي نفسها الرؤية القلبية التي ذكرها ابن عباس -رضي الله عنه- عند تفسيره لقوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى} وقوله: {ولقد رآه نزلة أخرى}.
فقد قال -رضي الله عنه-: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بقلبه .
وفي رواية أنه قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه بفؤاده مرتين
وكلاهما في صحيح مسلم.
وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: رآه بقلبه ولم تره عيناه .
ولم أجد أحدا من السلف فسر هذه الرؤية بشيء خلاف المعروف بالرؤية القلبية المعروفة في لغة العرب ألا وهي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي.
ووجدت لبعض العلماء خلاف هذا فيه تكلف ومخالفة لقول السلف .
فيصبح معنى الرؤية القلبية: أن الرؤية القلبية هي الرؤية العلمية وهي المثال العلمي وهي مرتبة المشاهدة .
وهذا دل عليه كلام غير واحد من العلماء لما تكلموا على الإحسان وعلى رؤية الله بالقلب كما سبق نقله في الحلقة السابقة .
كقول شيخ الإسلام: "فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله، ومناجاته، وترائيه بالقلوب، والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة؛ جعل لهم في الآخرة اجتماعا في كل جمعة لمناجاته، ومعاينته، والتمتع بلقائه .".
وقوله: "ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله، ويقين القلوب، ومشاهدتها، وتجلياتها هو على مراتب كثيرة . قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))".
وقوله: "وهذا المثال العلمي يتنوع في القلوب بحسب المعرفة بالله، والمحبة له تنوعاً لا ينحصر،
بل الخلق في إيمانهم بالله وكتابه ورسوله متنوعون: فلكل منهم في قلبه للكتاب والرسول مثال علمي بحسب معرفته مع اشتراكهم في الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله، فهم متنوعون في ذلك متفاضلون".
والنبي -صلى الله عليه وسلم- مختص بما لم يشركه به غيره
وبيانه:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غسل قلبه بماء زمزم وملئ حكمة وإيماناً قبل الإسراء به بروحه وجسده يقظة، ثم عرج به إلى السماء فوصل إلى مكان لم يصل إليه أحد قبله حتى أن جبريل عليه السلام توقف إلى حد، ثم صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مقام سمع فيه صريف أقلام القدر فكلمه ربه عز وجل بلا واسطة، ولم يكن بينه وبين ربه إلا الحجاب فهذا المرتبة السنية والمنزلة العلية أوصلت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى منْزِلة في الإحسان ومشاهدة الرب بالقلب إلى درجة لم يبق بعدها إلا رؤية الله عز وجل بالعيان .
وهذه المنْزِلة خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يشركه فيها غيره .
وهذا ما عناه شيخ الإسلام .
والذي يدعي وصوله إلى هذه المرتبة التي وصل إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مبتدع ضال كما نقله الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- .
وهذا ما لا يوجد في كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
وما بينته هو الأصل، وهو مقتضى اللغة العربية، ومفاد كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في مواضع عديدة .
وأما ما ذكروه من خلق رؤية في القلب أو أن الله جعل بصره في قلبه فهذا يلغي فضيلة الرؤية بالعين الباصرة والتي ادخرها الله لعباده وأنبيائه وأوليائه يوم القيامة، وهو من التكلف ومما لا يوجد عليه دليل وبرهان .
فليتأمل طالب العلم فيما ذكرته يجده -إن شاء الله تعالى- هو القول الصواب الذي ينبغي أن لا يصار إلى غيره .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الكلام على الخلاف في العقيدة وهل هو واقع بين السلف أم لا وعلاقة مسألة رؤية الله بالقلب بكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-؟
قال المأربي: "فهذا كلام من الشيخ ربيع ـ هداني الله وإياه ـ قد جمع عدة مجازفات، والحامل له على ذلك الغلو في الرد على بعض الجماعات!! فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة,مع أن في المسألة تفصيلاً , ليس هذا موضعه ,بل الشيخ نفسه له كلام في بعض أشرطته، يدل على أن العالم إذا وقع في بدعة عن اجتهاد؛ فلا يسقطه أهل السنة, وقد يفصِّل في نوع البدعة في مواضع , وقد لايفصِّل.
فلما ذُكِر له أن الصحابة-رضي الله عنهم- فمن بعدهم، اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في المعراج ـ وهذا أمر عقدي بلا شك ـ اضطرب الشيخ، فقال: (هذه جزئية)!! نعم يا شيخ ربيع هذه جزئية، لكن هل هي جزئية من أجزاء العقيدة, أم جزئية خارج العقيدة؟!! لاشك أنها من العقيدة وقد صرح بعض السلف بذلك، إذاً فدعواك أنها جزئية؛ ليست جوابًا على الإيراد الوارد عليك!! وهل الاختلاف في العقيدة محصور في الاختلاف في رؤية الرب عزوجل في الجنة فقط؟من سبقك إلى هذا؟!!"
وقال: "(تنبيه آخر): الاختلاف في بعض مسائل عقدية؛موجود بين السلف، فلا حاجة للإنكار الشديد من الشيخ ربيع لهذا!!
فقد أشار شيخ الإسلام لبعض مسائل علمية عقدية، ومسائل عملية، ثم قال: (وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد على أحد بكفر، ولا بفسق، ولا معصية...)،الخ كلامه في "مجموع الفتاوى" (9/229) وما بعدها، وقال أيضًا في (19/123): (وتنازعوا -أي الصحابة- في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الحي ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة...).اﻫ"
تنبيه: الصواب أن كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى(3/229) وليس في (9/229)!!
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: تحرير مراد الشيخ في سياق كلامه بنفي الخلاف في العقيدة .
إن المتأمل لكلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يجد أن نفيه للخلاف في أمور العقيدة إنما هو في الأمور الكلية والتي يسميها العلماء الأصول وهو ما جاء النص فيها صريحاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس فيه محل اجتهاد .
فهذا لم يختلف فيه الصحابة مطلقاً .
وإنما اختلفوا في أمور لم يأت بها نص أو تنوعت فيه الأدلة .
# فقد اختلفوا في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه ليلة المعراج . وقد بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنه لا خلاف بينهم لأن الذي نفته عائشة -رضي الله عنه- غير الذي أثبته ابن عباس -رضي الله عنهما- كما سبق بيانه .
# واختلفوا في ابن صياد هل هو الدجال؟ وهذا لأنه لا يوجد نص في ذلك .
# واختلفوا في تعذيب الميت ببكاء الحي وجمع بين المثبت والنافي أنه إذا أوصى بذلك فيكون مما كسبت يداه "وأوجه الجمع كثيرة".
أما الأمور القطعية التي ورد بها النص من الكتاب والسنة فإن الصحابة لم يختلفوا فيها أبداً .
وهذا ظاهر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فإنه سئل: "هل صحيح أن الصحابة اختلفوا في العقيدة؟ قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: (لا,لا) .
ثم سأله السائل: "انزين يا شيخ ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لربه؟"
فأجابه الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "اختلفوا في رؤية الله في الجنة؟" قال السائل: لا, قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه اختلفوا في جزئية،"
فبين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذا الخلاف الذي أورده السائل في جزئية وليس في كلية أو قاعدة أو نص قاطع "سواء كان متواتراً أو آحادا صحيحا".
فضرب مثلاً للمسألة الكلية أو القطعية برؤية الله في الجنة وهذا مما لم يختلف فيه السلف .
ثم بين الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أن هذه الجزئية أيضاً اتفقوا عليها وهي مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل.
الوجه الثاني: حكى الإمام عثمان الدارمي اتفاق الصحابة على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم ير ربّه . كما في زاد المعاد(3/37) .
فهل هذا غلو من الإمام الدارمي؟!!
الوجه الثالث: قال ابن القيم -رحمه الله-: "اتفاق الصحابة في مسائل الصفات وقد تضمن هذا أمورا منها:
أن أهل الإيمان قد يتنازعون في بعض الأحكام ولا يخرجون بذلك عن الإيمان.
وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال .
بل كلهم على إثبات ما نطق به الكاتب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها،
ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلها أمراً واحداً، وأجروها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين مع أن اللازم لهم فيها أنكروه كاللازم فيما أقروا به وأثبتوه".
مع أن مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربّه من مسائل الصفات ومع ذلك لم يعتبر الإمام ابن القيم الخلاف فيها خلافاً في العقيدة فهل هو من الغلاة أيها المأربيّ؟
الوجه الرابع: قال الدكتور ناصر العقل في كتابه "حراسة العقيدة"(ص/57-59): "السلف (أهل السنة والجماعة) لا يختلفون في أصل من الأصول.
من سمات أهل السنة والجماعة السلف الصالح أنهم لا يختلفون ولم يختلفوا في أصل من أصول الدين وقواعد الاعتقاد،
فقولهم في مسائل الاعتقاد قول واحد بحمد الله ...إلى أن قال:
أما عند أهل السنة –بحمد الله-: فهم يتفقون جملة وتفصيلاً –أئمتهم وعامتهم- على أصول العقيدة، وما يقع من بعض أفرادهم من مخالفة للأصول التي اتفقوا عليها فهو خطأ مردود على قائله، مع أن ذلك –بحمد الله- نادر جدا، والنادر لا حكم له .
فقول أهل السنة في صفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله واحد .
وقولهم في الكلام والاستواء والعلو فلا يختلف .
وقولهم في الرؤية والشفاعة وسائر السمعيات فلا يختلف.
وقولهم في الإيمان وتعريفه وأصوله(أركانه) ومسائله واحد .
وقولهم في القدر واحد.
وقواعدهم في الأسماء والأحكام فلا تختلف.
وقولهم في الصحابة والسلف الصالح واحد ."
ثم قال الشيخ ناصر العقل: "فاختلاف أهل السنة إنما كان في الاجتهاديات من أمور الأحكام، أو فرعيات المسائل الملحقة بالعقيدة مما لم يرد به دليل قاطع،".
ثم ذكر أمثلة على هذه المختلف فيها ومما ذكره: مسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه في المعراج، هل كانت بصرية أو قلبية؟ ومسألة ابن صياد هل هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان أو غيره؟ .
ثم قال: "ونحو ذلك من المسائل المختلف فيها ولم يرد الدليل صريحاً فيها، وألحقها العلماء بموضوعات العقيدة؛ لأنها تندرج في جنسها علمياً وموضوعياً لا عقدياً .
وهذه الأمور ونحوها ليست من أصول الاعتقاد، والخلاف فيها دائر مع النصوص لم يقل فيها السلف برأيهم المحض –والله أعلم" . انتهى كلام الدكتور ناصر العقل.
الوجه الخامس: أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- فرية ثم أجاب على نفسه بنفسه مما يدل على جهله واضطرابه!!
والعجيب أنه يرمي الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بالاضطراب وهو بناه على سوء فهم، وقلة عقل .
قال المأربي: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة، أراد -لغلوه- أن يسد هذا الباب، فادعى أن السلف لم يختلفوا في العقيدة، من أجل أن يقرر أن أي خلاف في مسألة العقيدة؛ فإنه يخرج صاحبه من دائرة السنة".
فالشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أنكر الخلاف في كليات الاعتقاد وأصوله –كما هو سياق كلامه- ولم يقل ذلك من أجل أن يرمي كل من وقع في خطأ عقدي بالبدعة
حاشاه من ذلك .
ولكن هذا من إفك المأربي وبهتانه.
والشيخ ربيع قد صنف رداً على الحداد، وذكر مقالاً ذكر فيه ميزات الحدادية، ومن منهجهم أنهم يسقطون العالم بالزلة فكيف يتهمه المأربي بما يحذر الشيخ منه وينهى عنه؟!!
علماً بأن المأربي لم يأت ببينة ولا برهان على ما زعمه إلا الدعاوى الفارغة التي يكثر منها هذا المخلوق العجيب!!
وإن ما نسبه المأربي لبعض الناس: "فلما رأى بعض الناس يقولون: ليس كل خلاف في العقيدة, يُخرج من دائرة السنة" هو قول شيخنا أسد السنة ربيع المدخلي -حفظَهُ اللهُ- وقول عامة السلف .
فالمخالفة في العقيدة إن كان في جزئية ورد عن السلف خلاف فيها أو وقع فيها بعض العلماء دون إصرار وهوى فهذا لا يخرجه من أهل السنة .
والشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- يعلم مخالفة شريح في صفة العجب ومخالفة ابن خزيمة وغيرهما من العلماء الذين خالفوا في بعض مسائل الاعتقاد عن اجتهاد أخطؤوا فيه لم يخرجهم من دائرة السنة ولم يبدعهم كما أوهمه المأربي .
الوجه السادس: أن المأربي لبالغ جهله ظن أن بين قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "لا, ما نقول اختلفوا, ما يحق لنا أن نقول:اختلفوا في العقيدة"
وقوله: "إيه اختلفوا في جزئية،" اضطراباً وتعارضاً فأخذ يهول ويرجم بالغيب، ويورد الإيراد ويجيب عليه وسبب هذا كله الجهل والغباء .
فالأول وهو النفي: نفي للاختلاف المذموم وهو المعارض للنص، أو الذي بني على الرأي المذموم أو الهوى المتبع .
مع نفي الخلاف في الأصول والقواعد والأمور التي اتفقت عليها الأدلة .
والثاني وهو الإثبات: وفيه بيان أن هذا من الجزئيات التي تتعارض مع نفينا للخلاف في العقيدة بمثل هذا التعبير .
ثم أجاب الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن المسألة التي ذكر السائل أنها مختلف فيها وهي من مسائل الاعتقاد بنص الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "إيه هذه جزئية".
فبين أن المنفي الرؤيا البصرية والمثبت الرؤيا القلبية ثم قال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-: "فما فيش خلاف بينهم".
فيبقى كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- في نفيه الخلاف في العقيدة بين الصحابة قائماً وصحيحاً، وإنما يقال: اختلفوا في بعض مسائل الاعتقاد التي لم يرد فيها نص قاطع كاختلافهم في ابن صياد وهل هو الدجال أم لا؟
والله أعلم
بتْرُ المأربي لكلام الشيخ ربيع ليتهمه بكلام قبيح في حق الرب عز وجل، ودحض بعض أباطيل المأربي
قال المأربي: "أولاً:أسلوب قبيح من الشيخ ربيع في حق الله عز وجل!! فقد جاء في شريط "العقيدةأولاً"وجه (ب),وفي سياق الكلام فيمن يسعون للحاكمية ,بغير المنهج الصحيح, وأنهم يتظاهرون بالغيرة على الاسلام, فإذا وصلوا إلى مآربهم؛تناسوا ذلك كله؛قال الشيخ:
(فماهو هذا إلا للتهريج فقط , وللوصول إلى ما يريدون , ثم بعد ذلك , كما والله واحد منهم في الدراسات العليا , وأنطقه الله رغم أنفه,لما ركزت عليه بالكلام؛ انفجر,وقال: والله أنا أعرف واحد من كبار الإخوان يقول: نحن هانهتف باسم الله ,فإذا وصلنا إلى الكراسي؛ نحط ربنا في أي حتة!!! قال الشيخ ربيع: والله هذا الذي حكى لي , وهو صادق, وهذا الآن السودان خلاص, انتهى, الله حطوه في أي حتة, ما أدري فين)اهـ..
فتأمل أخي القارئ الكريم –كيف أن الشيخ ربيعاً عندما حكى هذه الكلمة المنكرة؛لم يكتف بنكارتها وشناعتها, وتسبيح الجالسين حوله ,استعظاماً لهذه الكلمة ,أو لم يعقب عليها بكلمة: تعالى الله عما يقول الظالمون أو الجاهلون أو المبطلون علواً كبيراً, أو قوله تعالى:(كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) إنما أعاد هذه الكلمة الشنيعة مرة أخرى -وإن كان ذلك منه على سبيل الإستهزاء من قائل هذه الكلمة-فقال:(.....وهذا الآن السودان, خلاص, انتهى,الله حطوه في أي حتة ,ما أدري فين؟!!)بل أضاف لكلمة ذاك الإخواني الضال ,إضافة باطلة, فقال: (ما أدري فين؟!) يعني بذلك أن الإخوان أخذوا كراسيهم، ووصلوا لما يريدون، ثم إنهم حققوا ـ على سبيل الإستهزاء ـ ما كانوا يقولونه!! فهل هذا من الأدب مع الله عزوجل يا شيخ ربيع؟! أتريد أن تضحك جلسائك بمثل هذه الكلمات التي تزلزل القلوب؟! وهل إذا قال المبطلون قولاً قبيحاً مثل هذا،نردده ورائهم،ونزيده إيضاحاً، وإن كنا ساخرين بهم؟! وهل هذه الكلمة الشنيعة تُحكى , ويُعقَّب عليها بهذا الأسلوب الشنيع؟! فيا سبحان الله!!"
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن المأربي بتر كلام الشيخ فلم يكمله ليتطاول على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-، وينسب إليه الباطل .
فإن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قال نقلا عن بعض الناس: "...أعرف واحد من كبار الإخوان يقول: نحن هانهتف باسم الله ,فإذا وصلنا إلى الكراسي؛ حنحط ربنا في أي حتة!!! قال الشيخ ربيع: والله هذا الذي حكى لي , وهو صادق, وهذا الآن السودان خلاص, انتهى, الله حطوه في أي حتة, ما أدري فين فنسأل الله العافية" .
فحذف المأربي قول الشيخ معقباً على الكلام القبيح لذاك الإخواني: "فنسأل الله العافية".
الوجه الثاني: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لما ذكر كلام ذاك الإخواني تكلم الحضور بكلام شنعوا على القائل وأقرهم الشيخ عليه فهذا يكفي في الدلالة على الإنكار بل بعض عباراتهم غاية في إبطال القول .
فقد قال بعض الحاضرين –كما في الشريط-: "لعنه الله" وقال بعضهم: "الله أكبر".
ولما كرر الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- الكلام مرة أخرى استنكر كلامه بثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الشيخ قال: "ما أدري حطوه فين" وهذا من باب الإنكار كقول عثمان الدارمي -رحمه الله- منكراً على من يقول: الله في كل مكان .
قال الدارمي في الرد على بشر وابن الثلجي(ص/81): "فإذا كان الله في كل مكان يلزم هذا الجاهل على ما ادعاه أن تكون ذاته ملء الخلاء بأسره، فيلزمه أن يكون ظرفاً لحوادثه، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يكون ظرفاً لحوادثه، أو تكون حوادثه ظرفاً له لأنه تعالى محيط بالأشياء لا محاط به".
الأمر الثاني: أقر بعض الحاضرين الذي قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله " .
الأمر الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- قال بعدها مستنكراً سائلا الله العافية مما ابتلاهم به من القبائح فقال: "فنسأل الله العافية" .
فبعد كل هذا يأتي المأربي ويتهم الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- بأنه أساء الأدب مع الله فحسبه الله ما أفجره .
الوجه الثالث: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يحكه مقراً له أو ساكتاً عليه بل ذكره مستنكراً مستحقراً لهم، واستهزأ بهم مبينا فساد طريقتهم إضافة لكلام الحاضرين الذي أقره الشيخ ربيع، إضافة إلى سؤال الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- العافية من حالهم .
قال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية(2/13): "فإن القائل: ليس في جهة ولا حيز؛ يتضمن نفيه أنه ليس داخل العالم ولا في أجواف الحيوانات ولا الحشوش القذرة، وهذا كله حق، ويتضمن أنه ليس على العرش ولا فوق العالم وهذا باطل، وكان في نفيه نفي الحق والباطل" .
فشيخ الإسلام لما نزه الله عن أن يكون في الحشوش أو أجواف الحيوانات لم يكن قائلا في الله بالقبيح لأنه من باب التنزيه .
ولكن المشكلة أن المأربي لا دربة له بكتب أهل السنة في الرد على أهل البدع فيرد الحق، ويتهم أهله بالباطل والله المستعان.
بيان بطلان اتهام مصطفى المأربي للشيخ ربيع المدخلي –حفظه الله- فيما يتعلق بحسن الظَّن في الذين خُلِّفوا
1- قال المأربي: "ثانياً:الشيخ ربيع يدعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحسن الضن بكعب مالك وصاحبيه ,ويدعي أنهم متهمون ,بل قال: وقد يكونون متهمين بالنفاق!! فقد جاء في شريط:"الموقف الصحيح من أهل البدع"وجه (أ) قال الشيخ ربيع: (وذا كان قد أمر بهجران الصحابة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، حتى بعد توبتهم، وهم لم يركضوا بهذه الفتنة، ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا، واعترفوا، ومع ذلك لما وقعوا فيه من المخالفةِ؛ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهجرانهم،لأنهم متهمون في هذه الحالة،وقد يكونون متهمين بالنفاق،فإحسان الظن بأهل الإنحرافات وأهل البدع والضلالات؛ مخالف لمنهج الله تبارك وتعالى، فلا بد من الحذر منهم، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " فإذا رأيتم من يتبع المتشابه، فأولئك الذين عنى الله، فاحذروهم" ما قال أحسنوا بهم الظن، كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء، أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي،إذا رأينا عندك شبهاً وضلالات؛ أنت متهم، الله حذر منك، ورسول الله حذر منك، كيف ما نحذر منك؟، وكيف نحسن بك الظن؟ وقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى سوء قصدك، وحذر رسول الله منك؟فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء؟! وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة" إ هـ .
فهل جوّز أحد اتهام هؤلاء الصحابة الصادقين بالنفاق؟!ومعلوم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين،وإلا فالمنافقون قد قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى،وكيف يُجَوِّز الشيخ ربيع عليهم هذا الحكم الجائر،وهو معترف بأنهم صحابة، وبعضهم بدْريّ،وأنهم تابوا، وندموا، واعترفوا، فهل من كان كذلك، قد يكون متهماً بالنفاق؟!ولو سلمنا أن أحداً اتهمهم بذلك؛ فهل كلام الشيخ ربيع هذا عنهم ـ رضي الله عنهم ـ من جملة ذكر الصحابة بالجميل، والإمساك عما جرى منهم؟!"
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- أثنى على الذي خُلِّفوا -رضي الله عنه- .
فقد قال: "الصحابة ... حتى بعد توبتهم، وهم لم يركضوا بهذه الفتنة، ولم يتحركوا بها، بل تابوا وندموا، واعترفوا، ... وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد ..."
فكل هذا ثناء عليهم، بل لما قال: عذر .. صحح العبارة وقال: لسبب من الأسباب .
فهو قد ذكرهم بالجميل ولكن ذكر الحال الذي وقع من باب استنباط الحكم الشرعي دون زيادة أو تزيد.
الوجه الثاني: أن المأربي زعم أن الهجر لم يقع إلا على الصادقين فإن كان أراد الثلاثة الذي خلفوا -رضي الله عنه- فمسلم، ولكن إنما ظهر صدقهم بعد توبة الله عليهم .
وإلا لو علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- صدقهم فلماذا يأمر بهجرهم؟
حتى أن أحدهم يسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدري هل حرك شفتيه بالسلام أم لا؟
وإنما أمر بهجرهم لوقوعهم في المعصية وهي التخلف عن الغزو المتعين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فالهجر معلق بالمعصية التي حصلت وليس لصدقهم في عدم اعتذارهم .
فلم يأمر بهجرهم لأنهم صادقون!!
الوجه الثالث: زعمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل من المنافقين فقط فيما يظهر من كلام المأربي وهذا باطل فقد قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذر ذوي الأعذار من قبل سفره لغزوة تبوك كالعرج والمرضى والعمي ومن لا يجد نفقة للسفر ونحو ذلك من الأعذار المقبولة شرعاً.
وكذلك كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع لم يقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم لأنهم ما قدموا عذراً، ولم يعتذروا كذباً كالمنافقين ولكنهم اعترفوا بذنبهم فوكل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم إلى الله حتى تاب عليهم عز وجل.
الوجه الرابع: أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- لم يتهمهم بنفاق أو نحوه كما زعمه المأربي وإنما قال: "لأنهم متهمون في هذه الحالة،وقد يكونون متهمين بالنفاق" فذكر واقع الحال، ونزههم الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- عن النفاق بعبارات كثيرة نقلتها سابقاً من ذلك قوله: "وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون، وتخلفوا لعذر من الأعذار، وبينوا، وهم لسبب من الأسباب، ما نقول عذر من الأعذار، بينوا الحقيقة للرسول -صلى الله عليه وسلم- كما هي، قال: أما هؤلاء فقد صدقوا ولكن نكل أمرهم إلى الله عز وجل وحتى قبل الله فيهم ما أراد".
الوجه الخامس: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال بنحو قول الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى(24/174-175): "نعم صح عنه أنه هجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك، وظهرت معصيتهم، وخيف عليهم النفاق، فهجرهم وأمر المسلمين بهجرهم، حتى أمرهم باعتزال أزواجهم من غير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء .
وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمى لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول وتبين صدقه في التوبة؛ فأمر المسلمين بمراجعته، فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع، الداعين إليها، والمظهرين للكبائر .
فأما من كان مستتراً بمعصية، أو مسراً لبدعة غير مكفرة فان هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوع من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً أو عملاً.
وأما من أظهر لنا خيراً فإنا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون".
وقال المأربي: "وكذلك قوله في حق النبي صلى الله عليه وسلم: " فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء"؟ أهذا من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لكعب:" أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضيّ الله فيك"؟وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يحب أن يكون صدره سليماً على إخوانه الصحابة الكرام،فأين عدم حسن الظن بكعب؟!وحال صاحبيْه ـ رضي الله عنهم ـ كذلك، فأين عدم حسن الظن بهم؟! هل عندك دليل على نسبة هذا الخُلُق الذميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فإن كان؛ فأين هو؟ وإلا فما عليك إلا الإستغفار، وإعلان التراجع عن ذلك، والله أعلم ."
الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أما جعل سوء الظن من الخلق الذميم مطلقاً فباطل شرعاً وعقلاً.
فسوء الظن بالعدو والكافر والمنافق الذي ظهرت علامات نفاقه أمر واجب .
قال ابن حبان في روضة العقلاء(ص/127): "سوء الظن على ضربين:
أحدهما: منهي عنه بحكم النبي -صلى الله عليه وسلم- .
والضرب الآخر: مستحب.
وأما الذي نهى عنه فهو استعمال سوء الظن بالمسلمين كافة على ما تقدم ذكرنا له .
وأما الذي يستحب من سوء الظن فهو كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه مَكْرَه، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره لئلا يصادفه على غِرَّةٍ بمكره فيهلكه .
وفي ذلك أنشدني الأبرش:
وحسن الظن يحسُنُ في أمور
ويمكن في عواقبه ندامهْ
وسوء الظن يسمُج في وجوه
وفيه من سماجته حزامهْ
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
ما ينبغي لأخي ود وتجربة
أن يترك الدهر سوء الظن بالناس
حتى يكون قريباً في تباعده
عنا ويدفع ضر الحرص بالياس".
وانظر العزلة للخطابي(ص/168-180) فإنه مهم .
الوجه الثاني: أن مراد الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- بسوء الظن وارد في سياق كلامه.
وأراد بسوء الظن هو اتخاذ اللازم مع من وقع في المعصية أو وقع في البدعة .
فإحسان الظن الذي ينكره الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- هنا هو ترك هجرهم، والتحذير منهم .
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحمله معرفته بهم وبسابقتهم أن يعاقبهم بأن هجرهم وأمر بهجرهم حتى يحكم الله فيهم بما شاء، فتاب الله عليهم وعفا عنهم ورفع درجتهم، ونفعهم الله بذلك الهجر.
وهذا الذي بينته واضح جداً من سياق الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ-.
فإنه قال: "ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " فإذا رأيتم من يتبع المتشابه، فأولئك الذين عنى الله،فا حذروهم" ما قال أحسنوا بهم الظن، كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء، أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي،إذا رأينا عندك شبهاً وضلالات؛ أنت متهم، الله حذر منك، ورسول الله حذر منك، كيف ما نحذر منك؟، وكيف نحسن بك الظن؟..".
ثم قال: "فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء؟! وهم صحابةٌ، وبعضهم بدريون،..".
فليس المراد مطلق إحسان الظن وإنما أراد إحسان الظن الذي يلزم منه ترك المعاقبة.
الوجه الثالث: أن شيخ الإسلام -رحمه الله- بين أنهم خشي عليهم النفاق بسبب المعصية وهذه الخشية هي التي أوجبت هجرهم ومعاقبتهم بما أنعم الله عليهم بالتوبة والإنابة ورفعة الدرجات -رضي الله عنهم- .
والخلاصة:
1- أن المأربي بتر كلام الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- ليلحق به الشين فعاد القدح عليه ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله .
2- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تكلم بكلام ينزه الله فيه، وينكر على أهل البدع جعلهم دين الله وسيلة لتحقيق مآرب دنيوية فجعله المأربي من الكلام القبيح في الله عز وجل!!
فنعوذ بالله من الجهل والغباء.
3- أن المأربي افترى على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- وادعى عليه أنه يتهم الصحابة بالنفاق، والحقيقة أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- يحكي الواقع ويثني على الصحابة ويبين رفعتهم وصدقهم وعلو منزلتهم .
4- أن الشيخ ربيعاً-حفظَهُ اللهُ- تكلم بكلام صحيح، والسياق يوضح ما حاول المأربي عيب الشيخ به .
5- ظهر أن المأربي متكلف في القدح في أسد السنة –حفظه الله وكسر شوكة عدوه- .
6- وظهر أن المأربي أنكر على الشيخ ربيع-حفظَهُ اللهُ- أمراً هو حق، وقد سبقه بنحوه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
([1]) الترقيم من عندي.
([2])وهو حديث ضعيف رواه ابن أبي شيبة في المصنف، والحارث في مسنده، وابن قتيبة في غريب الحديث، والواحدي في الوسيط، والثعلبي في تفسيره عن عبد الله بن محيريز به مرسلاً. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة(8/465رقم3999) .
التعديل الأخير تم بواسطة أسامة بن عطايا العتيبي ; 09-19-2022 الساعة 09:26 PM
|