عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-22-2012, 04:28 PM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف - هداه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,340
شكراً: 0
تم شكره 33 مرة في 31 مشاركة
افتراضي إعلام النـّاسك في وجوب الحجّ بين الفور والتـّراخي في مذهب مالك بقلم : الشَّيخ أبي عبد الرحمن محمد بن خدة - حفظه الله

إعلام النـّاسك في وجوب الحجّ بين الفور والتـّراخي في مذهب مالك
بقلم :
الشَّيخ أبي عبد الرحمن محمد بن خدة - حفظه الله



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله الذي افترض الحج إلى البيت العتيق ويسّر لقاصديه أسباب التوفيق، فأجابوه بالإتيان إليه رجالا وعلى كل ضامر يأتي من كل فج عميق والصلاة والسلام على من خصّه الله بمزيد عنايته وفضّله تفضيلا، وأنزل عليه في محكم آياته قوله: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: ٩٧] سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدّين وبعد:
فالحجّ من أركان الإسلام العظيمة، وقد تقرّر وجوبه في نصوص الكتاب والسنّة وإجماع علماء الأمّة قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: ٩٧ ] وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الإسلام بُنِيَ على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الصلاة وصيام رمضان وحجّ البيت" [1]، وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أيّها النّاس قد فرض الله عليكم الحجّ فحجّوا.." الحديث[2]، وإنّما يجب الحجّ على كل مسلم بالغ عاقل حرّ مستطيع، ولكن هذا الوجوب هل هو على الفور[3] أو على التّراخي[4] ؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأوّل: الحجّ واجب على الفور، وبه قال جمهور العراقيين من المالكية كالقاضي عبد الوهاب وإسماعيل ابن حماد وابن القصّار واقتصر عليه الجلاّب وارتضاه ابن بشير وشهّره ابن بزيزة في "شرح التلقين" والقرافي وابن عسكر في "شرح العمدة" ونصره الطرطوشي في تعليقه على "الخلاف" وبه أفتى القيرواني وإليه مال ابن الحاجب واستظهره الشيخ خليل في "التوضيح" كما نقله عنه الحطاب في "المواهب" وابن عبد السلام وإليه مال ابن حبيب ورجّحه العدوي في حاشيته على "كفاية الطالب الرّباني في شرح رسالة القيرواني" واستظهره الدسوقي ورجّحه الدردير وبه قال الإمام أحمد وأبو يوسف وجمهور أصحاب أبي حنيفة والمزني ونقل صاحب تبيين الحقائق في الفقه الحنفي عن أبي حنيفة ما يدل على وجوبه على الفور[5]
القول الثاني: الحجّ واجب على التّراخي، وبه قال المغاربة من المالكية و شهّره ابن الفاكهاني واستظهره وهو قول ابن نافع واللخمي واستظهره ابن محرز والمقري وابن خويزمنداد وإليه ذهب الباجي وابن رشد والتلمساني وابن العربي والسيوري والشافعي وأصحابه وبه قال الأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن ونقله الماوردي عن ابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس[6]
أدلّة القول الأوّل: لقد استدلّ من قال إنّ الحجّ يجب على الفور بمجموعة من الأدلّة نوجزها فيما يلي:
1- جملة من الأحاديث التي تدلّ على التعجيل لأداء الحجّ و هي:
" حجّوا قبل أن لا تحجّوا " [7]
" من أراد الحجّ فليتعجّل" [8]
"من لم يمنعه من الحجّ حاجة ظاهرة أو سلطان أو مرض حابس فليمت يهودياًّ أونصرانياًّ
[9]"
2- القاعدة الأصولية وهي أن الأمر المطلق يحمل على الفور.
3- كون الأمر المعلّق على شرط يلزم عقبه.
4- القياس على الصلاة في كونها عبادة بدنية لم يجز تأخيرها خشية العجز، فوجب فعلها على الفور، وبجامع كونها يدخلها التحليل والتحريم فوجب فعلها على الفور خوف فواتها، وكونها عبادة تجب الكفارة بإفسادها فتكون على الفور كالصوم.
5- بعض المسائل المذكورة في المذهب عن مالك تدلّ على أن الحجّ على الفور، منها:
6-ما نقله ابن القاسم في الموازية عن مالك من أن له مخالفة والديه للذّهاب إلى فريضة الحجّ.
ومنها ما نقله أشهب من أنه ليس للزوج منع زوجته من الحجّ الفرض. ومنها تقديم الحجّ على الزّواج.
قال ابن عبد السّلام: [إذا تأمّلت المسائل المأخوذ منها التّراخي وجدتها أقرب إلى دلالتها على الفور منها على التّراخي] انظر المراجع السّابقة وكذا " البيان و التّحصيل"(3/448).
أدلّة القول الثّاني: أمّا من قال إن وجوب الحجّ على التّراخي فقد استدلّ بما يلي:
1_ قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقوله تعالى: ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: ١٩٦] وكان نزولها سنة ستّ، والنبي صلى الله عليه لم يحجّ إلاّ سنة عشر. فتأخيره صلى الله عليه وسلم للحجّ إلى السنة العاشرة مع أنّه فرض سنة خمس يدل على أنّ وجوبه على التّراخي، انظر كلام ابن رشد في "المقدمات المهمات"(5/232)
2_ حديث ضمام بن ثعلبة [10] حين قدم على النبي صلى الله عليه و سلم و بيّن له ما افترض الله عليه، ومن ذلك حجّ بيت الله الحرام، قالوا قد كان مجيء ضمام سنة خمس من الهجرة، ولم يحجّ النّبي صلى الله عليه وسلم إلا سنة عشر فدلّ ذلك على أنه على التّراخي.
3_ القاعدة الأصولية: الأمر المطلق يفيد التّراخي
4_ القياس: كل وقت لا يكون بتأخير الحرام إليه قاضياً فإنّه لا يكون بتأخير الإحرام إليه عاصياً كالتأخير إلى الثّمان من ذي الحجّة.
5_ بعض مسائل المذهب، ومنها:
- لو حلف الزوج لزوجته ألا تخرج فلها تأخيره، قاله أشهب وابن عبد الحكم.
- كون الابن يستأذن أبويه ولا يخرج إلا بإذنهما.
- ما نقل عن سحنون أن من أخره لا يعدّ فاسقاً ولا تردّ شهادته إلا إذا جاوز السّنتين.
- عدم خروج المعتدّة من وفاة له، ذكره اللّخمي.
- كونه لو أخّره عن أوّل سنة الإمكان ثم فعله فلا يكون قضاءً بالإجماع بل هو أداء.[11]
فهذا جملة ما استدل به أصحاب كل قول في مذهب مالك، و كذا المذاهب الأخرى.
وعند المناقشة والتحقيق يظهر قوّة القول الأوّل وهو أن الحجّ واجب على الفور وأن هذا هو القول الأقوى في مذهب مالك رحمه الله وذلك لقوّة أدلّته. فالأحاديث التي استدلُّوا بها صريحة في ذلك، كحديث "من أراد الحجّ فليتعجّل" وقد قوّاه كثير من أهل العلم كما سبق، وكذلك الأثر "من لم يمنعه من الحجّ..." أما حديث "حجُّوا قبل أن لا تحجُّوا " فضعيف لا يقوى للاحتجاج به.
أما القاعدة الأصولية وهي: الأمر المطلق الخالي من القرائن يفيد الفور أو التّراخي؟ فقد اختلف فيها علماء الأصول، بل حتى داخل مذهب مالك، فابن القصار يرى أن مالكا ليس له فيها قول، ولكن مذهبه يدل على الفور، لأن الحجّ على الفور"مقدمة في أصول الفقه" ص280 وهذا هو قول أكثر المالكية من البغداديين، وفي المقابل نجد أن الباجي يقول هو للتراخي، وهو قول القاضي أبي بكر محمد بن خويز منداد وذكر أنه مذهب المغاربة من المالكية "الإشارة"(ص170) و"المنتقى" (3/465) وأما أبو بكر بن العربي فيرى أن الأمر عند مالك لا يحكم فيه بفور ولا تراخ كما في"أحكام القرآن"(1/344) و "الأحكام الصغرى"(1/189).
والذي يظهر ترجيحه في القاعدة أن الأمر المطلق الخالي من القرائن يحمل على الفور، وهذا ما تدلّ عليه نصوص الكتاب والسنة وكلام العرب والعقل السليم، قال صاحب المراقي: "وكونه للفور أصل المذهب وهو لدى القيد بتأخير أبي"
قال القرافي: [ وهو أيضا عنده للفور وعند الحنفية، خلافا لأصحابنا المغاربة والشافعية وقيل بالوقف] "تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول" (128-130).
وانظر الخلاف في هذه المسألة: "المستصفى"(2/88) "نثر الورود على مراقي سعود"(1/178) و"روضة الناظر ومعها شرحها نزهة الخاطر"(2/85-86) " اختيارات ابن القيم الأصولية" (2/512) "المسوّدة في أصول الفقه"(1/119-125) "المذكرة"(ص195-196) " الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (3/307) "شرح الكوكب النير"(3/48-49) "المحصول في علم أصول الفقه"(2/113-121) "تفسير النصوص"(2/345-359) "الإحكام في اصول الأحكام" للآمدي(2/165-170) "إرشاد الفحول" (ص150-153) "تيسير التحرير"(1/356/360) "قواطع الأدلة"(ص126-143) "الغيث الهامع"(1/265-287). وانظر المصادر والمراجع المثبتة في تعليق شيخنا محمد على فركوس على كتاب "الإشارة" ص171.
ثم إن مسائل المذهب تدلّ على ذلك أيضا وقد سبق الإشارة إليها، ووجه ذلك أن تجويز مخالفة الوالدين للذهاب إلى الحج يدل على أنه يتعيّن على الولد أداء النسك على الفور ولا ينتظر إذن الوالدين، وكذلك في مسألة أن الزوجة لا يحق لزوجها أن يمنعها من الحج ولها أن تذهب مع محرم آخر، ومثله كذلك تقديم الحجّ على الزواج يدلّ على فورية الحجّ.
أما ما استدلّ به من قال هو على التّراخي فجوابه كالتّالى: فقوله تعالى: ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة:١٩٦ ]، قالوا أن الآية نزلت سنة خمس وهي تفيد الوجوب ومع ذلك لم يحجّ النّبي صلى الله عليه وسلم حتى سنة عشر، فأفاد ذلك أن الحج على التّراخي.
فجوابه أن الآية أفادت وجوب إتمام الحج والعمرة لمن شرع فيهما، فلا دليل على وجوب ابتداء الحج، وقد أجمع العلماء على أن من أحرم بحج أو عمرة وجب عليه الإتمام ووجوب الإتمام لا يستلزم ابتداء الوجوب انظر"مواهب الجليل"(3/423) "زاد المعاد"(1/26) و"أضواء البيان"(4/339-340) و"الذّخيرة"(3/181).
وأما قوله تعالى:﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ فهذه الآية هي التي كان بها فرض الحجّ ونزولها على الصحيح سنة تسع وقيل سنة عشر قال الإمام ابن القيم-رحمه الله- [ فإن قيل: فمن أين لكم تأخير نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة، قيل: لأن صدر سورة "آل عمران" نزل عام الوفود، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة "آل عمران" و ناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة، ويدل عليه أن أهل مكة وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين كما أنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة: ٢٨ ] فأعاضهم الله تعالى من ذلك بالجزية. ونزول هذه الآيات والمناداة بها إنّما كان سنة تسع. وبعث الصديق يؤذن بذلك في مكة في مواسم الحجّ، وأردفه بعلي رضي الله عنه. وهذا الذي ذكرنا قد قاله غير واحد من السّلف والله أعلم] "زاد المعاد"(1/250) فإن قيل: على فرض أنّه فرض سنة تسع فلمّا أخّره إلى السنة العاشرة دلّ على أنّه للتّراخي، فجوابه هو ما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: [لأنّ عام تسع لم يتمكّن فيه النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من منع المشركين من الطّواف بالبيت، وهم عراة، وقد بيّن الله تعالى في كتابه أن منعهم من قربان المسجد الحرام، إنما هو بعد ذلك العام الذي هو عام تسع، و ذلك في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا و عامهم هذا هو عام تسع، فدلّ على أنه لم يمكن منعهم عام تسع، ولذا أرسل عليًّا رضي الله عنه بعد أبي بكر ينادي ببراءة، وأن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا عريان، فلو بادر صلى الله عليه وسلم إلى الحجّ عام تسع لأدّى ذلك إلى رؤيته المشركين يطوفون بالبيت وهم عراة وهو لا يمكنه أن يحضر ذلك، ولا سيّما في حجّة الوداع التي يريد الناس أن يبن للناس مناسك حجّهم، فأوّل وقت أمكنه فيه الحج صافيا من الموانع والعوائق بعد وجوبه عام عشر، وقد بادر بالحجّ فيه، والعلم عند الله تعالى] "الأضواء"(4/341).
- وأما الجواب على حديث ضمام بن ثعلبة فقد أحسن وأجمل الحافظ ابن حجر رحمه الله في الجواب عنه حيث قال في تعليقه على حديث ضمام
تنبيه: لم يذكر الحج في رواية شريك هذه، وقد ذكره مسلم وغيره فقال في روايته: "وإن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا ؟ قال: صدق " وأخرجه مسلم أيضا وهو في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضًا، وأغرب ابن التين فقال: لم يذكره لأنه لم يكن فرض.

وكأن الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي ومحمد بن حبيب أن قدوم ضمام كان سنة خمس فيكون قبل فرض الحج، لكنه غلط من أوجه:
أحدها: أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول، وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدا.
ثانيها: أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه بعد فتح مكة.
ثالثها: أن في القصة أن قومه أوفدوه، وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة.
رابعها: في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد - وهو ابن بكر بن هوازن - في الإسلام إلا بعد وقعة حنين وكانت في شوال سنة ثمان كما سيأتي مشروحا في مكانه إن شاء الله تعالى. فالصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما...] وقد ذكر الحافظ ابن كثير قدوم ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حوادث سنة تسع، مع أنه ذكر قول الواقدي أنه قدم سنة خمس."البداية والنهاية"(5/71-63).
- أما الجواب على القاعدة الأصولية فقد سبق الكلام عليها، وأن الأقوى والأرجح حتى في مذهب مالك رحمه الله كون الأمر المطلق الخالي من القرائن يفيد الفور، ولذلك قال ابن القصّار: [باب القول في الأوامر هل هي على الفور أو على التّراخي: ليس عن مالك رحمه الله في ذلك نص، ولكن مذهبه يدلّ أنّها على الفور لأن الحجّ عنده على الفور ولم يكن ذلك كذلك إلا لأن الأمر اقتضاه. والحجّة له قوله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: ١٣٣] قال المفسرون: إلى الأعمال التي بها تغفر ذنوبكم...] ثم ذكر مناقشة هذا الاستدلال. وقال في المراقي مرجّحا القول بالفورية: وكونه للفور أصل المذهب وهو لدى القيد بتأخير أبي
وقال القرافي في "التنقيح" ص128-129 [ وهو عنده للفور وعند الحنفية خلافاً لأصحابنا المغاربة والشافعية وقيل بالوقف).
- أمّا القياس فهو في مقابل النّصوص التي دلّت على الفورية فيكون فاسد الاعتبار، ثم يقابل بأقيسة ذكرها من قال بالفورية. ويجاب عنه كذلك بما ذكره القرافي أن القضاء لا يكون إلا فيما يتعلّق بوقت معيّن كالصلوات، وكذلك إذا أحرم تعيّن الوقت، بدليل أن ردّ المغصوب ووفاء الدّيون إذا تأخّرت لا تسمّى قضاءًا وإن كانت فورية "الذخيرة"(3/181).
- وأما مسائل المذهب فقد ردّ عليها علماء المذهب فمسألة الزوجة أجاب عنها الشيخ خليل في"التوضيح" قال: [وأجيب بأن مالكًا فهم عنها قصد الإضرار لقوله حلف أمس وتخرج اليوم) وإذا تأملت ذلك وجدت دلالته على الفور أقرب. انتهى] انظر "مواهب الجليل"(3/423).
وأما مسالة استئذان الابن والديه قال في التوضيح:[ وأجيب عن هذا بوجهين: الأول أن هذا معارض بمثله فقد نقل في النوادر رواية أخرى بالإعجال عليها، والثاني أن طاعة الأبوين لما كانت واجبة على الفور باتّفاق وكان الحجّ مختلفًا في فوريته قدّم المتّفق على فوريته، ولا يلزم من التّأخير لواجب أقوى منه أن يكون الفور غير واجب انتهى]"المواهب"(3/422) "الذخيرة"(3/180) "عقد الجواهر"(1/266).
وأما مسألة المعتدّة فقد قال ابن عرفة: [وهو ضعيف لوجوب العدة فورا إجماعا انتهى] "المواهب"(3/422).
-وأما لو أخّره عن أوّل سنة إمكان فلا يسمّى قضاءً فقد سبق ذكر جواب القرافي في ردّ القياس.
-وأما قول سحنون فقد ردّه أصحاب المذهب إذ هو تحديد بلا دليل. انظر"المواهب"(3/421).
ثم إن غير هذه المسائل في المذهب تدلّ على فورية الحجّ وقد سبق ذكر بعضها ولذلك قال ابن عبد السّلام:( إذا تأملت المسائل المأخوذ منها التراخي وجدتها أقرب إلى دلالتها على الفور. انتهى. وقال ابن الفرس في أحكام القرآن: الذي عليه رؤساء المذاهب والمنصوص عن مالك الفور انتهى ]"المواهب"(3/423) ثم قال الحطاب [ويؤيد ذلك أن كثيرا من الفروع التي يذكرها المصنف في الاستطاعة مبنية على القول بالفور..)
وقال ابن فرحون:[ وكل مسألة استقرئ منها التراخي فلا تقوى...] "إرشاد السالك إلى أفعال المناسك" (1/235) وقال الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري: [ وفي التوضيح الظاهر قول من شهر الفورية وفي كلام ابن الحاجب ميل إليه لأنه ضعف حجة التراخي ولأن الفور مروي عن الإمام والتراخي لم يرو عنه ] "جواهر الإكليل"(1/160).
وبهذا يظهر لك قوّة القول الأوّل وهو أن الحج واجب على الفور، وأنه هو الأقوى في المذهب كذلك والله تعالى أعلم.

التعديل الأخير تم بواسطة سفيان الجزائري ; 10-23-2012 الساعة 03:39 PM
رد مع اقتباس