عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-30-2012, 02:58 PM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف - هداه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,340
شكراً: 0
تم شكره 33 مرة في 31 مشاركة
افتراضي حوار مع الشَّيخ عُبــَـــيْد بن عبَد الله الجَابـــِري حفِظهُ الله تعَالى [ أجرى الحوار : الشَّيخ عز الدِّين رمضاني – رئيس التَّحرير لمجلَّة الإصلاح]

حوار مع الشَّيخ عُبــَـــيْد بن عبَد الله الجَابـــِري حفِظهُ الله تعَالى
أجرى الحوار :
الشَّيخ عز الدين رمضاني – رئيس التَّحرير لمجلَّة الإصلاح الجزائرية


بسم الله الرحمن الرحيم


هذا حوار تشرَّفت هيئة أسرة التَّحرير الإصلاح ، ممثَّلة في بعضَ أعضائها بعقده مع فضيلة الشَّيخ عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله ونصر به السُّنة وأهلها - في منزله بالمدينة النَّبوية صبيحة يوم الثلاثاء 27 ربيع الثَّاني 1433 هــــــ -
تضمَّن تعريفًا موجزًا بحياة الشَّيخ ونشأته العلميَّة ونبذة عن جهوده الدَّعويَّة وعلاقاته بالعلم والعلماء ، وأجوبة عن أسئلة مهمَّة في شكل نصائح وتوجيهات قدَّمها لمن يهمُّه أمر هذه الدَّعوة المباركة .
وهيئة المجلَّة إذ تنشر لأوَّل مرَّة مثل هذا الحوار على صفحات مجلَّتها بعد إذن الشَّيخ وموافقته على نشره ، تسدي للشَّيخ عظيم امتنانها وسرورها لقبوله الدَّعوة وتلبيته للطَّلب ، شاكرين له حسن ضيافته وكرمه ، آملين من الله أن يمدَّ في عمره وأن يبقيه ذخرًا وسندًا للدَّعوة السَّلفيَّة وناصرًا ومدافعًا عن السُّنَّة وأهلها .


******


1- من هو الشَّيخ عبيد ؟ :
الحمد لله ، وصلَّى وسلَّم على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمَّا بعد :
فبادئ ذي بدء ، أقول ليست سيرتنا بالَّتي تَشْرئبُّ لها القلوب ، وتتهيَّأ لها الأسماع ، فأولئك الأئمَّة الَّذين عرف النَّاس عوامُّهم وخواصُّهم سابقتهم في الفضل ، والإمامة في الدِّين وجلالة القدر ، ومن مشائخ الإسلام عندنا في هذا العصر :
سماحة الوالد الإمام الأثري الفقيه الشَّيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وسماحة الإمام المحدِّث بلا منازع في هذا العصر الشَّيخ ناصر الدِّين رحمه الله ، وسماحة الإمام الفقيه المجتهد المحقِّق الشَّيخ محمَّد بن صالح العثيمين رحمه الله ، فأنا أقول : هؤلاء شيوخ الإسلام في هذا العصر وإن اغتاض من اغتاض، واستشاط غضبًا من استشاط ، وهذا اعتراف منَّا لهم بجميل الفضل والإحسان علينا ، ولا ينكر هذا من يعرف قدرهم .
وثانيًا : ما عندى هو جهد الــمُقلٍّ ، ولكن ما دمتم طلبتموه وألححتم علينا فيه ، فلن نبخل به عليكم ولا على من وراءكم من إخوانكم وأبنائكم ، فأنتم ردؤنا ونحن ردؤكم إن شاء الله ، والجامع بيننا ليس النَّسب ولا الصِّهر وإنَّما هي السُّنَّة ، والمحبَّة في ذات الله سبحانه وتعالى ، فنحن معًا نوالي فيها ونعادي فيها ونحبُّ فيها ونمنع فيها ونعطي فيها ، ولاشيء عندنا غير ذلك .
أقول :
الإسم : عبيد بن عبد الله بن سليماني الحمداني الجابري .
الحمداني : قبيلة من بني جابر ، وبنو جابر بطن من بطون مسروح بن حرب ، ومساكننا في الأصل "وادي الفرع" و"الفقير" خاصَّة ، وهذه من أعمال المدينة النَّبويَّة ، وهي تقع على طريق مكَّة ، بينها وبين المدينة نحو مائة وخمسين كيلوا مترًا ، تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً ، ولدتُ في تلك البلدة الَّتي هي " الفقير " بـــــ " وادي الفرع " حسب ما يقال في عام سبعة وخمسين وثلاثمائة وألف 1357 هــــ ، وأمضيت هناك سنين ، ثمَّ انتقلت مع والدي رحمه الله إلى " مهد الذَّهب " في خمسة وستِّين وثلاثمائة وألف 1365 هـــــ .
وفي عام واحد وسبعين وثلاثمائة وألف تلقيَّت بداية التَّعليم في المدارس الحكوميَّة ، وأمضيت فيه ثلاث سنوات ، ثمَّ عدنا إلى بلدتنا " الفقير " بـــــ " وادي الفرع " وذلكم في شهر شوَّال على ما أظنُّ من عام ثلاثة وسبعين وثلاثمائة وألف ، واستوطنا المدينة على ما أظن في شهر محرَّم أو صفر من عام أربعة وسبعين وثلاثمائة وألف إلى هذه السَّاعة .
انقطعتُ عن التَّعليم لأمور شخصيَّة وعائليَّة بتقدير الله سبحانه وتعالى مدَّةٌ من الزَّمن ، ثمَّ بدأت التَّعليم من جديد في عام واحد وثمانين وثلاثمائة وألف ، وكان مستمرًّا .
بدءًا من دار الحديث المدنيَّة، فمعهد المدينة العلمي، فكليَّة الشَّريعة بالجامعة الإسلاميَّة، وتخرَّجت فيها أوَّل عام اثنين وتسعين وثلاثمائة وألف.
بعد ذلك بدأت العمل في وزارة المعارف أنذاك ، والآن مَسمَّاها وزارة التَّربية و التَّعليم ، وانتقلت إلى الجامعة في عام أربعة وأربعمائة وألف ، وبالتَّحديد في يوم الأحد الثَّامن والعشرين من ذي الحجَّة ، وعيِّنت مدرِّسًا في المعهد الثَّانوي ، وكنت قبل ذلك في مركز الدَّعوة بالمدينة ، وفي عام خمسة وأربعمائة وألف فُرغت للدِّراسات العليا ، فكان ولله الحمد أن حقَّق الله أمنيتي هناك ، فعُيِّنت في الماجستير – قسم التَّفسير - ، وأنا لا أزال مدرِّسا في المعهد الثَّانوي ، ولكن فُـــرِّغت للدِّراسة ، وفي الثَّاني عشر من ربيع الأوَّل عام تسعة وأربعمائة وألف حصلت على الماجستير في التَّفسير هذا ما يتعلَّق بالسِّيرة الاجتماعيَّة والعلميَّة .
2- الكتاب الَّذي حقَّقتموه والَّذي كان رسالة الماجستير هل هو كتاب التَّفسير من صحيح البخاري ؟
هو موضوع وليس تحقيقًا ، كان موضوع الرِّسالة " تفسير محمَّد بن كعب القُرطبي جمعًا ودراسة " جمعته من نحو عشرين كتابًا ، لأنَّ تفسيره لم يشمل القرآن كلَّه ، شمل بعض السُّور ، بل بعض السُّور فيها كلمة واحدة ، فاجتمع نحو أربعمائة وهي على ما أظنُّ تزيد أو تنقص قليلاً ، بها نلت الماجستير .
3- من هم الشيوخ الَّذين أخذت عنهم أو أدركتهم من المشايخ الكبار وأهل الحديث وغيرهم ؟
بالنَّسبة لدار الحديث المدنيَّة ، أكثر صحبة كانت للشَّيخ عمر ابن محمَّد فلاته رحمه الله ، كان هو مدير الدَّار آنذاك ، وكان يُعنى بي – جزاه الله خيرًا – ويهتَّم بأموري ، وكنت ذا علاقة طيِّبة معه .
وأمَّا المشايخ الَّذين تلقيَّت منهم الدُّروس بدار الحديث ، أذكر على سبيل المثال : الشَّيخ سيف الرَّحمن بن أحمد الدَّهلوي رحمه الله ، والشَّيخ عمَّار بن عبد الله المغربي رحمه الله ، والشَّيخ أحمد الجاوي رحمه الله ، والشًّيخ يوسف الهندي رحمه الله ، والشَّيخ حامد بن بكر كتبي والشَّيخ فلاته رحمه الله ، وغيرهم هذا بدار الحديث بالمدينة .
أمَّا في المعهد العلمي فكثير ، أذكر على سبيل المثال من الأساتذة : الشَّيخ عودة بن طارق الأحمد رحمه الله ، والشَّيخ خير الله ابن خليفة الحذيفي ، والشَّيخ عبد الرَّحمن بن عبد الله العجلان ، وهو إلى عهد قريب يعطي دروسًا في المسجد الحرام ، كذلك الشَّيخ محمَّد بن عبد الله العجلان وهو أخوه ، والشَّيخ عبد الله بن عبد العزيز الخضري رحمه الله ، وهذا وَفَدَ علينا من القصيم كان مدرسًا في بعض معاهد القصيم ، ثمَّ بعد ذلك انتقل إلى المدينة .
وفي الجامعة الإسلاميَّة على سبيل المثال : الشَّيخ أبو بكر الجزائري والشَّيخ عبد المحسن العبَّاد والشَّيخ حمَّاد ابن محمَّد الأنصاري رحمه الله ، وآخرون .
4- فضيلة الشَّيخ ؟ ... هل تذكرون من درس معكم من الطَّلبة يوم كنتم في الجامعة الإسلاميَّة وصاروا من أهل العلم ؟
نعم ، تزاملنا في المعهد العلمي حتَّى نهاية كليَّة الشَّريعة أنا والشَّيخ صالح بن سعد السّحيمي ، وكذلك أخوه الشَّيخ ذياب ابن سعد السّحيمي ، والشَّيخ ابن نصري القحطاني ، والشَّيخ صالح بن عبد الله المحيسن من أهل القصيم ، وهذا ليس في المعهد العلمي بل في الكليَّة ، هؤلاء الَّذين درسنا معهم مستمرِّين من المعهد العلمي إلى نهاية كليَّة الشَّريعة ، ثمَّ بعد ذلك انضاف إلينا آخرون ، وكثير منهم لا أذكر أسماءهم ، أذكر واحدًا اسمه حامد ابن مسعود التَّميمي لا أدري أخباره .
5- هل للشَّيخ ذكريات يحتفظ بها في المدينة النَّبويَّة وبالأخصُ في المسجد النَّبوي أو الجامعة الإسلاميَّة مثلاً ؟
ليس هناك شيء يلفت النَّظر ويثير الانتباه غير ما ذُكر ، لكن كنَّا – ولله الحمد – حريصين على التَّحصيل الدِّراسي ، وتخرَّجت – ولله الحمد – في كليَّة الشَّريعة بتقدير ممتاز ، والأوَّل على الدُّفعة ، الشَّيخ عبد المحسن وفَّقه – يذكر هذا - ، والَّذين زاملوني يذكرون هذا .
6- هل كان لفضيلتكم علاقة بالشَّيخ ابن باز رحمه الله وكيف كانت ؟
نعم ، الشَّيخ عبد العزيز كنتُ على اتِّصال به حين التحقت بالجامعة ، كان أوَّل عام التحقت به في الجامعة هو عام ثمانية وثمانين وثلاثمائة وألف ، كان نائبًا لرئيس الجامعة ، كنت على اتِّصال به وأزوره حتَّى تخرَّجت ، فلمَّا تخرَّجت وكان هو رئيس الجامعة الإسلاميَّة ، كان يعرفني ، لكن قويت العلاقة حينما انتقلت من التَّعليم إلى رئاسة البحوث العلميَّة – مركز الدَّعوة بالمدينة هناك قويت العلاقة ، وذلكم فيما أظنُّ أنَّه بمجرَّد ما باشرت العمل في المركز ، منتقلاً من التَّعليم إلى رئاسة البحوث العلميَّة والإفتاء والدَّعوة والإرشاد ، الشَّيخ رحمه الله كان هو الرئيس العام لإدارة البحوث العلميَّة والإفتاء والدَّعوة والإرشاد ، بُليت بالإدارة ، فكنت معاونًا للمدير في حضوره وأنوب عنه في غيابه ، فكان اتِّصالي بالشَّيخ كثيرًا جدًّا ، وكنت ضمن المستقبلين حينما يأتي لإدارة مجالس الجامعة ، فكان يعرفني كثيرًا ، وجزاه الله خيرًا يقرَّبني منه ، حتَّى بعدما انتقلت من مركز الدَّعوة إلى الجامعة الإسلاميَّة وأتيت فإذا ذهب النَّاس قال : اقترب منِّي - يا عبيد الله - هل عندك أخبار ؟ فكنت أحدِّثه بما جئت إليه من أجله ، أحدِّثه ببعض الأمور ، فيستجيب لا يردُّ لنا طلبًا رحمه الله ، ويوم كنت في مركز الدَّعوة ، تكون الاتِّصالات بينــي وبينه كثيرة جدًّا في الهاتف ، فأستشيره في بعض الأشياء ، وأبنــي على المحادثة الَّتي جرت بيني وبينه فأكتب للجهة المسؤولة ، فكانوا يلبُّون الطَّلب جزاهم الله خيرًا .
7- هل للشَّيخ من انطباع حول مجلَّة " الإصلاح " ؟ وهل من نصيحة يوجِّهها إلى إدارتها ومحرِّريها وقرَّائها ؟
أوَّلاً : أنا قراءتي قليلة في الصُّحف والمجلاَّت ، قليلة جدًّا ، لأنِّي مشغول بما تيسَّر من التَّحصيل العلمي وبالدَّعوة ، وإلقاء الدُّروس في المساجد ، هذا جانب .
وجانب آخر : ليس عندي شخص يداول معي ليلاً ونهارًا ، ليس عندي كاتب (1) ، وأحيانًا يكون عندي كاتب أقضي أنا وإيَّاه الوقت في مسائل علميَّة من الكتب ، ولكن – ولله الحمد – المجلَّة موثوقة عندي ومزكَّاة من المشائخ الموثوقين عندنا ، ومنهم الشَّيخ عبد الله بن عبد الرَّحيم البخاري حفظه الله وغيره (2) ، هذا من حيث المجلَّة ، وأنا على علم – والحمد لله – بمنهجها الحسن الجميل .
والَّذي أوصي به الاستمرار والجديَّة مع الحكمة ، الحكمة ضالَّة المؤمن أين ناشدها وجدها ، وكذلك الطَّرح الجيِّد العلمي المحض الَّذي من وقف عليه إن كان الله مريدًا له الخير قبل واهتدى ، ونفع أو انتفع ، وإن كان ممَّن غلبت عليه الشّقوة تقوم عليه الحجَّة ، فحسب تجربتنا :
المنصفون الَّذين يطالعون الرُّدود العلميَّة المحضة قسمان :
قسم فيه خير ويقبل ويفيد ويستفيد ، والقسم الآخر تقوم عليه الحجَّة ، لأنَّه بلغه الحقُّ وعرفه واستنكف عنه وأبي عنادًا ، نحن لا حيلة لنا في هؤلاء النَّاس ، نحن نبذل ما عندنا من النُّصح القائم على العلم وحسن الخطاب والرِّفق قدر الإمكان ، وإن كان كنَّا نشتدُّ حيث يستدعي الأمر الشِّدَّة ، وهذا هو هدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، هذا من الحكمة ، حيث ينفع الرِّفق واللِّين نسلكه ، وحيث لا ينفع إلاَّ الشِّدَّة والقوَّة مع حكمة وحسن زجر ، بعيدًا عن السَّبِّ والشَّتم فنحن نسلكه ، وهذا وذاك كما أسلفت هو هدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
والقرَّاء – أيضًا – أوصيهم بان يقرؤوا قراءة متبصِّر ، متشوِّف إلى الحقِّ ، متطلِّع إليه ، محبًا له ، وراغبًا فيما يوصله إليه ، فهذا هو الَّذي يُفيد من هذه المجلَّة الموثَّقة ومن غيرها .
أمَّا من أخذ عددًا من المجلَّة أو كتابًا أو رسالة صغيرة وليس همُّه إلاَّ المطالعة فقط ، فهذا لا يفيد ولا يستفيد ، لا ينفع ولا ينتفع .
8- عندنا وبالأخصِّ الشَّباب السَّلفي في الجزائر ، لاشكَّ أنَّكم تسمعون عنهم وعن أخبارهم ، وهم متواجدون بكثرة في المدينة وفي مكَّة وفي غيرهما ، واتِّصالاتهم عليكم كثيرة من الجزائر ، نرغب منكم أن تخصُّوهم بنصيحة وتوجيه ، وهل ترون أنَّ ما هم عليه الآن من الحرص على السُّؤال وطلب العلم يؤهِّلهم لمزيد من التَّحصيل ؟
أوَّل ما أوصــي به أبناءنا عندكم ، وفي كلِّ مكان أن يلتفُّوا حول فضلاء القُطر ، وعلمائهم والمشائخ الَّذين لهم صدق قدم وسبق عهد الدَّعوة إلى الله ، أوصيهم أن يوقِّرهم ويرتبطوا بهم ، ويلتفُّوا حولهم ، إن أمكن مواجهة ومشافهة فهذا أولى ، وإن لم يمكن فبالإتِّصال وبتتبُّع الأخبار ، فما جعل الله سبحانه وتعالى من أوتوا العلم في أيِّ قُطر إلاَّ نورًا وحصنًا ، نورًا يستنير به ويستضــئ به من أراد الله لهم الهداية ، وحصنًا للأمَّة من توارد الشُّبهات والشَّهوات ، فإذا انفصلت الأمَّة عن علمائها تكون هناك الهلكة إلاَّ ما رحم الله .
ونحن نعلم – كما تعلمون – أنَّ الشِّرك فشَا قبيل نوح صلَّى الله عليه وسلَّم حينما عبدت الأصنام الخمسة ، كلٌّ من يعوق ويغوث وود وسواع ونسر ، نُصبت تماثليهم أوَّلاً للذِّكرى ، فلمَّا هلك الصَّالحون والعلماء أوحى الشَّيطان إلى هؤلاء الجهلة أنَّ آباءكم ما صوَّروا هذه الصُّور إلاَّ ليعبدوها ، فعبدوها في الحديث الصَّحيح ما يؤكِّد هذا ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ يَنْتَــزِعُهُ انْتِزَاعًا مِنْ صُدُورِ النَّاس ، ولَكِنْ بِمَوْتِ العُلَمَاءِ ، حتَّى إذَا لَـمْ يَبْقَ عَالِــمٌ ، أوْ قَالَ : لَــمْ يُبْقِ عَالــمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً فَسُئلُوا فَأفْتَوْا بغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَّلُّوا " ، وهذا أيضًا يؤكِّده الواقع ، فكلَّما التفَّ النَّاس حولَّ فضلائهم وإخوانهم الَّذين سبقوهم في الدَّعوة ولهم أيضًا خبرة كان التَّراصُّ والتَّلاحم والتَّعاضد والتَّناصر والوعي أقوى ، وما أحسن ما قاله أمير المؤمنين رابع الخلفاء الرَّاشدين ، رضي الله عنه وعنهم أجمعين : " النَّاس ثلاثة : عالم ربَّاني ، ومتعلِّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق " همج رعاع كلُّ من تكلَّم تبعوه ، وظنُّوا أنَّ ما عنده الحقّ ، وما أكثرهم في هذا الزَّمان ، لماذا ؟ لأنَّ النَّاس عزفوا عن علمائهم ، وزهدوا فيهم ، بل تلقُّوا عن أهل الأهواء السُّخريَّة بأهل العلم ، وتلقيبهم بأشنع الألقاب وأبذئها ، من فحش الكلام ، ولهذا كانوا مصيدة ، إلاَّ ما رحم الله ، فما علا السُّويدان والقرضاوي وصالح المغامسي إلاَّ حين قلَّت رغبة النَّاس في العلم وأهله وزهدوا في العلم وأهله ، فأنا أوصــي الشَّباب وكذلك غيرهم بهذه الوصايا ، وحجَّة الله قائمة وغالبة ، مضت سنَّة الله سبحانه وتعالى أن يَحْيَـــي من حيَّ عن بيِّنة ، ويهلك من هلك عن بيِّنة ، وما أحسن ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " لا يزال النَّاس صالحين متماسكين ، ما أتاهم العلم عن أصحاب محمَّد وأكابرهم ، فإذا أتاهم العلم عن أصاغرهم هلكوا " الأصاغر : أهل الأهواء والجهَّال .
وابن سيرين رحمه الله يقول: " إنَّ هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم "
وهذه الوصيَّة الغالية الجميلة الثَّمينة مصداقها من سنَّة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال عليه السَّلام : " الــمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ " .
9- سؤال متعلِّق بما يسمَّى بظاهرة الفتور ، والإعياء عن تحمُّل العلم الشَّرعي الموروث عن العلماء ، هذه الظَّاهرة الَّتي للأسف الشَّديد نالت حتَّى الخاصَّة من النَّاس كطلبة العلم المتخرِّجين من الجامعات الإسلاميَّة ، فنحن نعاني من هذا ، فنطلب من الشَّيخ هل له من نصيحة لهؤلاء أصلح الله أحوالهم وهداهم حتَّى يندمجوا مع إخوانهم السَّبَّاقين والعاملين في ميدان الدَّعوة إلى الله عزَّوجلَّ ؟
لاشكَّ هذه الظَّاهرة موجودة في كلِّ مكان ، ونحن في الحقيقة نقول يجب على هؤلاء أن يسهموا مع من سبقهم ، ويقوُّوا من على شاكلتهم حتَّى ينضمُّوا إلى ركب الدَّعوة إلى الله سبحانه وتعالى على بصيرة ، لأنَّ هذا الفتور يعقبه مع طول الزَّمن وتقادم العهد تفكُّك وتمزُّق لشمل الدُّعاة إلى الله عزَّوجلَّ ، ولا يسلم إلاَّ من سلمه الله .
فنحن في الحقيقة نعتب عليهم حينما يتفرَّغون لأمور الدُّنيا وينسون ما تحملُّوه من العلم ، ثمَّ هو جناية عليهم هم ، لأنَّهم ينسون ما تحملُّوه من العلم في الشَّرع وغيره ، وفي العقيدة والمنهج ، وفي جميع الفقه في دين الله ، فيصبحون كالعوامِّ ، وقد وصل الأمر أيضًا بالكثير منهم إلى أنَّهم لا يفرِّقون ولا يميِّزون ، فقد يرُوج عليهم باطل في قالب حقٍّ ، وبدعة في قالب سنَّة ، ومنكر في قالب معروف ، وهذا باب خطير جدًّا ، قطعُ الطَّريق وسدُّه يكون بالالتفاف بإخوانهم الَّذين سبقوهم ، والَّذين عاصروهم ، والتَّكاتف في ميدان الدَّعوة إلى الله بما يتيسَّر لهم ، وحبَّذَا لو أنَّ كلَّ خرِّيج تعيَّن في مسجد ، وينشر خلاله الدَّعوة إلى الله عزَّوجلَّ ، يذكرون أنَّ الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله لَمَّا توفيَّ شيخه ابن السَّعدي رحمه الله أوَّل ما بدأ بواحد ، وأحيانًا يغيب الطَّالب ، ثمَّ وصل العدد إلى الثَّلاثة فكان يعطي الثَّلاثة مثل ما يعطي المئات من العلم ، ثمَّ بعد ذلك وصل طلاَّبه إلى المئات ، والآن ولله الحمد طلاَّبه متفرِّقون في العالم الإسلامي دعاةً ، الكثير منهم دعاة إلى الله عزَّوجلَّ على بصيرة .
10– هل أنتم الآن راضون حاليًا ومتفائلون مستقبلاً عن حال الدَّعوة السَّلفيَّة في ربوع العالم الإسلامي خاصَّة مع قيام ما يسمَّى الآن بالثَّورات السِّياسية فيها ؟
نحن نطمع ونخاف من ذلك ، نجمع بين الخوف والطَّمع فلا نيأس من رَوْح الله ، ويمكن نتضجَّر ممَّا تعجُّ به السَّاحة من شبهات وتقليب الحقائق ، وظهور رجال ليسوا أهلاً للدَّعوة لجهلهم بالشَّرع ، ولكن أمران :
الأمر الأوَّل : الإيمان الجازم بأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يضيع هذه السُّنَّة ، ولا يضيع الدَّعوة السَّلفيَّة ، لأنَّها هي دين الله ، الَّذي جاء به النَّبيُّون والمرسلون ، بدءًا من نوح وختمًا بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم على الجميع .
وممَّا يؤكِّد هذا في القلوب قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ منْ أُمَّتــي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأتِــيَ أمْرُ اللهِ تَعَالَى "
وثانيًا : يسلينا حينما نرى تهافت النَّاس على ما يلقي في السَّاحة من الباطل والمنكر من شهوات وشبهات ، يسلِّينا قوله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " [ المائدة: 105 ] ، ونتسلَّى كذلك ونقرع به أسماع من يحبُّنا في ذات الله ، ويحبُّ سماع نصائحنا وآرائنا وإن كانت قليلة بأقوال أهل العلم ، وبأقوال الأئمَّة ، من ذلكم قول الفضيل بن عياض رحمه الله : " عليك بطرق الهدى ولا يضرُّك قلَّة السَّالكين ، وإيَّاك وطرق الضَّلالة ولا تغتـــرَّ بكثرة الهالكين " وما أحسن ما قاله أبو عثمان النَّيسابوري رحمه الله : " من أمَّر السُّنَّة على نفسه قولاً وعملاً نطق بالحكمة ، ومن أمرَّ الهوى على نفسه قولاً وعملاً نطق بالبدعة " ، وقد عُرف بالاستقراء والنَّظر إنَّ من تجرَّد للسُّنَّة وخالطت بشاشتها قلبه وأحبَّ أهلها لا تضرُّه الأهواء ، ولا يضرُّه ما يحاك لأهل الإسلام من المكائد ، من الشُّبهات حول أهل الإسلام ، لأنَّه تجرَّد للسُّنَّة ، وأمَّا من تجرَّد للأشخاص وامتلأ قلبه بهم فرأى أنَّهم هم أهله وخاصَّته فهذا تغلب عاطفته عقله فينحرف وراء من كان مقرَّبًا إليه ويُلبس عليه أنَّه لا يخطئُ ، مبررِّين بمبرِّرات من بينها كثرة جهوده ، فكيف تُهدر جهوده ، هذا من إفرازات قاعدة المعذرة والتَّعاون " نتعاون فيما اتَّفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه " راجت بينهم ، مع أنَّهم يبغضون القاعدة ، لكن هذا منها وراجع عليه ، ولعلَّه يشير إلى هذا الانقسام قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ عَرْضِ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فأيُّــمَا قَلْب أنْكَرَهَا نُكِتَ فيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاء ، وأيُّــمَا قَلْبٍ أشْرِبَهَا نُكِتَ فيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاء ، حَتَّى تَعُودَ [ يعني القلوب ] عَلَى مِثْلِ الصَّفَا لاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، وعَلَى مثلِ الكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " ، والمقصود أنَّ المسلم يلزم ما عرف من السُّنَّة ، ويدع عنه ما يروج في العامَّة من الخلط والخبط وغير ذلك من الغثاء والخبث ، فلم يجعل الله عزَّوجلَّ طريقًا إلى النَّجاة من الفتن إلاَّ الاعتصام بكتابه وسنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهدي الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين من بعده صلَّى الله عليه وسلَّم .
11- فضيلة الشَّيخ ! .... تعرفون – بارك الله فيكم – أنَّ خصوم الدَّعوة السَّلفيَّة ، خاصَّة في هذا الزَّمان كُثر في نظركم مَنْ أخطرُهم ؟
أوَّلاً : الصِّراع بين الحقِّ والباطل هذا من عهد النُّبوَّة ، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان بين المشركين في مكَّة ، ثمَّ بعد ذلك كان حوله المنافقون في المدينة ، عبد الله بن أُبَي بن سلول رأس النِّفاق وعصابته ، وممَّا ووجِه به صلَّى الله عليه وسلَّم وهو منه بريء ، قول ذي الخويصرة التَّميمي أخزاه الله ، حين اعترض على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قسم الغنائم ، قال : اعدل يا محمَّد ؟ واللهِ إنَّها قسمة ما أريد بها وجه الله ، فلمَّا قال عمر رضي الله عنه : دعني أَضرب عنقه يا رسول الله ؟ قال: دعه، فإنَّ له أصحابا يحقر أحدكم صَلاتَهُ مع صَلاَته وصيامه مع صيامه، يَمْــــرقُونَ منَ الدِّين كَمَا يَمْــــرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّميَّةِ " ، فحدث بعده السَّبئيَّة أتباع عبد الله بن سبأ بن وهب الرَّاسبــي اليمني اليهودي الَّذي أسلم نفاقًا وكيدًا لأهل الإسلام ، فما انتهي أمرهم حتَّى قتلوا الخليفة الرَّاشد عثمان بن عفَّان رضي الله عنه ، ثمَّ خرجت الخوارج ، وجاءت بعد ذلك الأهواء من قدريَّة ومرجئة ومجبرة إلى غير ذلك .
وفي هذا الزَّمن أخطر التجمُّعات خصومةً لأهل السُّنَّة جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التَّبليغ ، وجميع الجماعات الدَّعويَّة الحديثة كلُّها خصوم للسَّلفيَّة ، كلُّها أعداء للسُّنَّة ، لأنَّها ضالَّة مُضلَّة ، ويكفي شاهدًا على ضلالها أنَّها مؤسَّسة على أقوال البشر وتأصيلاتهم ، فهي أفكار ، لك ، أن تسمِّي كلَّ نحلة فِكرًا ، سواء كانت تبليغيَّة أو إخوانيَّة أو غيرها ، ممَّا تفرَّع عنهم ، أو مستقلَّة ، فكلُّ خصم للدَّعوة السَّلفيَّة فلم يؤسِّسها أحد من البشر ، هي من عند الله ، جاء بها النَّبيُّون والرُّسل كما تقدَّمتُ ، وأتباعهم وأصحابهم دعاة إليها .

الحواشي:
(1): لأنَّ الشَّيخ فاقد البصر، عوَّضه الله بحبيبتيه الجنَّة
(2): وكان الشَّيخ البخاري حاضرًا في المجلس.

المصدر: العدد الثَّلاثون من مجلَّة الإصلاح السَّلفية – الجزائر

يُتبع إن شاء الله مع باقــي الحوار .... وفيه أسئلة منهجيَّة مهمَّة .

التعديل الأخير تم بواسطة سفيان الجزائري ; 08-30-2012 الساعة 07:01 PM
رد مع اقتباس