عرض مشاركة واحدة
  #108  
قديم 05-25-2015, 12:21 AM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي غير متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,374
شكراً: 2
تم شكره 273 مرة في 213 مشاركة
افتراضي

(نسخة معدلة) تنبيه على نكارة أثر تناقله بعض الإخوة عن الحسن البصري فيه إنكاره على أمه أكل الكراث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فقد اطلعت على تغريدة لبعض الإخوة هذا نصها:

[رأى الحسن مع أمه كرّاث فقال : اطرحي هذه الشجرة الخبيثة.

فقالت : أسكت فإنك شيخ قد خرفت، فضحك الحسن وقال : أيما أكبر أنا أو أنت].

وهذا الأثر رواه أبو الطاهر المخلص، وابن أبي الفوارس في الفوائد المنتقاة، وغيرهما من طريق صالح بن حاتم بن وردان عن المعتمر بن سليمان عن أبيه به.

وظاهر الإسناد أنه حسن لكن متنه فيه نكارة.

فالكراث مع كونه خبيث الرائحة وهو نيء إلا أنه مباح، ويمات طبخا، وقد حكى غير واحد الإجماع على أن الأصل إباحة أكله، أما عند الذهاب للمسجد مع بقاء رائحته فيحرم، وثمة تفاصيل في ذلك.

فإنكار الحسن البصري على أمه التابعية الجليلة خيرة رحمها الله مولاة أم سلمة رضي الله عنها فيه نظر، لذلك أنكرت عليه أمه وجعلت نهيه لها سببا لوصفها له بأنه خرف، لكون كلامه مخالف للصواب.

ووصف أمه له بالخرف مما يتسامح فيه من الأبوين لابنهما ولو كان الابن كبيرا ووجيها.

وجواب الحسن البصري لأمه بأنها أكبر منه فيه تعريض لها بأنها أولى بوصف الخرف بسب كبر السن، وهذا وإن كان ليس صريحا لكنه يفهم من السياق.

وهذا لا يليق بالحسن البصري وهو مناف لبر الوالدين.

إلا إن كان على معنى الملاطفة والمزاح فقد يمشّى.

وعلى كل فينبغي على من يورده أن ينبه عليه.


والله أعلم

كتبه:
أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي

٦/ ٨/ ١٤٣٦هـ


وبعد كتابة ما سبق من تنبيه على نكارة الأثر باللفظ المذكور كتب الأخ الذي نشر الأثر كتابة يُظهِر فيها أن الأثر لا نكارة فيه، وأن التعليق الذي كتبتُه لا فائدة منه، بل ذنب يتاب منه! محتجا بإيراد جماعة من العلماء له في كتبهم بغير نكير، وأنه كان من قبل قد قرأ الأثر على شيخنا الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله فضحك ضحكا شديدا، وذكر حديث النهي عن الكراث.

ولي عليه تعليقات:

أولا: أورد الأخ ذلك الأثر دون تعليق ولا فائدة ظاهرة.
فهل يريد من القرّاء أن يستفيدوا أن الحسن البصري يمازح أمه ويعرض بها بالخرف؟!
أم يريد من الناس أن يتركوا الكراث؟!
وطالب العلم يورد الفائدة التي يعقلها عامة الناس وليس طلبة العلم فقط.

ثانيا: أن الأخ لما نقل الأثر نقله من كتاب تهذيب الكمال وهو اللفظ الذي خرجته، وهو الذي عليه الإنكار لعدم اشتمال لفظه على ما يوجه الكلام ويبينه.

ثم في تعقيبه عزاه للإمام أحمد في العلل وابن معين في معرفة الرجال وكأنهما روياه بنفس اللفظ المستنكر!

فلفظ الإمام أحمد: رأى الحسن أمه تأكل كراثا فقال: يا أمه اتقي هذه الشجرة الخبيثة، قالت: أنت شيخ قد كبرت. قال: يا أمه أنا أكبر أو أنت؟!

فمن يقرأ هذه الرواية لا يجد فيها الأمر بطرح الكراث، ولا يجد فيها الوصف بالخرف ولا التعريض به بل يجد أن كلام الحسن رحمه الله فيما يتعلق بالكِبَر غاية في الملاطفة.

وأما لفظ ابن معين فهو: رأى الحسن مع أمه بقلة كراث فقال: ما هذه البَقْلَة الخبيثة أو الردية؟
فقالت له أمه: مالك قد صرت شيخا وقد خرفت؟ قال: فقال لها الحسن: يا أمه أيما أكبر أنا أم أنت؟

فليس في هذا اللفظ الأمر بطرح الكراث، ولا فيه الوصف بالخرف فحسب.
بل فيه الوصف بالشيخوخة والخرف فحمله على الملاطفة ظاهر أيضا لكنه ليس كظهوره في رواية الإمام أحمد.

وأما لفظ تهذيب الكمال: (فإنك شيخ قد خرفت) فهذا اللفظ فيه تعليق الخرف بالشيخوخة.

والله أعلم

ثالثا: أن الأخ ذكر ما يتعلق بالنهي عن الكراث مستدلا به على صواب فعل الحسن رحمه الله من أمره لأمه بطرح الكراث!

والواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل البصل والكراث قال جابر رضي الله عنه: فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس. رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم: وإنه أتي بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها إلى بعض أصحابه فلما رَآه كره أكلها قال صلى الله عليه وسلم: (كل، فإني أناجي من لا تناجي).

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بطرح الكراث، ولا حرمه مطلقا.

وقد أشرت لقضية الإجماع والخلاف في المسألة ولم أستنكر وصف الكراث بالخبث، وإنما استنكرت أمره بطرحها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: (كل) ولم يأمره بطرحها ولا حرمها مطلقا.

ثم إن في لفظ الإمام أحمد: (اتقي هذه الشجرة الخبيثة) وفي لفظ ابن معين: (ما هذه البَقْلَة الخبيثة أو الردية).


رابعا: قد يورد بعض العلماء أحاديث موضوعة بدون إسناد أو بإسناد دون بيان، ويؤردون آثارا فيها نكارة ولا ينبهون، فهذا لا يستدل به على السكوت عن الرواية المنكرة أو التنبيه على مفهوم خاطئ قد يقع في أذهان القرّاء ولا سيما العامة.

والمباحثة العلمية تحتاج إلى رحابة صدر، وإلى تعقل، وينبغي للسلفي أن يحسّن ظنه بإخوانه ولا يحملن كتاباتهم النقدية بالأدب والعلم على أنها معصية وتشهير!!
فينبغي نفي هذه الظنون الفاسدة، والحرص على نفع الناس، وكتابة الكتابات المفيدة والواضحة التي يستفيد منها الجميع.

ويعلم الله أني ما كتبت تعليقي السابق إلا للفائدة وليس لأمر آخر ولذلك لم أكتب اسم كاتبها، ولا تعديت على شخصه، بل كتبت كتابة علمية مهذبة يا ليت إخواننا يسلكونها تأسيا برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ذي الخلق الرفيع.

كتبه:

أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي

٦/ ٨/ ١٤٣٦هـ
رد مع اقتباس