عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 06-05-2018, 02:48 AM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي غير متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,369
شكراً: 2
تم شكره 272 مرة في 212 مشاركة
افتراضي

من عجائب شهر رمضان المبارك:

(12)

أن من قام ليلة القدر إيمانا بالله وبما شرعه من قيام ليلة القدر، وبما لها من الفضائل، ومحتسباً الأجر لوجه الله، صابراً على السهر والتعب، غير متشكٍّ ولا متسخط فإن الله يغفر له ذنوبه المتقدمة التي أذنبها طوال حياته قبل ليلة القدر، وهذا يشمل جميع الذنوب الصغائر، أما الكبائر فلابد لها من توبة.


عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه.


(13)

أن ليلة القدر لها شأن عظيم، وقد أنزل الله عز وجل سورة في القرآن اسمها "القدر"، وذكرها الله عز وجل في سورة الدخان.

قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5).

قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره: "يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وذلك أن الله تعالى ، ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.
وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر خالية منها، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
{تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} أي: يكثر نزولهم فيها {مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ} أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر .
وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصًا في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر. والله أعلم". انتهى.

قال تعالى في سورة الدخان: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِي}.

قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره: "هذا قسم بالقرآن على القرآن، فأقسم بالكتاب المبين لكل ما يحتاج إلى بيانه أنه أنزله {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} أي: كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بلغة العرب الكرام لينذر به قوما عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الأخروي ولهذا قال: {إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا} أي: في تلك الليل الفاضلة التي نزل فيها القرآن {يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أي: يفصل ويميز ويكتب كل أمر قدري وشرعي حكم الله به، وهذه الكتابة والفرقان، الذي يكون في ليلة القدر أحد الكتابات التي تكتب وتميز فتطابق الكتاب الأول الذي كتب الله به مقادير الخلائق وآجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وأحوالهم، ثم إن الله تعالى قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن أمه، ثم وكلهم بعد وجوده إلى الدنيا وكل به كراما كاتبين يكتبون ويحفظون عليه أعماله، ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة، وكل هذا من تمام علمه وكمال حكمته وإتقان حفظه واعتنائه تعالى بخلقه.
{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} أي: هذا الأمر الحكيم أمر صادر من عندنا.
{إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} للرسل ومنزلين للكتب والرسل تبلغ أوامر المرسل وتخبر بأقداره، {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي: إن إرسال الرسل وإنزال الكتب التي أفضلها القرآن رحمة من رب العباد بالعباد، فما رحم الله عباده برحمة أجل من هدايتهم بالكتب والرسل، وكل خير ينالونه في الدنيا والآخرة فإنه من أجل ذلك وسببه، {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي: يسمع جميع الأصوات ويعلم جميع الأمور الظاهرة والباطنة وقد علم تعالى ضرورة العباد إلى رسله وكتبه فرحمهم بذلك ومن عليهم فله تعالى الحمد والمنة والإحسان.
{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي: خالق ذلك ومدبره والمتصرف فيه بما شاء. {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} أي: عالمين بذلك علما مفيدا لليقين فاعلموا أن الرب للمخلوقات هو إلهها الحق ولهذا قال: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ} أي: لا معبود إلا وجهه، {يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي: هو المتصرف وحده بالإحياء والإماتة وسيجمعكم بعد موتكم فيجزيكم بعملكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ} أي: رب الأولين والآخرين مربيهم بالنعم الدافع عنهم النقم".انتهى.


(14)

ومن عجائب ليلة القدر أنها ليلة تنزل فيها مقادير السنة القادمة فيكتب فيها كل ما سيكون من ليلة القدر إلى ليلة القدر في السنة المقبلة، فيكتب من يموت، ومن يولد، والأرزاق، والأعراض، والأمراض، ومن يحج، ومن لا يحج، وكل ما هو كائن في السنة المقبلة.

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: "إِنَّك لترى الرجل يمشي فِي الْأَسْوَاق وَقد وَقع اسْمه فِي الْمَوْتَى ثمَّ قَرَأَ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين} {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} يَعْنِي (لَيْلَة الْقدر).

قَال ابن عباس: "فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة يفرق أَمر الدُّنْيَا إِلَى مثلهَا من قَابل موت أَو حَيَاة أَو رزق كل أَمر الدُّنْيَا يفرق تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى مثلهَا من قَابل".

رواه عبد بن حميد وابن جرير في تفسيره ومحمد بن نصر في قيام الليل وابن المنذر في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان، وفي فضائل الأوقات والضياء في المختارة وغيرهم وسنده صحيح.


والله أعلم

كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
20/ رمضان / 1439 هـ
رد مع اقتباس