عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-24-2011, 08:15 PM
أبوأنس بن سلة بشير أبوأنس بن سلة بشير غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 71
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
افتراضي


هنا كلمة نزلتها في منتديات اهل الحديث السلفية ضمن موضوع ( ثناء العلامة الإمام ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله - على مشايخ الجزائر و على رأسهم الشيخ فركوس) أحببت ان أضفها في مقالنا هذا بالله التوفيق
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه ومن أتبعه بإحسان إلى يوم الدين
فالحمد لله الذي جمعنا على دينه والمحبة فيه فهذا شيء طيب ونعمة عظيمة أن نتحاب في الله ونتآخى على نصرة دينه ودفاع عن أوليائه
والحمد لله الذي منا علينا بهذا المنهج السلفي الصفي النقي والذي من أصوله أنه يفرق بين العالم المجتهد وبين العامي ويفرق بين الرجل علت منزلته في الدين وبين من هو دونه ويفرق بين صاحب العبادة والصلاح والطاعة لله عز وجل ومن له السبق في الخيرات وبين من هو دون ذلك وبناء على هذه القاعدة تقرر في الشرع (( الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم )) لأن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الدرجة والمنزلة والعلو في القدر ورسوخ القدم في الدين ما لا يمكن لأحد من بعدهم أن يبلغ هذا الفضل ولهذا اغتفرت زلاتهم
بناء على هذا الأصل أن الرجل الذي علت درجته في الدين وله السبق في الخير والفضل تغتفر زلته ولربما حصل هذا الخطأ من غيره فيحاسب على خطئه
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع فتاوى ابن تيمية (1/ 390):
قَالَ تَعَالَى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } فَإِنَّ السَّابِقِينَ هُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَاَلَّذِينَ بَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } كَانُوا أَكْثَرَ مَنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَكُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } " وَكَانَ فِيهِمْ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بلتعة وَكَانَتْ لَهُ سَيِّئَاتٌ مَعْرُوفَةٌ مِثْلُ مُكَاتَبَتِهِ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسَاءَتِهِ إلَى مَمَالِيكِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ مَمْلُوكَهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ حَاطِبٌ النَّارَ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبْت . إنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا والحديبية } " . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ { لَمَّا كَتَبَ إلَى الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِمَسِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ أَرْسَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ إلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَ مَعَهَا الْكِتَابُ فَأَتَيَا بِهَا فَقَالَ : مَا هَذَا يَا حَاطِبُ فَقَالَ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلْت ذَلِكَ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رَضِيت بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ كُنْت امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَك مِنْ أَصْحَابِك لَهُمْ بِمَكَّةَ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهَالِيَهُمْ فَأَحْبَبْت إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيك أَنَّ اللَّهَ قَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ قَدْ غَفَرْت لَكُمْ } . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِهَؤُلَاءِ السَّابِقِينَ - كَأَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ - مِنْ الذُّنُوبِ الْعَظِيمَةِ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ وَجِهَادِهِمْ ؛ مَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بِهَا كَمَا لَمْ تَجِبْ مُعَاقَبَةُ حَاطِبٍ مِمَّا كَانَ مِنْهُ . وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَنَحْوِهِمْ : فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا لَا ذَنْبَ فِيهِ فَلَا كَلَامَ . فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } " . وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ذَنْبٌ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ مَا فَعَلُوهُ ؛ فَلَا يَضُرُّهُمْ مَا وَقَعَ مِنْهُمْ مَنْ الذُّنُوبِ إنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ ذَنْبٌ ؛ بَلْ إنْ وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ كَانَ اللَّهُ مَحَاهُ بِسَبَبِ قَدْ وَقَعَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُمَحِّصُ اللَّهُ بِهَا الذُّنُوبَ ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَابَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ تَمْحُو السَّيِّئَاتِ أَوْ يَكُونَ قَدْ كَفَّرَ عَنْهُ بِبَلَاءِ ابْتَلَاهُ بِهِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا غَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ مِنْ خَطَايَاهُ } ")) انتهى
ولهذا لما تكلم في الحافظ ابن حجر رحمه الله قال العلماء إنه صاحب فتح الباري ولا هجرة بعد الفتح ، تأليف مثل هذا الكتاب وغيره من كتبه القيمة العظيمة النفيسة في أبوابها المحتاج إليها إن مثل هذا العمل الصالح تغتفر معه زلته
ومع هذا كله ما سكت أئمتنا عن الأخطاء وغفلوا عنها وداهنوا أصحابها بل بينوها ووضحوها بالعلم والعدل نصحا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم
ولأن أئمتنا علموا وأيقنوا بأن هؤلاء العمالقة الجهابذة الفضلاء الأتقياء الشرفاء محتاجين لهذا الميزان والعدل وهم أهل لذلك
وعليه فلما أراد أن يطبق هذا المنهج ممن ليس منهم وفي منزلتهم ومكانتهم في الدين والإمامة من أصحاب الحزبية الإخوانية القطبية لمحافظة على رموزهم ورؤسائهم شهروا بهم وكشفوا تلبيسهم وبينوا الفرق بين الإمام في الدين وبين الحزبي المبتدع الضال المضل الهالك
نعم هذا لا يعني أن نسكت عن الأخطاء والزلات ، وحبذا لو نقف ـ ولا بد ـ في هذا الباب عند وقوف الأئمة فهم أهل النقد والميزان لا نتقدم ولا نتأخر عنهم نتكلم إذا تكلموا ونسكت إذا سكتوا فهم أعلم بمصالح الدين وما يفسده وأغير منا عليه
فإذا رأينا خطأ ما وقع فيه كائنا من كان نبينه ونوضحه بالحجج والبراهين والأدلة العلمية السلفية إما بالتصريح أو التلميح ولكل مقام مقال ويكون بالعبارات اللينة اللطيفة الدالة على الأخلاق السامية والآداب الرفيعة التي كان عليها نبينا صلى الله عليه وسلم وسار عليه أئمة السنة والجماعة إلى يومنا هذا ، لأن الرد على المخطئ والمخالف ما هو إلا نصيحة ودعوة إلى الله { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا من اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} الآية ، فهذه الآية الكريمة كافية شافية لمن كان يدعو إلى الله
ولينظر هذا الذي يريد أن يرد على المخطئ الفارق السني بينه وبين الذي يريد أن يرد عليه هذا شيء مهم كثير من الشباب السلفي غفل عنه وأيضا لا بد أن يراعي منزلة الرجل الراد عليه في الأمة وقومه ومكانته العلمية التي هو عليها
ولا بد أيضا من استعمال الألفاظ اللينة المناسبة للمقام والداعية لقبول النصيحة وهذا منهج سار عليه أئمتنا مثال ذلك لو تصفحت كتاب ( التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل للعلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله ) لوجدته يوصف الكوثري في رده عليه بالعلامة الكوثري وبأنه عنده معرفة وتيقظ بعلم الرجال وأكبر من ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة المخالف من أهل الشرك والضلال لا تخفى عليكم إن شاء الله سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام في هذا الباب من استعمال اللين والرفق والحكمة والصبر والنصيحة والتأليف ولو بمال الدنيا فأين نحن من هذا المنهج الطيب القيم المبني على العلم والعدل والرحمة والحكمة والصفاء والنقاء والإخلاص والإيثار
والله يا أخوة أني لما تتبعت ما يجري في الساحة بين الشباب السلفي كأني في كواليس المخابرات الأمريكية لا بين طلبة العلم السلفي ، أين هي النزاهة والمروءة والأخلاق النبوية السنية !! أين هو الرد العلمي الرزين القوي المتين بحججه وأدلته ، والله يا إخوان رأيت بعض الردود على مشايخ السنة ما ظفرت بالدليل واحدا من الكتاب ولا من السنة ولا نقل كلام الأئمة في تقرير الحق ،فهذه النوعية على منهج من يسيروا بارك الله فيكم ؟! وأي سبيل يتبعوا ؟!
جاء في فن الحوار لأبي عبدالله فيصل الحاشدي تقديم العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله باختصار وزيادة :
يالله كم للكلمة الطيبة من أثر في النفوس وكم لها من وقع في القلوب فكم من مودة استجلبت بها وكم من عداوة وئدة بسببها
انظر رحمك الله ورعاك وأصلح بالك إلى قول الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام عندما بعثه إلى فرعون {اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} النازعات 17 ـ 19
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (3/ 132):
((تأمل امتثال موسى لما أمر به كيف قال لفرعون: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} فأخرج الكلام معه مخرج السؤال والعرض لا مخرج الأمر وقال: {إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ولم يقل إلى أن أزكيك فنسب الفعل إليه هو وذكر لفظ التزكي دون غيره لما فيه من البركة والخير والنماء ثم قال {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} أكون كالدليل بين يديك الذي يسير أمامك وقال {إِلَى رَبِّكَ} استدعاء لإيمانه بربه الذي خلقه ورزقه ورباه بنعمه صغيرا ويافعا وكبيرا وكذلك قول إبراهيم الخليل لأبيه {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} فابتدأ خطابه بذكر أبوته الدالة على توقيره ولم يسمه باسمه ثم اخرج الكلام معه مخرج السؤال فقال: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} ولم يقل لا تعبد ثم قال: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} فلم يقل له جاهل لا علم عندك بل عدل عن هذه العبارة إلى ألطف عبارة تدل على هذا المعنى فقال: {جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} ثم قال: {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} هذا ومثل قول موسى لفرعون: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} ثم قال: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} فنسب الخوف إلى نفسه دون أبيه كما يفعل الشفيق الخائف على من يشفق عليه وقال: (يمسك) فذكر لفظ المس الذي هو ألطف من غيره ثم نكر العذاب ثم ذكر الرحمن ولم يقل الجبار ولا القهار فأي خطاب ألطف وألين من هذا. ونظير هذا خطاب صاحب يس لقومه حيث قال: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ونظير ذلك قول نوح لقومه: {يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى} .
وكذلك سائر خطاب الأنبياء لأمتهم في القرآن إذا تأملته وجدته ألين خطاب وألطفه بل خطاب الله لعباده وألطف خطاب وألينه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآيات وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وتأمل ما في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} من اللطف الذي سلب العقول وقوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} على أحد التأويلين أي نترككم فلا ننصحكم ولا ندعوكم ونعرض عنكم إذا أعرضتم أنتم وأسرفتم وتأمل لطف خطاب نذر الجن لقومهم وقولهم {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} . )) انتهى
شرح الكوكب المنير (3/ 12)تقي الدين أبو البقاء الفتوحي رحمه الله :
(( اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْخَصْمُ فِي الْجَدَلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي طَبَقَةِ خَصْمِهِ ، أَوْ أَعْلَى أَوْ أَدْوَنَ فَإِنْ كَانَ فِي طَبَقَتِهِ : كَانَ قَوْلُهُ لَهُ : الْحَقُّ فِي هَذَا كَذَا دُونَ كَذَا مِنْ قِبَلِ كَيْتَ وَكَيْتَ ، وَلِأَجْلِ كَذَا وَعَلَى الْآخَرِ : أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْمُوَازَنَةَ فِي الْخِطَابِ .
فَذَلِكَ أَسْلَمُ لِلْقُلُوبِ ، وَأَبْقَى لِشَغْلِهَا عَنْ تَرْتِيبِ النَّظَرِ فَإِنَّ التَّطْفِيفَ فِي الْخِطَابِ يُعْمِي الْقَلْبَ عَنْ فَهْمِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ .
وَإِنْ كَانَ أَعْلَى فَلْيَتَحَرَّ ، وَيَجْتَنِبَ الْقَوْلَ لَهُ : هَذَا خَطَأٌ ، أَوْ غَلَطٌ ، أَوْ لَيْسَ كَمَا تَقُولُ ، بَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُ : أَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْت كَذَا ؟ وَإِنْ اعْتَرَضَ عَلَى مَا ذَكَرْت مُعْتَرِضٌ بِكَذَا .
فَإِنَّ نُفُوسَ الْكِرَامِ الرُّؤَسَاءِ الْمُقَدَّمِينَ تَأْبَى خُشُونَةَ الْكَلَامِ ؛ إذْ لَا عَادَةَ لَهُمْ بِذَلِكَ ، وَإِذَا نَفَرَتْ النُّفُوسُ عَمِيَتْ الْقُلُوبُ ، وَجَمَدَتْ الْخَوَاطِرُ وَانْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْفَوَائِدِ ، فَحَرُمَتْ كُلُّ الْفَوَائِدِ ، بِسَفَهِ السَّفِيهِ ، وَتَقْصِيرِ الْجَاهِلِ فِي حُقُوقِ الصُّدُورِ ، وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ فِي خِطَابِهِمْ لِلرُّؤَسَاءِ مِنْ أَعْدَائِهِ ، فَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا } .
سَمِعْت بَعْضَ الْمَشَايِخِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ ، يَقُولُ : صِفَةُ هَذَا الْقَوْلِ اللَّيِّنِ فِي قَوْله تَعَالَى { اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَك إلَى أَنْ تَزَكَّى } وَمَا ذَاكَ إلَّا مُرَاعَاةً لِقَلْبِهِ ، حَتَّى لَا يَنْصَرِفَ بِالْقَوْلِ الْخَشِنِ عَنْ فَهْمِ الْخِطَابِ ، فَكَيْفَ بِرَئِيسٍ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ تَطْلُبُ فَوَائِدَهُ ، وَتَرْجُو الْخَيْرَ فِي إيرَادِهِ ، وَمَا تَسْنَحُ لَهُ خَوَاطِرُهُ ؟ فَأَحْرَى بِنَا أَنْ نُذَلِّلَ لَهُ الْعِبَارَةَ ، وَنُوَطِّئَ لَهُ جَانِبَ الْجَدَلِ ، لِتَنْهَالَ فَوَائِدُهُ انْهِيَالًا وَفِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ : الْأَدَبُ مِعْيَارُ الْعُقُولِ وَمُعَامَلَةُ الْكِرَامِ ، وَسُوءُ الْأَدَبِ مَقْطَعَةٌ لِلْخَيْرِ وَمَدْمَغَةٌ لِلْجَاهِلِ ، فَلَا تَتَأَخَّرُ إهَانَتُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هِجْرَانُهُ وَحِرْمَانُهُ ، وَأَمَّا الْأَدْوَنُ فَيُكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَطِيفٍ ، إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ ، إذَا أَتَى بِالْخَطَإِ : هَذَا خَطَأٌ .
وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ كَذَا لِيَذُوقَ مَرَارَةَ سُلُوكِ الْخَطَإِ فَيَجْتَنِبَهُ ، وَحَلَاوَةَ الصَّوَابِ فَيَتْبَعَهُ .
وَرِيَاضَةُ هَذَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ ، وَتَرْكُهُ سُدًى مَضَرَّةٌ لَهُ ، فَإِنْ عُوِّدَ الْإِكْرَامَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْأَعْلَى طَبَقَةً : أَخْلَدَ إلَى خَطَئِهِ ، وَلَمْ يُزِغْهُ عَنْ الْغَلَطِ وَازِعٌ ، وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ تَارَةً بِالْعُنْفِ ، وَتَارَةً بِاللُّطْفِ ، وَسُلُوكُ أَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ فَائِدَةَ الْآخَرِ ، قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } وَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ : إنَّهُ السَّائِلُ فِي الْعُلُومِ دُونَ سُؤَالِ الْمَالِ ، وَقِيلَ : هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . )) انتهى
ولقد أجاد من قال وأحسن
بالله لفظك هذا سال من عسل ....... أم قد صببت على أفواهنا العسلا ؟!
أم المعاني اللواتي قد أتيت بها ....... بها الدراري والياقوت متصلا ؟!
وما أجمل ما قاله يحيى بن معاذ رحمه الله ( أحسن شيء كلام رقيق يستخرج من بحر عميق على لسان رجل رفيق )
وفي الأخير نسأل الله الكريم أن يصلح حالنا وحال إخواننا وأن نكون من الذين يسمعون القول فيتبعون احسنه والحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس