عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-11-2017, 07:36 PM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي غير متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,364
شكراً: 2
تم شكره 271 مرة في 211 مشاركة
افتراضي قاعدة عقدية: الصفات المنفية عن الله عز وجل لا يراد منها النفي المحض أو النفي المجرد، بل يراد منها نفي النقائص عن الله، مع إثبات كمال الضد لله عز وجل

بسم الله الرحمن الرحيم

قاعدة عقدية:

الصفات المنفية عن الله عز وجل لا يراد منها النفي المحض أو النفي المجرد، بل يراد منها نفي النقائص عن الله، مع إثبات كمال الضد لله عز وجل فيما يليق به سبحانه.


وهذه قاعدة قررها علماء أهل السنة والجماعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التدمرية:

"وينبغي أن يُعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال، إلا إذا تضمن إثباتًا، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال، لأن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء هو كما قيل ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون مدحًا أو كمالا. ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال.


فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدح كقوله: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} إلى قوله: {وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} .
فنفي السِنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبيِّن لكمال أنه الحي القيوم.
وكذلك قوله: {وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي لا يكرثه ولا يثقله، وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها. بخلاف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة، فإن هذا نقص في قدرته، وعيب في قوته.
وكذلك قوله تعالى: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} فإنّ نَفْي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض.
وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} ، فإنّ نَفْي مس اللغوب الذي هو التعب والإعياء دل على كمال القدرة، ونهاية القوة.
بخلاف المخلوق الذي يلحقه من النصب والكلال ما يلحقه.
وكذلك قوله: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} ، إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة، كما قاله أكثر العلماء. ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يُرى، وليس في كونه لا يُرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحًا، وإنما المدح في كونه لا يُحاط به وإن رُئي، كما أنه لا يُحاط به وإن عُلم، فكما أنه إذا عُلم لا يحاط به علمًا، فكذلك إذا رُئي لا يحاط به رؤية.
فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحًا وصفة كمال، وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة، وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها.
وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتًا هو مما لم يصف الله به نفسه، فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلهًا محمودًا، بل ولا موجودًا.
وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا: إنه لا يتكلم، أو لا يُرى، أو ليس فوق العالم، أو لم يستو على العرش، ويقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين للعالم ولا محايث له؛ إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها المعدوم، وليست هي مستلزمة صفة ثبوت، ولهذا قال محمود بن سُبكتكين لمن ادّعى ذلك في الخالق: ميِّز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم.


وأيضًا: فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها، فإن الله قادر على جعل الجماد حيًا، كما جعل عصى موسى حيّة، ابتلعت الحبال والعصي.


وأيضًا: فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصًا ممن يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها، فالجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى، ولا الكلام ولا الخرس، أعظم نقصًا من الحي الأعمى الأخرس.

فإذا قيل: إن الباري عز وجل لا يمكن اتصافه بذلك، كان في ذلك من وصفه بالنقص أعظم مما إذا وصف بالخرس والعمى والصمم ونحو ذلك، مع أنه إذا جُعل غير قابل لهما كان تشبيهًا له بالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بواحد منهما، وهذا تشبيه بالجمادات لا بالحيوانات، فكيف ينكر من قال ذلك على غيره ما يزعم أنه تشبيه بالحي!


وأيضًا فنفس نفي هذه الصفات نقص، كما أن إثباتها كمال، فالحياة من حيث هي، هي - مع قطع النظر عن تعيين الموصوف بها - صفة كمال. وكذلك العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام

والفعل ونحو ذلك. وما كان صفة كمال فهو - سبحانه وتعالى - أحق بأن يتصف به من المخلوقات، فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به لكان المخلوق أكمل منه."

إلى آخر كلامه فراجعه فإنه مهم.

والله أعلم.

كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
19/ 11/ 1438 هـ
رد مع اقتباس