عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-15-2011, 08:44 PM
أبو عبيدة إبراهيم الأثري أبو عبيدة إبراهيم الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 390
شكراً: 1
تم شكره 24 مرة في 21 مشاركة
افتراضي

اشتغاله بالتجارة :
شأن الشيخ القرعاوي ، شأن أضرابه من الشباب في زمانه ، في
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 288)
البحث عن مسارب الرزق ؛ لعدم القدرة على التفرغ لطلب العلم ، وما ذلك إلا لمشقة الحياة ، وقلة الموارد التي تريح الإنسان ، وتجعله قادرا على تهيئة النفس ، وتفريغ الذهن بطلب العلم ، ناهيك بالجهد الذي يبذله الإنسان في هذا السبيل في مثل بيئة المترجم له ؛ إذ لا موارد تغطي حاجة السكان ، ولا استقرار في التجارة ولا أمان في السبل ، إلا بعد أن هيأ الله للبلاد الملك المظفر عبد العزيز آل سعود ، وبذل جهدا كبيرا في توحيد البلاد واستقرارها ، ولم يستتب الأمن إلا بعد سنوات طويلة من السعي والمواصلة - فرحمه الله - وجعل في عقبه خير خلف لخير سلف ، وكما يقال : رأس المال جبان لا يتحرك وينمو إلا في جو آمن .
ولذا كانت سبل التجارة محفوفة بالمخاطر ، وشاقة مع قلة مواردها ، ولكنها الحاجة التي دعت لذلك ، ومع اهتمام الشيخ القرعاوي بطلب العلم ، إلا أنه بدأ كما يبدأ أترابه في زمنه ، بالبحث عن لقمة العيش ، وما تحوج إليه من تحمل ، فامتطى من الأمور ما يصقل شخصيته ، ويعطيه دروسا في الحياة ، تتفتح عنها مواهبه ، ويكتسب بها خبرة وقدرة على الصبر والثبات ، أمام معضلات الأمور كما قال الأول :

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فمــــا انقـــادت الآمـــال إلا لصـــابر

ومن هذا المسلك نرى الشيخ محمد القاضي يرى أن القرعاوي اشتغل في عام 1328هـ مع عمه بالتجارة في التغريب للشام ، فسافر معه في جَلْب الإبل والملابس ، وعاد إلى عنيزة ، فصار يوالي نشاطه التربوي والتأديبي ، وفتح دكانا للبيع والشراء ، وكان صدوقا في المعاملة ، وفي الصباح والليل يلازم مشايخه .

(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 289)
ثم يقول : وقبيل وفاته وصل إلى عنيزة ، وعزم على أن يفلح ملكهم الواقع بالخبوب بالبُصُر - الفيضيّة - وكلم أناسا للاستدانة إلى أجل ، وهذا مما يدلنا على فراغ يده ، ونزاهته مما لفّق الأعداء عليه من تهم ، ولكن حمد المحمد الصالحي نصحه قائلا : يا شيخ ما بقي بالعمر مثل ما مضى ، ولم يزل به حتى ثنى عزمه ، فرجع إلى الرياض ، وألمّ به المرض الذي كان يعتاده وأقعده على الفراش .
وهذا يدل على أنه دخل التجربة في التجارة ، ولما يبلغ الحلم ، إذْ عمره ثلاثة عشر عاما ، وهي تجربة لم تستمر ولم تكن مثمرة ، حتى تغريه بالاستمرار فيها ، حيث صرفه عنها شغفه بالعلم كما يقول الشيخ عبد الله بن بسام في كتابه : ( علماء نجد ) نشأ المترجم له في مدينة عنيزة وصار يتعاطى التجارة من حداثته ، وعمه يوجهه ويرشده ، وكانت تجارتهما في الإبل ، ثم صار له ميل إلى طلب العلم .
وقد أكد هذا الجانب ، وأعطاه توضيحا أكثر ، تلميذه الشيخ موسى السهلي ، ولعله أخذ ذلك مشافهة من الشيخ القرعاوي بحكم ملازمته الطويلة له ، فقال : منذ أيام الصبا بدت على عبد الله القرعاوي ملامح النجابة والذكاء ، وقد رأى عمه عبد العزيز أن يعرض عليه بعد مشورة والدته القيام بعمل التجارة ، حيث اشترى له بضاعة باسمه وسافر به ومعه بضاعته إلى بلاد الشام لمزاولة التجارة وتدريبه على البيع والشراء ، وقد تكرر سفره بصحبة عمه حتى تمرس على الحركة والبيع والشراء ، وعرف كثيرا من خبرات عمه ، إلى أن أصبح يزاول التجارة بمفرده ، وبقي على هذا الحال مدة حتى حسن وضعه وتزوج ، وبعد ذلك أوقف التجارة وانصرف
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 290)
لمزاولة الفلاحة ، إلا أنه لم يجد في الفلاحة ما يغطي حاجته ، فاضطر لفتح دكان يسانده بجانب الزراعة ، ومع ذلك لم يستفد كثيرا ؛ لأن ما يحصل عليه من كسب الدكان ينفقه في الزراعة ، فضاق ذرعا بالزراعة ، وتوقف عنها ، ثم رغب في العودة مرة أخرى لمزاولة التجارة من جديد ، فطلب الإذن من والدته لحرصه على برها ، فأذنت له ، وعاد لممارسة البيع والشراء ، وبدأ يأخذ بضاعة ويذهب بها إلى الجهات المجاورة كعادته سابقا ، واستمر الحال كذلك حتى ترك التجارة ، وانصرف إلى طلب العلم .
ومن هذا يلاحظ أن التجارة ، والرغبة في امتهانها قد تغلغلت محبتها في قلبه ، وقد رأى فيها مطيّته للمهمة التي تهيأت نفسه لها ؛ لأن التجارة مدخل من المداخل التي تأنس بها الأفئدة ، وتتقارب القلوب من حيث حسن التعامل ، والمساعدة بالبذل للمحتاج ، والإحسان إلى الضعيف والصغير ، حيث سمَّى الاقتصاديون المال عصب الحياة .
ومن هنا ندرك أن امتهان الشيخ القرعاوي للتجارة ، أسلوب من أساليب الذكاء ، يستطيع به التقرب إلى الناس ، والإحسان إليهم ، حتى يقبلوا الدعوة ، وهذه من المداخل التي يحاول بها المبشرون التغلغل للقلوب ، لكنه - رحمه الله - سلك طريقا أمكن في أسر القلوب من طرائقهم ، وأدعى لقبول الدعوة من أساليبهم ، إنها طريقة الإسلام ، ومنهجه بالبذل والعطاء في النفس والمال ، طمعا لما عند الله من أجر مدَّخر . . ونراه يقول في رسالته التي نشرت في المنهل : وفي اليوم العشرين من صفر عام 1358هـ توجهت لجازان ، وأخذت منه بضاعة ، وتوجهت لسامطة ، ثم تجوّلت
(الجزء رقم : 42، الصفحة رقم: 291)
بجهات سامطة ، ونزلت دكانا في نفس سامطة ، ووضعت فيه البضاعة التي معي ، وأول أمر بدأت به وأنا في الدكان تعليم القرآن وثلاثة الأصول ، والأربعين والتجويد والفرائض ، وآداب المشي إلى الصلاة ، وكان ذلك في 21 ربيع الأول 1358هـ . . فكان هذا الدكان أول مدرسة فتحتها في تهامة اليمن لكن الشيخ عمر أحمد جردي ، وهو من خواص طلاب القرعاوي ، ذكر عن اشتغاله بالتجارة زيادة عما ذكر المشايخ ، فقال : إنه لما ملك رشده كان يذهب جمالا إلى العراق ، مع عمه يشتغل بالتجارة ، في الإبل إلى الشام وفلسطين ومصر ، وحمص وحماة ولبنان ، وديار بكر والأكراد ، يشتري الإبل من الأحساء والقصيم ، والكويت وعنيزة والرولة ، ثم يبيعها هناك .
والشيخ عمر شبيه بالشيخ موسى في الأخذ مشافهة من الشيخ بحكم ملازمتهما للشيخ والتلمذة عليه ، والسفر معه في التجول بالمنطقة ، مما يتيح لهما بين وقت وآخر اقتناص المعلومات منه مباشرة .
رد مع اقتباس