عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-13-2016, 10:40 PM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,365
شكراً: 2
تم شكره 271 مرة في 211 مشاركة
افتراضي

هل القول بأن صفتَي السمع والبصر ذاتيتان مشابه للأشاعرة كما زعمه بعض أهل الضلال؟ (الحلقة الثانية)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:



فقد اطلعت على تعقبات كتبها بعض أهل الفتن والضلال على مقالي السابق الذي ظننت أنه كان كافياً لإفهامه الحق، ورادعا له عن التجني على أهل السنة، غير أنه رفض إلا الاستمرار في الغي والظلم والطعن في أهل السنة.

وسأبين هنا جملاً من عقيدة السلف في صفتَي السمع والبصر لله عز وجل يكون فيها بيان للحق، ودحض للباطل.


أولاً: صفة السمع يراد بها أمران:
الأول: الصفة الذاتية لله والتي لا تنفك عن ذاته، ووجودها لا يتعلق بالمشيئة.
ولتوضيح ذلك أضرب مثلاً للتفهيم: يقال في الإنسان: آلة السمع، أو الجهاز السمعي، وليس المراد ما يحصل في الجهاز من سماع لأصوات، وإنما قوة السمع، ووجود الآلة.
ومن لغة العرب إطلاق السمع على الأذن. فيتهذيب اللغة (2/ 74): قال «اللَّيْثُ: السَمْع: الأُذُن وَهِي المِسْمَعَةُ».
فالله يسمع بسمع هو صفة قائمة بذاته لا تنفك عنه، ولا يتعلق وجودها بالمشيئة.
ومن هنا شابهت اليدين والرجلين والعينين.
ولذلك تطرقت في مقالي السابق عن الكلام حول إثبات «الأُذُنِ» لله من نفيه.
لتوضيح هذا الأمر، لكن ثمة من لم يفهم!
قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على بشر المريسي(1/ 300-301) : «السمع والبصر.
وادعى المريسي أيضاً في قول الله تعالى: {إن الله سميع بصير}، {والله بصير بالعباد} أنه يسمع الأصوات ويعرف الألوان بلا سمع ولا بصر.
وأن قوله: {بصير بالعباد} يعني عالم بهم، لا أنه يبصرهم ببصر، ولا ينظر إليهم بعين، فقد يقال لأعمى ما أبصره أي ما أعلمه وان كان لا يبصر بعين.
فيقال لهذا المريسي الضال: الحمار والكلب أحسن حالا من إله على هذه الصفة، لأن الحمار يسمع الأصوات بسمع، ويرى الألوان بعين، وإلهك بزعمك أعمى أصم لا يسمع بسمع ولا يبصر ببصر، ولكن يدرك الصوت كما يدرك الحيطان والجبال التي ليس لها أسماع، ويرى الألوان بالمشاهدة ولا يبصر في دعواك.
فقد جمعت أيها المريسي في دعواك هذه جهلا وكفرا:
أما الكفر فتشبيهك الله تعالى بالأعمى الذي لا يبصر ولا يرى.
وأما الجهل فمعرفة الناس بأنه لا يستقيم في كلام العرب أن يقال لشيء هو سميع بصير إلا وذلك الشيء موصوف بالسمع والبصر من ذوي الأعين والأسماع والأبصار والأعمى من ذوي الأعين وإن كان قد حجب.
فإن كنت تنكر ما قلنا فسم شيئا من الأشياء التي ليست لها أسماع وأبصار هل يجوز أن يقال هو سميع بصير ونحن نقول الله سميع بصير ثم نفيت عنه السمع والبصر اللذين هما السمع والبصر ونفيت عنه العين وكما يستحيل هذا في الأشياء التي ليست لها أسماع وأبصار فهو في الله السميع البصير أشد استحالة..» انتهى المراد منه.
فأثبت المريسي السماع ولم يثبت صفة السمع التي هي صفة ذاتية يسمع الله بها الأصوات. فبين الدارمي كفره وضلاله.

الثاني: يراد بالسمع : سماع المسموعات وهي صفة فعلية لله تقوم بصفة السمع الذاتية لله عز وجل.
وسماع الله عز وجل للأصوات متعلق بوجود هذه الأصوات، فعند وجودها يسمعها الله عز وجل، ووجود هذه الأصوات –من أصوات نفسه أو أصوات خلقه- فهي تحصل بمشيئته وإرادته، فهل يوصف سمع الله عز وجل الذاتي بالتجدد لتجدد المسموع، أم لا؟
قولان عند أهل العلم.
والظاهر أنه يحصل تجدد في السماع الذي هو الفعل الإلهي المتعلق بصفة السمع الذاتية، كما تتجدد الرؤية الإلهية بعيني الرب عند تجدد المرئي.

فهنا: «سمع وهو الصفة الذاتية التي يسمع الله بها، وسماع، ومسموع»، و«عينان مبصرتان، وإبصار، ومُبْصَر».
فالتجدد في السماع والإبصار لتجدد المسموع والمبصَر.


ثانياً:من أقوال أهل البدع المثبتين لصفتي السمع والبصر أن الله يسمع الأصوات في الأزل دفعة واحدة، كما يبصر المبصرات في الأزل دفعة واحدة، ولا يحصل ذلك متجددا بعد وجود المسموعات والمبصرات، فرارا من قاعدتهم الجهمية التي ابتدعوها وهي عدم حلول الحوادث في ذات الله.
وهذا باطل، لأنها قاعدة بدعية، وفيها دسٌّ، أرادوا بها نفي ما ورد في الكتاب والسنة من الصفات المتجددة لله عز وجل، والمعنى الصحيح لتلك القاعدة البدعية: نفي النقائص والعيوب والآفات عن الله عز وجل كالأمراض، والغفلة، ونحو ذلك.

والمراد بالتجدد في أفعال الله أمر وجودي يعود إلى تلك الأفعال وليس إلى متعلقاتها فقط.


ثالثاً: إثبات الأشاعرة لصفتي السمع والبصر مرد حقيقته للعلم كما سبق ذكره في المقال السابق، وهذا إما بالتصريح أو باللزوم، ونبهت إلى أن ذلك حقيقة قولهم وإن زعموا خلاف ذلك، فبتر بعض أهل الأهواء كلامي ليظهر الإنصاف، وهو من أهل الاعتساف.
ولا حاجة لرجوعه إلى التفتازاني-وإن كان أقدم- لإثبات خلاف الأشاعرة، لأن ذلك مذكور في كتاب البيجوري نفسه المنقول في المقال تعريفه للسمع والبصر، فإنه قال بعد ذلك: «كما سيأتي في قوله: «وكل موجود أنط للسمع به» وهذه طريقة السنوسي ومن تبعه. وقال السعد: تتعلق بالمسموعات، فيحتمل أن مراده بالمسموعات في حقنا وهي الأصوات، فيكون مخالفاً لطريقة السنوسي ومن تبعه، ويحتمل أن مراده المسموعات في حقه تعالى وهي الموجودات الأصوات وغيرها، فيكون موافقاً لطريقة السنوسي، فيسمع سبحانه وتعالى كلاً من الأصوات والذوات، بمعنى أن كلاً منهما منكشف لله بسمعه، ويجب اعتقاد أن الانكشاف بالسمع غير الانكشاف بالبصر، وأن كلا منهما غير الانكشاف بالعلم، ولكل حقيقة يفوض علمها لله تعالى وليس الأمر على ما نعهده من أن البصر يفيد بالمشاهدة وضوحاً فوق العلم، بل جميع صفاته تامة كاملة، يستحيل عليها الخفاء والزيادة والنقص إلى غير ذلك، وما ذكر من التعريف للسمع القديم، وأما السمع الحادث فهو: قوة مودعة في العصب المفروش في مقعر الصماخ تدرك بها الأصوات على وجه العادة “ وقد يدرك بها غير الأصوات، فقد سمع سيدنا موسى كلام الله القديم، وهو ليس بحرف ولا بصوت» انتهى كلام البيجوري.
ومراده بالسعد : التفتازاني.
وكلامه باطل مبني على باطل، لأن كلام الله بحرف وصوت ومتجدد، قديم النوع حادث الآحاد.
فهم يرجعون إما إلى تفويض ليس فيه إثبات حقيقة الصفة، وإما إرجاعه إلى العلم، وعلى كلٍّ لا يثبتون حقيقة الصفة، ومع تمحلاتهم التي اتفقوا عليها يتضح أنهم يردونه إلى العلم وإن زعموا خلاف ذلك، ومهما نوعوا في عباراتهم، فهذا هو لازم قولهم وإن لم يلتزموه جميعاً، فنحن نبين لازم قولهم لبيان ضلالهم وإضلالهم.


رابعاً: أن الطعن على من يثبت لله صفتي السمع والبصر الذاتيتين، ورميهم بمشابهة الأشاعرة فيه طعن على جملة وافرة من كبار أهل السنة الذين أثبتوا ذلك.

ومن كبار العلماء المتأخرين الذين قالوا بذلك: الشيخ العلامة السعدي، والشيخ العلامة ابن باز، والشيخ العلامة محمد أمان الجامي، وشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين وغيرهم كثيرون.

فيأتي غِرٌّ متعالم ليلمز علماء السنة الذين يقولون بأن صفتي السمع والبصر ذاتيتان بمشابهة الأشاعرة لهو منكر عظيم، يوجب عليه التوبة إلى الله، وترك الفلسفة والتعالم الذي ابتلي به بعض المأفونين في هذا الزمان.




خامساً: تبين بما سبق أن صفة السمع ذاتية، وصفة البصر ذاتية، والمراد بذلكالصفة القائمة بالذات الملازمة لها التي لا تتعلق بالمشيئة، وأن سماع الله للأصوات والذي هو فعله عز وجل، يكون بسمعه، ويتجدد بتجدد المسموعات، ويتعلق بالمشيئة فلا يوجد صوت إلا بمشيئته وإرادته فمتى ما أراد الله كونا وقدرا وجود صوت تجدد لله سماع يسمع به ذلك الصوت، وهذه الأصوات منها ما هو صوت الله ومنها ما هو صوت للمخلوقين.
وأن رؤية الله للمرئيات والذي هو فعله عز وجل، يكون ببصره الذاتي وهو بعينيه عز وجل، وتتجدد الرؤية بتجدد المرئيات، ومن هذه المرئيات ما لا يتعلق وجوده بالمشيئة كرؤية الله ليديه وصفات ذاته كنوره الذاتي، ومن المرئيات ما يتعلق بالمشيئة كرؤية الله لأفعاله الاختيارية المشاهدَة له عز وجل، ومن المرئيات له عز وجل : المرئيات المخلوقة.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه:
أسامة بن عطايا العتيبي
5/ شعبان/ 1437 هـ
رد مع اقتباس