منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام > منبر الردود السلفية والمساجلات العلمية

آخر المشاركات الصعفوق الهابط عندما يكذب بدون حياء ولا خجل! ذكرت في منشور تلون إبراهيم بويران في الدين، وذكرت... (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - آخر رد : رضا أبو جويرية الأثري الجزائري - )           »          خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-15-2010, 02:04 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي الردع والتبكيت بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت (05) للشيخ العتيبي -حفظه الله-

الردع والتبكيت بالمقدسي صاحب كشف شبهات المجادلين عن الطواغيت (الفصل الخامس)

التشريع بين معناه في الشرع ومعناه في لغة العرب ومصطلح الناس والرد على تلبيسات الْمَقْدِسِيِّ


إن الله -عزَّ وجلَّ- قد خصَّ نفسه بالتشريع ، فهو حق من حقوق الله لا يشاركه فيها أحد، قَالَ تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً} سورة الكهف(آية/26) ، وقال تعالى: {إن الحكم إلا لله} سورة يوسف(آية/40)، وَقَالَ تَعَالَى : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} سورة الشورى(آية/21).

فأمر الحلال والحرام، وَمَا يَتَعَلَّقُ بالوعد الأخروي، والثواب والعقاب مِنْ خصائص الرب جل وعلا.

وكلمة التشريع تعود للفعل "شرع" وَلَهُ معانٍ:

الْمَعْنَى الأَوَّل: البيان والإظهار، قَالَ القَاضِي عياض فِي مَشَارِق الأَنْوَارِ(2/248) : «وشرع لكم من الدين أي بينه وأظهره».

الْمَعْنَى الثَّانِي: البدء كَقَوْلِهِم : شرع فِي البناء، أيْ: بدأ بِهِ.

والشريعة الأَمْر الظاهر البَيِّنُ، أَوْ الطَّرِيْقُ المسلوكة المستقيمة.

وَفِي الشرع: الدين الَّذِي أمر الله عباده أن يتقربوا بِهِ إِلَيْهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تهذيب الأَسْمَاءِ(3/153) : «الشَّرِيْعَةُ: ما شرع الله تعالى لعباده من الدين، وقد شرع لهم شرعاً أيْ: سَنَّ.

قال الهروي: قال ابن عرفة: الشرعة والشريعة سواء، وهو الظاهر المستقيم من المذهب، يقال: شرع الله تعالى هذا أي جعله مذهباً ظَاهِراً.

قُلْتُ: قد ذكر الواحدي وغيره عن أهل اللغة في قول الله عز وجل: {ثم جعلناك على شريعة من الأَمْر} أقوالاً؛ فَقَالُوا: الشَّرِيْعَةُ: الدين، والملة، والمنهاج، والطريقة، والسُّنَّة، والقصد. قَالُوا: وبذلك سميت شريعة النهر لأَنَّهُ يوصل منها إلى الانتفاع.

والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله تعالى لخلقه» انْتَهَى كلام النَّوَوِيِّ.

وقَالَ ابن منظور فِي لِسَان العَرَبِ(8/176) : «والشريعة والشرعة: ما سَنَّ اللهُ من الدينِ وأمر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أعمال البِرِّ».

بل يَدْخُلُ فِي الشرع جَمِيْعُ أمور الدين الَّذِي أمر الله بِهِ ومنه أمور الاعتقاد لأَنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- وضح ذَلِكَ وَبَيْنَهُ فِي كتابه، وَفِي سنه رسوله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم-.

لِذَلِكَ نجد من العُلَمَاء من سمى كتابه فِي المعتقد بـ"الشَّرِيْعَةِ" وَهُوَ الإمَام أبُو الْحُسَيْن الآجُرِّيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-.

قَالَ تَعَالَى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} أيْ: سبيلاً وسنة، كَمَا فسرها بِذَلِكَ عبدالله بن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُما- وَهُوَ صَحِيْحٌ عَنْهُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} الآية أيْ: وَضَّحَ وَبَيَّنَ لَكُمْ من الدين..

وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21

علق البُخَارِيُّ فِي صَحِيْحِهِ-كِتَابُ التَّفْسِيْرِ-تَفْسِيْر سورة الشورى عن مُجَاهِدٍ -رَحِمَهُ اللهُ- : {شرعوا} : ابتدعوا.

قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- فِي تفسيره ( 25/21 ) : "يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله {شركاء} في شركهم وضلالتهم ، {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه " .

وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }الجاثية18

قَالَ ابن جَرِيْرٍ فِي تَفْسِيْرِهِ(25/146) : «{عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ} يَقُول: على طريقة وسنة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به مَنْ قبلك مِنْ رُسُلِنَا، {فاتبعها} يَقُول: فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لَكَ، {ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} يَقُول: ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله الذين لا يعرفون الحق من الباطل فتعمل به فتهلك إن عملت بِهِ».

بَعْدَ بيان مَعْنَى "شَرَعَ"، و«الشريعة» فِي اللغة والشريعة أبين أن النَّاس الدارسين للقانون أَوْ العاملين فِيْهِ يستخدمون كلمة التشريع بِمَعْنَى عرفي يرجع إلَى الْمَعْنَى اللغوي، ولا يقصدون المعنى الشرعي.

فيسمون القوانين الَّتِي يقنونها تشريعات، وكثيرٌ مِنْهَا من المصالح المرسلة الَّتِي لا تخالف الشَّرِيْعَةِ الإسلامية.

فمن تشريعاتهم إشارات المرور، ولوحات السيارات، والاصطلاح عَلَى لبس مَعِيْنٍ للزي الرسمي للبلد وَنَحْو ذَلِكَ.

وَكَذَا تشريع المدد الدراسية للمراحل الابتدائية والثانوية والجامعية، وتشريع المقررات عَلَى حسب أفهام الطلاب، وتشريع الأُمُور الصحية وتنظيم أوقاتها، وأنواع الأطباء وتخصصاتهم، وتشريع الدورات التدريبية لكثير من العلوم..

وغير ذَلِكَ من التشريعات الَّتِي تقوم بها الدول.

وَهَذِهِ التشريعات هِيَ مَا يسمى أَيْضاً بالتقنين، وَهُوَ ينقسم إلَى ثلاثة أقسام: الأول: من قنن أنظمة دنيوية معاشية لا تتعارض مع الشرع ولم ينص عليها الشرع بخصوصها فهذا مباح لا شيء فيه.

وهذه قد تكون وسائل إلى غايات مشروعة ومطلوبة .

مثل: تقنين أنظمة المرور وتقنين أنظمة الدراسة في الجامعات وتقنين أنظمة الكتابة في المنتديات الحوارية على الانترنت ونحوها من التنظيمات التي لا يكون فيها ما يعارض الشرع .

ومثل: تقنين قواعد اللغة العربية ومصطلح الحديث وأصول الفقه ونحوها مما لا يتعارض مع الشرع .

فهذا التقنين مباح ولا شيء فيه أصلاً .

وهذا لا أعرف خلافاً بين العلماء في جوازه .

الثاني: تقنين الأمر المحرم الممنوع شرعاً فهذا حرام .

مثل الزنا وشرب الخمور .

فإذا كان عند رجل محل لبيع الخمور - وهو معتقد حرمتها- فقنن عمله لها وجعل قوانين لصناعتها وتعليبها وتغليفها وبيعها ؛ فهذا عاص وآثم ، وليس بكافر إذا لم يصدر منه ما يدل على استحلالها .

وكذلك تقنين الربا وجعل الضوابط المقيدة له فهذا فسق وفجور وليس بكفر .

ولقد كانت قوانين الربا معروفة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا وجدد تنظيمها في عصرنا الحاضر بما لا يخرج في جوهرة على ما كان في عهد النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- والقرون السابقة .

فمعلوم أن كل مرابٍ يحرس ماله أو يجعل له من يحرسه ، ومعلوم أن كل مرابٍ يحفظ ماله ويقيده وله من الدفاتر والسجلات ما يحفظ به ماله الحرام .

وكذلك السُّرَّاق لهم قواعد ونظم وقوانين في كيفية السرقة بل ألف بعضهم كتاباً في "حيل اللصوص" علمهم فيه كيف يسرقون !!

فهذا التقنين محرم وفسق وفجور وليس بكفر مخرج من الملة إلا إذا كان قصد مقننه الاستحلال فهذا يخرج من الملة بسبب الاستحلال .

والنبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- لم يكفر كاتب الربا وشاهديه مع أنهما من أطراف القانون !

وعلى هذا قول الصحابة والتابعين وسلف الأمة حيث لم يكفروا المرابي وشارب الخمر وبائعها وصانعها مع أنهم مستحقون للعن .

الثالث: تقنين الأمر الكفري كفر مخرج من الملة ولا يحتاج إلى استحلال أصلاً.

وذلك مثل: تقنين الاستغاثات الشركية والقيام بشؤون تلك الظواهر الشركية .

ومثل: تقنين السجود لغير الله وإهانة المصاحف والشعائر الدينية وقتل الموحدين لتوحيدهم.

ومثل: النص على التحليل الشرعي لأمور محرمة أو التحريم الشرعي لأمور حلال.

ومثل: تقنين القوانين لتعطيل أسماء الله وصفاته أو تعطيل الشرع وهذا وقع فيه كثير من أهل البدع والتعصب المذهبي.

مثل: قوانين الأشاعرة والمعتزلة والجهمية والخوارج ونحوهم .

كقول صاحب الجوهرة:



وكل نص أوهم التشبيه ### أوله أو فوض ورم تنْزيها


فهذه قاعدة كفرية .

وكقول الصاوي في حاشيته على الجلالين: الأخذ بظواهر النصوص الشرعية شرك!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- فِي درء تعارض العقل والنقل ( 1/5-7 ) : "وأما هذا القانون الذي وضعوه فقد سبقهم إليه طائفة منهم أبو حامد -يعني: الغزالي- وجعله قانوناً في جواب المسائل التي سئل عنها في نصوص أشكلت على السائل ، كالمسائل التي سأله عنها القاضي أبو بكر بن العربي .

وخالفه القاضي أبو بكر في كثير من تلك الأجوبة ، وكان يقول : شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر .

وحكى هو عن أبي حامد نفسه أنه كان يقول: أنا مزجى البضاعة في الحديث .

ووضع أبو بكر بن العربي هذا قانونا آخر مبنيا على طريقة أبي المعالي ومن قبله كالقاضي أبي بكر الباقلاني .

ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤلاء يضع كل فريق لأنفسهم قانونا فيما جاءت به الأنبياء عن الله ، فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته ، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء تبعاً له فما وافق قانونهم قبلوه وما خالفه لم يتبعوه .

وهذا يشبه ما وضعته النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم ، وردوا نصوص التوراة والإنجيل إليها ، لكن تلك الأمانة اعتمدوا فيها على ما فهموه من نصوص الأنبياء أو ما بلغهم عنهم وغلطوا في الفهم أو في تصديق الناقل ، كسائر الغالطين ممن يحتج بالسمعيات فإن غلطه إما في الإسناد ، وإما في المتن .

وأما هؤلاء فوضعوا قوانينهم على ما رأوه بعقولهم وقد غلطوا في الرأي والعقل .

فالنصارى أقرب إلى تعظيم الأنبياء والرسل من هؤلاء لكن النصارى يشبههم من ابتدع بدعة بفهمه الفاسد من النصوص أو بتصديقه النقل الكاذب عن الرسول كالخوارج والوعيدية والمرجئة والإمامية وغيرهم بخلاف بدعة الجهمية والفلاسة فإنها مبنية على ما يقرون هم بأنه مخالف للمعروف من كلام الأنبياء وأولئك يظنون أن ما ابتدعوه هو المعروف من كلام الأنبياء وأنه صحيح عندهم".

وهذا القسم يكفر صاحبه إذا علم حكم الله وشرعه ثم عاند وأصر .

فهذه ثلاثة أقسام للتقنين مع توضيح حكمها.

والنوع الثَّالِث تشريع في الدين وَكَذَا النوع الثَّانِي إِذَا استحله وزعم أَنَّهُ من عِنْدَ الله وَسَيَأتِي نَقَلَ كلام شَيْخِ الإسْلام -رَحِمَهُ اللهُ- المتعلق بأنواع الشرع.

فلابد من مراعاة مقاصد النَّاس فِي ألفاظهم كَمَا سَبَقَ بيانه فِي الفصل السابق عِنْدَمَا تحدثت عن الديمقراطية.





وسأذكر كلام الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ أرد عَلَيْهِ:




قَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي كتابه الْمَذْكُور: «ويكفرون من باب التشريع مع الله عز وجل: وهو شرك العصر الذي روّجوا له ودعوا الناس إليه بل شجعوهم على الدخول فيه والمشاركة فيه وحببوه إليهم . وشرّعوا في دساتيرهم قوانين مضادة لدين الله وتوحيده جعلت لهم الحق في التشريع مطلقاً في جميع الأبواب .

كما هو نص المادة (26) من الدستور الأردني:

أ ـ السلطة التشريعية تناط بالملك وأعضاء مجلس الأمة.

ب ـ تمارس السلطة التشريعية صلاحياتها وفقاً لمواد الدستور .

وقد قال تعالى منكراً على المشركين {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ } وقال عز وجل {أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } وقال سبحانه عن الطاعة في التشريع ولو في مسألة واحدة {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} . فكيف بممارسة السلطة التشريعية مُطلقاً ويوضّح أنّهم قد أشركوا بالله عز وجل في أبواب التشريع شركاً أكبراً بواحاً.

إنّ دساتيرهم نصّت على أنّ (الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع) وهذا يعني أنّهم لا يوحّدون الله في التشريع . بل للتشريع عندهم مصادر متعددة رئيسية وفرعية فما الشريعة الإسلامية عندهم إلا مصدر من تلكم المصادر أو بتعبير أوضح كفري: (إن الآلهة والأرباب المشرعين عندهم كثيرة متعددة متفرقة منها الرئيسي ومنها الفرعي وما الله عندهم إلا إله من أولئك الأرباب المتفرقين) تعالى الله عن إفكهم وعما يقولون علواً كبيراً .

ومن كان عنده معرفة وخبرة في قوانينهم سيعرف أن إلههم الرئيسي الذي لا يقر قانون ولا يصدّق أو ينفذ إلا بتوقيعه هو في الحقيقة طاغوتهم سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيساً وأن تشريعات الإله الواحد الأحد الذي في السماء إن عُمِل بها في بعض الأبواب لا تنفُذ عندهم ولا تأخذ صفتها القانونية إلا برضى وإقرار وتصديق ربهم هذا الذي في الأرض تعالى الله عما يفترون علوًّا كبيراً.

واعلم أن كفرهم هذا أبشع من شرك كفار قريش الذين كانوا مثل هؤلاء يعدّدون الآلهة والأرباب ويشركونها مع الله في العبادة.

لكن كانت عبادة أولئك سجود وركوع، وعبادة هؤلاء طاعه في التشريع في كافة الأبواب وإنما كان شرك هؤلاء أبشع, لأن مشركي قريش كانوا يجعلون الله عز وجل أعظم آلهتهم وأعلاها وأجلّها ويزعمون أنهم ما يعبدون هذه الآلهة إلا لتقرِّبهم إلى الإله الأعظم الذي في السماء, حتى كانت تلبية بعضهم التي يهلون بها في الحج:



لبـّيك اللـهم لبّيك ### لـبّيك لا شـريك لـك

إلا شريكاً هو لـك ### تمـلـكـه ومـا ملـك



أما مشركو الدستور فإنهم وإن سلّموا بأن الله هو الرزّاق وهو محي الموتى وهو الذي ينزل المطر من السماء وينبت الكلأ وهو يشفي ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوِّجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً ،نعم هم يؤمنون بأنّ الأمر في ذلك كله له وليس لملكهم أو أميرهم لكن التّشريع والأمر والحكم النافذ عندهم فوق كل حكم وتشريع هو في الحقيقة لمليكهم طاغوتهم أو إلههم الذي في الأرض.

فهم في الشرك مثل كفار قريش إلا أنهم زادوا على كفر أولئك أنهم يعظمون أمر وحكم وتشريع آلهتهم وأربابهم المتفرقة في الأرض أكثر من تعظيم الله وحكمه وتشريعه.

فتباًّ وسحقاً سحقاً لمن كان أشد كفراً من أبي جهل وأبي لهب {أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}] انْتَهَى كلام المقدسي.



فالجواب على هذه الشبهة من وجوه:



أولاً: معلوم أن القاضي لَمَّا يحكم في قضية واحدة بهوى وظلم فقد حكم بغير ما أنزل الله ، وبدَّل حكم الله، وشرع مَا لَمْ يَأْذَنُ بِهِ الله، وقد انعقد إجماع أهل السنة على أنَّه لا يكفر ذَلِكَ القَاضِي إلا بالاستحلال أو التكذيب أو العناد والاستكبار .

ثانياً: أن المبتدع مشرع من دُوْنِ الله كَمَا فَسَّرَ بِهِ مُجَاهِد قَولُهُ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} أيِ ابتدعوا.

وَذَلِكَ أن المبتدع ينسب مَا ابتدعه إلَى دين الله، وَهَذَا كَمَا فعله اليَهُود فيما يَتَعَلَّقُ بتحريف آية الرجم.

وَلا شَكَّ أن المبتدع مشرع ولأنه متأول لا يَكُون كافراً إلا إِذَا كانت بدعته مكفرة كبدعة الاستغاثة بِغَيْرِ الله الاستغاثة الشركية، وبدعة الباطنية وبدعة وحدة الوجود وَنَحْو ذَلِكَ من البدع الكفرية.

فكذلك من يشرع القوانين فَإِنَّهُ يكفر إِذَا نسب ذَلِكَ للشرع عامداً أَوْ كَانَ ذَلِكَ القانون لأمر كفري كالاستغاثة بِغَيْرِ الله الاستغاثة الشركية، والقول بوحدة الوجود والحلول..

ثَالِثاً: أن التشريع من خصائص الرب جل وعلا بلا شك ولا ريب ، كما أن الكبرياء من خصائص الرب جل وعلا ، وقد أجمع أهل السنة على أن الكبر من كبائر الذنوب ولم يكفروا المتكبر إذا لم يحمله الكبر على ارتكاب ما يخرجه من الملة كما حصل لإبليس وفرعون ..

وكذلك التشريع هو من خصائص الرب -عزَّ وجلَّ- فمن شرع شيئاً من أمور الدنيا ولم يحرم حلالاً ، ولم يحل حراماً فليس بكافر ولا فاسق إذا لم يكن مخالفاً للكتاب والسنة.

قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ اللهُ- فِي مجموع الفتاوى( 3/268 ) : " ولفظ "الشرع" يقال في عرف الناس على ثلاثة معان :

"الشرع المنَزَّل" : وهو ما جاء به الرسول ، وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته.

والثاني: "الشرع المؤَوَّل" : وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه ، فهذا يسوغ اتباعه ، ولا يجب ، ولا يحرم .

وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ، ولا يمنع عموم الناس منه.

والثالث: "الشرع المُبَدَّل" : وهو الكذب على الله ورسوله ، أو على الناس بشهادات الزور ونحوها ، والظلم البين ؛ فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع ، كمن قال: إن الدم والميتة حلال ولو قال: هذا مذهبي ونحو ذلك." .

فالشرع المبدل منه ما هو كفر ، ومنه ما هو فسق..

وفي عصرنا الحاضر أُطْلِقَ على الأوامر التقنينية والتنظيمية تشريعاً باعتبار المعنى اللغوي كَمَا سَبَقَ بيانه..

فيسمون المصالح المرسلة تشريعاً كإشارات المرور ، والتعزيرات ونحوها..

وهذا جائز لا بأس به ولكن يجب أن يكون التشريع موافقاً للكتاب والسنة ، فمن فعل خلاف ذلك فإن كان مجتهداً فهو معذور ، وإن كان صاحب هوى وشهوة ولكنه مقر بما أحل وما حرم فهو فاسق ، وإن كان معانداً أو محللاً ما حرم الله أو محلاً ما حرمه الله فهذا كفرٌ أكبر ..

رَابِعاً: أن الآية نصت على أن هؤلاء الشركاء شرعوا لهم من الدين أي جعلوا شريعتهم ديناً يتدينون به ، ويتقربون به إلى الله ..

قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- فِي تَفْسِيْرِهِ ( 25/21 ) : "يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله {شركاء} في شركهم وضلالتهم ، {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه".

وقال ابن كثير -رحمهُ اللهُ- فِي تَفْسِيْرِهِ ( 4/112 ) : "وقوله جل وعلا : {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} أي : هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم ، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة ، التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم، من التحليل، والتحريم، والعبادات الباطلة، والأقوال الفاسدة" .

ومعظم أصحاب القوانين لا ينسبون فعلهم إلَى الدين، بل يفعلونه بناءً عَلَى الْمَعْنَى اللغوي للتشريع.

فمن زَعَمَ أن القوانين المخالفة للشرع تقربهم إلَى الله فَهُوَ كافر مرتد إِذَا كَانَ عالماً بأنَّ ذَلِكَ التشريع مخالف لدين الله.

خامساً: أن الَّذِيْنَ يكتبون فِي دساتيرهم إن الشَّرِيْعَةِ الإسلامية من مصادر التشريع، فلعلهم يعنون بِذَلِكَ الكِتَاب والسُّنَّة والكتب الفقهية الَّتِي عالجت الماضي وَلَمْ تعالج الأُمُور المعاصرة فيظنون أَنَّهُ يُمْكِنُ الاستفادة من اجتهادات المتخصصين بالفنون إضافة إلَى مَا وَرَدَ فِي الشَّرِيْعَةِ الإسلامية..

وَهَذَا مبني عَلَى جهلهم بِمَعْنَى "الشَّرِيْعَةِ الإسلامية"، لأَنَّ الشَّرِيْعَةَ الإسلامية لا تتعارض مَعَ اجتهادات المتخصصين وفق ضوابط حددتها الشَّرِيْعَةُ الإسلامية..

وكتاب الله جل وعلا صَالِحٍ لِكُلِّ زمان ومكان..

لِذَلِكَ فالشريعة الإسلامية هِيَ مصدر التشريع الكافي الشافي سواء كَانَ ذَلِكَ الأَمْر تعبدياً أَوْ مباحاً.

سادساً: زَعَمَ الْمَقْدِسِيِّ أن إله أصحاب الدساتير والقوانين هُمْ الحكام ملوكاً أَوْ أمراء أَوْ سلاطين وأنهم أرباب من دُوْنَ الله!!

فَهَذَا جهل مِنْهُ بِمَعْنَى الإله والرب، وجهل بِمَعْنَى العبادة والقربى.

وَقَدْ بينت فِي الفصل الثَّانِي مَعْنَى العبادة، ومعنى الكُفْر بِالطَّاغُوتِ، وبينت أن هَذَا الْمَقْدِسِيَّ جاهل بالشريعة، لا يفهم مَعْنَى العبادة والطاعة الشَّرْعِيَّةِ.

وبينت أن شِرْكَ الطَّاعَة إنما يَكُون فِي طَاعَةِ التحليل والتحريم أَوْ الطَّاعَة فِي الأُمُور الشركية كالسجود لغير الله، والاستغاثة بِغَيْرِ الله الاستغاثة الشركية وَنَحْو ذَلِكَ.

وبناء عَلَى فهمه كُلّ من ألزم النَّاس بجور وظلم فَهُوَ كافر! وَهَذَا تكفير لأكثر الحكام الْمُسْلِمِيْنَ من بَعدِ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- ، فلا يَكَادُ يَسْلَم حاكم من الحكام بَعْدَ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- من الأَمْر بِمَا هُوَ ظلم واعتداء وقوانين جائرة كالمكوس والضرائب، وإلزام النَّاس ببعض المذاهب الفقهية دُوْنَ غيرها، وإصدار قرارات بالمنع من الكلام فِي العقائد فِي بعض الأوقات، وَنَحْو ذلك.

وَهَذَا من الْمَقْدِسِيِّ جارٍ عَلَى مَذْهَبِ الخوارج نعوذ بالله مِنْهُ.


فالخلاصة: أن التشريع بمعناه اللغوي يعود إلَى البيان والتوضيح، وَفِي العرف يرجع إلَى مَعْنَى التقنين، والتقنين لَهُ أنواع وأحوال ولَيْسَ نوعاً واحداً كَمَا يَظُنُّهُ الْمَقْدِسِيُّ.

وأن التشريع المبتدع والمحدث إِذَا كَانَ حراماً وَلَمْ ينسبه إلَى دين الله فَإِنَّهُ لا يَكُون كفراً إلا أن يحله، فإذا نسبه إلَى الشرع-وَلَوْ لَمْ يحله- فَإِنَّهُ يَكُون كفراً أَكْبَر، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الشرع المحدث والمبتدع كفراً أَكْبَر كالاستغاثة الشركية فَإِنَّهُ يَكُون كفراً أَكْبَر ولا يشترط الاستحلال ولا نسبته إلَى الشرع.


وَاللهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ

كتَبَهُ: أبو عمر أسامةُ العُتَيْبِي
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:00 AM.


powered by vbulletin