من عجائب الصبر عن المعصية في الأمم السابقة
عن وهب بن منبه أنه سأله بعض أهل الطُّرار فقال: يا أبا عبد الله، هل سمعت ببلاء أو عذاب أشد مما نحن فيه؟
قال: أنتم لو نظرتم إلى ما أنتم فيه وإلى ما خلا، لكأن ما أنتم فيه مثل الدخان عند النار
ثم قال: أُتِي بامرأة من بني إسرائيل يقال لها سارة وسبعة بنين لها، إلى ملك كان يفتن الناس على أكل لحم الخنازير.
فدعا أكبرهم، فقرب إليه لحم الخنزير، فقال: كل. فقال: ما كنت لآكل شيئا حرمه الله علي أبدا، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، وقطعه عضوا عضوا حتى قتله،
ثم دعا بالذي يليه فقال: كل، فقال: ما كنت لآكل شيئا حرمه الله علي، فأمر بقدر من نحاس، فملئت زفتا، ثم أغليت، حتى إذا غلت ألقاه فيها،
ثم دعا بالذي يليه فقال: كل. فقال: أنت أذل وأقل وأهون على الله من أن آكل شيئا حرمه الله علي.
فضحك الملك ثم قال: أتدرون ما أراد بشتمه إياي؟ أراد أن يغضبني فأعجل في قتله، وليخطئنه ذلك. فأمر به فحزّ جِلدُ عنقه، ثم أمر به أن يسلخ جلد رأسه ووجهه، فسلخ سلخا،
فلم يزل يقتل كل واحد منهم بلون من العذاب غير قتل أخيه، حتى بقي أصغرهم، فالتفت إليه وإلى أمه، فقال لها: لقد أويت لك مما رأيت، فانطلقي بابنك هذا فاخلي به وأريديه على أن يأكل لقمة واحدة فيعيش لك.
قالت: نعم،
فخلت به، فقالت: أي بني، اعلم أنه كان لي على كل رجل من إخوتك حق، ولي عليك حقان، وذلك أني أرضعت كل رجل منهم حولين حولين، فمات أبوك وأنت حبل، فنفست بك، فأرضعتك، لضعفك ورحمتي إياك أربعة أحوال، فلي عليك حقان،
فأسألك بالله وحقي عليك لما صبرت ولم تأكل شيئا مما حرم الله عليك، ولا ألفين إخوتك يوم القيامة ولست معهم.
فقال: الحمد لله الذي أسمعني هذا منك، فإنما كنت أخاف أن تريديني على أن آكل ما حرم الله علي،
ثم جاءت به إلى الملك فقالت: ها هو ذا، قد أردته وعزمت عليه،
فأمره الملك أن يأكل، فقال: ما كنت لآكل شيئا حرمه الله تعالى علي. فقتله، وألحقه بإخوته،
وقال لأمهم: إني لأجدني أربى لك مما رأيت اليوم ويحك، فكلي لقمة ثم أصنع بك ما شئت، وأعطيك ما أحببت تعيشي به
فقالت: أجمعُ ثُكل ولدِي ومعصية الله؟ فلو حييت بعدهم ما أردت ذلك، وما كنت لآكل شيئا مما حرمه الله علي أبدا، فقتلها، وألحقها ببنيها". رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وسنده حسن إلى وهب بن منبه.
وأهل الطرار إما أنها اسم بلدة، أو نواحي بلدة وأطرافها قد تعرضوا للظلم فشكوا إلى وهب بن منبه ما هم فيه.
والله أعلم
ومعلوم ما قد وقع للسابقين واللاحقين من التنكيل والعذاب، وعجائب الصبر كثيرة.
فعن خباب رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ـ فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟! فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل بنصفين، ويمشط بأمشاط الحديد فيما دون عظمه ولحمه فما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) متفق عليه.
ونسأل الله العفو والعافية.
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
26/ 10/ 1444هـ