منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > المنابر الموسمية > منبر أشهر الحج

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-01-2010, 11:06 PM
أبوأنس بن سلة بشير أبوأنس بن سلة بشير غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 71
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
افتراضي أحكام الأضحية سهلة المتناول من كتاب ( الشرح الممتع على زاد المستقنع ) للشيخ العلامة الفقيه المحقق المدقق الوالد محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

إنّ الحمدَ لله ؛ نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره . و نعوذ بالله من شرورِ أنفسنا ، و من سيّئاتِ أعمالنا . مَن يهدِهِ اللهُ فلا مُضلّ له ، و مَن يُضلِل فلا هادي له . و أشهدُ أن لا إله إلاّ الله - وحده لا شريكَ له - ، و أشهدُ أنّ محمّدًا عبده و رسوله .
أمّا بعد :
فإن هناك أحكام يجدر بالمسلم أن يعرفها ليكن على علم في عبادته وعلى بينة من أمره وها أناذا أتقدم بتلخيص أحكام الأضحية من كتاب (الشرح الممتع على زاد المستقنع) لشيخنا ووالدنا العلامة الفقيه المحقق المدقق محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ورفع منزلته في الدرجات العلى
تعريفها :
والأضحية ما يذبح في أيام النحر تقرباً إلى الله ـ عزّ وجل ـ وسميت بذلك؛ لأنها تذبح ضحى، بعد صلاة العيد.
حكمها
الأضحية سنة، أجمع المسلمون على مشروعيتها، وهي في كل ملة لقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] ، فهي مشروعة في جميع الملل، لكن هل هي واجبة أو سنة يكره تركها، أو سنة لا يكره تركها؟
في هذا أقوال للعلماء:
المذهب: أنها سنة، ويكره للقادر أن يدعها.
القول الثاني: أن الأضحية واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد ـ رحمهما الله ـ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حيث قال: إن الظاهر وجوبها، وأن من قدر عليها فلم يفعل فهو آثم؛ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ذكرها مقرونة بالصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *} [الكوثر] ، وفي قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الأنعام] ، وأبدى فيها وأعاد بذكر أحكامها وفوائدها ومنافعها في سورة الحج، وشيء هذا شأنه ينبغي أن يكون واجباً وأن يلزم به كل من قدر عليه.
وهي من نعمة الله على الإنسان أن يشرع الله له ما يشارك به أهل موسم الحج؛ لأن أهل الموسم لهم الحج والهدي، وأهل الأمصار لهم الأضحية، ولهذا نجد من فضل الله ورحمته أنه جعل لأهل الأمصار نصيباً مما لأهل المناسك، مثل اجتناب الأخذ من الشعر والظفر في أيام العشر؛ من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله تعالى بترك الأخذ من هذه الأشياء؛ ولأجل أن يشاركوا أهل الحج بالتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بذبح الأضاحي؛ لأنه لولا هذه المشروعية لكان ذبحها بدعة، ولنهي الإنسان عنها، ولكن الله شرعها لهذه المصالح العظيمة.
فالقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب، لكن بشرط القدرة، وأما العاجز الذي ليس عنده إلا مؤنة أهله أوالمدين، فإنه لا تلزمه الأضحية، بل إن كان عليه دين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية.
مسألة:
هل الأضحية مشروعة عن الأموات أو عن الأحياء؟
الجواب: مشروعة عن الأحياء، إذ لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا عن الصحابة فيما أعلم أنهم ضحوا عن الأموات استقلالاً، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات له أولاد من بنين أو بنات في حياته، ومات له زوجات وأقارب يحبهم، ولم يضح عن واحد منهم، فلم يضح عن عمه حمزة ولا عن زوجته خديجة، ولا عن زوجته زينب بنت خزيمة، ولا عن بناته الثلاث، ولا عن أولاده ـ رضي الله عنهم ـ، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبيَّنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم في سنته قولاً أو فعلاً، وإنما يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته.
وأما إدخال الميت تبعاً فهذا قد يستدل له بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «ضحى عنه وعن أهل بيته» ، وأهل بيته يشمل زوجاته اللاتي مِتْنَ واللاتي على قيد الحياة، وكذلك ضحى عن أمته، وفيهم من هو ميت، وفيهم من لم يوجد، لكن الأضحية عليهم استقلالاً لا أعلم لذلك أصلاً في السنة.
ولهذا قال بعض العلماء: إن الأضحية عنهم استقلالاً بدعةينهى عنها، ولكن القول بالبدعة قول صعب؛ لأن أدنى ما نقول فيها: إنها من جنس الصدقة، وقد ثبت جواز الصدقة عن الميت، وإن كانت الأضحية في الواقع لا يراد بها مجرد الصدقة بلحمها، أو الانتفاع به لقول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا} [الحج: 37] ، ولكن أهم شيء فيها هو التقرب إلى الله بالذبح.
شروط الأضحية:
الأضحية لا بد فيها من شروط وهي:
الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم؛ لقول الله تعالى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] ، فلو ضحى الإنسان بحيوان آخر أغلى منها لم يجزه، لو ضحى بفرس تساوي عشرة آلاف ريال عن شاة تساوي ثلاثمائة ريال لم يجزه.
مسألة
أيهما أفضل؟ الإبل أو البقر أو الغنم؟
قال المؤلف: «أفضلها إبل، ثم بقر، ثم غنم» ، ومراده إن أخرج بعيراً كاملاً فهو أفضل من الشاة، وأما لو أخرج بعيراً عن سبع شياه، فسبع الشياه أفضل من البعير، وعللوا ذلك بأنها أكثر نفعاً، إلا في العقيقة فالشاة أفضل من البعير الكامل؛ لأنها التي وردت بها السنة فتكون أفضل من الإبل.
الشرط الثاني من شروط الأضحية أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعاً، فإن كانت دونه لم تجزئ، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» ، وخص الضأن دون المعز لأنه أطيب لحماً، فقوله: «لا تذبحوا إلا مسنة» أي ثنية «إلا إن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» ، فإن كان دون ذلك فإنها لا تجزئ، ولهذا لما قال أبو بردة بن نيار ـ رضي الله عنه ـ: يا رسول الله إن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين أفتجزئ عني؟ قال: «نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك» ، والعناق الصغيرة من المعز التي لها أربعة أشهر، وهذا يدل على أنه لا بد من بلوغ السن المعتبر شرعاً، واشتراط أن تكون من بهيمة الأنعام، وأن تبلغ السن المعتبر شرعاً يدلنا على أنه ليس المقصود من الأضحية مجرد اللحم، وإلا لأجزأت بالصغير والكبير.
ـ فالسن المعتبر لإجزاء الإبل خمس سنين، فما دون الخمس لا يجزئ أضحية ولا هدياً عند الإطلاق؛ لأن الإبل لا تثني إلا إذا تم لها خمس سنين.
والبقر سنتان، والمعز سنة فلا يجزئ ما دون ذلك ، والضأن نصفها ، أي: نصف سنة أي :ستة أشهر هلالية ولا عبرة بالأشهر غير الهلالية؛ لأن الله يقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] »
تنبيهات وفوائد
1/ فلو قال قائل: لو أثنت البعير قبل الخمس والبقرة قبل السنتين، فهل نعتبر الثنية بكونها أثنت أو نعتبر بالسنين؟ نقول هذا شيء نادر، والنادر لا حكم له، وظاهر كلام العلماء ـ رحمهم الله ـ أن العبرة بالسنوات وأن ما تم لها خمس سنين من الإبل فهي ثنية، أو سنتان من البقر فهي ثنية، أو سنة من المعز فهي ثنية، سواء أثنت الثنية أو لا.
2/ فلو سألك سائل هل يجزئ من الغنم ما له ثمانية أشهر؟
الجواب: فيه تفصيل، إن كان من الضأن فنعم، وإن كان من المعز فلا؛ لأنه لا بد أن تكون ثنية.
وذكر بعض العلماء أن من علامات إجزاء الضأن أن ينام الشعر على الظهر؛ لأن الخروف الصغير يكون شعره واقفاً، فإذا بدأ ينام فهذا علامة على أنه صار جذعاً، ولكن هذه ليست علامة مؤكدة، بمعنى أننا نعتبرها هي بل نعتبر التاريخ، فإذا قال: ولد هذا الخروف أول يوم من محرم فإنه يتم ستة أشهر آخر جمادى الثانية.
3/ فإذا قال قائل: هل يكتفى بقول البائع، أو لا بد أن يقول المشتري للبائع ائت بشهود؟
الجواب: فيه تفصيل: إن كان البائع ثقة فإن قوله مقبول؛ لأن هذا خبر ديني، كالخبر بدخول وقت الصلاة، أو بغروبالشمس في الفطر وما أشبه ذلك، فيقبل فيه خبر الواحد، وإن كان غير ثقة يقول: أقسم بالله أن لها سنة وشهراً يعني المعز، وأتى بالشهر للدلالة على الضبط، وليكون أقرب للتصديق، فإنه لا يصدق لا سيما إذا وجدت قرينة تدل على كذبه كصغر البهيمة.
وإذا كان الإنسان نفسه يعرف السن بالاطلاع على أسنانها، أو ما أشبه ذلك فإنه كافٍ.
الشرط الثالث: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، وسيأتي بيانها.
الشرط الرابع: أن تكون في وقت الذبح، وسيأتي بيان ذلك.
جنس الأضحية
ـ تجزئ الشاة عن واحد ، أي: يضحي الإنسان بالشاة عن نفسه، وتجزئ من حيث الثواب عنه وعن أهل بيته أيضاً؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان «يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته»
والبدنة والبقرة عن سبعة ممن يضحون، والدليل حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: «نحرنا في عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة»
مسألة :
قوله: «عن سبعة» أي: سبعة رجال، فإذا كان الإنسان يضحي بالواحدة عنه وأهل بيته، فإنه بالسُّبْع يضحي عنه وعن أهل بيته؛ لأن هذا تشريك في الثواب، والتشريك في الثواب لا حصر له، فها هو النبي صلّى الله عليه وسلّم ضحى عن كل أمته، وها هو الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، ولو كانوا مائة، أما التشريك في الملك فلا يزيد على سبعة، فلو اشترك ثمانية في بعير قلنا: لا يجوز، فلا بد أن يخرج واحد منكم، فإن رضي واحد منهم أن يخرج فهذا هو المطلوب، وإلا فالأخير هو الخارج، فإن لم يعلم الأخير فالقرعة، لكن لو ذبحوها فبانوا ثمانية فماذا يصنعون؟ قيل: يذبحون شاة واحدة لتكمل للثامن، ويحتمل أن يقال: يقترعون فمن خرج بالقرعة خرج وذبح شاة وحده.
فالبدنة والبقرة هل تجزئان عن سبعة رجال، أو تجزئان عن سبع شياه؟
الجواب: الثاني، فإذا قلنا بالثاني قلنا: إذا كانت الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته في الثواب، فكذلك يجزئ سبع البدنة وسبع البقرة عنه وعن أهل بيته.
ــ قد ذكر الشيخ رحمه الله أن من شروط الأضحية أن تكون السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء ومعلوم أن رفع الإجزاء عن البهيمة يحتاج إلى دليل؛ لأن البهيمة إذا توفرت فيها أوصاف القبول فإننا لا نرفع حكم هذه الأوصاف وهو القبول إلا بوجود مانع من الشرع صحيح , وهذه قاعدة قد نص عليها الشيخ ونبه إليها
ثم قال : وقوله: «العوراء والعجفاء والعرجاء والمريضة»، هذه الأربع نص عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فقد سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ قال: أربع وأشار بأصابعه العوراء» ، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قيدها بأنها بينة العور فقال: «العوراء البين عورها» وهذا الأول ، وهي التي تكون عينها ناتئة أو غائرة.
مسألة :
هل هناك عوراء غير بيِّن عورها؟
الجواب: نعم، فلو فرضنا أنها لا تبصر بعينها، ولكن إذا نظرت إلى العين ظننتها سليمة، فهذه عوراء ولم يتبين عورها، فتجزئ، ولكن السلامة من هذا العور أولى، والحكمة من ذلك تشويه المنظر من وجه، وقلة الغذاء من وجه آخر، فتشويه المنظر ظاهر، وقلة الغذاء؛ لأنها لا تنظر إلا من جانب واحد، فيقل استيعابها للغذاء، فربما ترعى جانب الشجرة ولا ترعى الجانب الآخر. ويقاس عليها العمياء من باب أولى؛ لأنه إذا كان فقد العين الواحدة مانعاً ففقد العينين من باب أولى.
وقال بعض العلماء أهل الاستحسان بالعقول: إن العمياء تجزئ وإن كانت العوراء لا تجزئ؛ لأن العوراء إنما منع منها لكون رؤيتها ناقصة، ترعى من جانب واحد، أما العمياء فإن صاحبها سيأتي لها بالعلف فلا يلحقها نقص، فتكون كالبصيرة.
وهذا قياس غريب.
فيقال: هل هذه العمياء معيبة أو غير معيبة؟
الجواب: معيبة بعيب أقبح من العور، وهذا من باب قياس الأولى،فالصواب أن العمياء لا تجزئ.وهذا الثاني
العجفاء: وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، فالمخ مع الهزال يزول، ويبقى داخل العظم أحمر، فهذه لا تجزئ؛ لأنها ضعيفة البنية كريهة المنظر، والهزيلة التي فيها مخ أي: لم يصل الهُزال إلى داخل العظم تجزئ؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «والعجفاء التي لا تنقي» ، قال العلماء: معنى «لا تنقي» أي ليس فيها نقيءُ، والنِقْي المخ، يقول أهل الخبرة: إنه إذا جاء الربيع بسرعة وكانت الغنم هِزالاً ورعت من الربيع فإنها تبني شحماً قبل أن يتكون فيها المخ، فهذه التي بنى الشحم عليها دون أن يكون لها مخ تجزئ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «العجفاء التي لا تنقي» ، وهذه الآن ليست عجفاء، بل هي سمينة، لكن لم يدخل السمن داخل العظم حتى يتكون المخ، فنقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وصفها بوصفين: عجفاء، وليس فيها مخ، وهذه ليست بعجفاء فتجزئ.
العرجاء ، المراد البين عرجها لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «والعرجاء البين ضلعها»
وهي التي لا تطيق المشي مع الصحيحة، فهذه عرجها بين، أما إذا كانت تعرج لكنها تمشي مع الصحيحة، فهذه ليس عرجها بيناً، لكن كلما كملت كانت أحسن.
والحكمة من ذلك أن البهيمة إذا كانت على هذه الصفة فإنها قد تتخلف عن البهائم في المرعى ولا تأكل ما يكفيها، ويلزم من ذلك أن تكون هزيلة في الغالب.
مسألة:
مقطوعة إحدى القوائم لا تجزئ من باب أولى، والزمنى التي لا تستطيع المشي إطلاقاً لا تجزئ، ولكن يقال: فيها ما يقال في العمياء، فالذين قالوا بإجزاء العمياء يقولون بإجزاء الزمنى؛ لأن الزمنى يؤتى لها بعلفها، ولكن هذا قول ضعيف، وخلاف القياس الصحيح؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ينبه بالأدنى على ما هو أعلى منه، فإذا كانت العرجاء لا تجزئ ـ إذا كان عرجها بيناً، فمقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين أو الزمنى التي لا تمشي إطلاقاً من باب أولى، أما كون العرج اليسير تجزئ معه الأضحية؛ فلأن هذا لا يسلم منه شيء غالباً فسمح فيه.
المريضة :لا تجزئ، ولكن هذا الإطلاق مقيد بما إذا كان المرض بيناً، وبيان المرض إما بآثاره، وإما بحاله.
أما آثاره فأن تظهر على البهيمة آثار المرض من الخمول والتعب السريع، وقلة شهوة الأكل، وما أشبه ذلك.
وأما الحال فأن يكون المرض من الأمراض البينة كالطاعون وشبهه، وإن كانت نشيطة، فإنها لا تجزئ، ولهذا قال علماء الحنابلة: إن الجرب مرض، مع أن الجرب لا يؤثر تأثيراً بيناً على البهيمة ولا سيما إذا كان يسيراً، لكنهم قالوا: إنه مرض بين، ثم إنه مفسد للحم فلا تجزئ.
وعدم إجزاء المريضة للنص والمعنى:
فالنص قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «المريضة البين مرضها» .
والمعنى لأن لحم المريضة يخشى على الإنسان من أكله أن يتأثر به.
ــ وأما المبشومة، وذلك أن بعض الغنم إذا أكل التمر انبشم، أي: انتفخ بطنه، ولم تخرج منه الريح، ولا يُعلم أنه سَلِمَ من الموت إلا إذا ثلط، أي: إذا تبرز، ولهذا نقول: المبشومة مرضها بيِّن ما لم تثلط.
ــ المغمى عليها: بأن سقطت من أعلى فأغمي عليها فما دامت في إغمائها فإنها لا تجزئ؛ لأن مرضها بيِّن
ــ مقطوع الألية: فإنه لا يُجزئ؛ لأن الألية ذات قيمة ومرادة مقصودة، وعلى هذا فالضأن إذا قطعت أليته لا يجزئ والمعز إذا قطع ذنبه يجزئ.
ولكن هنا إشكال وهو أن بعض أهل الخبرة يقولون: إن قطع الألية من مصلحة البهيمة؛ لأن الشحم الذي يتكدس في الألية إذا لم يكن لها ألية عاد إلى الظهر وانتفعت به البهيمة مع خفة البهيمة، وعدم تعرضها للتعب؛ لأن بعض الضأن تكبر أليتها جداً فيؤثر على رجليها من ثقل هذا الشحم، ولكن ظاهر كلام الفقهاء أنها لا تجزئ مطلقاً ـ أعني مقطوعة الألية .
العيوب المجزئة في الأضحية وإن كان أولى طلب الأفضل وهي مما رجحها الشيخ في الباب
1ــ الهتماء هي التي سقطت ثناياها من أصلها، فإن انكسرت مع بقاء الأصل فإنها تجزئ؛ وذلك لأنها إذا ذهبت ثناياها من أصلها تشوهت خلقتها من وجه، وصارت غير مستطيعة لخرط الورق من الشجر؛ لأنها ليس لها ثنايا، فلا تكاد تأخذ حظها من الرعي، وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: الهتماء هي التي سقط بعض أسنانها ولم يقيد ذلك بالثنايا وما ذهب إليه المؤلف في الهتماء قول مرجوح.
والصواب أنها تجزئ، ولكن كلما كانت أكمل كانت أفضل؛ ووجه إجزائها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سئل ماذا يتقى من الضحايا، فقال: «أربع وأشار بيده» ، وليست الهتماء من الأربع، ولا بمعنى واحدة منها.
2ــ الجداء لا تجزئ أيضاً ( على قول المصنف رحمه الله ) ، والجداء هي التي نشف ضرعها، أي: مع الكبر صار لا يدر، فضرعها ناشف، حتى وإن كان الضرع باقياً بحجمه لم يضمر فإنها لا تجزئ، ولكن هذا القول مرجوح أيضاً؛ لأنه لا دليل على منع التضحية بها، وإذا لم يكن على ذلك دليل فالأصل الإجزاء، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أنها تجزئ.
3ــ العضباء هي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها طولاً أو عرضاً فإنها لا تجزئ ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم «نهى عن أعضب الأذن والقرن» ، والنهي يقتضي الفساد وعدم الإجزاء، فإذا ضحى بعضباء الأذن أو القرن فإنها لا تجزئ.
وقال بعض العلماء: إنها تجزئ لكنها مكروهة، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن في صحة الحديث نظراً، والأصل عدم المنع حتى يقوم دليل على ذلك، إلا أنها تكره؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمر أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بالمقابَلة، ولا المدابَرة، ولا الخرقاء»
4ــ الجماء هي التي لم يخلق لها قرن، فتجزئ.
وأيهما أفضل ذات القرن أو الجماء؟
الجواب: ذات القرن، ولهذا جاء في الحديث: «بأن من تقدم إلى الجمعة كأنما قرب كبشاً أقرن» ، ولولا أن وصف القرن مطلوب لما وصف الكبش بأنه أقرن.
5ــ خصي غير مجبوب: الخصي ما قطعت خصيتاه، فيجزئ مع أنه ناقص الخلقة، وحينئذ يطلب الفرق بين الخصي وبين مقطوع الأذن، فإن مقطوع الأذن كما سبق لا يجزئ، فلماذا أجزأ الخصي مع أن الخصيتين فيهما منافع كثيرة، وهو الإنجاب والفحولة في البهيمة، ولهذا تجد الفرق بين الفحل والخصي، قالوا: لأن ذهاب الخصيتين من مصلحة البهيمة؛ لأنه أطيب للحم، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنه ضحى بكبشين موجوءين» ، أي مقطوعي الخصيتين.
فإن قطع الذكر مع الخصيتين؟ فقد قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: «خصي غير مجبوب» ، أي: غير مقطوع الذكر، وذلك أن قطع الذكر لا يفيد في زيادة اللحم وطيبه، وهو قطع عضو فيشبه قطع الأذن.
والخصي بواحدة يجزئ من باب أولى، وعلى هذا فما قطعت خصية واحدة منه أجزأ وخصيتان أجزأ، ومع الذكر لا يجزئ؛ لأنه قال: «خصي غير مجبوب» .
فإذا قال قائل: هل يمكن أن تحيا البهيمة مع الخصاء؟
فالجواب: نعم يمكن، وهذا كثير، لكن بشرط أن يكون المباشر لذلك من أهل الخبرة؛ لأنه قد يباشر الخصاء من ليس من أهل الخبرة فتهلك البهيمة، ـ وسبحان الله ـ هذا الأمر موجود من قبل أن تظهر وسائل الراحة الحديثة كالبنج وشبهه، لكن عرف بالتجارب، أما الآن فالأمر أسهل يمكن أن تخصى البهيمة بدون أن تشعر بألم إطلاقاً.
6ــ ما بأذنه، أو قرنه قطع أقل من النصف فإنه يجزئ لكن مع الكراهة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أمرنا أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بمقابَلة، أو مدابَرة، أو شرقاء، أو خرقاء» .
وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «نستشرف العين والأذن» ، أي: أن تكون شريفة ليس فيها عيب أو نشرف عليها والمعنى الأول أصح.
وهذا مستثنى من قوله فيما سبق «والعضباء» ، فالعضب إذا كان أقل من النصف فلا يضر.
وعلى كل حال ينبغي أن نقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دلت السنة على عدم إجزائه، وهي أربع: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضَلَعها، والعجفاء التي لا تنقي، فهذه منصوص على عدم إجزائها، ويقاس عليها ما كان مثلها أو أولى منها، أما ما كان مثلها فإنه يقاس عليها قياس مساواة، وأما ما كان أولى منها فيقاس عليها قياس أولوية.
الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء، وهو ما في أذنه أو قرنه عيب من خرق، أو شق طولاً أو شق عرضاً، أو قطع يسير دون النصف، فهذه ورد النهي عنها في حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ، ولكن هذا النهي يحمل على الكراهة؛ لوجود الحديث الحاصر لعدم المجزئ بأربعة أصناف.
الثالث: عيوب لم يرد النهي عنها، ولكنها تنافي كمال السلامة، فهذه لا أثر لها، ولا تكره التضحية بها ولا تحرم، وإن كانت قد تعد عند الناس عيباً، مثل العوراء التي عورها غير بيِّن، ومثل مكسورة السن في غير الثنايا وما أشبه ذلك، ومثل العرجاء عرجاً يسيراً، فهذه عيوب لكنها لا تمنع الإجزاء، ولا توجب الكراهة لعدم وجود الدليل، والأصل البراءة.
كيفية النحر والذبح :
ــ السنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك، ويدل لهذا قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] ، «وجبت» يعني سقطت على الأرض، وتكون اليسرى هي المعقولة؛ لأن الذابح سوف يأتيها من الجهة اليمنى، وسيمسك الحربة بيده اليمنى، ولو عقلت اليد اليمنى لضَرَبَتْ الناحرَ بركبتها إذا أحست ويكون عليه خطر، لكن إذا كانت المعقولة هي اليسرى واليمنى قائمة فإنها لا تستطيع أن تتحرك باليد اليمنى، وإذا نحرها فهي سوف تسقط على الجانب الأيسر الذي به اليد المعقولة.
هذه هي السنة، ولكن إذا كان الإنسان لا يستطيع ذلك،كما هو المعروف عندنا الآن في بلادنا فإنهم يبرِّكونها، ويعقلون يديها ورجليها، ويلوون رقبتها، ويشدونها بحبل على ظهرها ثم ينحرونها.
فنقول: إذا لم يستطع الإنسان أن يفعل السنة، وخاف على نفسه، أو على البهيمة أن تموت فإنه لا حرج أن يعقلها وينحرها باركة.
ثم يطعنها بالحربة، أو بالسكين، أو بالسيف، أو بأي شيء يجرح، وينهر الدم.
في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، وهي قريبة من أن تكون بين يديها، وهي معروفة، فإذا طعنها جر الحربة من أجل أن يقطع الحلقوم والمريء.
ــ أما غير الإبل فيذبح ويجوز العكس (أي : نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه)، والذبح يكون في أعلى الرقبة لا في أسفلها، والنحر يكون في أسفلها، ولهذا تموت الإبل أسرع من موت الضأن والمعز والبقر؛ وذلك لأن النحر قريب من القلب، فيتفجر الدم من القلب بسرعة، ولو أنها ذبحت من عند الرأس لكانت تتألم من الذبح؛ لأن الدم سيكون مجراه ما بين القلب إلى محل الذبح بعيداً فيتأخر موتها، فكان من الحكمة أن تنحر، ويخرج الدم بسرعة، ثم تموت بسرعة، أما غيرها فالسنة أن تذبح من عند الرأس، ويكون على الجنب الأيسر؛ لأنه أيسر للذابح، إذ إن الذابح سوف يذبح باليد اليمنى فيضجعها على الجنب الأيسر، ثم يضع رجله على رقبتها، ثم يمسك برأسها ويذبح ، ولكن إذا كان الرجل لا يعمل باليد اليمنى، ـ وهو الذي يسمى أعسر ـ فإنه يضجعها على الجنب الأيمن؛ لأن ذلك أسهل له، ثم إن الأفضل أن تبقى قوائمها مطلقة، أي: اليدان والرجلان لا تقيد ولا يمسك بها، وذلك لوجهين هما:
الأول: أنه أريح للبهيمة أن تكون طليقة تتحرك.
الثاني: أنه أشد في إفراغ الدم من البدن.
لأنه مع الحركة يخرج الدم كله، ومعلوم أن تفريغ الدم أطيب للحم، وأحسن وأكمل، ومن ثم صارت الميتة حراماً؛ لأن الدم يحتقن بها فيفسد اللحم.
شروط الذكاة:
الشرط الأول :التسمية على الذبيحة وهو من شروط التذكية، ولا تسقط لا عمداً ولا سهواً ولا جهلاً؛ وذلك لأنها من الشروط، والشروط لا تسقط عمداً ولا سهواً ولا جهلاً؛ ولأن الله قال: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، فقال: {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ولم يقيد ذلك بما إذا ترك اسم الله عليه عمداً وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو الذي تدل عليه الأدلة.
ــ والتسمية عند إرادة الفعل، وليس عند شحذ الشفرة يعني السكين، وليس عند وضع السهم في القوس، وليس عند وضع الرمية في البندقية، بل عند الفعل، ولهذا جاءت «على» في قول الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، إشارة إلى أن هذا الفعل هو الذي لا بد أن تكون التسمية عليه.
مسألة :
قد يلتبس على بعض الناس فيقول: أليس الله قدقال: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] ؟ فنقول: بلى قال الله ذلك، ولكن هنا فعلان:
الأول: فعل الذابح.
الثاني: فعل الآكل.
وكل واحد منهما يتميز عن الآخر، ولا يلحق هذا حكم هذا، ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم فيمن سألوه عن قوم حديثي عهد بالكفر يأتون باللحم، ولا يدرى أحدهم هل ذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: «سموا أنتم وكلوا» ؛ لأن الإنسان مطالب بتصحيح فعله، لا بتصحيح فعل غيره، فإن الفعل إذا وقع من أهله فإن الأصل السلامة والصحة، ونقول: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، فإذا أكلنا نسياناً أو جهلاً فليس علينا شيء لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] ، أما أن نعرف أن هذه الذبيحة لم يسم عليها، فلا يجوز أكلها.
وأما فعل الذابح: فإذا نسي التسمية، فقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] .
فإذا قال قائل: كيف تؤاخذونه وقد نسي؟!
قلنا: لا نؤاخذه، فنقول: ليس عليك إثم بعدم التسمية، ولو تعمدت ترك التسمية لكنت آثماً لما في ذلك من إضاعة المال وإفساده، وأما الآن فلا شيء عليك؛ لأنك ناسٍ، ويظهر ذلك بالمثال المناظر تماماً لهذا: لو صلى الإنسان وهو محدث ناسياً فليس عليه إثم، وصلاته باطلة يجب أن تعاد؛ لأن الطهارة من الحدث شرط، وإذا كانت شرطاً، فإنها لا تسقط بالنسيان، ولكن يعذر الفاعل فلا يأثم، وهذا واضح، وكذلك التسمية أيضاً.
فإن قال قائل: أرأيتم لو نسي أن يسمي على بعير، قيمته خمسة آلاف ريال وقلنا: لا تحل، فتضيع خمسة آلاف ريال.
فيقال: هذا من جملة ما يقدر الله للإنسان أن يضيع عليه.
فإن قيل: تتلفون أموال الناس بهذا.
قلنا: هذا كقول من قال: إذا قطعتم يد السارق أصبح نصف الشعب أشل ليس عنده يد، مع أنه لو قطعت يد السارق قلَّت السرقة ولم يسرق أحد، وكذلك إذا قلنا لهذا الرجل ـ الذي نسي أن يسمي على الذبيحة ـ: ذبيحتك حرام، فإذا جاء يذبح مرة ثانية: فيمكن أن يسمي عشر مرات لا ينسى أبداً، فقد اكتوى بنار النسيان، وبهذا نحمي هذه الشعيرة، وأنه لا بد من ذكر اسم الله على المذبوح.
ـ مسألة : ما يقوله عند إرادة الذبح
يقول: «بسم الله» وجوباً و «الله أكبر» استحباباً ويقول «اللهم هذا منك ولك»
ومعناه : «منك» عطاءً ورزقاً، «لك» تعبداً وشرعاً وإخلاصاً وملكاً، هو من الله، وهو الذي منَّ به، وهو الذي أمرنا أن نتعبد له بنحره أو ذبحه، فيكون الفضل لله تعالى قدراً، والفضل لله شرعاً، إذ لولا أن الله تعالى شرع لنا أن نتقرب إليه بذبح هذا الحيوان أو نحره لكان ذبحه أو نحره بدعة، ولهذا نقول: إن الله أنعم علينا بنعمتين:
الأولى: نعمة قدرية.
الثانية: نعمة شرعية.
أما القدرية فكونه يسره لنا وذلله لنا حتى إن الرجل يقود هذا البعير الكبير لينحره وينقاد له، قال الله تعالى: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ *} [يس] .
وأما الشرعية فكون الإنسان في هذه الحال متذكراً لنعمة الله تعالى متقرباً إليه بالتعبد له، وفي هذه الحال ينبغي أيضاً أن يقول: «اللهم تقبل مني، اللهم هذا عني وعن أهل بيتي»
فائدة : وتكون تسمية المضحى له عند الذبح، وأما ما يفعله بعض العامة عندنايسميها في ليلة العيد ويمسح ظهرها من ناصيتها إلى ذنبها، وربما يكرر ذلك: هذا عني، هذا عن أهل بيتي، هذا عن أمي، وما أشبه ذلك، فهذا من البدع، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وإنما كان يسمي من هي له عند الذبح.
مسألة : قوله: « بسم الله، والله أكبر» ، لو قال بسم الرحمن، أو بسم فاطر السموات والأرض، أو بسم الخلاق العليم، هل يقوم مقام بسم الله؟ الجواب: قال بعض أهل العلم يقوم مقامه إذا أضاف «اسم» إلى ما لا يصح إلا لله، فهو كما لو أضافه إلى لفظ الجلالة، ولا فرق؛ لأنه يصدق عليه أنه ذكر اسم الله، ولو قال: بسم الرؤوف الرحيم لا يجزئ، لأن هذا الوصف يصدق لغير الله، قال الله تعالى في وصف النبي: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 182] ، ولو قال: باسمك اللهم أذبح هذه الذبيحة، يجزئ؛ لأن هذا مثل قوله بسم الله، ودليل التكبير حديث أنس في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمى الله وكبر .
وهل يصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا المقام؟ الجواب: لا يصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم، والتعليل:
أولاً: أنه لم يرد، والتعبد لله بما لم يرد بدعة.
ثانياً: أنه قد يتخذ وسيلة فيما بعد إلى أن يذكر اسم الرسول صلّى الله عليه وسلّم على الذبيحة، ولهذا كره العلماء أن يصلى على النبي صلّى الله عليه وسلّم على الذبيحة.
الثاني: إنهار الدم ـ يعني تفجيره ـ حتى يكون كالنهر، أي: يندفع بشدة، وهذا لا يتحقق إلا بقطع الودجين، ويعرفان عند الناس بالشرايين، وأناس يسمونها الأوراد، وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم معروفان، ولا يمكن إنهار الدم إلا بهذا، والدليل على ذلك:
أولاً : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أنهر الدم» ، ولم يتعرضلذكر الحلقوم والمريء، ولهذا كان القول الصحيح أنه إذا قطع الودجان حلت الذبيحة وإن لم يقطع الحلقوم والمريء؛ لأنه لا دليل على اشتراط قطع الحلقوم والمريء.
ثانياً: ما أخرجه أبو داود بإسناد فيه مقال أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن شريطة الشيطان ـ وهي التي تذبح ولا تفرى أوداجها ـ» وهذا نص في الموضوع.
وفي الرقبة أربعة أشياء إذا قطعت كلها فهذا تمام الذبح: الودجان، والمريء ـ وهو مجرى الطعام والشراب ـ والحلقوم مجرى النفس، ولهذا يكون دائماً مفتوحاً لتسهيل النفس، وجعله الله ـ عزّ وجل ـ عظاماً لينة لتسهل حركة الرقبة، ولهذا ترفع رقبتك لترفع رأسك وتنزله ولا تجد كلفة، والمريء من ورائه، أي: بينه وبين الرقبة، وهو مجرى الطعام والشراب، وليس كالحلقوم مفتوحاً بل إن استأذن أحد فتح الباب له، وإن لم يستأذن فالباب مغلق.
الشرط الثالث: لا بد أيضاً أن يكون الذابح عاقلاً، فإن كان مجنوناً فإنه لا تصح تذكيته ولو سمى؛ لأنه لا قصد له.
الشرط الرابع: أن يكون مسلماً، أو كتابياً.
فالمسلم ظاهر، والكتابي، لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ: «طعامهم ذبائحهم» ، وهذا متواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يأكل مما ذبح اليهود.
واختلف العلماء هل يشترط أن يكون ذبحه كذبح المسلمين؟ أو نقول ما عدوه ذبحاً وتذكية فهو ذكاة، وإن لم يكن على طريقة المسلمين؟ في هذا قولان هما:
الأول: وهو قول الجمهور: أنه لا بد أن ينهر الدم، أعني ذبح الكتابي، كما أنه لا بد من أن ينهر الدم في ذبح المسلم.
الثاني: وهو وجه في مذهب الإمام مالك أن ما عدوه ذكاة فهو ذكاة، وإن كان بالخنق؛ لعموم قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}، وهذا طعام عندهم فيكون حلالاً.
ولكن نقول في الرد على هذا: إن قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} مطلق مقيد بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا» ، فإذا كان إنهار الدم شرطاً في ذبيحة المسلم، وهو خير من اليهودي والنصراني، فكونه شرطاً في ذبيحة اليهودي والنصراني من باب أولى، وهذا هو الحق.
الشرط الخامس: أن لا يكون الحيوان محرماً لحق الله، كالصيد في الحرم، أو الصيد في الإحرام.
فلو ذبح الإنسان أو صاد صيداً في الحرم فإنه حرام حتى لو سمى وأنهر الدم، ولو صاد صيداً أو ذبحه وهو محرم فهو حرام، ولو سمى وأنهر الدم؛ لأنه محرَّم لحق الله، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم للصعب بن جثامة ـ رضي الله عنه ـ قال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم» ، وهذا يتبين بالتعبير القرآني: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ، ولم يقل لا تصيدوا الصيد، فدل هذا على أن صيد الصيد والإنسان محرم يعتبر قتلاً، لا صيداً، والقتل لا تحل به المقتولة.
فإن كان مُحرَّماً لحق الغير كالمغصوب مثلاً، فهل يكون كالمحرم لحق الله ويحرم أو لا يحرم؟
الصحيح أنه لا يحرم، وهو المشهور من مذهب الحنابلة ـ رحمهم الله ـ، وفرقوا بينهما بأن الغير حقه يمكن ضمانه، أو إرضاؤه، ويمكن أن يسمح، بخلاف حق الله ـ عزّ وجل ـ.
وفيه رواية أخرى في المذهب أن المحرَّم لحق الغير كالمحرَّم لحق الله لا تصح تذكيته.
فلو رأينا من باب التأديب والتعزير والتوجيه أن نقول لمن غصب شاة وذبحها: لا يحل لك أكلها ولا لغيرك، وعليك ضمانها، لو رأينا أن هذا من باب التعزير بحرمانه هذا المال الذي تعجله على وجه محرم لكان هذا متوجهاً.
ــ الأفضل أن يتول ذبح الأضحية صاحبها ولو امرأة بدليل أن جارية كانت ترعى غنماً عند سلع بالمدينة، فأبصرت شاة من غنمها موتاً فأخذت حجراً له حد فذبحت الشاة، فاستفتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك فقال: كلوا، وأذن لهم في أكلها مع أن الذي ذبح امرأة.
هذا الحديث فيه فوائد كثيرة استنبط منه بعض العلماء نحو اثنتي عشرة مسألة.
منها :جواز ذبح المرأة ولو كانت حائضاً أو نفساء؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يستفصل، ومنها جواز تصرف الإنسان في مال الغير بإتلاف إذا كان لمصلحة، ومنها: جواز الذبح بالحجر ولكن بشرط أن ينهر الدم، والمهم من ذلك هو نحرها أو ذبحها، فإذا ذبحها وأعطى آخر ليكمل سلخها وتوزيعها فقد أدرك السنة، وهذا مشروط بما إذا كان قادراً، أما إن كان عاجزاً أو جاهلاً بما يجب في الذبح فلا ينبغي أن يخاطر ويذبح، بل يوكل غيره، ويكون مسلما والذي يسمي في هذه حالة الذابح؛ لأنه فعله فهو يسمي على فعله.
فائدة : وقوله ( أي المصنف ) : «أو يوكل مسلماً» ، علم منه أنه لا يصح أن يوكل كتابياً، مع أن ذبح الكتابي حلال، لكن لما كان ذبح هذه الذبيحة أو نحر هذه النحيرة عبادة لم يصح أن يوكل فيه كتابياً؛ وذلك لأن الكتابي ليس من أهل العبادة والقربة؛ لأنه كافر ولا تقبل عبادته، أما لو وكل كتابياً ليذبح له ذبيحة، أو ينحر له نحيرة للأكل فذلك لا بأس به، فالتضحية أو الهدي لا يجوز من غير المسلم، وذلك لأنه ليس من أهل القربة، فإذا كان لا يصح ذلك منه لنفسه فلا يصح منه لغيره، ولهذا اشترط المؤلف أن يوكل مسلماً ويشهدها، ولكن لما كان الكتابي نائباً عن مسلم في هذه العبادة خف الوطء وصارت مباشرته للأضاحي والهدايا والعقائق مكروهة، ولكنها لا تمنع حل الذبيحة.
وقت الذبح :
وقت الذبح بعد صلاة العيد ولا يجزئ قبل الصلاة ؛ لأنه قبل الوقت، فكما أنه لو صلى الظهر قبل زوال الشمس لم تجزئه عن صلاة الظهر، كذلك لو ضحى قبل الصلاة فإنه لا يجزئه، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الحديث العام الذي يعتبر قاعدة عامة في الشريعة: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وثبت في هذه المسألة بخصوصها «أن من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء» ، ثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأعلنه في خطبة عيد الأضحى.
وقد أورد عليه أبو بردة ـ رضي الله عنه ـ قصة وقعت له وهي أنه أحب أن يأكل أهل بيته اللحم قبل أن يصلي في أول النهار، فذبح أضحيته قبل أن يصلي، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال له: «شاتك شاة لحم» مع أن الرجل جاهل، لكن الأوامر لا يعذر فيها بالجهل بخلاف النواهي، فالنواهي إذا فعلها الإنسان جاهلاً عذر بجهله، أما الأوامر فلا، ولهذا لم يعذره النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل قال: «شاتك شاة لحم» ، وقال: «من ذبح قبلالصلاة فليذبح مكانها أخرى» ، فقال أبو بردة: إن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين ـ والعناق الصغيرة من المعز لها نحو أربعة أشهر ـ أي: فهل أذبحها وتجزئ عني، قال: «نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك» ، مع أن هذه العناق لا تجزئ في الأضحية، لعدم بلوغها السن المعتبرة شرعاً، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم أذن له وقال: «إنها لا تجزئ عن أحد بعدك» ،
هل المراد بقوله: «لا تجزئ عن أحد بعدك» عيناً أو حالاً؟
أكثر العلماء على الأول، والصحيح الثاني، وأن من وقع له مثل ما وقع لأبي بردة فلا حرج أن يذبح عناقاً؛ وذلك أن القاعدة الشرعية أن التكاليف لا تتعلق بالشخص لشخصيته؛ لأن الله لا يحابي أحداً وإنما تعلق الأحكام بالمعاني والعلل حتى خصائص الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ليست خصائص له شخصية لكن من أجل أنه رسول ولا يتصف بهذا الوصف سواه، وهذا الذي نراه هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الحق.
فإن قيل: هل تجزئ العناق وإن لم تكن ذات بال وقيمة عند صاحبها ولا يحبها؛ لأن أبا بردة: قال عندي عناق هي أحب إلى من شاتين؟
فالجواب أن هذا وصف طردي لأن محبة الإنسان للشيء لا ترفعه إلى أن يجزئ وهو على وصف لا يجزئ، ولهذا لو كان للإنسان عناق ولم تحدث له هذه الحال، وقال: إن هذه العناق أحب إلى من شاتين فنقول: لا تجزئ، فليست العلة هي كونها أحب إليه فهذا وصف طردي لا يعلل به.
ــ فقوله: «من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى» ، هو الدليل على أنه لا بد أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، فإذا كان في مكان ليس فيه صلاة عيد فليعتبر ذلك بمقدار صلاة العيد، ولا يعتبر ما حوله، أي: لو فرض أنه في بادية قريبة من عنيزة مثلاً فليس المعتبر صلاة عنيزة، بل المعتبر قدر الصلاة؛ فإذا كانت صلاة العيد تحل بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وعيد الأضحى يسن فيه التبكير في الصلاة فيقدر بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، نحو ربع ساعة تتم فيها الصلاة، وإذا كان ارتفاع الشمس قدر رمح مقداره ثلث ساعة، أو ربع ساعة فيكون ابتداء الذبح بعد طلوع الشمس بنحو نصف ساعة أو خمس وثلاثين دقيقة.
ــ وعلم من قوله: «صلاة العيد» أنه لا يشترط أن يكون بعد خطبة العيد، فلو أن الإنسان انطلق من حين صلى صلاة العيد وذبح والإمام يخطب صحت الأضحية، وظاهر كلامه أن ذلك صحيح وإن لم يذبح الإمام لأن المؤلف أطلق، وهو كذلك ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له» ، فمفهومه أن من ذبح بعد الصلاة فله نسك، سواء انتهت الخطبة أو لم تنته، وسواء ذبح الإمام أم لم يذبح، ولكن الأفضل ألا يذبح قبل الإمام، وهذا الذي قاله العلماء صحيح فيما لو كان الناس يفعلون بالأضاحي ما كان يفعل بها في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهنا ننتظر الإمام لأنه إمامنا في الصلاة فكان إمامنا في النسك، وكانوا فيما سبق يخرجون بضحاياهم إلى مصلى العيد، لكن في غير مكان الصلاة فيذبحون هناك من أجل أن يكون نفعها أعم، فكل من حضر يمكن أن يأخذ منها، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخرج بأضحيته ويضحي والناس أيضاً يخرجون بضحاياهم ويضحون، لكن هذا نسي من زمن، فإذا كان الناس يضحون في مصلى العيد قلنا لا تضحوا قبل إمامكم، هذا هو الأفضل.
ــ أن أيام الذبح أربعة، يوم العيد، وثلاثة أيام بعده، والدليل على هذا ما يلي:
أولاً: أنه قد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «كل أيام التشريق ذبح» ، وهذا نص في الموضوع، ولولا ما أعل به من الإرسال والتدليس لكان فاصلاً في النزاع.
ثانياً: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ـ عزّ وجل ـ» ، فجعل حكمها واحداً أنها أيام أكل لما يذبح فيها، وشرب، وذكر لله ـ عزّ وجل ـ.
ثالثاً: أن هذه الأيام الثلاثة كلها تتساوى في تحريم صيامها لقول عائشة، وابن عمر ـ رضي الله عنهم ـ: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي» .
رابعاً: أن هذه الأيام الثلاثة كلها أيام لرمي الجمرات، فلا يختص الرمي بيومين، بل كل الأيام الثلاثة.
خامساً: أنها كلها يشرع فيها التكبير المطلق والمقيد، أو المقيد على قول بعض العلماء، ولم يفرق أحد من العلماء فيما نعلم بين هذه الأيام الثلاثة في التكبير، فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن نُخْرِجَ عن هذا الاشتراك وقت الذبح، بل نقول: إن وقت الذبح يستمر من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
وهذا هو القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو رواية عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ.
مسألة: هل يجزئ الذبح من حين الصلاة أو لا بد من الخطبة وذبح الإمام؟
الصحيح أنه يكتفي بالصلاة، ولكن الأفضل أن يكون الذبح بعد الخطبة وبعد ذبح الإمام، وهذا إن فعل الإمام السنة في الذبح، وهو أن يخرج بأضحيته إلى مصلى العيد ويذبحها في مصلى العيد؛ لأن هذه هي السنة الثابتة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ينحر ويذبح بالمصلى إظهاراً للشعيرة وتعميماً للنفع؛ لأنه إذا كانت هناك في مصلى العيد حضرها الفقراء والأغنياء أيضاً، فيعطى الفقراء منها صدقة، ويعطى الأغنياء منها هدية، ومعنى قوله: «ينحر بالمصلى» ، أي خارج حدود المسجد مثل ما لو خرج إنسان بأضحيته، وذبحها أمام مصلى العيد أو عن يمينه أو شماله قيل: ذبحها بالمصلى ؛ لقربه منه وليس في نفس المصلى؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر» وهذا أذى وقذر، لكن عمل الناس اليوم أن الإمام وغيره لا يذبحون في المصلى، وعلى هذا فتكون في مراعاة ذبح الإمام فيه مشقة عظيمة، وقد ينازع في استحبابه؛ لأن تأخر الذبح عن ذبح الإمام فيما إذا أعلنه الإمام وتبين للناس.
ولكن مراعاة انتهاء الخطبة أمر سهل، فيقال للناس: لا تذبحوا حتى تنتهي الصلاة والخطبة؛ لأن هذا هو الأفضل، وكما جاء في بعض الأحاديث.
ــ تتعين الأضحية بالقول
مسألة ولو فرض أن الناس جعلوا علامة على الأضحية، بمعنى أن الشاة إذا فعل فيها كذا وكذا فهي أضحية، فهل نقول إنه كالإشعار والتقليد؟
الجواب: نعم، وكانوا فيما سبق إذا اشتروا الضحايا ـ الغنم ـ وضعوا على رأسها الحناء أو على جنبها أو على أليتها، لكنهم لا يجعلون هذا علامة على أنها أضحية، بل علامة على أنها ملك فلان لئلا تختلط بغيرها، فهذه لا تتعين، لكن إذا كان هناك علامة معروفة عند الناس أنه إذا عُلِّمت الشاة أو البعير بهذه العلامة فهي هدي أو أضحية فإنها تتعين بذلك.
ــ إذا تعينت الأضحية لم يجز بيعها؛ لأنها صارت صدقة لله، كالوقف لا يجوز بيعه، والعبد إذا أعتق لا يجوز بيعه فلا يجوز بيعها بأي حال من الأحوال، حتى لو ضعفت وهزلت فإنه لا يجوز له بيعها.
ولا يجوز أن يهبها لأحد، والفرق بين البيع والهبة أن البيع بعوض، والهبة تبرع بلا عوض.
مسألة :
وهل يجوز أن يتصدق بها؟
الجواب: لا يجوز أن يتصدق بها، بل لا بد أن يذبحها، ثم بعد ذبحها إن شاء وهبها وتصدق بما يجب التصدق به، وإن شاء أبقاها، وإن شاء تصدق بها كلها، لكن لا بد أن يتصدق منها بجزء كما سيأتي ذكره إن شاء الله
ويستثنى من هذا :إن وجد مع شخص آخر شاة خيراً منها في السمن والكبر والطيب، وأراد أن يبدلها بخير منها، فإن ذلك لا بأس به؛ لأنه زاد خيراً ولم يتهم برد شيء من ملك هذه الأضحية إلى نفسه وربما يستدل لذلك بحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله، «إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: صلِّ هاهنا فأعاد عليه، قال: صلِّ هاهنا، فأعاد عليه ثالثة، فقال: شأنك إذاً» ، فدل ذلك على أن الإنسان إذا أبدل العبادة بما هو خير منها جاز ذلك، ولا بأس به.
وعلى هذا فإذا أبدلها بخير منها فلا حرج: للدليل الأثري وهو قصة الرجل الذي نذر أن يصلي في بيت المقدس، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلِّ هاهنا» .
والدليل النظري: فيقال: إنه زاد خيراً منها؛ لأن هذا أفضل وأنفع للفقراء وأثمن غالباً.
وعلم من قوله: «إلا، أن يبدلها بخير منها» ، أنه لو باعها ليشتري خيراً منها فإن ذلك لا يجوز؛ لأن المؤلف استثنى مسألة واحدة وهي الإبدال، وعلى هذا فلو قال أنا أريد أن أبيعها ثم أشتري خيراً منها قلنا: لا يجوز.
وقال بعض العلماء: يجوز؛ لأن الأعمال بالنيات، وهذا الرجل باعها بنية أن يبدلها بخير منها فيكون جائزاً، كما لو أبدلها رأساً بخير منها.
ولكن الأولى سد الباب، وأن لا يتصرف فيها ببيع؛ لأنه ربما يتصرف فيها ببيع ليشتري خيراً منها، ثم لا يتيسر له أن يشتري أو يأخذه الطمع، أو ما أشبه ذلك، وعليه فلا يستثنى إلا الإبدال فقط.
ــ يترتب على التعيين أنه لا يأخذ منها شيئاً لا صوفاً ولا لبناً إذا كان لها ولد يضره أخذ اللبن؛ لأنها الآن أصبحت خارجة عن ملكه، إلا إذا كان جز الصوف أنفع لها فإنه يجزه، وإن لم يكن فيه نفع ولا ضرر فلا يجوز
مسألة : هل يجوز أن يتفع بهذا الصوف ؟
ظاهر كلام المؤلف أنه لا ينتفع به، وأنه يجب أن يتصدق به، فلو قال: أريد أن أجعله ثياباً أو أجعله حبالاً قلنا: لا يجوز، بل يجب أن تتصدق به.
وقال بعض العلماء: يجوز أن ينتفع به؛ لأنه إذا كان له أن ينتفع بالجلد كاملاً فالشعر من باب أولى، وهذا هو الصحيح أنه لا يجب عليه أن يتصدق به، لكن يجب أن يلاحظ الشرط وهو أنه لا يجزه إلا إذا كان ذلك أنفع لها، فإذا كان أنفع لها وجزه فنقول: إن شئت تصدقت به، وإن شئت وهبته وإن شئت فانتفعت به؛ لأن انتفاعك بالجلد والصوف، بل وبالشحم وباللحم والعظام جائز، ولا يلزمك أن تخرج إلا ما يصدق عليه اسم اللحم كما سيأتي.
ــ لا يعطي جازرها أجرته منها :لحديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها، لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزارتها شيئاً ؛ ولأن هذا الجازر نائب عنه، وهو ملزم بأن يذبحها هو بنفسه، فإذا كان ملزماً بأن يذبحها؛ من أجل أن تكون قربة فإنه لا يمكن أن يعطي الجازر منها أجرته، وهو وكيل عنه.
مسائل :
1ـ هل يجوز أن يعطيه شيئاً من الأجرة؟
الجواب: لا، يعني لو قال اذبحها لي وكانت تذبح بعشرة ريالات، وقال: أعطيك خمسة من لحمها وخمسة نقداً، فلا يجوز؛ لأنه بذلك يكون قد باع ما تقرب به إلى الله وهو اللحم؛ لأن عوض الأجرة بمنزلة عوض المبيع فيكون قد باع لحماً أخرجه لله، وهذا لا يجوز.
ـ وهل يجوز أن يعطيه هدية أو صدقة؟
الجواب: يجوز كغيره إن كان فقيراً يعطيه صدقة، وإن كان غنياً يعطيه هدية.
ــ ولا يبيع جلدها ولا شيئاً من أجزائها، ككبد، أو رجل، أو رأس، أو كرش، أو ما أشبه ذلك لأنها تعينت لله بجميع أجزائها، وما تعين لله فإنه لا يجوز أخذ العوض عليه، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: أنه حمل على فرس له في سبيل الله يعني أعطى شخصاً فرساً يجاهد عليه، ولكن الرجل الذي أخذه أضاع الفرس ولم يهتم به، فجاء عمر يستأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في شرائه حيث ظن أن صاحبه يبيعه برخص، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم» والعلة في ذلك أنه أخرجه لله، وما أخرجه الإنسان لله فلا يجوز أن يرجع فيه، ولهذا لا يجوز لمن هاجر من بلد الشرك أن يرجع إليه ليسكن فيه؛ لأنه خرج لله من بلد يحبها فلا يرجع إلى ما يحب إذا كان تركه لله ـ عزّ وجل ـ، ولأن الجلد جزء من البهيمة تدخله الحياة كاللحم.
ــ وإن تعيبت بعيب يمنع من الإجزاء فإنه يذبحها وتجزئ.
مثال ذلك: اشترى شاة للأضحية ثم انكسرت رجلها، وصارت لا تستطيع المشي مع الصحاح بعد أن عينها، فإنه في هذه الحال يذبحها وتجزئه؛ لأنها لما تعينت صارت أمانة عنده كالوديعة، وإذا كانت أمانة ولم يحصل تعيبها بتعديه أو تفريطه، فإنه لا ضمان عليه فيذبحها وتجزئه، وربما يستدل لذلك بقصة الرجل الذي اشترى أضحية فعدا الذئب على أليتها فأكلها فأذن له النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يضحي بها ، وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين، وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين، ولا ضمان عليه.
ويستثنى من ذلك ما إذا تعيبت بفعله، أو تفريطه: بأن تكون بعيراً حمل عليها ما لا تستطيع أن تحمله، ثم عثرت وانكسرت، ففي هذه الحال يضمنها بمثلها أو خير منها، وكذلك لو كان بتفريطه، كأن يترك الأضحية في مكان بارد، في ليلة شاتية، فتأثرت من البرد، ففي هذه الحال يجب عليه ضمانها بمثلها أو خير منها؛ لأنه فرط، فلتفريطه يجب عليه الضمان.
ــ وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر ليتصدق به؛ وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بذبحها لقول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] ، كما أن عتق العبد أفضل من الصدقة بثمنه.
ــ قال ( المصنف ) : يسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً
هذا ما اختاره أصحاب الإمام أحمد ـ رحمهم الله ـ وهذا ما ورد عن السلف ـ رحمهم الله ـ وقيل: بل يأكل ويتصدق أنصافاً لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، وقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، ولم يذكر الله تعالى الهدية، والهدية من باب جلب المودة يحصل بهذا أو بغيره، وهذا القول أقرب إلى ظاهرالقرآن والسنة، ولكن مع ذلك إذا اعتاد الناس أن يتهادوا في الأضاحي، فإن هذا من الأمور المستحبة؛ لدخولها في عموم الأمر بما يجلب المودة والمحبة بين الناس، ولا شك أنك إذا أهديت من لحم الأضاحي في أيام الأضحية إلى غني أنها تقع في نفسه موقعاً أعظم مما لو أهديت له ما يقابلها من الطعام كالتمر والبر وما أشبه ذلك، وإذا كان في هذا مصلحة فهي مطلوبة، ولكن تحديدها بالثلث يحتاج إلى دليل من السنة.
والرسول صلّى الله عليه وسلّم تصدق بكل لحم الإبل في الهدي، إلا القطع التي اختارها صلّى الله عليه وسلّم أن تجمع في قدر وتطبخ
فائدة :
والفرق بين الهدية والصدقة: أن ما قصد به التودد والألفة فهو هدية؛ لما جاء في الحديث: «تهادوا تحابوا» وما قصد به التقرب إلى الله فهو صدقة، وعلى هذا فتكون الصدقة للمحتاج، والهدية للغني.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-03-2010, 10:37 AM
أبو عبيد الله أحمد أبو عبيد الله أحمد غير متواجد حالياً
طالب في معهد البيضـاء العلميـة -وفقه الله-
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 94
شكراً: 40
تم شكره 11 مرة في 6 مشاركة
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي
__________________
أبو عبيد الله أحمد البَركاني
رقم القيد في معهد البيضاء العلمية : 161
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-08-2010, 04:49 PM
أبوأنس بن سلة بشير أبوأنس بن سلة بشير غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 71
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
افتراضي

بارك الله فيك أخي أبا عبيد الله على هذا المرور الطيب
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags - تاق )
بن سلة ، بشير


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:18 PM.


powered by vbulletin