منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-26-2011, 02:46 PM
أبو الحسين الحسيني أبو الحسين الحسيني غير متواجد حالياً
طالب علم - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 154
شكراً: 1
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
افتراضي العلم الشرعي أهميته وما يحتاجه

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أما بعد:
فقد قال الله تعالى"وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه". قال ابن أبي حاتم في تفسيره:" وَلا تَكْتُمُونَهُ:"َإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ، فَإِنَّ كِتْمَانَ الْعِلْمِ هَلَكَةٌ، فَلا يَتَكَلَّفَنَّ رَجُلٌ مِمَّا لا عِلْمَ لَدَيْهِ، فَيَخْرُجُ مِنْ دِينِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ".(تفسير ابن أبي حاتم3/301).
وقال السعدي في تفسيره:"الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه الله الكتب وعلمه العلم،أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله،ولا يكتمهم ذلك، ويبخل عليهم به، خصوصا إذا سألوه، أو وقع ما يوجب ذلك، فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه، ويوضح الحق من الباطل. فأما الموفقون، فقاموا بهذا أتم القيام، وعلموا الناس مما علمهم الله،ابتغاء مرضاة ربهم، وشفقة على الخلق، وخوفا من إثم الكتمان. وأما الذين أوتوا الكتاب،من اليهود والنصارى ومن شابههم، فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم،فلم يعبأوا بها، فكتموا الحق،وأظهروا الباطل، تجرؤا على محارم الله،وتهاونا بحقوق الله، وحقوق الخلق، واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات،والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم، المقدمين شهواتهم على الحق، { فبئس ما يشترون } لأنه أخس العوض،والذي رغبوا عنه -وهو بيان الحق،الذي فيه السعادةا لأبدية والمصالح الدينية والدنيوية-أعظم المطالب وأجلها،فلم يختاروا الدنيء الخسيس ويتركوا العالي النفيس، إلا لسوء حظهم وهوانهم، وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له".(تفسير السعدي1/160). وقال ابن كثير:" فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله،وتفسير ذلك،وطلبه من مظانه، وتَعلُّم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[آل عمران: 187] وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77] . فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله.
فعلينا -أيها المسلمون-أن ننتهي عما ذمَّهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تَعَلُّم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه، قال الله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نزلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الحديد: 16، 17] . ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيي الأرض بعد موتها، كذلك يلين القلوب بالإيمان بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي، والله المؤمل المسؤول أن يفعل بنا ذلك، إنه جواد كريم".(تفسير ابن كثير1/7).
وقال أبوحيان محمد بن يوسف:" الحظ لمن آثر العلم وعرف فضله أن يستعمله جهده ويقرئه بقدر طاقته ويحققه ما أمكنه بل لو أمكنه أن يهتف به على قوارع طرق المارة ويدعو إليه في شوارع السابلة وينادي عليه في مجامع السيارة، بل لو تيسر له أن يهب المال لطلابه ويجري الأجور لمقتبسيه ويعظم الأجعال للباحثين عنه ويسني مراتب أهله صابراً في ذلك على المشقة والأذى،لكان ذلك حظاً جزيلاً وعملاً جيداً وسعداً كريماً وأحياء للعلم،وإلا فقد درس وطمس ولم يبق منه إلا آثار لطيفة وأعلام دائرة".(تفسيرالبحر المحيط لابن حيان2/101) .
وقال الرازي في تفسيره:" المسألة السادسة هذه الآية دالة على فضل العلم فإنه سبحانه ما أظهر كمال حكمته في خلقه آدم عليه السلام إلا بأن أظهر علمه فلو كان في الإمكان وجود شيء من العلم أشرف من العلم لكان من الواجب إظهار فضله بذلك الشيء لا بالعلم واعلم أنه يدل على فضيلة العلم الكتاب والسنة والمنقول أما الكتاب فوجوه الأول أن الله تعالى سمى العلم بالحكمة ثم إنه تعالى عظم أمر الحكمة وذلك يدل على عظم شأن العلم بيان أنه تعالى سمى العلم بالحكمة ما يروى عن مقاتل أنه قال تفسر الحكمة في القرآن على أربعة أوجه أحدها مواعظ القرآن قال في البقرة"وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ" البقرة 231يعني مواعظ القرآن، وفي النساء" وَأَنزَلَ عَلَيْكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" يعني المواعظ ومثلها في آل عمران وثانيها الحكمة بمعنى الفهم والعلم قوله تعالى" وَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً" مريم 12 وفي لقمان "وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ يعني الفهم والعلم وفي الأنعام أُوْلَائكَ الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ" الأنعام 89 وثالثها الحكمة بمعنى النبوة في النساء " فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْراهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ يعني النبوة وفي ص وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ يعني النبوة وفي البقرة وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ورابعها القرآن في النحل ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ النساء 54 وفي البقرة وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا البقرة269
وجميع هذه الوجوه عند التحقيق ترجع إلى العلم ثم تفكر أن الله تعالى ما أعطى من العلم إلا القليل قال "وَمَا أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً " وسمى الدنيا بأسرها قليلاً "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ" النساء 77 فما سماه قليلاً لا يمكننا أن ندرك كميته فما ظنك بما سماه كثيراً ثم البرهان العقلي على قلة الدنيا وكثرة الحكمة أن الدنيا متناهي القدر متناهي العدد متناهي المدة والعلم لا نهاية لقدره وعدده ومدته ولا للسعادات الحاصلة منه وذلك ينبهك على فضيلة العلم الثاني قوله تعالى"قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ" الزمر9 وقد فرق بين سبع نفر في كتابه فرق بين الخبيث والطيب فقال " قُل لاَّيَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيّبُ" المائدة100يعني الحلال والحرام وفرق بين الأعمى والبصير "قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاْعْمَى وَالْبَصِيرُ" الأنعام50 وفرق بين النور والظلمة "أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ" الرعد 16 وفرق بين الجنة والنار وبين الظل والحرور فإذا تأملت وجدت كل ذلك مأخوذاً من الفرق بين العالم والجاهل الثالث قوله "أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ" النساء 59. والمراد من أولى الأمر العلماء في أصح الأقوال لأن الملوك يجب عليهم طاعة العلماء ولا ينعكس. ثم انظر إلى هذه المرتبة فإن الله تعالى ذكر العالم في موضعين من كتابه في المرتبة الثانية قال "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ"آل عمران 18وقال"أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ" ثم إنه سبحانه وتعالى زاد في الإكرام فجعلهم في المرتبة الأولى في آيتين فقال تعالى"وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" آل عمران7وقال "قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" الرعد 43الرابع "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"المجادلة11 واعلم أنه تعالى ذكر الدرجات لأربعة أصناف أولها للمؤمنين من أهل بدر قال "إِنَّمَا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" الأنفال 2إلى قوله "لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبّهِمْ"الأنفال4والثانية للمجاهدين قال"وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ" النساء 95والثالثة للصالحين قال"وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً وَقَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى"الرابعة للعلماء قال "وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" والله فضل أهل بدر على غيرهم من المؤمنين بدرجات وفضل المجاهدين على القاعدين بدرجات وفضل الصالحين على هؤلاء بدرجات ثم فضل العلماء على جميع الأصناف بدرجات فوجب أن يكون العلماء أفضل الناس. الخامس قوله تعالى "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" فاطر28 فإن الله تعالى وصف العلماء في كتابه بخمس مناقب أحدها الإيمان وَالرسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ آل عمران7وثانيها التوحيد والشهادة شَهِدَ اللَّهُ إلى قوله وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ وثالثها البكاء وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ الإسراء 109ورابعها الخشوع إن الذين أوتوا العلم من قبله الإسراء 107وخامسها الخشية إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء.
أما الأخبار فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من خرج يطلب باباً من العلم ليرد به باطلاً إلى حق أو ضلالاً إلى هدى كان عمله كعبادة أربعين عاماً وعاشرها قال عليه السلام لعلي حين بعثه إلى اليمن لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما تطلع عليه الشمس أو تغرب.(في الصحيحين بلفظ "خير لك من حمر النعم"، البخاري1/24ح24 ومسلم4/1872ح2406). وعن أبي واقد الليثي أنه عليه السلام بينما هو جالس والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر أما أحدهم فرأى فرجة في الحلقة فجلس إليها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فإنه رجع وفر فلما فرغ عليه السلام من كلامه قال أخبركم عن النفر الثلاثة أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله وأما الثاني فاستحيا من الله فاستحيا الله منه وأما الثالث فأعرض عن الله فأعرض الله عنه.(رواه البخاري1/36 ح66 ومسلم4/1713ح2176).
قال الشوكاني في نيل الأوطار2/163 في تفسير قوله تعالى " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" يَعْنِي الرِّزْقَ الْحَلالَ وَقِيلَ وَابْتَغُوا من فَضْلِ اللَّهِ هو طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْوَجْهَانِ مُتَقَارِبَانِ فإن الْعِلْمَ هو من رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الرِّزْقَ لا يَخْتَصُّ بِقُوتِ الْأَبَدَانِ بَلْ يَدْخُلُ فيه قُوتُ الْأَرْوَاحِ وَالْأَسْمَاعِ وَغَيْرِهَا".
قال ابن القيم :" لو لم يكن من فوائد العلم الا إنه يثمر اليقين الذي هو أعظم حياة القلب وبه طمأنينه وقوته ونشاطه وسائر لوازم الحياة ولهذا مدح الله سبحانه أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله "وبالآخرة هم يوقنون" وقوله تعالى "كذلك نفصل الايات لقوم يوقنون" وقوله في حق خليله إبراهيم "وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين" وذم من لا يقين عنده فقال" أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون" ( مفتاح دار السعادة ج1/ص154).
قال الشوكاني:"وإني أخبرك أيها الطالب عن نفسي تحدثا بنعمة الله سبحانه ثم تقريبا لما ذكرت لك من أن هذا الأمركامن في طبائع الناس ثابت في غرائزهم وأنه من الفطرةالتي فطر الله الناس عليها إني لما شرعت في طلب العلم ولم أكن إذ ذاك قد عرفت شيئا منه حتى ما يتعلق بالطهارة والصلاة إلا مجرد ما يتلقاه الصغير من تعليم الكبير لكيفية الصلاة والطهارة ونحوهما فكان أول بحث طالعته بحث كون الفرجين من أعضاء الوضوء في الأزهار وشرحه لأن الشيخ الذي أردت القراءة عليه والأخذ عنه كان قد بلغ في تدريس تلامذته إلى هذا البحث فلما طالعت هذا البحث قبل الحضور عند الشيخ رأيت اختلاف الأقوال فيه سألت والدي رحمه الله عن تلك الأقوال أيها يكون العمل عليه فقال يكون العمل على ما في الأزهار فقلت صاحب الأزهار أكثر علما من هؤلاء قال لا قلت فكيف كان اتباع قوله دون أقوالهم لازما فقال أصنع كما يصنع الناس فإن فتح الله عليك فستعرف ما يؤخذ به وما يترك فسألت الله عند ذلك أن يفتح علي من معارفه ما يتميز لي به الراجح من المرجوح وكان هذا في أول بحث نظرته وأول موضوع درسته وقعدت فيه بين يدي العلم فاعتبر بهذا ولا تستبعد ما أرشدتك إليه فتحرم بركة العلم وتمحق فائدته ثم ما زلت بعد كما وصفت لك أنظر في مسائل الخلاف وأدرسها على الشيوخ ولا أعتقد ما يعتقده أهل التقليد من حقية بعضهم بمجرد الإلف والعادة والاعتقاد الفاسد والإقتداء بمن لا يقتدي به بل أسأل من عندهُ".(أدب الطلب للشوكاني ج1/ص35).
وقد بوب البخاري: بَاب فَضْلِ الْعِلْمِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى "يَرْفَعْ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"، وَقَوْلِهِ عز وجل "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا". ( صحيح البخاري 1/ 33).
وأخرج حديثا في فضل العلم : " أَنَّ ابن عُمَرَ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال بَيْنَا أنا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حتى إني لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ في أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بن الْخَطَّابِ قالوا فما أَوَّلْتَهُ يارَسُولَ اللَّهِ قال الْعِلْمَ" .(صحيح البخاري ج1/ص43ح82).
وقال الناظم:
" ما لذة التمر والحلواء والضرب ولا عناق الغواني الخرد والعرب
كلذتي في انتخاب العلم أجمعه من المحابر بالأقلام في الكتب
من ذا الكتاب إلى هذا مداولة وفي المعاني وكشف الستر والحجب
عن الدقائق والأشكال أظهره أحلى لدي من الحلوا على سغب
فمؤنسي دفتري والعلم مفتخري وخاطري حاضري في العلم لم يغب
ما لذة الخلق في الدنيا جميعهم ولا الملوك وأهل اللهو والطرب
كلذتي في طلاب العلم يا ولدي فالعلم معتمدي حقا ومكتسبي".
( نشر طي التعريف في فضل حملة العلم الشريف الامام جمال الدين محمد بن عبد الرحمن الجيشي 1/ 191).
قال ابن باز رحمه الله:" فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضحوا للناس دينهم وأن يبينوا لهم حقيقة التوحيد ، وحقيقة الشرك . كما يجب على أهل العلم أن يوضحوا للناس وسائل الشرك وأنواع البدع الواقعة بينهم حتى يحذروها"( تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام1/3).
وقال صلى الله عليه وسلم:"من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار".(رواه الترمذي 5/29 ح2649وصححه الألباني).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم".(ابن ماجه1/82ح224وصححه الألباني).
وقال صلى الله عليه وسلم:"طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر.(السلسلة الصحيحة للألباني 7/422، وصحيح الترغيب له1/19ح82).
وقال صلى الله عليه وسلم:"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده" .( رواه أحمد2/406 والبيهقي في شعب الإيمان2/261، وفي الجامع الصغير وصححه الألباني 1/1045 ح10466 وفي الصحيحة1/108).وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". (صحيح مسلم 3/1255 ح1631) ،( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله ) قال العلماء معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها فإن الولد من كسبه وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمه" (صحيح البخاري1/30ح73 صحيح مسلم 1/558 ح815).وعن أبي هريرة يرفعه:"الناس معادن كمعادن الفضة والذهب خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"(رواه مسلم4/2031ح2638،وللبخاري بمعناه 3/1235ح3194).
قال النووي في شرحه لهذا الحديث:"معناه ان اصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية اذا اسلموا وفقهوا فهم خيار الناس قال القاضي وقد تضمن الحديث في الاجوبةالثلاثة ان الكرم كله عمومه وخصوصه ومجمله وبيانه انما هوالدين من التقوى والنبوة والاعراق فيها والاسلام مع الفقه ومعنى معادن العرب اصولها اي صاروا فقهاء عالمين بالاحكام الشرعية الفقهية والله اعلم"(شرح النووي على صحيح مسلم15/135).
وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما قبعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".( رواه البخاري1/42 ح79 ومسلم4/1787ح2282).
قال النووي: " أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه و سلم بالغيث ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع وكذلك الناس فالنوع الأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيى بعد أن كان ميتا وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع والنوع الثاني من الأرض مالا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي امساك الماء لغيرها فينتفع بها الناس والدواب وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به فهؤلاءنفعوا بما بلغهم والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت ونحوها فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع بها غيرها وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية فاذا سمعوا العلم لا ينتفعون به ولايحفظونه لنفع غيرهم، وفي هذا الحديث أنواع من العلم منها ضرب الأمثال ومنها فضل العلم والتعليم وشدة الحث عليهما وذم الإعراض عن العلم والله أعلم".(شرح النووي15/48).
وعن كثير بن قيس قال:" كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاءه رجل فقال يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما جئت لحاجة قال فإني سمعت رسول الله صلىالله عليه وسلم يقول "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر".(رواه أبوداود 2/341 ح3641 والترمذي 5/50 ح2685بلفظ " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم قال رسول الله صلىالله عليه وسلم إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".وابن ماجه1/81ح 223 ، وصححه الألباني).
وقال ابن حجر في (فتح الباري6/518) في شرح حديث الذي قتل مائة نفس:" وفيه فضل العالم على العابد لأن الذي أفتاه أولا بان لا توبة له غلبت عليه العبادة فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من استجرائه على قتل هذا العدد الكثير وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة". وقال صلىالله عليه وسلم:"فضل العلم خير من فضل العبادةوخير دينكم الورع".(مستدرك الحاكم1/171 ح317 وغيره وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب1/16ح68).
وقال ابن عباس:" تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلى من إحيائها، قال اسحق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل قوله تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلى من إحيائها أي علم أراد قال هو العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم قلت في الوضوء والصلاة والصوم والحج والطلاق ونحو هذا قال نعم.( جامع بيان العلم وفضله ج1/ص24).
وسأل رجل المعافي بن عمران فقال يا أبا عمران أيما أحب إليك أقوم أصلى الليل كله أو أكتب الحديث فقال حديث تكتبه أحب إلى من قيامك من أول الليل إلى آخره. (جامع بيان العلم وفضله ج1/ص24).
وقال صلى الله عليه وسلم:"الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ذكر الله وماوالاه أو عالما أو متعلما". (أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني2/1377ح4112).
ويكفي طالب العلم عزا أن النبي صلى الله عليه وسلم يرحب به كما في حديث صفوان بن عسال قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ في المسجد على برد له فقلت له: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم فقال: مرحبا بطالب العلم طالب العلم لتحفة الملائكةوتظله بأجنحتها ثم يركب بعضهم بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب فما جئت تطلب؟ قال صفوان: يا رسول الله لا نزال نسافر بين مكة والمدينة فأفتنا عن المسح على الخفين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم". (رواه الطبراني في الكبير8/54ح7363 وأخرجه الألباني في الصحيحة برقم 3397 وصححه في صحيح الترغيب1/17ح71).
وقال ابن عبد البر : " انشدني أبو القاسم أحمد بن عمر ابن عبد الله بن عصفور لنفسه شعره هذا في العلم وهو أحسن ما قيل في معناه مع العلم فاسلك حيث ما سلك العلم وعنه فكاشف كل من عنده فهم ففيه جلاء للقلوب من العمى وعون على الدين الذي أمره حتم فإني رأيت الجهل يزري بأهله وذو العلم في الأقوام يرفعه العلم يعد كبير القوم وهو صغيرهم وينفد منه فيهم القول والحكم وأي رجاء في امرئ شاب رأسه وأفنى سنيه وهو مستعجم فدم يروح ويغدو الدهر صاحب بطنه تركب في أحضانها اللحم والشحم إذا سئل المسكين عن أمر دينه بدت رحضاء العي في وجهه تسمو وهل أبصرت عيناك أقبح منظر من أشيب لا علم لديه ولا حكم هي السوءة السوءاء فاحذر شماتها فأولها خزي وآخرها ذم، فخالط رواة العلم وأصحب خيارهم فصحبتهم زين وخلطتهم غنم ولا تعدو عيناك عنهم فإنهم نجوم إذا ما غاب نجم بدا نجم فو الله لولا العلم ما اتضح الهدى ولا لاح من غيب الأمور لنا رسم. انشدها محمد بن خليفة قال أنشدنا محمد بن الحسين قال أنشدنا عبد الله بن محمد العطشي قال أنشدنا عمر بن محمد بن محمد بن عبد الحكم لبعض الحكماء بنور العلم يكشف كل ريب ويبصر وجه مطلبه المريد فأهل العلم في رحب وقرب لهم مما اشتهوا أبدا مزيد إذا عملوا بما علموا فكل له مما ابتغاه ما يريد فإن سكتوا ففكر في معاد وإن نطقوا فقولهم سديد حدثنا خلف بن أحمد نا أحمد نا ابن سعد نا محمد بن أحمد نا ابن وضاح نا أبو نعيم عن عطاء بن مسلم عن أبي المليح قال سمعت ميمون بن مهران يقول بنفس العلماء هم ضالتي في كل بلد وهم بغيتي إذا لم أجدهم وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء وقال سابق البلوي المعروف بالبربري في قصيدة له : والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه كما يجلي سواد الظلمة القمر وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها ولا البصير كأعمى ماله بصر أخبرنا أحمد نا سلمة نا محمد بن خالد بن يزيد البرذعي قال سمعت أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم الأنصاري المعروف بابن أبي الحناجر يقول كنا على باب محمد بن مصعب القرقسائي جماعة من أهل الحديث وفينا رجل عراقي بصير بالشعر ونحن نتمنى أن يخرج إلينا فيحدثنا حديثا واحدا أو حديثين إذ خرج إلينا فقال قد خطر على قلبي بيت من الشعر فمن أخبرني لمن هو حدثته ثلاثة أحاديث فقال الفتى العراقي يرحمك الله أي بيت هو فقال الشيخ العلم فيه حياة للقلوب كما تحيا البلاد إذا ما مسها المطر فقال الفتى هو لسباق البربري فقال الشيخ صدقت فما بعده قال والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه كما يجلي سواد الظلمة القمر فقال الشيخ صدقت فحدثه ستة أحاديث سمعناها معه أخبرني عبد الرحمن ابن يحيى نا علي بن محمد نا أحمد بن داود وسحنون بن سعبد نا ابن وهب نا ابن اثعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلسين في مسجده أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال رسول الله كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من الآخر صاحبه أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيتعملون ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلما ثم اقبل فجلس معهم". (جامع بيان العلم وفضله1/49).
وقال ابن القيم: "وهو- العلم الشرعي- ما قام عليه الدليل والنافع منه ما جاء به الرسول والعلم خير من الحال،العلم حاكم والحال محكوم عليه و العلم هاد والحال تابع والعلم آمر ناه والحال منفذ قابل والحال سيف إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب، الحال مركب لا يجارى فإن لم يصحبه علم ألقى صاحبه في المهالك والمتالف، والحال كالمال يؤتاه البر والفاجر فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه، الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع،الحال بلاعلم كالنار التي لاسائس لها نفع الحال لا يتعدى صاحبه ونفع العلم كالغيث يقع على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبه وربما ضاقت عنه، العلم هاد والحال الصحيح مهتد به وهو تركة الأنبياء وتراثهم وأهله عصبتهم ووراثهم وهو حياة القلوب,ونور البصائر,وشفاء الصدور, ورياض العقول,ولذة الأرواح،وأنس المستوحشين،ودليل المتحيرين،وهوالميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال به يعرف الله ويعبد,ويذكر ويوحد, ويحمد ويمجد،وبه اهتدى إليه السالكون،ومن طريقه وصل إليه الواصلون ومن بابه دخل عليه القاصدون ، به تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام ، وبه توصل الأرحام، وهو إمام والعمل مأموم وهو قائد والعمل تابع، وهو الصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة،والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغنى الذي لا فقر على من ظفر بكنزه ". وحاجة الناس إلى العلم أشد من حاجتهم إلى المأكل والمشرب، قال الإمام أحمد رحمه الله:" الناس إلى العلم, أحوج منهم إلى الطعام والشراب،لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين،وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه"(مدارج السالكين2/469-470) وطلب العلم مفضل على الجهاد في سبيل الله، قال ابن عباس- رضي الله عنه "الغدو والرواح في تعلم العلم,أفضل عند الله من الجهاد في سبيل الله عز وجل" (كتاب الفردوس بمأثور الخطاب- أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني الملقب إلكيا، رقم(4303)3/ 109.وكتاب التيسير بشرح الجامع الصغير_ الحافظ زين الدين عبدالرؤوف المناوي2/162).
وقال ابن عبدالبر: " خطب زياد ذات يوم على منبر الكوفة فقال أيها الناس إني بت ليلتي هذه مهتما بخلال ثلاث رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة رأيت أعظام ذوي الشرف واجلال ذوي العلم وتوقير ذوي الأسنان والله لا أوتى برجل رد على ذي علم ليضع بذلك منه إلا عاقبته ولا أوتي برجل رد على ذي شرف ليضع بذلك منه شرفه إلا عاقبته ولا أوتى برجل رد على ذي شيبه ليضعه بذلك إلا عاقبته إنما الناس بأعلامهم وعلمائهم وذوي أسنانهم".
( جامع بيان العلم وفضله ج1/ص53).
وذكر ابن عبدالبر عن بعض الأدباء قوله: رأيت العلم صاحبه شريف وإن ولدته آباء لئام وليس يزال يرفعه إلى أن يعظم قدره القوم الكرام ويتبعونه في كل أمر كراع الضأن تتبعه السوام ويحمل قوله في كل أفق ومن يك عالما فهو الإمام فلولا العلم ما سعدت نفوس ولا عرف الحلال ولا الحرام فبالعلم النجاة من المخازي وبالجهل المذلة والرغام هو الهادي الدليل إلى المعالي ومصباح يضيء به الظلام كذلك عن الرسول أتى عليه من الله التحيةوالسلام وفي رواية أخرى وأن طلابه حق علىمن له عقل وليس به سقام فأما عالما يغدو وإما إلى التعليم بخرجك اغتنام وسائر ذاك من لا خير فيه ومن يك عالما فهو الإمام كذاك عن النبي أتى عليه من الله التحية والسلام" .( جامع بيان العلم وفضله ج1/ص54).
والعلم هو الدواء الناجع كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشده في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه و سلم أخبر بذلك فقال" قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال". (رواه أبو داود 1/145ح336 وحسنه الألباني).
قال في عون المعبود1/368:" أي لماذا لم يسألوا حين لم يعلموا لأن شفاء الجهل سؤال أهل العلم".
قال ابن عبدالبر معلقا على هذا الحديث:" وأنشدت لبعض المتقدمين إذا كنت في بلد جاهلا وللعلم ملتمسا فسأل فإن السؤال شفاء العما كما قيل في المثل الأول وقال الفرزدق ألا خبروني أيها الناس إنما سألت ومن يسأل عن العلم يعلم سؤال أمرئ لم يعقل العلم صدره ومسائل الواعي الأحاديث كالعما وقال أمية بن الصلت لا يذهبن بك التفريط منتظرا طور الإنات ولا يطمح بك العجل قد يزيد السؤال المرء تجربة ويستريح إلى الإخبار من يسل وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها ولا البصير كأعمى ماله بصر فاستخبر الناس عما أنت جاهله إذا عميت فقد يجلوا العمى الخبر وله أيضا وقد يقتل الجهل السؤال ويشتفى إذا عاين الأمر المهم المعاين".( جامع بيان العلم وفضله 1/88).
ومن مفاخر أهل العلم أن قرنهم الله تعالى مع ملائكته حيث قال:" شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط".قال ابن كثير :" ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال:{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ }وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام".(تفسير ابن كثير2/24)
وقال الشيخ السعدي في تفسيرها: " وأما شهادة أهل العلم فلأنهم هم المرجع في جميع الأمور الدينية خصوصا في أعظم الأمور وأجلها وأشرفها وهو التوحيد، فكلهم من أولهم إلى آخرهم قد اتفقوا على ذلك ودعوا إليه وبينوا للناس الطرق الموصلة إليه،فوجب على الخلق التزام هذا الأمر المشهود عليه والعمل به،وفي هذا دليل علىأن أشرف الأمور علم التوحيد لأن الله شهد به بنفسه وأشهد عليه خواص خلقه، والشهادة لا تكون إلا عن علم ويقين، بمنزلة المشاهدة للبصر، ففيه دليل على أن من لم يصل في علم التوحيد إلى هذه الحالة فليس من أولي العلم. وفي هذه الآية دليل علىشرف العلم من وجوه كثيرة،منها:أن الله خصهم بالشهادة علىأعظم مشهود عليه دون الناس،ومنها:أن الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا ومنها: أنه جعلهم أولي العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته، ومنها:أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس،وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به،فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه، ولما قرر توحيده قرر عدله، فقال: { قائمًا بالقسط } أي : لم يزل متصفا بالقسط في أفعاله وتدبيره بين عباده ، فهو على صراط مستقيم في ما أمر به ونهى عنه، وفيما خلقه وقدره ، ثم أعاد تقرير توحيده فقال { لا إله إلا هو العزيز الحكيم } واعلم أن هذا الأصل الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبودية قد دلت عليه الأدلة النقلية والأدلة العقلية، حتى صار لذوي البصائر أجلى من الشمس،فأما الأدلة النقلية فكل ما في كتاب الله وسنة رسوله، من الأمر به وتقريره،ومحبة أهله وبغض من لم يقم به وعقوباتهم، وذم الشرك وأهله،فهو من الأدلة النقلية على ذلك، حتى كاد القرآن أن يكون كله أدلة عليه، وأما الأدلة العقلية التي تدرك بمجرد فكر العقل وتصوره للأمور فقد أرشد القرآن إليها ونبه على كثير منها،فمن أعظمها: الاعتراف بربوبية الله، فإن من عرف أنه هو الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور أنتج له ذلك أنه هو المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له،ولما كان هذا من أوضح الأشياء وأعظمها أكثر الله تعالى من الاستدلال به في كتابه. ومن الأدلة العقلية على أن الله هو الذي يؤله دون غيره انفراده بالنعم ودفع النقم، فإن من عرف أن النعم الظاهرة و الباطنة القليلة والكثيرة كلها من الله، وأنه ما من نقمة ولا شدة ولا كربة إلا وهو الذي ينفرد بدفعها وإن أحدا من الخلق لا يملك لنفسه- فضلا عن غيره- جلب نعمة ولا دفع نقمة، تيقن أن عبودية ما سوى الله من أبطل الباطل وأن العبودية لا تنبغي إلا لمن انفرد بجلب المصالح ودفع المضار، فلهذا أكثر الله في كتابه من التنبيه على هذا الدليل جدا، ومن الأدلة العقلية أيضا على ذلك: ما أخبر به تعالى عن المعبودات التي عبدت من دونه، بأنها لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا تنصر غيرها ولا تنصر نفسها، وسلبها الأسماع والأبصار، وأنها على فرض سماعها لا تغني شيئا، وغير ذلك من الصفات الدالة على نقصها غاية النقص، وما أخبر به عن نفسه العظيمة من الصفات الجليلة والأفعال الجميلة، والقدرة والقهر،وغير ذلك من الصفات التي تعرف بالأدلة السمعية والعقلية،فمن عرف ذلك حق المعرفة عرف أن العبادة لا تليق ولا تحسن إلا بالرب العظيم الذي له الكمال كله، والمجد كله،والحمد كله،والقدرة كلها، والكبرياء كلها،لا بالمخلوقات المدبرات الناقصات الصم البكم الذين لا يعقلون،ومن الأدلة العقلية على ذلك ما شاهده العباد بأبصارهم من قديم الزمان وحديثه،من الإكرام لأهل التوحيد، والإهانة والعقوبة لأهل الشرك، وما ذاك إلا لأن التوحيد جعله الله موصلا إلى كل خير دافعا لكل شر ديني ودنيوي، وجعل الشرك به والكفر سببا للعقوبات الدينية والدنيوية،ولهذا إذا ذكر تعالى قصص الرسل مع أمم المطيعين والعاصين وأخبر عن عقوبات العاصين ونجاة الرسل ومن تبعهم، قال عقب كل قصة:{ إن في ذلك لآية } أي: لعبرة يعتبر بها المعتبرون فيعلمون أن توحيده هو الموجب للنجاة، وتركه هو الموجب للهلاك، فهذه من الأدلة الكبار العقلية النقلية الدالة على هذا الأصل العظيم، وقد أكثر الله منها في كتابه وصرفها ونوعها ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة فله الحمد والشكر والثناء.ولما قرر أنه الإله الحق المعبود، بين العبادة والدين الذي يتعين أن يعبد به ويدان له، وهو الإسلام الذي هو الاستسلام لله بتوحيده وطاعته التي دعت إليها رسله،وحثت عليها كتبه،وهو الذي لا يقبل من أحد دين سواه،وهو متضمن للإخلاص له في الحب والخوف والرجاء والإنابة والدعاء ومتابعة رسوله في ذلك، وهذا هو دين الرسل كلهم،وكل من تابعهم فهو على طريقهم،وإنما اختلف أهل الكتاب بعد ما جاءتهم كتبهم تحثهم على الاجتماع على دين الله،بغيا بينهم، وظلما وعدوانا من أنفسهم، وإلا فقد جاءهم السبب الأكبر الموجب أن يتبعوا الحق ويتركوا الاختلاف، وهذا من كفرهم،فلهذا قال تعالى { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} فيجازي كل عامل بعمله،وخصوصا من ترك الحق بعد معرفته فهذا مستحق للوعيد الشديد والعقاب الأليم، ثم أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عند محاجة النصارى وغيرهم ممن يفضل غير دين الإسلام عليه أن يقول لهم: قد { أسلمت وجهي لله ومن اتبعن } أي: أنا ومن اتبعني قد أقررنا وشهدنا وأسلمنا وجوهنا لربنا، وتركنا ما سوى دين الإسلام، وجزمنا ببطلانه، ففي هذا تأييس لمن طمع فيكم، وتجديد لدينكم عند ورود الشبهات، وحجة على من اشتبه عليه الأمر، لأنه قد تقدم أن الله استشهد على توحيده بأهل العلم من عباده ليكونوا حجة على غيرهم، وسيد أهل العلم وأفضلهم وأعلمهم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم من بعده أتباعه على اختلاف مراتبهم وتفاوت درجاتهم، فلهم من العلم الصحيح والعقل الرجيح ما ليس لأحد من الخلق ما يساويهم أو يقاربهم، فإذا ثبت وتقرر توحيد الله ودينه بأدلته الظاهرة، وقام به أكمل الخلق وأعلمهم،حصل بذلك اليقين وانتفى كل شك وريب وقادح، وعرف أن ما سواه من الأديان باطلة،فلهذا قال{وقل للذين أوتوا الكتاب } من النصارى واليهود { والأميين } مشركي العرب وغيرهم { أأسلمتم فإن أسلموا } أي: بمثل ما أمنتم به { فقد اهتدوا } كما اهتديتم وصاروا إخوانكم، لهم ما لكم،وعليهم ما عليكم { وإن تولوا } عن الإسلام ورضوا بالأديان التي تخالفه { فإنما عليك البلاغ } فقد وجب أجرك على ربك، وقامت عليهم الحجة، ولم يبق بعد هذا إلا مجازاتهم بالعقاب على جرمهم، فلهذا قال { والله بصير بالعباد }".(تفسير السعدي1/124).
وقال الإمام أحمد رحمه الله :" تعلم العلم, وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره " (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل-علي بن سليمان المرداوي أبو الحسن2/ 162 - 163).
وقال الإمام أبو حنيفة ومالك رحمهما الله :" أفضل ما تطوع به,العلم وتعليمه" (منهاج السنة ابن تيمية 6 / 75)).
وقال ابن القيم رحمه الله:"لا يعدل مداد العلماء إلا دم الشهداء" (الفروسية ابن القيم، ص 157).
والعلم أفضل ما عمرت به الأوقات ، وخير ما أنفقت فيه الأنفاس, وبذلت فيه المهج.
قال النووي:" اتفق جماعات السلف على أن الاشتغال بالعلم,أفضل من الاشتغال بنوافل الصلاة, والصوم, والتسبيح, ونحو ذلك من أعمال البدن " ( مجموع النووي 4 / 6) .
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - :" فعش بعلم ولا تبغي له بدلا الناس موتى وأهل العلم أحياء". ونصيحة العلماء هي التزود من العلم،قال ابن الجوزي :"وما أزال أحرص الناس على العلم لأنه النور الذي يهتدى به " ( أحكام النساء لابن الجوزي ص8).
والسعادة إنما هي في العلم ، قال ابن القيم رحمه الله: " السعادة كلها في العلم وما يقتضيه، والله يوفق من يشاء لا مانع لما أعطى,ولا معطي لما منع،وإنما رغب أكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وُعُورَة ُطريقها,ومرارة مباديها,وتعب تحصيلها،وأنها لاتنال إلا على جد من التعب,فإنها لا تحصل إلا بالجد المحض". (مفتاح دار السعادة1 / 111) .
ولم يأمر الله نبيه الازدياد من شيء إلا من العلم, فقال عز وجل { وقل رب زدني علماً }, ومن أراد الله به خيراً فقهه في الدين قال- صلى الله عليه وسلم :" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه (البخاري رقم ( 71 ) 1 / 24، ومسلم رقم ( 1037 ) 2 / 717 من حديث معاوية - رضي الله عنه).
ومن علم أن الدنيا دار سباق وتحصيل للفضائل, وأنه كلما علت مرتبته في العلم والعمل زادت المرتبة في دار الجزاء,انتهب الزمان ولم يضيع لحظة,ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حصلها, ومن وفق لهذا, فليبتكر زمانه بالعلم, وليصابر كل محنة وفقر , إلى أن يحصل له ما يريد ، فالراحة لا تنال بالراحة ، قال الفضيل بن عياض:"اعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل". ( تاريخ مدينة دمشق لأبي القاسم علي بن الحسن إبن هبة الله بن عبدالله الشافعي ابن عساكر-48/451).
وليكن مخلصاً في طلب العلم عاملاً به,حافظاً له, ومن فاته الإخلاص , فذلك تضييع زمان وخسران جزاء , ومن فاته العمل به , فذاك يقوي الحجة عليه والعقاب له. والمراد من العلم: العلم الشرعي الذي يفيد معرفته مايجب على المكلف من أمر دينه, الذي لا حياة له إلا به,إذ هو الجالب لخشية الله قال سبحانه:{إنما يخشى الله من عباده العلماء }.
قال ابن القيم رحمه الله: "ولا عبد الله وحده وحمد,وأثني عليه ومجد إلا بالعلم ولا عرف فضل الإسلام على غيره إلا بالعلم، ولا عرف الحلال من الحرام إلا بالعلم ولا فضل الإسلام على غيره إلا بالعلم "(مفتاح دار السعادة 1 / 314). ولا دليل إلى الله والجنة, إلا الكتاب والسنة, ولا صلاح للعباد في معاشهم ومعادهم , إلا بالعلم بالله ، وفي الجهل والغفلة عن العلم, زوال النعم وحلول النقم .
قال ابن القيم رحمه الله: " فما خراب العالم إلا بالجهل ولا عمارته إلا بالعلم, وإذا ظهر العلم في بلد أو محلة قل الشر في أهلها,وإذا خفي العلم هناك ظهر الشر والفساد".(إعلام الموقعين –أبوعبدالله ابن القيم2 / 257).
فعلى العاقل أن لا يضيع أوقات عمره وساعات دهره, إلا في طلب العلم النافع على أنه ينبغي أن يعلم أن العلم بحاجة إلى أن ينفق عليه طالبه أمرين الأمر الأول الوقت والأمر الثاني المال: أما الوقت فهذا لا يحتاج لبيان وأما المال فاسمع !!!جاء في ترجمة يحيى بن معين إمام الحديث في زمانه والمشار إليه من بين أقرانه وصفه الخطيب البغدادي بقوله " كان إماما ربانيا عالما حافظا ثبتا متقنا" وقال عنه ابن المديني: " أفنى حياته وما يملك حتى توفاه الله عز وجل في خدمة الحديث لا نعلم أحدا من لدن أدم كتب من الحديث ما كتب يحيى ابن معين قال محمد بن نصر الطبري:دخلت على يحيى بن معين فعددت عنده كذا وكذا سفطا يعني دفاتر وسمعته يقول : كتبت بيدي ألف ألف حديث ".هذا ابن معين أنفق ماله كله في طلب العلم، فقد ورث عن أبيه ألف ألف درهم فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه".( تاريخ بغداد14/182، تاريخ دمشق65/13، شذرات الذهب2/79 ، سير أعلام النبلاء11/77،وفيات الأعيان6/139، تهذيب الكمال31/544، لسان الميزان7/437، طبقات الحفاظ1/34) .
ومن جميل ما قرأت ما ذكره ابن عبدالبر قال: " ورأيت في بعض كتب العجم سئل جالينوس بم كنت أعلم قرنائك بالطب قال لأني أنفقت في زيت المصباح لدرس الكتب مثل ما أنفقوا في شرب الخمر".( جامع بيان العلم وفضله ج1/ص103).
وكما أن العلم بحاجة لإنفاق الوقت والمال بحاجة للصبر والحرص والإخلاص ذكر الذهبي في ترجمة خلف بن عبدالملك القرطبي:" ووصفوه بصلاح الدخلة، وسلامة الباطن وصحة التواضع،وصدق الصبر للطلبة، وطول الاحتمال : وألّف خمسين تأليفاً في أنواع العلم".(تاريخ الإسلام9/73). وأعظم من ذلك قوله تعالى:" وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون).فإنه أعطي من الصبر واليقين ما نال به الإمامة في الدين. وجاء في ترجمة الإمام محمد بن إبراهيم: " قال الشيخ محمود التويجري كنت أقرأ عليه الكتاب ونجلس من بعد صلاة الفجر-يعني بعد أن انقطعت الدروس المتواصلة بعد سنة1380هـ- نجلس جلسة واحدة ثلاثة ساعات أربع ساعات حتى تصلنا الشمس من بعد الفجر، يقول: وأنا صاحب الكتاب الذي ألفه أمل من القراءة وأتعب من ذلك وهو لا يمل ويسمع ويسمع. وهذا لاشك ينبئ عن شخصية فيها الصبر وفيها الجلد على العلم وفيها الرغبة في نفع الناس، ولهذا إذا رأيت حال أولئك وجدت العجب العجيب، إذا رأيت يوم الشيخ كيف قسمه على أولئك فلا تخرج منه إلا بأن الله جل وعلا يبارك في أوقات من شاء من عباده، والعلم إذا بذل فيه المرء ما بذل من الوقت بارك الله جل وعلا له فيما أعطاه من الوقت والوقت يبارك، ولهذا نجد في حياتنا الوقت ضعف؛ ضعفت الاستفادة منه،تنقضي الأوقات بسرعة،وهذا لأجل فيما أحسب لأجل عدم البركة فيما أعطينا من الأوقات،وأما المتقدمون فقد بارك الله تعالى لهم في الأوقات ، ولاشك أن هذا له أسباب وأظن أن أعظم تلك الأسباب هو إخلاصهم لله جل وعلا وكثرة الرهب والدعاء إلى الله جل وعلا بالمباركة ومن فضائل العلم وعظيم أجره قوله صلى الله عليه وسلم:"لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".(البخاري3/1357ومسلم 4/1872) . وقال النووي:"فيه بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة".(شرح صحيح مسلم15/87).
وقال ابن عبدالبر:" من بركة العلم وآدابه الانصاف فيه ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم قال بعض العلماء ليس معي من العلم إلا أني أعلم أني لست أعلم وقال محمود الوراق أتم الناس أعرفهم بنقصه وأقمعهم لشهوته وحرصه حدثنا عبد الله العائدي حدثنا محمد بن الحسن بن زكريا الباذنجاني حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا الزبير بن بكار حدثنا عمي عن جدي عبد الله بن مصعب قال قال عمر بن الخطاب لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة يعني يزيد بن الحصين الحارثي فمن زاد القيت زيادته في بيت المال فقامت امرأة من صف النساء طويلة فيها فطس فقالت ما ذاك لك قال ولم قالت لأن الله عز وجل يقول وإن آتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ حدثنا خلف بن القاسم وعبد الله بن محمد بن أسد قالا حدثنا محمد ابن عبد الله بن اشته المقري الأصبهاني قال حدثنا المعزل قال حدثنا محمود بن محمد قال حدثنا أبو الشعثاء قال حدثنا وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي قال سأل رجل عليا عن مسئلة فقال فيها فقال الرجل ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا فقال علي رضي الله عنه أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم".( جامع بيان العلم 1/131).
ويجب على من تعلم العلم أن يعلّمه وعليه أن يخشى الله من إثم كتمان العلم لقوله صلى الله عليه وسلم:" إن علما لا ينتفع به ككنز لا ينفق منه في سبيل الله".(صحيح الجامع للألباني1/388ح3875).
وجاء في تفسير قوله تعالى(وجعلني مباركا) أي معلما للخير.(تفسير ابن أبي حاتم 18/191). وقد قال تعالى :" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (سورة براءة آية34)
ومن عظيم منزلة صاحب العلم أن له هيبة في صدور الناس ففي الصحيحين عن ابن عباس أنه قال:"كنت أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا علىعهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلبثت سنة ما أجد له موضعا حتى صحبته إلى مكة فلما كان بمر الظهران ذهب يقضي حاجته فقال أدركني بإداوة من ماء فأتيته بها فلما قضى حاجته ورجع ذهبت أصب عليه وذكرت فقلت له يا أمير المؤمنين من المرأتان ؟ فما قضيت كلامى حتى قال عائشة وحفصة". (البخاري4/1868ح4631، مسلم2/1105ح1479) . قال ابن عبدالبر:" لم يمنع ابن عباس من سؤال عمر عن ذلك إلا هيبته". (جامع بيان العلم وفضله2/45).
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيدة إبراهيم الأثري ; 03-27-2011 الساعة 09:57 AM سبب آخر: لا تضع رابط لمنتدى آخر
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-26-2011, 02:59 PM
أبو عبد الرحمن الجزائري أبو عبد الرحمن الجزائري غير متواجد حالياً
طالب في معهد البيضـاء العلميـة -وفقه الله-
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 376
شكراً: 3
تم شكره 26 مرة في 23 مشاركة
افتراضي

جزاكم الله خيرا
أنشد أبو زيد الفقيه لبعض علماء شاش:
كل الكلام سوى القرآن زندقة***إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
والعلم متبع ما كان حدثنا***وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وأنشد أبو الفضل العباس بن محمد الخراساني:
رحلت أطلب أصل العلم مجتهدا***وزينة المرء في الدنيا الأحاديث
لا يطلب العلم إلا بازل ذكر***وليس يبغضه إلا المخانيث
لا تعجبن بمال سوف تتركه***فإنما هذه الدنيا مواريث
__________________

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-29-2011, 04:41 PM
أبو الحسين الحسيني أبو الحسين الحسيني غير متواجد حالياً
طالب علم - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 154
شكراً: 1
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
افتراضي


شكرا لك أبا عبد الرحمن
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-23-2013, 11:06 AM
أبو عبد الله الأثري أبو عبد الله الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 1,073
شكراً: 0
تم شكره 61 مرة في 56 مشاركة
افتراضي

جمع طيّب وموفّق إن شاء الله.

وفقكم الله وجزاكم خيراً.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:28 PM.


powered by vbulletin