إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
أما بعد
فقد أخرج أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ وَتَلاَ (قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا) إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
والترمذي عن أبي عثمان عن سلمان قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن السمن والجبن والفراء فقال الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه. قال الترمذي : قال أبو عيسى وفي الباب عن المغيرة وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله وكان الحديث الموقوف أصح وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال ما أراه محفوظا روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان موقوفا قال البخاري و سيف بن هارون مقارب الحديث و سيف بن محمد عن عاصم ذاهب الحديث
لكن الحديث حسنه الشيخ الألباني
وابن ماجه عن سلمان الفارسي قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن السمن والجبن والفراء ؟ قال : ( الحلال ما أحل الله في كتابه . والحرام ماحرم الله في كتابه . وما سكت عنه فهو عفا عنه )
والبيهقي السنن الكبرى عن أبي الدرداء رضي الله عنه رفع الحديث قال : ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا
والدارقطني عن أبي الدرداء قال قال أبو الدرداء يرفع الحديث قال : ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا
والبزار عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا - ثم تلا هذه الآية : ( وما كان ربك نسيا ) . وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد وعاصم بن رجاء بن حيوة حدث عنه جماعة وأبو رجاء قد روى عن أبي الدرداء غير حديث وإسناده صالح لأن إسماعيل بن عياش قد حدث عنه الناس واحتملوا حديثه .
وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه سئل عن لحم الغراب والحديا فقال : أحل الله حلالا وحرم حراما وسكت عن أشياء فما سكت عنه فهو عفو عنه.
وعبد الرزاق عن عمرو بن دينار أنه سمع عبيد بن عمير يقول أحل الله حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو.
في الحديث إشارة إلى صفة السكوت لكن ليس صريحة
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/ 178) :" قال شيخ الإسلام ( يعني أبو اسماعيل الهروي ): فطار لتلك الفتنة ذاك الإمام أبو بكر ( ابن خزيمة ) ؛ فلم يزل يصيح بتشويهها ويصنف في ردها ؛ كأنه منذر جيش حتى دون في الدفاتر وتمكن في السرائر ؛ ولقن في الكتاتيب ونقش في المحاريب : أن الله متكلم إن شاء تكلم وإن شاء سكت ؛ فجزى الله ذاك الإمام وأولئك النفر الغر عن نصرة دينه وتوقير نبيه خيرا . قلت : في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم " { الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه } " رواه أبو داود . وفي حديث أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم " { إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ؛ وحدد حدودا فلا تعتدوها وحرم محارم فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها } ". ويقول الفقهاء في دلالة المنطوق والمسكوت وهو ما نطق به الشارع وهو الله ورسوله وما سكت عنه تارة تكون دلالة السكوت أولى بالحكم من المنطوق ؛ وهو مفهوم الموافقة وتارة تخالفه وهو مفهوم المخالفة وتارة تشبهه وهو القياس المحض . فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت ؛ لكن السكوت يكون تارة عن التكلم وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه ؛ كما قال في الصحيحين عن { أبي هريرة يا رسول الله أرأيتك سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول ؟ قال أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب } " إلى آخر الحديث . فقد أخبره أنه ساكت وسأله ماذا تقول ؟ فأخبره أنه يقول في حال سكوته ؛ أي سكوته عن الجهر والإعلان
فيوصف ربنا عَزَّ وجَلَّ بالسُّكوت كما يليق به سبحانه ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } .وهذا ثابتٌ بالسنة الصحيحة ، وهي صفةٌ فعليَّةٌ اختيارية متعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى".
وقال في منهاج السنة :" ولهم قولان هل يوصف الله بالسكوت عن كل كلام أو أنه لم يزل متكلما وإنما يوصف بالسكوت عن بعض الأشياء ذكرهما أبو بكر عبدالعزيز وأبو عبدالله بن حامد وغيرهما وأكثر أئمتهم وجمهورهم على أنه لم يزل متكلما إنما يوصف بالسكوت عن بعض الأشياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه".