شَرْح شُرُوطُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ الله .. لِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ: أَبِي عُمَرَ أُسَامَةَ بن عَطَايَا العُتَيْبِي –حَفِظَهُ الله-
إن الحمد لله نحمـده ونستعينـه ونستغفره، ونعـوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل لـه ومن يُضلل فلا هادي لـه، وأشهد أن لا إلـه إلَّا الله وحده لا شريك لـه وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسولـه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءًۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النسـاء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 70]، أمـا بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمِّدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمـور مُحدثاتها وكلَّ محدثـة بِدعـة، وكلَّ بِدعـة ضلالـه وكلَّ ضلالـة في النَّار. في هذه الليلة أكون معكم في التعليق على شُروطِ لا إله إلاَّ الله وذلك للإخوة في مسجد الفاروق بمونتريال بكندا.
لا إلـه إلاَّ الله: أي لا معبود بحق إلا الله –عز وجل-، وهذه هي كلمة التوحيد التي بعث الله –عز وجل- الأنبياء والمرسلين لدعوة النَّـاس إليها، وهي الكلمة الطيِّبة، وهي مفتاح الخلاص من الشقاوة في الدُنيـا والآخرة؛ لا إلـه إلاَّ الله.
وهذه الكلمة لها رُكنان وشُروط؛ فالركنان هما: النفي والإثبات.
§ الرُكن الأول: النفي: لا إلـه، تنفي جميع المعبودات سوى الله –عز وجل-.
§ الركن الثاني: إلاَّ الله: هو الإثبات، فيه إثبات الألُوهيَّـة لله –عز وجل-.
والشُروط سبعة أو ثمانية. والـمُراد بالشروط أي: الأمور التي يلزم منها لصحة قول: لا إلـه إلاَّ الله وحتى ينتفِع قائلها بها، فليس من قال: لا إلـه إلاَّ الله يدخل في الإسلام بمجرد أن قال: لا إلـه إلاَّ الله وهو لم يأتي بشُروطها التي دلَّت عليها الكِتاب والسُنَّـة. والـمُراد بالشرط هو اللازم، فيلزم لصحة لا إلـه إلاَّ الله والاِنتفاع بقولها أن تكون أيُّهـا القائِل لها قد توفرت فيك عِدَّة شُروط، فما هي هذه الشُروط؟
· الشرط الأول: العِلم بلا إلـه إلاَّ الله، العِلم بهذه الكلمة ومعناها، أن تعلم أنَّـه لا معبود بحق إلاَّ الله. وهذا العلم محله القلب فيعلم عِلمًا ومعرفة أن الله –عز وجل- هو الإلـه الواحد، وأنَّـه لا يوجد إله غير الله –سبحانه وتعالى- يستحق أن يُعبد. والأدلَّـة على هذا الشرط كثيرة، منها: قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّـهُ﴾ [محمد: 19]، وقولـه تعالى: ﴿إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 86]، أي: شهدوا بأن الله إلـه حق وما سواه باطل من هذه المعبودات وهو يعلم بهذه الشهادة، لم يقلها عن إكراه أو عن هذرمة وجنون بل قالها بعِلم مركوز في قلبه. والدليل الثالث قوله –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم)؛ من مات: يعني فارق الدُنيـا وهو مشتمل على العِلم بأنَّـه لا معبود بحق إلاَّ الله فإنه يدخل الجنَّة. وهذا العلم لا ينفعه يوم القيامـة إلاَّ ببقية الشُروط والتي ستأتي –إن شاء الله تعالى-.
· الشرط الثـاني: اليقين بلا إلـه إلاَّ الله: أي: أن يتيقن قلبه ويطمئن فؤاده بهذه الكلمة؛ بلا إلـه إلاَّ الله. بأن يقول: لا إلـه إلاَّ الله وقلبه مطمئن بها، فيطمئن قلبه، ويتيقن فؤاده أنه لا معبود بحق في الوجود إلاَّ الله –سبحانه وتعالى-. فلا يوجد في قلبه ذره شكٍ باِستحقاق الله وحده دونما سواه للعِبادة، فهذا اليقين لا يُبقِي في الله شكًا، فإذا وُجِدَ الريْبُ والشكُ في القلب لم ينتفع بقول: لا إلـه إلاَّ الله. والأدلَّة على هذا الشرط موجودة في الكِتاب والسُنَّة؛ قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَقِيتُ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهِ قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةَ» وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة –رضي الله عنه-. وقال الله –عز وجل-: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات: 15]، فبيَّن أن أهل الإيمان يُشترط في صحة إيمانهم بالله ورسوله ألاَّ يكون عندهم شكٌ في ذلك ولا ريب، وهذا الشك والريب يُنافي اليقين. فتبيَّن أن اليقين شرطٌ لِصحـة قول: لا إلـه إلاَّ الله. وليس الـمُراد بالشك الذي ينفي صحة لا إله إلاَّ الله الوسوسة والخواطر التِّي يُوسوس بها الشيْطان للإنسان، فإن الشيْطان يأتي ويُشكِّك المسلم في دينه، فقلب المؤمن يرفض هذه الوسوسة ويشمئز منها، وقلب المنافق والكافر يشربها ويُحب هذه الوساوس ورُبما نطق بها، فليست الوساوس هي الشك لكن الشيطان يستخدم هذه الوسـاوس ليُثير الشك في القلب، فقلب المؤمن يستنكِر هذه الوساوس وهذا دليل على قوة الإيمان واليقين، والرسول –صلى الله عليه وسلم- لما جاء إليه الصحابة وذكروا له هذه الوساوس وما يقع في قلوبهم من البُغض لها، قال –صلى الله عليه وسلم-: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ» (رواه مسلم وأبو داوود وأحمد)، أي: أن رد تلك الوساوس بالقلب وكُرهها من صريح الإيمان، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إلَى الْوَسْوَسَةِ». فليست الوسوسة والتشكيكات والتذكيرات الشيطانية ممَّـا ينقض لا إلـه إلاَّ الله، إلاَّ إذا ترك اليقين وقلبه أحبَّ هذه الشُكوك ولم يعد يُؤمن فحينئذٍ يكون كافِرًا. ففرقوا بين الوسوسـة وبين الشك الذي يُنافي صحة لا إلـه إلاَّ الله.
· الشرط الثالـث: القبول بقول: لا إلـه إلاَّ الله ولما تضمنته هذه الكلمـة قبولاً باطنًا وظاهرًا؛ فيقبل بقلبه أن الله هو المعبود وحده المستحق للعِبادة دونما سواه، يقبل بقلبه ويقبل بلسانه، فيقولها عن قبول. بعض النَّـاس من الكُفار يعلم أنَّـه لا إلـه إلاَّ الله، وقلبه مُسْتيْقِن لهذا الأمر مثل: هِرقل، لكن يمنعه سُلطانه ومُلكه من أن يقبل هذه الكلِمة فينطق بها، ولرُبما نطقها من باب الإخبار لا من باب القبُول، كما يحصل أن بعض الكُفار، وهو كافر يقرأ كُتُبًا ويقرأ القرآن مُترجمًا ويمر على آيات فيها قول لا إلـه إلاَّ الله، فيقولها وهو يقرأ مع ذلك لا يدخل في الإسلام ولو علِم أنَّـه لا إلـه إلاَّ الله، ولو تيقن قلبه، مادام أنه رفض قول لا إلـه إلاَّ الله بقلبه. إذًا من شُروط صحة لا إلـه إلاَّ الله: القبول بهذه الكلمة بالقلب وباللِّسان. والله أعلم. والأدلَّـة على شرط القبول بلا إلـه إلاَّ الله ظاهرًا وباطنًا من الكِتاب والسُنَّة كثيرة؛ فالرسول –صلى الله عليه وسلم- خطب بالنَّـاس يوم أن أمره الله بالجهر بالدعوة قائِلاً: «قُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا»، أي: اِقبلوا هذه الكلمة وقولوها بشروطها فرفضوا، وقال شقيُّهم: "تبًا لك سائر اليـوم! ألِهذا جمعتنا؟!"، وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: 5]، فردوا لا إلـه إلاَّ الله ورفضوها، فكفروا وبقوا على كُفرهم. أمَّـا من قبِلها وآمن فهذا هو من الناجين، قال الله –عز وجل-: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يـونس: 103]، والـمُراد بالمؤمنين الذين قبِلوا لا إلـه إلاَّ الله وطبَّقوا شُروطها الأخرى، ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يـونس: 103]. والرسول –صلى الله عليه وسلم- ضرب مثلاً بالذي يأتيه الحق ومن قول: لا إلـه إلاَّ الله بالأرض التِّي أصابها المـاء فأنبتتِ الكلأ والعُشب الكثير، قبِلت المـاء، قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله مِن الهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا؛ فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَت المَاءَ فَأَنْبَتَت الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ» في آخر الحديث قال: «فَذَلِكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ فِي دِينِ الله وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ, وَمَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى الله الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» (رواه الشيخان واللفظ للبخاري)، فهذا دليل صريح على لفظ القبول، والأدلَّـة على معنى القبول كثيرة في الكِتاب والسُنة سبق ذِكرُ بعضها والله أعلم.
· الشرط الـرابع: الاِنقيـاد لقول: لا إلـه إلاَّ الله الـمُنافي للكِبر والعِناد، فينقاد لمـا دلَّت عليه هذه الكلِمة ولا يترك الاِنقيـاد لحظة من حياته مادام عاقِلاً واعيًا، ينقاد إلى هذه الكلمة، يقولها مُنقادً بقلبه، مُنقادًا بلسانه، مُنقادًا بجوارحه. والاِنقياد يكون بقولها اِستسلامًا لله –عز وجل- لا عن إكراه، يقولها مُستسلِمًا منكسِرًا لله –عز وجل- مُتذلِلاً له. فلا بد من اِشتراط الاِنقياد الدال على الذُلِّ والخُضوع للرَّب المعبود لا إلـه إلاَّ هو، فينقاد لهذه الكلِمى نُطقًا واِعتقادًا وعملاً. والأدلَّة على الاِنقياد كثيرة، وأصرح ذلك في اللفظ (أي اللفظ المطابق لكلمة الاِنقياد) قوله –صلى الله عليه وسلم- في وصف المؤمن أنه كالجمل الأنف إذا قِيد اِنقاد، أو حيثما اِنقِيدَ اِنقادَ، أو حيثما أمره الله بأمره أو نهاه عن نهي اِستسلم واِنقاد ولم يعترض على شرع الله –عز وجل. وهذا الأمر وهو الاِنقياد بالمعنى موجود في آيات عديدة، قال الله –عز وجل-: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الـزمر: 54]، الإسلام جاء في آيات كثيرة، فالإسلام هو الاِستسلام لله بالتوحيد والاِنقياد لـه بالطاعة، ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النِسـاء: 65]، وقال –سبحانه وتعالى-: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [لقمان: 22]، يعني: يستسلم لله –سبحانه وتعالى- وينقاد ، وهو مُحسِنٌ في اِنقياده متبعٌ للكِتاب والسُنة في أقوالـه وأعمالـه، ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ﴾ [لقمان: 22]، يعني: قد اِستمسك بلا إلـه إلاَّ الله وصحَّ قولـه لها، أمَّـا إذا لم يستسلم ولم ينقد ويخضع ويذل فلا يصح منه قول: لا إلـه إلاَّ الله.
· الشرط الخامِس: الصِدق في قول لا إلـه إلاَّ الله، أي: أن يقول لا إلـه إلاَّ الله صادِقًا لا كاذِبًا، فبعض النَّـاس يقولها كذِبًا لأجل تحقيق مصلحة دنيوية كما كان يفعله المنافقون. والله –سبحانه وتعالى- بيَّن هذا الشرط في مِثل قوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 3]، وفي قولـه:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 8]أي: يكذبون في هذه الدعوة، دعوة الإيمان، ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ ، إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ»(رواه الشيخان). ولا بد أن يكون الصِدق بتواطؤ اللِّسـان والقلب فيكون صادِقًا في قول لا إلـه إلاَّ الله بلسانه وكذلك صادِقًا بقلبه، فالصِدق في قول: لا إلـه إلاَّ الله يكون في الباطن والظاهر والله أعلم.
· الشرط السادِس: الإخلاص في قول: لا إلـه إلاَّ الله، وهذا يُنافي الريـاء، فلا يقولها لأجل إرضاء النَّـاس وسماع أو رؤية ما يُحِب منهم، فلا يكون قوله: لا إلـه إلاَّ الله تسميعًا ولا مُراءاةً. كذلك لا يقول هذه الكلِمة لأجل غير الله، فلا يتقرَّب بهذه الكلِمة لأجل الدُنيـا أو لأجل رضا وثن من الأوثان أو صنم من الأصنام، وإن كان الواقع أن الوثن والصنم لا يُريـد هذه الكلِمة لكن لا بُد أن يُنبَّه على أن قول هذه الكلِمة لا بُـد أن يكون لوجه الله خالِصًا من كلِّ شائبة شِرك. والأدلة على هذا الشرط من الكِتاب والسُنة كثيرة منها قول الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البيِّنـة: 5]، فالله –عز وجل- ما أَمَـرَ العِباد بالعبادة لله –عز وجل- ومنها قول: لا إلـه الله إلاَّ الله إلاَّ مُخلِصين في عبادتهم لله وحده مائِلين (حنفاء) عن الشِرك إلى التوحيد، وقال –صلى الله عليه وسلم-: «أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» (رواه البخاري).
· الشرط السـابع: محبَّة لا إلـه إلاَّ الله، المحبة لهذه الكلِمة الطيِّبة ولما دلَّت عليه ولما تضمنته من معاني ولا بُد لِصحة هذه المحبة أن يُبغض ما يُناقضها، فيُحب الله وحده ويكفر ويُبغض الطواغيت وما يُعبد من دون الله، من رضِي بهذه العبادة. فيُبغض الطواغيت، يُحب الله ويُبغض الطواغيت، وهذه المحبة تكون بالقلب ويظهر أثرها في اللسان والجوارح. وأدلـة محبة الله –عز وجل- كثيرة دالـة على أنه لا بُـد لِصحة لا إلـه إلاَّ الله وصحة الإيمـان بالله أن يُحب الله الذي هو المعبود بحقٍ دونما سواه، قال الله -عز وجل-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ﴾ [البقرة: 165]، فالله –عزل وجل- يُنكِر على هؤلاء الذين يتخذون الأنـداد لله والنُظراء فيُحبونهم كحب الله مع أن الواجب أن يكون حبهم لله لا لهذه الأوثان، لذلك قال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾يعني: آمنوا بلا إلـه إلاَّ الله، آمنوا بالله ربًا وخالِقًا ورازقًا ومعبودًا –سبحانه وتعالى-، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ﴾ لأن حبهم لله لم يُخالِطه شِرك، بل هو خالِص لله –عز وجل-. ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ... الحديث»(رواه البخاري)، إذًا: أول شيء ليجِد حلاوة الإيمان في قلبِه أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فيُحب لا إلـه إلاَّ الله وما دلَّـت عليه هذه الكلِمة من طاعة الله وطاعة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، قال:«... وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ..»أن يُحب الشخص المؤمنلا يحبه إلاَّ لوجه الله،«... وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ -لأنه يكره الطواغيت- كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»فيكره الكُفر، يحب الله، يحب الإيمان، يحب الدِّين، يحب الشريعة الإسلامية ويكره الكُفر ويكره الطواغيت. إذًا: لا بد في المحبة من محبة الله ومحبة ما يُحب الله ورسوله وبُغض الطواغيت وبُغض ما يُبغضه الله ورسوله. ويقول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «أَوْثَقُ عُرَى الإِيمانِ الحُبُّ فِي اللهَ وَالبُغضُ فِي اللهِ وَالمُوالاةُ فِي اللهِ وَالمُعاداةُ فِي اللهِ» (صحيح الجامع)، فلا بد لتوثيق عُرى الإيمان أن يحب في الله، في هذه الكلِمة، فمن قالها صادِقا ومن قالها بحق فهو أهلٌ أن يُحب، فالمحبة في ذات الله، في التوحيد، تُحِب المؤمنين الموحدين وتُبغِض الكافرين المشركين، ويقول رب العزة والجلال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: 36]؛ اعبدوا الله وحده بلا شريك واجتنبوا عِبادة الطواغيت، أي: كل معبود من دون الله –عز وجل-، وقال –سبحانه وتعالى-: ﴿مَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: 256] يعني: لا انقطاع لها. فالذي يكفر بالطاغوت فلا يصرف شيئًا من العبادة لغير الله ويُخلص في قول لا إلـه إلا الله ويُوحِّد الله فهذا قد اِستمسك بالعروة الوثقى أي: بلا إلـه إلا الله، ﴿لَا انفِصَامَ لَهَا﴾ يعني: لا اِنقطاع لها، فتوصله إلى الجنة وإلى مغفرة الله ورحمته. وكما تُلاحظون أن الكُفر بالطاغوت داخل في اِشتراط المحبة لهذه الكلِمة الطيِّبة، فلا تصح المحبة لِـلا إلـه إلا الله إلاَّ ببُغض ما يُناقضها، فالإسلام مبني على الولاء والبراء؛ موالاة أهل الإيمان ومناصرتهم ومحبتهم وعداوة وبُغض أهل الكُفر، ومجافاتهم ومجانبتهم، وقد ذكر بعض العلماء الكُفر بالطاغوت شرطًا ثامِنًا من شروط: لا إلـه إلا الله، وهذا لأجل مزيد تنبيه عليه لا أكثر وإلاَّ فهو داخل في هذا الشرط. وقد نظم الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله- شُروط لا إلـه إلا الله في قولـه:
العِلْـمُ وَاليَقِينُ وَالقَبـُولُ وَالاِنْقِيَادُ فَادْرِ مَا أَقُولَ
وَالصِدْقُ وَالإِخْلاَصُ وَالمَحَبَّةِ وَفَّقَـكَ اللهُ لِمَا أَحَبَّهُ
{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}{}
قام بتفريغة الأخت الكريمة أم عبد الرحمن التبسية جزاها الله خيرا