والكلام على أهمية الأدب من الكتاب والسنة كثير وسيأتي خلال الأحاديث في هذا الكتاب فلا أطيل بهذا البيان.
قال رحمه الله تعالى:
"بَابُ البِرَّ والصِّلَةِ "
وقول الله تعالى : {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [سورة العنكبوت:8]
يعني هذا الباب فيه بيان البر والصلة، وبيان قول الله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [سورة العنكبوت:8]
والإمام البخاري –رحمه الله- قد ألف كتابا مستقلا في الأدب خارج الصحيح سماه "كتاب الأدب المفرد" وهذا الكتاب فيه أحاديث زائدة على ما في الصحيح، أحاديث كثيرة وفيه عدد من الآثار الموقوفة بالأسانيد وهو كثير الفائدة كما قال الحافظ بن حجر –رحمه الله-.
ولم يشترط في ذلك الكتاب على أحاديث صحيحة بل يشتمل على الأحاديث التي في سندها ضعف، ولكن ليس فيه حديث موضوع.
كتاب "الأدب المفرد" وقد اعتنى به شيخنا الألباني –رحمه الله-، فكتب كتاب "صحيح الأدب المفرد" و"ضعيف الأدب المفرد" .
أما هذا الكتاب الذي نحن فيه فهو كتاب الأدب من صحيح البخاري وجميع الأحاديث التي فيها صحيحة .
فهنا قال: "باب البر والصلة وقول الله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [سورة العنكبوت:8]"
وفي كتابه الأدب المفرد قال: "باب ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [سورة العنكبوت:8]"
لم يذكر كتاب البر والصلة .
ومعنى البر والصلة:
البر: هو الإحسان إلى الغير، ويشمل حتى الإحسان إلى النفس، وهو لفظ جامع لخصال الخير.
والصلة: ضد القطيعة من باب المواصلة، ومن باب الإحسان إلى الغير، ومن باب إعطاء حقوق الأقربين، وحقوق من له حق عليك كالمسلمين .
وقول الله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾[سورة العنكبوت:8] هذه الآية في سورة العنكبوت
﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[سورة العنكبوت:8]
وهذه الآية التي في سورة العنكبوت نزلت في سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه-،كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه حيث قال في بيان سبب نزول هذه الآية :
"قالت أمي –وهي مشركة-: " أليس تزعم أن الله يأمرك بصلة الرحم وبر الوالدين؟" يعني أن دينك يأمرك بصلة الرحم وبر الوالدين "فوالله لا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تكفر",فأرادت من ولدها سعد أن يكفر بالله وإلا لن تأكل الطعام ولا الشراب، ولم تأكل طعاما ولم تشرب شرابا، وكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فمها بعصى، يعني فتحوا فمها بالقوة فيصبون فيه الماء والطعام حتى لا تموت، فنزلت هذه الآية : ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [سورة العنكبوت:8]
كذلك في سورة لقمان يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصِير(14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(15)﴾ [سورة لقمان:14و15]
قال -سعد رضي الله عنه- : "نزلت هذه الآية فِيَّ أيضا" وهذه الآية أخرجه مسلم في صحيحه.
فكلا الآيتين في العنكبوت وفي سورة لقمان نزلت في سعد -رضي الله عنه -.
سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة .
قوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [سورة العنكبوت:8]
أي: أننا أمرنا الإنسان بوالديه حسنا، والوصية هنا بمعنى الأمر .
فالله عز وجل أمر الإنسان بوالديه حسنا, وما قال أمر المسلم أو المؤمن بل بني الإنسان يجب أن يحسنوا إلى والديهم، وهذا أمر فطري وأمر عقلي كل من عنده عقل فإنه لا بد أن يكافئ صاحب الفضل عليه، وصاحب الفضل على الإنسان بعد الله عز وجل هما الوالدان، لذلك كان عقوق الوالدين مذموم عند جميع الناس عربهم وعجمهم مسلمهم وكافرهم، فالجميع متفقون على وجوب الإحسان إلى الوالدين وهذا أمر أكده الإسلام حتى ولو كانا مشركين لقوله تعالى:﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنيَا مَعْرُوفا﴾ [سورة لقمان:15] فيجب على المسلمين أن يتأدبوا مع والديهم وأن لا يرفعوا أصواتهم أمامهم، وألا يقولوا لهم كلمة أف إذا أمروهم بشيء مباح ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفِّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ يعني:حتى لو كانا الوالدين سيئين ضالين غليظين, وجب عليك أن تكون معهما رفيقا، وجب عليك أن تصاحبهما في الدنيا معروفا ولو كانا مرتدين مشركين طاغوتين، لابد أن تحسن إليهما وألا تسيء إليهما ولكن تكلمهما بأدب كما أمر الله جل وعلا: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا﴾ [سورة لقمان: 15]وإن أمراك بالمعصية فلا تطعهما وإن غضبا، وهكذا يجب على الذكور والإناث أن يحسنوا إلى والديهم .
وأتى بكلمة ﴿حُسْنًا﴾ وفي غيرها﴿إِحْسَانًا﴾ أي لكل قول وفعل حسن جميل.
فأمر بالإحسان إلى الوالدين بكل قول وفعل جليل، خاصة عند وجود الغضب منهما أو الغلظة وخاصة عند كبر السن وضعف القوة فإنه يجب عليك أن تحسن إليهما قدر استطاعتك.
فأوصي نفسي وإخواني بتقوى الله عز وجل، واتباع ما أمره الله عز وجل في كتابه، وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في سنته من رعاية حق الوالدين وحفظ ما لهما عليك يا عبد الله .
وأختم هذا الدرس بقصة جميلة: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- تبين عظيم قدر الوالدين وعظيم حقهما :
((لقي عبد الله بن عمر رجلا في الطواف يحمل أمه على ظهره-يحمل أمه عجوز كبيرة في السن يطوف بها عى ظهره – فقال : "يا عبد الله بن عمر أترى أني وفيتها حقها؟" –يعني أترى أنني أتيت بر أمي وأعطيت الذي لها بحملي لها على ظهري في الطواف؟ فقال عبد الله ابن عمر : "لا ولا بزفرة من زفراتها"))
يعني: لا يساوي هذا العمل الذي تعمله ولا طلقة واحدة من طلقاتها عند الولادة, لأن الأم حملتك في بطنها وكان بطنها لك وعاء، وحملتك وهنا على وهن وكرها على كره ثم يأتي ألم الولادة وتعب المخاض ثم ترضعك وتربيك وتكبرك بقدرة الله عز وجل وبفضله فهذا مما يزيد في حق الأم وأهمية برها وكذا بر الوالد .
الأسئلة:
السؤال الأول:
تقول السائلة حليمة براون: الذين حضروا عقد نكاحها هم أبوها وهو كافر وأخوها وهو كافر وأخوها لأمها وهو كافر ومن يريد الزواج بها الذي هو زوجها الآن وابنه من مرأة أخرى –ابن زوحها- وتقول هو غير ملتزم لكنه مسلم ويصلي أحيانا الابن ابن الزوج، وحضر من النساء جماعة فتقول عند العقد إمام المسجد قال: نأخذ الإذن من الولي لنجعل الولاية والمسؤولية في عقد النكاح للأب الكافر فهل هذا العقد صحيح؟وهل ولاية الكافر صحيحة؟
الجواب:
إن ولاية الكافر لا تصح وعقدك صحيح، ولاية الكافر لا تصح ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾ ولكن عقدك صحيح لأن أخاك لأمك هو الولي وقد وافق, ولكنه جعل المسؤولية من باب التوكيل فوكل كافرا ولاية الكافر لا تصح، ولكن عقدك صحيح لأن الولي وهو أخوك لأمك حاضر، وهو الذي زوّجك ووافقك على توكيل الأب الكافر لكتابة العقد فهذه مسألة كتابة قانونية فقط.
المسألة الشرعية أن هذا الأخ للأم قد قام بالولاية ولو لم يكن قد وقع، حضوره وموافقته كافية من الناحية الشرعية، فأخوها وليها وعقدها صحيح، حتى ولو لم يوقع حتى لو لم يكن في الأوراق مادام أنه شاهد، وكون ابن الزوج شاهد هنا شاهدان، ووافق الولي الذي هو نفسه الشاهد هذا لا بأس به، والعقد بهذا الحضور صحيح والنكاح صحيح، والبنت التي معكم بنكاح صحيح وهي بنتكم وتلتحق بكم فهذا لا بأس به والعقد صحيح ولا شيء فيه، مادام أن الولي موجود والشهود موجودون وهما اثنان فأكثر، فالنساء ما حسبناهن لأنه يكفي من الرجال الولي وشاهد آخر.
والشهرة شيخ الإسلام-رحمه الله- بين أن لا يشترط في النكاح شاهدان بل الشهرة ومن حضر من النساء والرجال كاف في شهود هذا الأمر فلا شيء عليك وعقدك صحيح وأسأل الله أن يسعدك وأن يوفقك .
السؤال الثاني:
هل من البر أن يقدم والده للصف المتقدم؟
الجواب:
افعل هذا بدون أن تشعر والدك أنك تريد المسابقة الأولى في الخيرات أن تبدأ بنفسك على الوالدين وعلى غيرهم لكن لا تشعر والدك بهذا الأمر حتى لا تثير نفسه ولا تغضبه، يعني أنت تخاطبه بأسلوب حسن تقدم، ولو شعرت أنه يغضب فقدمه فرضاه أولى من الصف الأول, لأن الصف الأول مستحب المهم أن لا يؤدي هذا إلى الغضب.
وبهذا الجواب أكتفي وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.