مقال لي في موضوع تقسيم الصلاة في العشر الأواخر من رمضان
مقال لي في موضوع تقسيم الصلاة في العشر الأواخر من رمضان
وسأذكر هذه الفائدة من كلام الشيخ العلامة عبد الله أبا بطين رحمه الله
حيث قال -كما في الدرر السنية في الأجوبة النجدية (4 /363- 370) :
[مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس من صلاتنا في العشر الأواخر من رمضان، زيادة على المعتاد في العشرين الأول
وسبب إنكارهم لذلك: غلبة العادة، والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام.
فنقول: قد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب في قيام رمضان والحث عليه، وتأكيد ذلك في عشره الأخير، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فيقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "،
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فرض الله عليكم صيام رمضان، وسن لكم قيامه "
وفي الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد المئزر "
وصلى صلى الله عليه وسلم ليلة من رمضان جماعة في أول الشهر، وكذلك في العشر.
وفي صحيح مسلم عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، فجاء رجل آخر فقام أيضاً، حتى كنا رهطاً. فلما أحس أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة. ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا، فقلت له حين أصبح: فطنت لنا الليلة؟ قال: نعم، ذلك الذي حملني على ما صنعت " 4. وعن عائشة قالت: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فصلى بصلاته أناس كثير. ثم صلى من القابلة فكثروا. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: قد رأيت صنيعكم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يفرض عليكم " 1، وذلك في رمضان، أخرجاه في الصحيحين.
وفي السنن عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل. ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، وقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال السحور " صححه الترمذي
واحتح الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث أن فعل التراويح جماعة أفضل
وقال شيخ الإسلام تقي الدين، رحمه الله:
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة " ترغيب في قيام رمضان خلف الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة؛ وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم. انتهى.
فلما تقرر أن قيام رمضان، وإحياء العشر الأواخر سنة مؤكدة، وأنه في جماعة أفضل، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يوقت في ذلك عدداً، علمنا أنه لا توقيت في ذلك. وفي الصحيحين عن عائشة قالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة "
وفي بعض طرق حديث حذيفة الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة: سورة البقرة والنساء وآل عمران، أنه لم يصل في تلك الليلة إلا ركعتين، وأن ذلك في رمضان.
وروي عن الصحابة، رضي الله عنهم، في التراويح أنواع، واختلف العلماء في المختار منها، مع تجويزهم لفعل الجميع
فاختار الشافعي وأحمد عشرين ركعة، مع أن أحمد نص على أنه لا بأس بالزيادة، وقال: روي في ذلك ألوان ولم يقض فيه بشيء.
وقال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يصلي في رمضان ما لا يحصى من التراويح.
واختار مالك ستاً وثلاثين ركعة.
وحكى الترمذي عن بعض العلماء اختيار إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، قال: وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة
وقال إسحاق بن إبراهيم: نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب.
قال الشيخ تقي الدين: والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: عشرين ركعة، أو كمذهب مالك: ستاً وثلاثين، أو ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة، فقد أحسن كما نص عليه أحمد لعدم التوقيت، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره.
وقد تقدم قول عائشة: "ماكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة " وقولها: "كان إذا دخل العشر أحيا ليله " .
وفي الموطإ عن السائب بن يزيد، قال: "أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري، أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة؛ وكان القاري يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ".
وفي الموطإ عن عبد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان من القيام، فنتعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور ".
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن طاووس، قال: "سمعت ابن عباس يقول: دعاني عمر أتغدى عنده، قال أبو بكر: يعني السحور في رمضان، فسمع هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، قال ما هي؟ قال: هيعة الناس حين خرجوا من المسجد، قال: ما بقي من الليل خير مما ذهب منه ".
وروى ابن أبي شيبة عن ورقاء، قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيصلي بنا عشرين ليلة ست ترويحات، فإذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، فصلى بنا سبع ترويحات.
فتبين بذلك، أن الصحابة والتابعين كانوا يمدون الصلاة إلى قريب طلوع الفجر؛
والظاهر من مجموع الآثار: أن هذا يكون منهم في بعض الليالي دون بعض، ويحتمل أن يكون ذلك في العشر الأواخر، لما ذكرنا من حديث أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم في العشر ليلة إلى نصف الليل، وليلة إلى أن خافوا فوات السحور، ولما لم يخرج إليهم في بعض الليالي اعتذر إليهم بأنه خشي أن يفرض عليهم.
فما أعظم جراءة من يقول: إن مد الصلاة في العشر إلى آخر الليل بدعة، مع ما قدمنا من الأحاديث والآثار.
قال ابن القيم، رحمه الله:
اختلف قول الإمام أحمد في تأخير التراويح إلى آخر الليل: فعنه: إن أخروا القيام إلى آخر الليل فلا بأس، كما قال عمر، فإن الساعة التي ينامون فيها أفضل، ولأنه يحصل قيام بعد رقدة، قال الله تعالى:{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [سورة المزمل آية: 6]، وروى عنه أبو داود: لأن يؤخر القيام إلى آخر الليل سنة المسلمين أحب إلي، ووجه فعل الصحابة، ويحمل قول عمر على الترغيب في صلاة آخر الليل، ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل، لا أنهم يؤخرونها. انتهى.
فانظر قوله" ليواصلوا قيامهم إلى آخر الليل، فهلا قال إن مواصلة القيام إلى آخر الليل بدعة.
فصل
إذا تبين أنه لا توقيت في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي جماعة، كما قدمنا، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعله أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل كما يفعل في أول الشهر، أو أقل، أو أكثر، من غير أن يوتر؟ وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قياماً وتراويح؛
وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة،
وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا لكون الزيادة غير مشروعة،
ودل كلامهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحباً، وذلك مصرح به في قولهم: إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة.
وأما ما يجري على ألسنة العوام، من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلي بعد ذلك قياماً، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام، وتراويح؛
وإنما سمي قيام رمضان تراويح، لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة.
وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده وألفه من عادة أهل بلده، وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام.
وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء، فليس كذلك، لأن التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر؛ هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح،
فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب.
وأيضاً، فالمصلي زيادة عن عادته في أول الشهر، يقول: الكل قيام وتراويح، فهو لم يفرغ من التراويح؛
وأما تسمية الزيادة عن المعتاد قياماً، فهذه تسمية عامية، بل الكل قيام وتراويح، كما قدمنا،
وأن المذهب عدم كراهة التعقيب.
وعلى القول الآخر، فنص أحمد: أنهم لو تنفلوا جماعة بعد رقدة، أو من آخر الليل لم يكره.
وأما اقتصار الإنسان في التراويح على إحدى عشرة ركعة فجائز، لحديث عائشة: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة " . انتهى
وبهذا يكون كلام الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله قد انتهى
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
فوائد:
أولاً: قال شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع على زاد المستقنع - ( 2 / 447) : [لكن لو أنَّ هذا التَّعقيبَ جاء بعد التَّراويح وقبل الوِتر، لكان القول بعدم الكراهة صحيحاً،
وهو عمل النَّاس اليوم في العشر الأواخر من رمضان، يُصلِّي النَّاس التَّراويح في أول الليل، ثم يرجعون في آخر الليل، ويقومون يتهجَّدون].
ثانياً: وتقسيم صلاة الليل إلى صلاة أول الليل وصلاة آخره جماعة بحيث يكون الوتر آخر الليل لا يتعارض مع حديث : ((من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) لأن تقسيم صلاة الليل إلى قسمين مع تأخير الوتر إلى آخر الليل هو من القيام مع الإمام، ومعلوم أن الإمام في قيام الليل لا ينصرف إلا بالوتر ولو كان الأئمة عشرة
فالذي يصلي مع الإمام بعض الصلاة ولا يبقى معه حتى يوتر لا ينطبق عليه الحديث ..
فالحديث ينطبق على من قام مع أئمة التراويح من بداية صلاتهم حتى الوتر ..
ومعلوم أن الناس لو صلوا إحدى عشرة ركعة وأمهم شخص بأربع ركعات، والباقي بإمامة رجل آخر أن الحديث لا ينطبق إلا على من صلى جميع الركعات الإحدى عشرة مع كونهما إمامين
لأن المراد بـ(إمامه) في الحديث أي الذي يصلي به تلك الصلاة ولو كانوا جماعة كما هو ظاهر
فليس المراد بانصراف الإمام سلامه من ركعتين ولا الانتقال من إمام لآخر بل الانتهاء من صلاة الإمام تكون مع نهاية الوتر فبهذا يتم قيام الليل لقوله صلى الله عليه وسلم: ((اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا)) .
وبعض الناس يفهم من قوله : ((إمامه حتى ينصرف)) انصراف أحد الأئمة في التراويح!! وهذا فهم عجيب إذ يلزم منه أن التراويح إذا صلاها أئمة فصلى أحدهم ركعتين ثم قام إمام مكانه أن يكون من صلى تلك الركعتين كتب له قيام ليلة وهذا جهل عريض ..
ثالثاً: لو أن جماعة المسجداتفقوا على صلاة بعض التراويح أول الليل (بعد صلاة العشاء) ثم يعودون آخر الليل أو نصف الليل ويكملون بقية التراويح ثم يوترون لكان فعلهم صحيحاً، والقول بالمنع من هذه الصورة يفضي إلى القول بوجوب الموالاة بين كل ركعتين من ركعات التراويح ولا أعلم أحد قال بذلك، بل لا أظن القول بوجوب الموالاة إلا من الإحداث في الدين ..
رابعاً: اتفق السلف على أن المسلم إذا صلى أول الليل ثم نام ثم استيقظ قبل الفجر فصلى ثم أوتر أن فصله هذا صحيح، وأنه ليس محدثاً ولا بدعة، سواء كان في رمضان أو غير رمضان ..
فتقسيم صلاة الليل لا أعلم أحداً أنكره ..
وإنما جاء الإشكال في كون صلاة التراويح تؤدى جماعة فصار لها خصوصية، ولكن هذه الخصوصية لا تمنع أن يتفق جماعة المسجد على تقسيم الصلاة إلى نصفين ولا يظهر فيه أي مخالفة بل عموم الأدلة في يسر الدين وكون صلاة الليل من نوافل الطاعات والأمر فيها مبني على السعة، وأن الاجتهاد في العشر الأخيرة من رمضان مطلوب مما يؤيد جواز ذلك وعدم التضييق والتشديد فيه..
وقد يجيء الإشكال من ناحية أن هذا التقسيم يشق على بعض الناس وخاصة الذين لا يريدون مزيد صلاة أو مزيد جهد في الليال العشرة الأخيرة مع محبتهم لصلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف فتتولد المشقة من هذه الجهة ..
والأمر فيه سعة والحمد لله، ونحن نرى حرص الناس في الحرمين الشريفين على أداء صلاة التراويح والقيام بوتر واحد آخر الليل، ولكن في مساجد القرى والمدن قد لا يكون هذا النشاط فلو عرفت بعض المساجد بهذا التقسيم فيأتيها من يريد مزيد العبادة والاجتهاد مع الإبقاء على الحال الذي في أول رمضان في جميع الشهر في بقية المساجد لكان حسناً ليتوافق مع رغبات الجميع، ويحصل اليسر والاجتهاد في وقت واحد
والله أعلم
ذكر الأخ عمر الموصلي وفقه الله هذا الأثر للفائدة:
عن قيس بن طَلْقٍ قال:زارنا طَلْقُ بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدَّم رجلاً، فقال: أوتر بأصحابك؛ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:" لا وترانِ في ليلة ".رواه ابو داود وصححه شيخنا الألباني رحمه الله.
أقول: فهذا الصحابي الجليل صلى التراويح كاملة مع الوتر ثم أم بقومه صلاة التهجد كاملة حتى وصل إلى الوتر فلم يوتر لأنه سبق أن أوتر وقدم غيره ليصلي الوتر..
فانظروا إلى هذا الصحابي الجليل لم يشدد في هذا الأمر، ولم ينكر عليه أحد في صلاته مرتين، واحتمال زيادته على إحدى عشرة ركعة أمر وارد، فهذا هو فقه السلف الذي نريده وهو التيسير على الناس فيما تدل النصوص على مشروعيته وعدم التشديد عليهم وإعطاء كل ذي حق حقه، فالنشطاء لهم حق، والضعفاء لهم حق ..
والله الموفق
|