منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > منبر التراجم والتعريف بالشخصيات المشهورة

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-05-2013, 11:54 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي نبذة عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بقلم الشيخ عبد الله بن عقيل -رحمه الله-

نبذة عن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
بقلم الشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل العقيل حفظه الله
نُشر ضمن كتاب (مجموع فيه من آثار سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل في الذكريات والتاريخ والتراجم)
نُشر بإذن خاص من مؤلف المجموع

بسم الله الرحمن الرحيم

طلب مني فضيلة الشيخ محمد زياد بن عمر التكلة كلمة عما أعرفه عن شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، فأجبتُه بما يلي:
شيخنا العالم العلامة عبد العزيز بن باز لا يحتاج إلى تعريف بل هو يُسأل عن الناس، ولا يُسأل الناس عنه، ولكن تجاوباً مع الشيخ السائل أقول حسب معرفتي به:
هو أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز.

وُلد رحمه الله في الرياض أواخر سنة 1330، ولما بلغ سن التمييز دخل الكتاب وتعلم مبادئ الدروس، وبدأ بحفظ القرآن، كان بصيراً في أول الدراسة، ثم أصابه مرض غي عينيه عام 1346، فضعف بصره بالتدريج حتى ذهب بصره بالكليّة عام 1350، ولكن عوّضه الله بنور البصيرة، كما يُروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول بعد ما عمي بصره في آخر عمره:
إن يأخذ اللهُ من عينيَّ نورَهما فإن قلبي مضيءٌ ما به ضررُ
أرى بقلبيَ دنيايَ وآخرتي والقلبُ يُدركُ ما لا يُدركُ البصرُ

تلقى العلم على كبار العلماء في بلده، ومنهم: الشيخ حمد بن فارس، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وشيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وهو عمدته.

وبَرَع وعُرف بالفضل والعلم والتقى مبكراً.

أول ما لقيتُه في شعبان سنة 1364 في الرياض، حين مررتُ بها راجعاً من جيزان بطريقي إلى وطني عنيزة، ودعانا رئيس الهيئات الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، ومعنا الشيخ ابن باز وجماعة، فلما اجتمعنا عند الشيخ عمر عَرَضَ علينا برقية وردته من أخيه رئيس القضاة بمكة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ يُعَمِّدُه بأن يُجري اختبار المدرسة التابعة للمعارف التي بالرياض، وليس في الرياض تلك السنة إلا مدرسة واحدة يُديرها أحمد عبد المالك الطرابلسي، فقال الشيخ عمر للشيخ ابن باز: من ترى نبعث لهم؟ فقال الشيخ ابن باز: هذا الشيخ عبد الله بن عقيل حاضر.

فأخذ الشيخ عمر بترشيح الشيخ ابن باز وعمّدني بذلك، ثم أعطاني سماحةُ الشيخ ابن باز بعض التعليمات والنصائح، وقد كان عندي إلمامٌ بهذا حين كنت قاضياً بأبي عريش، وكنا نختبر مدارسهم، ثم أجرينا اختبار الطلاب لتلك المدرسة سنة 1364، ومن ضمن التلاميذ الشيخ عبد الله بن غديان، وضحيان العبد العزيز، وعبد العزيز الحزيمي، وغيرهم.

ثم جاورتُه في سنة 1365 حينما عُيِّنتُ قاضياً في «الخَرْج»، وكان يُسمَّى «السَّيْح» إذ ذاك، وسماحته إذ ذاك قاضٍ في «الدِّلَم» قصبة الخرج، وجميع قرى الخرج ترجع إلى سماحته، والمسافة بيننا قريبة، نحو 20 كيلاً، ولما قدمتُ الخرج قمت بزيارته، فأكرمني هو وكاتباه الشيخ راشد بن خنين، والشيخ صالح بن حسين جزاهم الله عني خير الجزاء، فقد كانوا لنا نعم الجيران، ورأينا في بيته عدداً من المستفتين عن الطلاق وغيره، ولم يكن في البلد إذ ذاك فنادق ولا دور ضيافة، فكان يُضيفهم ويُفتيهم.

وكان قد انفرد عن علماء بلده أو عن أكثرهم بأنه يرى الطلاق الثلاث واحدة، ويرى عدم وقوعه في الحيض أو في طُهر وطئها فيه، ويرى عدم وقوع طلاق السكران، ويرى الحلف بالطلاق يمينا مكفرة، وغير ذلك، فلهذا كثر المستفتون عن هذه المشاكل، ورحلوا إليه من أجلها، وكان رحمه الله يُفتيهم بالأسهل؛ موافقاً في اجتهاده شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من محققي العلماء، وأنقذ الله بفتواه أسراً كثيرة كادت أن تتهدم بيوتهم ويتشرد أطفالهم وتأيم نساؤهم، فجزاه الله عن الجميع أفضل الجزاء، وطالما نهاه شيخه محمد بن إبراهيم، بل نهاه الملك عبد العزيز عن هذه الفتوى فلم ينته، يرى أن هذا هو القول الصحيح، وأنه من العلم الذي لا يحل له كتمانه.

ولما استقر بي القرار بالخرج، وكان أصل تعييني قاضياً لقرية السَّيْح فقط، فلم أشعر إلا وقد جاءني خطاب من الملك عبد العزيز بتكليفي بقضاء ثلاث قرى من القرى التابعة لعمل الشيخ ابن باز، وهي: «اليمامة، والسلمية، والهياثم» وهذا نصُّه:
من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى جناب المكرم الشيخ عبد الله بن عقيل سلمه الله تعالى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد ذلك:
من طرف أهل اليمامة وأهل السلمية وأهل الهياثم فقد عرّفناهم أن قضاياهم عندكم، لا يروحون للشيخ ابن باز، فأنتم من ورد عليكم منهم: إن شاء الله تخلّصون دعواهم، وتحرصون في ذلك، هذا ما لزم بيانه، والسلام. الختم 13/10/1365[1].

ثم ورد إليّ خطاب من الشيخ عبد العزيز بن باز برقم 1034 في 23/10/1365 يخبرني بذلك، ويدعو لي بالعون والمساعدة، ويحثني على الصبر والاحتساب، ويبلغني أنه بعد هذا لن ينظر في أي شيء من قضاياهم، وأنه لو جاءه أحد منهم فسيرده إلينا[2].

فلم يسعني إلا الامتثال.

استقر الشيخ ابن باز في الخرج قرابة أربع عشرة سنة، فكان هو القاضي والمفتي والإمام والخطيب، وأقبل الناس إليه كأنه أبوهم، وهو أخلص لهم كأنهم أبناؤه، يستشيرونه ويستشفعون به ويرجعون إليه في جميع شؤونهم الدينية، وبقي إلى نهاية 1371.

ثم اختير للتدريس في الرياض في المعاهد العلمية وكلية الشريعة ومعهد القضاء الأعلى، فنجح في ذلك كله، وكانت لي معه اجتماعات ولقاءات كثيرة لما تعينتُ في دار الإفتاء سنة 1375، فكنا نجتمع معه في مجالس العلماء ودعواتهم، مثل شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الله بن صالح الخليفي، والشيخ محمد البواردي، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، وغيرهم، فكانت الدعوات اجتماعية فيها درس علمي يُقرأ بأي كتاب يتهيّأ، ويعلّق سماحته عليه، وكانت سائر مجالسه معمورة بالخير، بل كلما حصلت مناسبة لا يفوتها حتى يلقي فيها كلمة نصح وإرشاد، وأتذكر منها مرة دعاه فيها الشايقي –خادم الملك عبد العزيز وكاتبه الخاص- في مزرعته بالخرج، ودعانا معه في جملة من الإخوان، وذلك يوم الجمعة الموافق 17 ذي القعدة سنة 1379، فصلى بنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في مزرعة الشايقي بالخرج صلاة العصر، وقصر الصلاة فصلاها ركعتين، وذكَّر بنا على عادته، وصلى معنا جميع الذين قدموا من الرياض.

وفي 1379 صدر الأمر باستعراض مقررات ومناهج وأنظمة التعليم في وزارة المعارف، وقراءتها قراءة دقيقة، ثم كتابة تقرير بالملاحظات عليها مادةً مادة، فكتب لي سماحة شيخنا المفتي محمد بن إبراهيم رحمه الله خطابه رقم 570 وتاريخ 12/3/1379 بأن أشترك مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم لهذه المهمة، وأن يكون الاجتماع في بيت الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم بعد صلاة العشاء في كل ليلة، وقد تم الاجتماع، وأجري المطلوب، ورُفع به تقرير موقَّعٌ من الجميع إلى سماحة المفتي، رحم الله الجميع[3].

ولما أُنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة اختير سماحته نائباً للرئيس الشيخ محمد بن إبراهيم، فانتقل إليها سنة 1381، واستمر فيها نائباً للرئيس حتى وفاة الرئيس، وبعد وفاته في رمضان 1389، عُيِّن سماحته رئيساً للجامعة الإسلامية، هناك اتَّسع أفقه، وتعددت أفضاله، وتعرف على جملة صالحة من العلماء في داخل المملكة وخارجها، وتعرفوا عليه، ونفع الله به في الجامعة الإسلامية، حتى تخرّج منها ما آلاف الطلاب،وكانوا بعد تحرجهم يتفرقون دعاة في بلدانهم في كثير من الدول والجمهوريات، خصوصاً في دول أفريقيا.

وكنت أتردد عليه لما أزور المدينة لغرض تعيين حدود الحرم، وأصحبه إلى الحرم النبوي، ومشيتُ معه مرة إلى الحرم النبوي ماسكاً يده، فلما دخلنا المسجد كبّرنا لتحية المسجد، وصلينا ركعة واحدة، فأُقيمت صلاة العصر، فرمقتُ ماذا سيفعل، فاكتفى بالركعة التي صلى، وجلس للتشهد لئلا يفوته شيء من الفريضة، فصنعتُ مثل ما صنع.

وكان يدعونا إلى بيته بحضور مجالس العلم، ومنهم الشيخ محمد بن ناصر العبودي وغيره من الإخوان، كما كنت ألتقي به عندما يأتي الرياض، وأتشرف بدعوته إلى بيتي هو ومن يصحبه، فيُكرمني بإجابة الدعوة، ويُلقي في مجلسنا كلمة وعظ وتذكير في كل مناسبة.

ولما عُيِّن مفتياً عامًّا ورئيساً للإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1395، واستقر في الرياض، كان يدعونا إلى بيته للمشاركة في بعض الأمور المهمة، وزاملتُه في مجلس الأوقاف الأعلى فترة حينما كان رئيس المجلس أمين كتبي، ومن أعضائه الشيخ عبد الله بن منيع، والسيد حبيب محمود أحمد، وفي لجنة إعانة المتزوجين منذ تأسيسها سنة 1401 حتى وفاته، ومن أعضائها الشيخ عبد الله بن غديّان، والشيخ راشد بن خنين، والشيخ عبد الله بن فنتوخ، والشيخ عبد اللطيف بن شديد.

استفدت كثيراً من علومه، وأخلاقه، وتواضعه، ولطفه مع الكبير والصغير، وصبره وتحمّله، له أخلاقٌ أرقُّ من النسيم، وأعذب من السلسبيل، لا يعاتب على الهفوة، ولا يؤاخذ بالجفوة، يتودد ويتحبب إلى القريب والبعيد، يقابل بالبشاشة، ويعاشر بالحسنى، ويجالس بالمنادمة، ويجاذب أطراف أحاديث الأنس والود، ويعطف على الفقير والصغير، ويبذل طاقاته ووسعه بالخير، ويساعد بماله وجاهه، وينشر علمه ونصحه، ويُدلي برأيه ومشورته، بلسان صادق، وقلب خالص، وسر مكتوم، ومهما أردتُ أن أعدد فضائله ومحاسنه التي يتحلى بها فإني مقصّر وقلمي عاجز، ولا يُدرك هذا إلا من عاشره وجالسه، هذا مع زهده وورعه، لا ينهر أحداً، ولا يعبس في وجه أحد، وقلَّ ما يصدر منه قاصده إلا وقضى حاجته، أو أشار عليه بمن يقضيها.

وكنت مرة جالساً عنده في وقت متأخر، وجاءه رجل يطلب شفاعة لأحد الأثرياء، وذكر حاجته، فرَقَّ له، وقال: تأتي غداً. ثم التفت لي، فقال: أنا لا أعرف هذا الرجل ولا صاحبه، ولكن كذا وكذا. ثم قال يحكي: أن رجلا محتسباً لا يرد من طلب منه شفاعة، فجاءه أحدهم وطلب منه شفاعة إلى أحد الملوك لإطلاق ولده من السجن، فكتب هذا المحتسب إلى الملك، وأورد في كتابه الأحاديث والآثار الواردة في العفو والصفح، فلما قرأ الملك كتابه قال: من هو هذا الذي لا نعرفه وهو من بلادنا وكتب يشفع لهذا الرجل السجين؟ فقيل له: هذا فلان محتسب لا يرد طلب أحد. فقال: والله لا يكون أرحم منا به، اقبلوا شفاعته، وأطلقوا ولده، وأعطوه راحلة ونفقة توصله إلى أهله.

أعطاه الله علماً لدنّيَّا لا يتوقف على مدى ما تعلمه من مشايخه - وإن كان طلب العلم على علماء محققين من أبرزهم شيخنا محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة - ونوّر الله بصيرته عوضاً عما فقد من بصره، فله اليد الطولى في الحديث، والعقيدة السلفية، وعلوم الحديث، والفقه، وغيرها، أخذ من كلّ فن منها بنصيب وافر.

استحق لقب شيخ الإسلام، وأطلقه الناس عليه، وكان محل التقديم والإجلال من ولاة الأمر ومن كبار المشايخ الذين أدركناهم، فكان شيخنا العلامة عبد الرحمن السعدي كثير الثناء عليه، ويأمرني أن أبلّغه سلامه في مكاتباته لي، وقال في بعض المناسبات: إن الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد الله القرعاوي: لا يوجد لهم مثيل في تصديهم لنفع الناس ودعوتهم وإرشادهم.[4]

ساعد الدعاة في الداخل والخارج، بل قلَّ أن يُطلب منه دعم لمشروع خيري أو مركز إسلامي إلا دعمهم وشجّعهم، وأعانهم بالمال والجاه والتوجيه والنُّصح والدعاء الصالح، وأعرف أخباراً من مساعيه في مثل هذا.

فاق زملاءه في حُسن الخلق والكرم، قلَّ أن يأكل طعامه وحده إلا ومعه من كان حاضراً في المجلس، قلُّوا أو كثروا، من أي طبقة كانوا، كلما جاء مستفت وقت غداء أو عشاء قال له: تفضل معنا.

أعطاه الله جَلَداً على التعليم، فلا يمل مهما طال المجلس، ولم أر مثله في بذله نفسه للناس، وفي سعة الصدر، ذو غيرة على محارم الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، يؤلف الردود على كل من يُظهر أي شيء مخالف للشرع، قوي في دين الله، ليّن متواضع لعباد الله، خصوصاً صغار الطلبة وجفاة المستفتين، صبورٌ على ما يتعرض له مثله من جهلة الناس وعوامهم، من نوادر علماء عصرنا في هذا العصر علماً وسلوكاً وحرصاً على الازدياد من مسائل العلم، خصوصاً الحوادث المستجدة.

بلغت فتاواه أكثر من ثلاثين مجلداً، مطبوعة متداولة مبذولة لطلبة العلم مجاناً، وأما الأشرطة (الكاسيت) فيمكن أن تبلغ الآلاف كما حدثني سكرتيره بذلك، انتشرت فتاواه في الإذاعة وفي نور على الدرب، واستفاد منها من لا يحصيهم إلا الله في شتى البلدان، ولديّ مجموعة من رسائله ومكاتباته الخاصة، وسبق ذكر رسالته إليّ وهو في الخرج بشأن ضم بعض قرى الخرج.

ما يُعلم أنه قابل أحداً على سوء أدبه إلا بلطف وأدب، يرد على أهل الباطل ويوضّح لهم أخطاءهم برفق ولين، وله في هذا المجال العدد الكثير من الردود شفهياً وخطياً وهاتفياً.

وأخبرني سكرتيره إبراهيم الحصين رحمه الله أنه كثيراً ما إذا تحقق عنده حاجة بعض المناطق إلى داعية؛ ووجد من يقوم بهذه المهمة أمر بتسجيله، فإذا قال: البند لا يتحمّل، أو قالوا: العدد قد استغرق. قال: سجّلوه على حسابي الخاص. أو قال: قيّدوه على حساب البيت. وإن أكثر رواتبه يُصرف للدعاة، حتى إنه في بعض الأشهر يستقرض للشهر القادم.

وذكر لي بعضهم أنه سافر بالقطار من إحدى ولايات أوروبا، فصادف امرأة متدينة، فتكلم معها، وقالت: رحم الله الشيخ ابن باز. فقال لها: من أين عرفت الشيخ ابن باز؟ فقالت: كنت أعمل في مؤسسة كذا وكذا، فأوقفوا راتبي، فاشتكيتُ له، فقال: أَجْروا راتبها من حسابي.

أعطاه الله حافظة وبديهة، فكان يحفظ أسماء الذين يدخلون عليه، فإذا دخلوا وسلموا عليه وعرّفوه بأسمائهم وتكاملوا جلوساً: أعاد عليهم أسماءهم بسؤالهم عن أحوالهم بأسمائهم التي سمعها منهم، فيقول: كيف حالك يا فلان بن فلان؟ وأنت يا فلان بن فلان؟ حتى يأتي على آخرهم.

وبالجملة فإن سيرته طيبة عطرة، وذكرياتنا معه كثيرة، لا تفي بها هذه الكلمات، فقدناه أحوج ما كنا إليه، وترك فراغاً لا يسدّه غيره، نسأل الله أن يُخلفه على المسلمين بخير، وأن يتغمده برحمته، فقد اجتمعنا في الله وتفرقنا عليه، واستمر الوداد والإخاء بيننا من سنة 1364 إلى وفاته سنة 1420، وترك بوفاته فراغاً عظيماً في كل أبواب الخير، وما زالت حسناته جارية عبر علمه المدوَّن، وعبر تلاميذه النجباء الذين يُعتبرون من أحرص الدعاة إلى الله، وعبر نتائج أعماله في الخير في جميع جهات العالم، وقلَّ أن يوجد عالم له محبة وقبول في الناس مثله، سواء في الداخل أو في الخارج، فرحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا به في دار كرامته، وأخلف على المسلمين من أمثاله.

توفي في الطائف فجر الخميس 27 محرم 1420، وصُلِّي عليه في الحرم الشريف بمكة المكرمة، وحضر جنازته والصلاة عليه ودفنه جمع كثير من الناس، قدموا من الرياض والقصيم وغيرهما، ودُفن في مقبرة العدل، لم يُدفن في مقبرة الحُجون.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده، واغفر لنا وله ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجمعنا بهم ووالدينا في عليين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتبه الفقير إلى الله: عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، حامداً لله، مصليًّا مسلّماً على عبده ورسوله نبيّنا محمد وآله وصحبه أجمعين، تحريراً في 22 ذي الحجة 1427.

ملحق الوثائق


صورة رقم (1)


صورة رقم (2)


صورة رقم (3)

[1] انظر ملحق الوثائق، الصورة رقم (1).
[2] وهذا نص خطابه: "بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم المحب الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل أصلح الله لي وله القول والعمل آمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد سبق لكم منا كتاب بتاريخ [فراغ بالأصل] نرجو أنه وصل، وقد سرَّني ما ذكرتَ في كتابك المشار إليه من ترتيب مجالس القراءة، أعانك الله ووفقك، ورزقني وإياك وجميع إخواننا الفقه في دينه، والقيام بحقه، وحسن الدعوة إليه، آمين.
وقد نسيت إجابتك على هذه البشارة، فلذا أجبتُك بهذه الكلمة كراهةً لترك الجواب عن مثل هذا المهم، أصلح الله لي ولك النية والعمل، آمين.
ثم يا أخي قد جاءنا كتاب من الإمام يذكر فيه أن قضاء اليمامة والسلمية والهياثم قد حُوِّل إلى جنابكم، فحمدت الله على ذلك، ودعوت لكم بالتوفيق والإعانة، فاتق الله يا أخي، واصبر واحتسب الأجر، واستعن بالله على ما حُمِّلْتَ، وأكثر من التضرع إليه أن يعينك ويسدد نظرك، وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين، وعليك بالتثبّت ومطالعة كل ما يُشكل، وإذا علم الله من العبد النصح والصدق في اللجاء إليه أعانه ويسَّر أمره، وعلى كلٍّ منا النصيحة لأخيه، والدعاء له بظهر الغيب، يسَّر الله ذلك، وأعاننا جميعا على ما يرضيه وينفع عباده آمين.
وليعلم المحب أنه لا يمكنني النظر في دعوى أي أحد من أهل البلدان المذكورة بعد الصرف المذكور، فلا تكلّف أحدا منهم بالتوجه إليّ، فإني سأرده إليك بارك الله فيك.
هذا ما لزم، مع إبلاغ السلام الأحباب كافة، كما منا الأخوان والعيال والكاتبان وكافة المحبين الجميع بخير ويُسَلِّمون، والسلام.
23/10/1365 (الختم)".
انظر ملحق الوثائق، الصورة رقم (2).
[3] وهذا نص خطاب شيخنا محمد بن إبراهيم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 570 التاريخ 12/3/1379
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنرغب حضوركم لدى فضيلة الأخ الشيخ عبد اللطيف في بيته لاشتراككم أنتم والشيخ عبد العزيز بن باز مع فضيلته في استعراض مقررات ومناهج وأنظمة التعليم في وزارة المعارف، وقراءتها قراءة دقيقة، ثم إخراج تقرير بملاحظاتكم عليها مادةً مادة، ويكون الاجتماع للغرض المشار إليه ببيت الأخ الشيخ عبد اللطيف بعد صلاة العشاء من كل ليلة حتى تخلصوا من مهمتكم، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
انظر ملحق الوثائق، الصورة رقم (3).
[4] قال محمد زياد: يقصد شيخنا ما قاله العلامة ابن سعدي في كتابه مجموع الفوائد (ص173)، حيث قال: «ثم اعلم أن في هذا القُطر المسؤول عنه [أي: نَجْد] أربعة من أهل العلم، الذين برزوا على غيرهم، وتميّزوا بعِلْمهم وتعليمهم ودعايتهم ونفعهم، وحصل بهم وعلى أيديهم خير كثير ونفع كبير، فميِّزْهم يا أخي بمحبتك، واعرف قدرهم، وأكْثِرْ من الدعاء لهم والثناء عليهم ونشر محاسنهم، وتقرَّب إلى الله بذلك، وهؤلاء تعرفهم ويعرفهم غيرك، وذكرُ صفاتهم يُغني عن ذكر أسمائهم، وضم إليهم خامساً جعل الله فيه بركة، فهو وإن كان دونهم في العلم فقد حصل على يديه من النفع التعليمي والديني ما لم يحصل على يد غيره، وقد انحاز إلى بعض أقطار المملكة، فهدى الله به ذلك القطر وانتقل إلى مذهب السلف، وكثر فيهم أهل العلم، فالعلم إذا جعل الله فيه بركة ترتب عليه خير كثير، وهذا الخامس من أكبر الدعاة إلى الله وإلى دينه، فتجب مؤازرته ومناصرته والثناء عليه والذب عنه، كما يجب لهؤلاء الأربعة ولغيرهم من علماء المسلمين».
قلت: حصلت مناقشة في مجلس شيخنا حفظه الله في تحديد هؤلاء الأربعة، إذ أشكل ما ورد آخر المطبوع من كتاب الفوائد أنه تم سنة 1343، وفي ذلك الوقت كان الشيخان ابن باز وابن حميد في أوائل الطلب، ولكن ظهر بالتأمل والبحث في ذلك المجلس وبعده أن تاريخ كتابة الكلام الآنف متأخر يقينا، فلا نزاع في أن الخامس هو الشيخ عبد الله القرعاوي، وما ذهب إلى جنوب المملكة إلا بعد هذا التاريخ بمدة طويلة، فالظاهر أن التاريخ المثبت هو للفائدة الأخيرة فيه وحسب، وهي جواب عن سؤال، ونص المحقق في مقدمته (هامش ص5) أنه سؤال وجده بآخر الكتاب فألحقه به، وبذلك يزول إشكال التاريخ، وأكّد شيخنا (من قبل ومن بعد) أن المستقر والثابت عنده من قديم أن الثلاثة هم المشايخ: محمد بن إبراهيم، وابن باز، وابن حميد، وشيخنا من أعرف الناس بكلام شيخه ابن سعدي ومقاصده، ولكن يبقي معرفة الرابع: فيرى شيخنا أن المقصود به هو الشيخ ابن سعدي ذاته، لكنه ما أحب أن يسمي نفسه تواضعاً، فكأنه لذلك أبهم الكلّ، وردّ إلى ما يعرفه السائل والناس، والسائل ما سأل الشيخ إلا لمعرفته بفضله ومكانته الرفيعة، وهذا كلمة إجماع عند الناس، وما كان رحمه الله دون من أشار، بل هو شيخ خامسهم، رحمهم الله جميعاً.
ذكرتُ مختصر هذا البحث والتحقيق -المستفاد من شيخنا حفظه الله- لأهميته، ولتعلقه المباشر بهذه الترجمة، فضلا عن أهميته في ترجمة بقية الأعلام المذكورين، والله أعلم.

منقول.
__________________
ذكر ابن عبد الهادي في ذيله على ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة في ص 52: قال أخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكرَ لنا مرة الشيخُ [ابن رجب] مسألة فأطنب فيها ، فعجبتُ من ذلك ، ومن إتقانه لها ، فوقعتْ بعد ذلك في محضر من أرباب المذاهب ، وغيرهم ؛ فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة ! فلما قام قلتُ له: أليس قد تكلمتَ فيها بذلك الكلام ؟! قال : إنما أتكلمُ بما أرجو ثوابه ، وقد خفتُ من الكلام في هذا المجلس .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:42 AM.


powered by vbulletin