خطبة من الفواكه الشهية للخطب المنبرية للعلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدى
فى تذكير الناس بنعم الدين
الحمد لله الذي منَّ بظاهر النعم وباطنها ، وفروعها وأصولها ، فأعطى النفوس من سوابغ نعمائه ، غاية منيتها ومنتهى سولها ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي تفرد بإيصال الخيرات والمسار ، ودفع العقوبات والمكروهات والمضار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار ، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه الأخيار ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، بالأقوال والأفعال والإقرار ، وسلم تسليما كثيرا.
(1/13)
أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، واشكروا مولاكم على ما خصكم به من النعم والآلاء ، واعلموا أنكم لا تقدرون على العد لها والإحصاء ، فاشتغلوا بالتفكر بأصول النعم وقواعدها ، وما ترتب على ذلك من ثمراتها ونتائجها وفوائدها ، فإنكم إذا ألقيتم نظرة على حالة الأمم وانحرافهم عن دين الإسلام القويم امتلأت قلوبكم من شكر الرب الرحيم ، الذي منَّ عليكم بدين الإسلام ، وبالسنة والصراط المستقيم ، ثم إذا نظرتم في المنتسبين إلى دين الإسلام ، وتفرقها على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا أهل السنة التي منَّ الله عليكم بها ، فيالها أكبر منحة وأسبغ منة . ونقى لكم دينكم من البدع والإشراك ، وسلمكم من وسائل الشرك وطرق الغي والهلاك ، بوسائل وأسباب يسرها الرب الكريم ، حيث أقام لكم كل إمام قد استقام على الصراط المستقيم . فكان إمامكم الإمام أحمد بن حنبل ، أكبر إمام نصر السنة والكتاب ، وبه وبأصحابه وأتباعه ونظرائه يعرف السني من البدعي من سائر الطوائف والأحزاب ، حتى أقام الله شيخ الإسلام والمسلمين ، أحمد بن تيمية تقي الدين ، فجاهد الكفار والمنافقين ، وسائر الملحدين ، وفرق المبتدعين . وأظهر من صريح السنة وأعلامها
(1/14)
وعلومها ما عجزت عنه مدارك الأولين والآخرين ، وسلك طريقته تلامذته وأتباعه من فحول العلماء المحققين ، حتى جاءت النوبة لشيخ الجزيرة ، وإمامها الأواب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، فقام بهذا الأمر أتم القيام ولم يزل في جهاد مع الأعداء وجلاد . حتى نشر التوحيد الخالص والسنة المحضة بين العباد . وقمع الشرك ووسائله ، والبدع والفساد ، فخلصت الجزيرة ولله الحمد ، وانصبغت بالسنة والتوحيد ، وسلمت بمساعيه المشكورة ومساعي تلاميذه وأحفاده وأنصاره من الشرك والتنديد ، فلم تجد فيها - ولله الحمد - قبة على قبر ولا مشهدا ، ولا توسلا بالمخلوقين ، ولا مولدا ولا معبدا . أو ليس من أكبر منن الله عليكم وأجل إحسانه الواصل إليكم أن قيض لكم هؤلاء السادة الغرر ؟! الذين حفظ الله بهم الدين الصحيح ، وتحقق وانتشر حتى نشأتم أنتم وآباؤكم وأولادكم ، تشربون من معين الشريعة أصفى شراب . وتغترفون من زلالها أحسن اغتراف ، لم تدركوا هذا بوسيلة منكم ، ولا قوة علم ولا ذكاء ، وإنما ذلك فضل الله الذي ليس له غاية ولا انتهاء ، بينما ترون الأقطار الأخرى محشوة بالشرك والكفر والإلحاد الصراح ، مملوءة من البدع وبناء المشاهد على القبور .
(1/15)
والأخلاق القباح ، فاحمدوا ربكم على هذه النعم ، التي لا تستطيعون لها عدا ولا شكورا ، واستغفروه من تقصيركم ، وتوبوا إليه إنه كان عفوا قديرا ، وسلوه أن يحفظ عليكم أديانكم ، وأن يثبتكم على الحق إلى الممات ، وأن يحييكم في عافية مما أحاط بكم من الشرور والأمور المهلكات ، إنه قريب مجيب الدعوات . فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
__________________
راجية الجنة 044
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: إن أحببت أن يديم الله لك ما تحبُّ فدم له على ما يحبُّ
|