شبهاتٌ يُجيب عنها الإمام الإبراهيمي-رحمه الله-
مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ
بسم الله الرحمن الرحيم
يدَّعي الصوفية انتسابهم لرجال التصوف الأولين أمثال الجُنَيْد وغيره ، ومنهم من ينعتُهم بــ :"الصوفية السنِّيِّين" ! ، ويجعلون انتسابهم إليهم دليلاً على صحة مذهبهم ، وشرعية "تصوفهم" ! ، يُجيبُ الإمام عن هذا فيقول : " ونحن نعلمُ من طريق التاريخ لا من طريق الشهرة العامة أنَّ بعض أصحاب هذه الأسماء الدائرة في عالم التصوف والطرق كانوا على استقامة شرعية وعملٍ بالسُّنَّة ووقوفٍ عند حدود الله ، فهم صالحون بالمعنى الشرعي ، ولكنَّ الصلاح لم يأتهم من التصوف أو الطرق وإنما هو نتيجة التديُّن ، وفي مثل هؤلاء الصالحين الشرعيين إنما نختلف في الأسماء ، فنحن نسميهم صالحي المؤمنين وهم يسمونهم الصوفية ...." (1)
وقريبًا من جواب الإمام ، يجيبُ الشَّيخ مبارك الميلي أحدَ المتصوّفين بقوله : " إن كنت تعني أن في الصوفية أهل العلم ودين يستحقون الثناء فهذا لا أنازعك فيه ، وقد أثبتُّ منهم سنّيّين وذكرت منهم الجُنَيْد وشيئًا من كلامه ، ووصْفُ الرجل بالسنَّة أبلغُ الثّناء عندي ، فإن وافقتني فما هذه الجعجعة ؟ وإن رأيتَ أنّ لفظة "صوفي" أشرف من كلمة "سنِّـي" فلكم دينكم ولي دين " (2)
ثم يَرجع الإمام إلى هذه النِّحْلَة ، ويصرح بعدم شرعيتها ، وأنها دخيلة ، فيقول : " ثمَّ ما هذا التصوف الَّذي لا عهدَ للإسلام الفطري النَّقيِّ به ؟ إنَّنَا لا نُقِرُّهُ مظهرًا من مظاهر الدين أو مرتبةً عليا من مراتبه ، ولا نعترف من أسماء هذه المراتب إلاَّ بما في القاموس الديني : النُّبوَّة والصدِّيقيَّة والصحبة والاتباع ثم التقوى الَّتي يتفاضل بها المؤمنون ، ثم الولاية الَّتي هي أثرُ التقوى ، وإن كنَّا نُقِرُّهُ فلسفةً روحانية جاءتنا من غير طريق الدين ونُرغمها على الخضوع للتحليل الديني " (3) ، ولقد كشف التحليل الدينيُّ السَّلفِيُّ عن سوء هذه الدخيلة
ثم ينتقد الإمام هذه التسمية ، ولا يعترف بها من أصلها ، بعد أن انتقد المسمَّى ، وكشف عن سَوْأَتِهِ ، يقول : " وهل ضاقت بنا الألفاظ الدينية ذات المفهوم الواضح والدقَّة العجيبة في تحديد المعاني حتى نستعير من جرامقة اليونان ، أو جرامقة الفُرس هذه اللفظة المبهمة الغامضة الَّتي يتَّسع معناها لكلِّ خير ولكلِّ شر ؟ " (4)
ثم يشدّد في إنكار هذا المصطلح الدخيل ينبوعِ الفتن ، والَّذي جلب شرًّا عظيمًا على الأمة ، حينما تساهلت في أمره ، ولم تَسْتَبِنْ خطره ، قال : " ويمينًا ، لو كان للمسلمين يوم اتسعت الفتوحات ، وتكوَّنت المعامل الفكرية ببغداد ديوانُ تفتيش في العواصم ودروب الروم ومنافذ العراق العجمي ، لكانت هذه الكلمة من المواد الأولية المحرَّمة الدخول ... " (5)
الحواشي :
(1) : "آثار الإبراهيمي" (1/174-175)
(2) : (عود إلى الحديث عن التصوف (2) للعلامة مؤرخ الجزائر مبارك الميلي ، "الشهاب" ، المجلد (9) ، الجزء الأول ، غرة رمضان 1351هــ ، جانفي 1933م (ص:33)
(3) : "آثار الإبراهيمي" (1/175)
(4) : المصدر نفسُهُ (1/175)
(5) : المصدر نفسُهُ (1/175)