من الذي ينتفع بالذكـرى؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الذي ينتفع بالذكرى؟!
أجاب على هذا السؤال العلامة ابن القيم -رحمه الله- "قال الله -عزوجل-(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق37.
ذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ومحل قابل وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه ،تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدلَه على المراد : فقوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى) إشارة إلى ماتقدم من أول السورة إلى ههنا وهذا هو المؤثر.
وقوله :(لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ )فهذا هو المحل القابل ، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله ، كما قال تعالى :(إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ. لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا )يس69-70 أي:حيَ القلب.
وقوله :(أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ )أي :وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى مايقال له ،وهذا شرط التأثر بالكلام.
وقوله :(وَهُوَ شَهِيدٌ) أي :شاهد القلب حاضر غير غائب."اهـ الفوائد 122
ولشيخ الإسلام -رحمه الله- كلام نفيس أنقل شيئا منه من الفتاوىالمجلد السادس عشر/فصل في تفسير قوله تعالى (فذكر إن نفعت الذكرى):
(أن التعليم والتذكير والإنذار والهدى ونحو ذلك له فاعل، وله قابل. فالمعلم المذكر يُعَلِّم غيره، ثم ذلك الغير قد يتعلم ويتذكر، وقد لا يتعلم ولا يتذكر. فإن تَعلَّم وتذكر فقد تم التعليم والتذكير، وإن لم يتعلم ولم يتذكر فقد وجد أحد طرفيه، وهو الفاعل، دون المحل القابل. فيقال في مثل هذا: عَلَّمّتُه فما تعلم، وَذَكَّرته فما تذكر، وأمرته فما أطاع.لأنه لم يحصل تامًا ولم يحصل مقصوده، فينفي لانتفاء كماله وتمامه،وانتفاء فائدته بالنسبة إلى المخاطب السامع وإن كانت الفائدة حاصلة للمتكلم القائل المخاطب وقد يقال: «ما علمته وما ذكرته»؛ لأنه لم يحصل تامًا ولم يحصل مقصوده، فينفي لانتفاء كماله وتمامه. وانتفاء فائدته بالنسبة إلى المخاطب السامع وإن كانت الفائدة حاصلة للمتكلم القائل المخاطب .فحيث خُصَّ بالتذكير والإنذار ونحوه المؤمنون؛ فهم مخصوصون بالتام النافع الذي سعدوا به. وحيث عمم؛ فالجميع مشتركون في الإنذار الذي قامت به الحجة على الخلق سواء قبلوا أو لم يقبلوا
فحيث خُصَّ بالتذكير والإنذار ونحوه المؤمنون؛ فهم مخصوصون بالتام النافع الذي سعدوا به. وحيث عمم؛ فالجميع مشتركون في الإنذار الذي قامت به الحجة على الخلق سواء قبلوا أو لم يقبلوا.وهذا هو الهدى المذكور في قوله: ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)فالهدى هنا هو البيان والدلالة والإرشاد العام المشترك. وهو كالإنذار العام والتذكير العام. وهنا قد هدى المتقين وغيرهم، كما قال: ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) وأما قوله: ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ )فالمطلوب الهدى الخاص التام الذي يحصل معه الاهتداء، كقوله: ( هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)وقوله:(فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ )...اهـ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: " مَنْ طَلَبَ العِلْمَ خَالِصًا، يَنْفَعُ بِهِ عِبَادَ اللهِ، وَيَنْفَعُ نَفْسَهُ؛ كَانَ الخُمُولُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ التَّطَاوُلِ، فَذَلِكَ الذِي يَزْدَادُ فِي نَفْسِهِ ذُلاًّ، وَفِي العِبَادَة ِاجْتِهَادًا، وَمِنَ اللهِ خَوْفًا، وَإِلَيْهِ اشْتِيَاقًا، وَفِي النَّاسِ تَوَاضُعًا، لاَ يُبَاليِ عَلىَ مَا أَمْسَى وَأَصْبَحَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا" [ شعب الإيمان، للبيهقي: 2/288] رقم القيد: 332
|