الشّيخ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -حفظه الله-:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمد تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله –صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم-.
وبعد:
فأرحّبُ بكم أيّها الإخوة وبالمشايخ الفضلاء في هذا اللّقاء الذي نسأل الله جلّ وعلا أن يجعله مباركًا نافعًا وكما قيل:(لا عطر بعد عروس) أقول كما قيل:(لا عطر بعد عروس) ففي الكلمتين كفاية إن شاء الله وهداية لمن أراد الله له التّوفيق والسّداد.
ولكن أرغبُ والحالة هذه أن أُذكّر بأمرين مهمّين تتمّة لما ذكره المشايخ الفضلاء –وفّقهم الله ووفّق الجميع-:
الأمر الأول -بارك الله فيكم-: أذكّر وقد ذكّرتُ به مرارًا والتّذكير ينفع بإذن الله والذّكرى تنفع المؤمنين وهو أن يتذكر الواحد منكم ومنّا أنّه إنّما قطع هذه المسافات الطّوال ورحل من بلده وترك أهله وأقاربه لينهل من العلم الصّحيح الصّافي وأن يأخذ العلم وأن يتلقّى العلم من أفواه أهله أشياخ السُّنّة فلا يغيب عنكَ أيّها المُحبُّ هذا الهدف الذي خرجتَ من أجله وأقول لك هنيئًا أن سلكت هذا الدّرب وهذا الطّريق أعني: طريق طلب العلم وأزفُّ إليكَ بُشرى قول النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- كما في الصّحيحين:(من يرد به خيرًا يُفقّهه في الدّين) قال الحافظ النووي –رحمه الله- في شرح مُسلمٍ عند هذا الحديث:(فيه فضيلة العلم والحثّ فيه على العلم وفضيلة أهله وسببُه أنّه قائد إلى تقوى الله)، ويقول النّبي –صلّى الله عليه وآله وسلّم- كما جاء في الخبر الصّحيح عنه –صلّى الله عليه وآله وسلّم-:(من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنّة) فهذه مُبشّرات لمن سلك هذا الدّرب وهذا الطّريق أعني طريق طلب العلم الصّحيح، وهذا الطّريق أيُّها الإخوة يحتاج من طالب العلم إلى صِدقٍ وجدّ واجتهاد وحرصٍ على الأوقات فلا يُضيّع وقته وعمره فيما لا ينفعه ولا يعود عليه بالنّفع في الأولى والآخرة؛ يقول الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:(العلمُ النَّافع هو ما جاء أو ما دلّ عليه الدّليل؛ والعمل الصّالح متابعة الرسول –صلّى الله عليه وآله وسلّم-) ويقول أيضًا –رحمه الله-:(الخيرُ والفلاحُ والسّعادةُ والصّلاحُ في نوعين اثنين: في العلم النّافع؛ والعمل الصّالح) فهذا العلم الذي خرجتَ من بلدك لتحصيله وأخذه عن أشياخه كما ذكر الشيخ محمد –وفقه الله- في أول الأمر أن تُحصّله من مشايخ السُّنّة ومشايخ العلم، هذا العلم إن لم ينفعك ضرّك قال الإمام سفيان ابن عيينة كما في اقتضاء العلم العمل للخطيب:(العلم إن لم ينفعك ضرّك) علّق الحافظ الخطيب –رحمه الله- على الأثر فقال:( أي: بأن لم ينفعه بأن يعمل به ضرّه بأن كان حُجّةً عليه) ولهذا قال الخطيب –رحمه الله-:(العلم شجرة والعمل ثمرة)، أخرج ابن سمعون –رحمه الله- في الأمالي بسند لا بأس به عن عبد الله بن المبارك –رحمه الله- قيل له: (إلى متى تكتب الحديث؟ قال: لعلّ الحرف الذي ينفعني لم أكتبه بعد) وفي الجامع للخطيب –رحمه الله- أنّ الإمام أحمد إمام أهل السُّنّة والذي سمعتم شيئًا من سيرته العطرة –رحمه الله- في كلام الشّيخ محمد؛ الإمام أحمد قيل لهُ: (إلى متى تكتب الحديث؟ قال: إلى أن أموت) فطالب العلم يحتاج دائمًا وأبدًا إلى هذا العلم المُنجي والعلم المُنجي هو ما أشار إليه الشّيخُ عبد المجيد –وفّقه الله- بما نقله عن الإمام ابن القيّم:
العلمُ قال الله قال رسوله *** قال الصّحابة هم أولوا العرفان
هذا هُو العلم المُنجي الذي قال الله في أهله:﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ والناس في هذا العلم طبقات كما قال الإمام الشّافعي في الرّسالة:(النّاس في العلم طبقات بقدر معرفتهم بالعلم به).
فالنّاس أيّها الإخوة يحتاجون والعبد يحتاج دائمًا إلى هذا العلم المُنجي الذي يُقرّبه من الله جلّ وعلا؛ يقول الإمام ابن القيّم –رحمه الله- في المدارج:(يُعرض للسّالك في سيره مهالك ومعاطب لا يُنجيه منها إلاّ بصيرة العلم) وأما وصف هذا العلم فقد قاله –رحمه الله- في الفوائد حيث قال:(أعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب والسُّنّة والفهم عن الله وعن رسوله –صلّى الله عليه وآله وسلّم- نفس المراد وعلم حدود المُنزّل وأخسّ همم طُلاّب العلم من قصر همّته على تتبّع شواذّ المسائل وما لم يقع ولا هو واقع ومعرفة اختلاف النّاس دون معرفة الصّحيح منها وقلّ أن ينتفع واحدٌ من هؤلاء بعلمه) ولهذا جاء في الصحيح عند مُسلم من دعاء النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنه طلب الله ودعاه واستعاذ به جلّ وعلا:(اللّهم إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع) وقال الإمام الحسن البصري –رحمه الله- كما في المًصنّف لابن أبي شيبة:(إنّ المؤمن أحسن الظنّ بربّه فأحسن العمل؛ وإنّ المنافق أساء الظنّ بربّه فأساء العمل) نعوذ بالله من ذلك.
فلا يغيب عنك أيّها المُحبُّ في لحظة من اللّحظات الهدف الذي من أجله خرجت وهو رضى الله جلّ وعلا بتحصيل هذا العلم النّافع والعمل به، أمّا أن يكون العبد بوقًا للشّرّ يسمع وقمعًا للشّبه فهذا يضرُّ نفسه قبل أن يضرّ غيره وقد يضرّ الآخرين أيضًا، وفي هذا المقام أُريد أن أُنبّه على أمرين خطيرين:
قواطع في هذا الباب أعني في طريق السّير ومواصلة طلب العلم والقواطع والعوائق كثيرة لكن من ذلك أيُّها المُحبُّ:
حُبُّ الرّياسة هذه الشّهوة الخفيّة –نعوذ بالله منها- فهي منافيةٌ للإخلاص والله جلّ وعلا قد أمرنا بأن نُخلص له في عبادتنا له فقال الله جلّ وعلا:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ فإيّاك أيّها المُحبّ أن تتسلّل إليك هذه الشّبهة وهذه الشّهوة من حيثُ تشعر أو لاَ تشعر كونك بقيت في المدينة أو في بلد العلم سنة أو سنتين أو ثلاثة أو خمسة أو كنت في الدّراسات ماجستير أو دكتوراه أو لم تكن فيها فلا يعني ذلك أيّ شيء إنّما يُزكّي المرءُ عمله؛ وإيّاك وهذه كما قلتُ هذا الدّاء وهذه السّوسة التي تنخر في جسد طلبة العلم؛ ذكر الإمام الشّاطبي –رحمه الله- في الاعتصام قال:(آخر الأشياء نزولا من قلوب الصّالحين حُبُّ الرّياسة) هؤلاء الصّالحون فكيف بمن لم يكن كذلك، أسند الهمداني –رحمه الله- في الفوائد والأخبار عن الإمام الشافعي –رحمة الله تعالى عليه- أن قال:(من طلب الرّياسة فاتته -عامله الله بنقيض قصده- وإذا تصدّر الحدث فاته علم كثير)، وجاء في جامع بيان العلم وفضله عن إبراهيم بن أدهم أنه قال:(ما عَبَدَ الله أحد أحبّ الشّهرة) يعني ما أخلص لله في عبادته، ولهذا داء هذا الأمر داء عظيم ينخر في الجسد فانتبه منه وراقبه قال الحافظ ابن الجوزي –رحمه الله- في صيد الخاطر:(من أخلص سريرته فاحَ عبيرُ فضله وعبقت القلوب بنشر طيبه فالله الله في السّرائر فإنه لا ينفع مع فسادها صلاح الظاهر) فهذا الداء انتبه منه وكن منه على حذر.
ومن الأمور التي يجب أن تحذرها أيُّها المُحبُّ أيضًا في هذا المقام:
العُجب –والعياذ بالله- هذا الدّاء الوبيل والخلق الذميم –نعوذ بالله منه- جاء فيه الشيء الكثير يقول الحافظ –رحمه الله- ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله قال:(العجب يهدم المحاسن كلّها) وذكر أيضًا عن بعض السّلف في كتابه آنف الذّكر قال:(لا ترى مُعجبًا بنفسه إلاّ وهو ضعيف العَقل) وهو كذلك، والناظر أيّها الأحبّة في تراجم بعض الحُفّاظ الكبار يجد أنّ أهل العلم قد ذمّوهم بل وتركوا الرّواية عنهم بسبب العُجب؛ والعُجب فسّره عبد الله بن المبارك كما في تذكرة الحفاظ للذّهبي –رحمه الله- أن سئل ما الكبر؟ قال:(الكِبر أن تزدري غيرك) قال: وسُئل عن العُجب؛ قال:(أن ترى عندك شيئا ليس عند غيرك).
أقول: بعض الحُفّاظ الكبار ذمّهم الحُفّاظ من أئمة الحديث الذين أشار إليهم الشّيخ محمد –حفظه الله- وهم عليهم المُعوَّل وذكروا هذا في مثالبهم والأمور المنتقدة عليهم كما جاء هذا في ترجمة أحمد بن كامل البغدادي تلميذ الشيخ الإمام محمد بن جرير الطبري صاحب التّفسير شيخ المُفسّرين هذا الرجل كان بحرًا من بحور العلم وآيةً في الحفظ وكان قاضيًا قال فيه الحافظ الدّارقطني –رحمه الله-:(وربما حدّث من حفظه ما ليس في كتابه أهلكه العُجب) يقول:(أهلكه العجب) هذا في السّير؛ علّق الذهبي عليه –رحمه الله- فقال:(كان من بحور العلم أخمله العجب) وجاء في اللّسان في ترجمة عمر بن محمد العطّار الحافظ –نعم- ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته قال:(لا يعُدّه أحده شيئًا ولا يُكترث به لإعجابه بنفسه).
فالعُجب أيّها الأحبّة: يهدم المحاسن كلّها فانتبه من هذا الدّاء العظيم وهو قاطعٌ من قواطع الطّريق، وقُطّاع الطّرق كثير قال فيهم الحافظ الإمام ابن القيم –رحمة الله عليه- قال:(علماء السّوء وقفوا في طريق النّاس يدلّونهم إلى الجنّة بأقوالهم ويدعونهم إلى النّار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم هلمّوا قالت أفعالهم لا تُصدّقوهم فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطّاع الطّرق) ومن هؤلاء الذين أشار إليهم الشّيخ محمد في ثنايا كلامه ممّن يُخذّل عن سلوك هذا المنهج القويم والصّراط المُستقيم منهج النبوّة المعصوم لزوم السُّنّة السّلفيّة الحقّة ومن طرائقهم وطرائقهم كثيرة التّنفير من علماء السُّنّة نعم، قال العلاّمة الشّاطبي –رحمه الله- مبيّنًا بعض طرائق أهل البدع قال:(وربما قبّحوا فتاوى العلماء في أسماع العامّة لينفّروهم من السُّنّة وأهلها) –نعوذ بالله من ذلك- إذن هذا هو الأمر الأوّل.باقي الأمر الثّاني.
الأمر الثّاني أيّها الإخوة –وفّقكم الله ووفقّنا جميعًا- هو أنّه طلب العلم طريق شاقّ يحتاج كما مرّ إلى جُهدٍ وجدٍّ وصبرٍ مع ذلك إخلاص لله جل وعلا فآلة طالب الحديث كما قال الإمام يحيى بن معين في الجامع للخطيب بسند صحيح قال:(آلة طالب الحديث الصّدقُ واجتناب الكبائر واجتناب البدع والأمانة والشّهرة-أي: بالطلب-) هذا يستدعي –بارك الله فيك- أن تعلم أنَّ العلم أو أقسام النّاس في معرفة الحقّ والباطل أربعة؛ فالله جلّ وعلا يقول في كتابه:﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ ويقول الله جلّ وعزّ في كتابه:﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ﴾ فالله جلّ في علاه قد أبانَ سبيل المُؤمنين في كتابه مفصّلاً وأبان أيضًا سبيل المُجرمين مُفصّلاً وبيّن هذا وهذا وجاءت السُّنّة أيضًا كذلك بتفصيل هذا وهذا، والعالمون بالله وبكتابه هم الذين أخذوا بذلك بالعلم المُفصّل بالحقّ المُفصّل والباطل المُفصّل وأوّلهم هم أصحاب رسول الله –صلّى الله عليه وآله وسلّم- وهم الذين يصفهم الإمام ابن القيّم عندما تكلم عن هذه الأقسام قال:(هم الأدلاّء الهداة) فالناس على أربعة أقسام:
القسم الأول: من عرف الحقّ بالتّفصيل والباطل بالتّفصيل وهؤلاء الذين سلكوا مسلك الكتاب والسُّنّة وأخذوا بما دلّت عليه النّصوص من الوحيين ولزموا طريقة الصّحابة، وهؤلاء يقول عنهم الإمام ابن القيّم:(أعلم الخلق) فإن كانوا أعلم الخلق لا يجوز لك أن تتعدّاهم ولا أن تتجاوزهم لأنهم أعلم الخلق وهم الأدلاء الهداة.
قال: والقسم الثّاني: من عرف الحقّ بالتّفصيل والباطل بالإجمال، يعرف الحقّ وأنّما ضدّه ماذا؟ هو الباطل هكذا لكن تفاصيل الباطل وطرق أهل الباطل ومداخل أهل الباطل نعم ومكائد أهل الباطل لا يتفطّن لها ولذلك فغالبًا ما يُدخل على أهل السنة من هذا القسم يُدخل عليهم من هذا القسم وضررهم بالغ نعم قد لا يكون طالب العلم ابتداء يُطلب منه أن يعرف الباطل مُفصّلاً من حين ابتدائه إنّما يجب عليه أن يعرف الحقّ مُفصّلاً وأن يعرف أنّ ما ضدّ هذا هو الباطل ابتداءً ثمّ يرتقي فيتلقّى ويتعلّم الحقّ المُفصّل ومعه شيء من تفصيل الباطل وهكذا حتّى يعرف الحقّ المُفصّل والباطل المُفصّل.
والقسم الثالث: -أعجّل-: من عرف الحقّ بالإجمال والباطل بالتفصيل وهؤلاء ضررهم بالغ أيضًا.
والقسم الرّابع: من عرف الحقّ بالإجمال والباطل بالإجمال فلا تحد عن أهل الطّريقة الأولى أعني معرفة الحقّ المُفصّل والباطل المُفصّل.
نسأل الله العلي العظيم بمنّه وكرمه أن يُوفّقنا جميعًا لما فيه مراضيه وأن يُثبّتنا جميعًا على الإسلام والسُّنّة حتّى نلقاه.
وصلّى الله وسلّم وبارك على رسول الله وآله وصحبه وسلّم.
الشّيخ محمد بن هادي المدخلي -حفظه الله-:
نسأل الله جلّ وعلا أن يرزقنا حُسن الانتفاع كما رزقنا حُسن الاستماع.
واعلموا جميعًا أنّي والله لا أرضى بالمدح ولا أقبله والله يعلمُ ما في قلبي وكفى به عليمًا والله أمقته وأبغضه ظاهرًا وباطنًا فأنا محمد بن هادي تعرفونني وأسأل الله جلّ وعلا أن يسترني وإيّاكم بستره الجميل في الدنيا والآخرة
مالي وللمدح إنّي لستُ أبغيه *** ولستُ أصغي إلى من قام يُنشيه
مالي وللمدح والأملاك قد كتبوا *** سعيي جميعا وربّ العرش مُحصيه
إذ يورث المرء إعجابًا بسيرته *** وما جناه من الزّلاّت يُنسيه
فنحن معشر الإخوة لا نقبل المدح ولا نُحبّه ولا نُقرّه ونسأل الله جلّ وعلا أن يُصلح بواطننا وظواهرنا وأن يجعل بواطننا كظواهرنا وخيرا من ظواهرنا، كما نسأله جلّ وعلا بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى أن يسترنا وإياكم جميعًا بستره الجميل في الدنيا والآخرة وأن لا يهتك لنا ستر.
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
الإجابة عن الأسئلة:
(الشيّخ محمد بن هادي المدخلي -حفظه الله-):
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد:
يقول: بعض أتباع الحلبي يصفون الإخوة الذين ينكرون عليهم بأنّهم حدّاديّة فكيف نتعامل مع هؤلاء؟
الجواب:
أقول:(رمتني بدائها وانسلّت)، الغلاة هم والانحراف عندهم هم ويرمون به من خالفهم، والحقّ أنّ هؤلاء الذين يشير إليهم السّائل أنا أعرف طائفةً منهم بهذه الصّفة التي ذكرها السّائل وإن لم يذكر الأشخاص لكن الوصف معروف، وأنا أسأل هذا الذي يقول له هذا القول: من هم الحدّاديّة؟وما طريقتهم؟ ومن الذي ردّ عليهم؟
الحدّاديّة هُم أتباع محمود الحدّاد، وطريقتهم معروفة ومعروفة ومعروفة وقد كُتب فيها وصُنّف من مشايخنا وتكلّمنا فيها عام 1414 هـ، يعني قبل كم من الآن؟ قبل تسع عشرة سنة، فنحنُ أوّل من ردّ على الحدّاديّة، ولكنّ هؤلاء لمّا أرادوا أن يتركوا الطريقة السّلفيّة ليتّحدوا هم والإخوان المسلمين أو إن شئت قُل: المُنتقى من الإخوة المُسلمين كمحمد حسّان ومن كان على شاكلته، وأبو الحسن ومن كان على شاكلته، ما المغرواي وما أدراك ما المغرواي ومن كان على شاكلته، وكلّ من فارق الدّعوة السّلفيّة إمّا بتكفير وغلوّ كالمغراوي ومن كان على شاكلته، وإمّا بتمييع وأقول هذه الكلمة بملء فِيَّ يرضى من رضي ويأبى من يأبى، وَلْنقف جملة معترضة عند كلمة (تمييع) قبل أن ننطلق إلى الجواب، هذه الكلمة اليوم نسمع بعض المتحذلقين يقول: لا وجود لها لا في اللّغة ولا في الشّرع فهي ما هي موجودة في اللّغة العربيّة وليست موجودة لم تُؤثر عن أحد من السّلف فإطلاقها خطأ من ناحية اللّغة ومن حيث الشّرع؛ هكذا قرّر هذا المُقرّر ولكلّ ساقطة لاقطة، ثمّ بعد ذلك جاء بثالثة الأثاثي وهي: أنّ الذين قالوها ليس لهم مستند إلاّ سيّد قطب، شوف! ليس لهم مستند إلاّ سيّد قطب، ثمّ ذهب ينقل من كتب سيّد قطب في أربعة مواطن خمسة مواطن ستّة مواطن لا أدري كم موطن.
سيّد قطب لتعلموا جميعاً أطلق هذه اللّفظة على أهل السُنّة الذين لا يُوافقونه في تكفير النّاس لأنّه يُكفِّر المجتمعات فمن لم يُكفِّر فهو مُميّع عنده فأطلق هذه اللّفظة، وإطلاقه لها ومراده منها المعنى الباطل ليس معنى ذلك أنّنا لا نستخدمها نحن، أبدًا؛ هذه الكلمة ثابتة لغة ومعروفة عند أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسّلم- ومعروفة عند علماء الإسلام، أمّا في اللّغة فإنّ العرب يُطلقون على عكس ما قال هذا المُتحذلق يُطلقون المُيوعة على السّحاب إذا جرى، وهل السّحاب بالله مائع؟ من السّوائل؟ يُحقن في القارورة والجالون، ويُطلقون مائع على الفرس إذا جرى فهل بالله الفرس إذا جرى سال وذاب وحطّيناه في قارورة؟ ويُطلقون المُيوعة على ناصية الفرس إذا طالت وسالت فأشبهت السّائل لأنّها استرسلت فهل بالله عليكم ناصية الفرس ذائبة من السّوائل كالزّيت ونحوه؟! ويُطلقون أيضاً المائع على الأحمق (الأحمق) الرّجل الأحمق يُسمّونه مائع فبالله عليكم هذا الرّجل الذي يُسمّى مائع يعني أحمق هل هذا من السّوائل؟ سيّلناه وجعلناه في قارورة؟ هذا موجود أيضاً في لغة العرب، ويطلقون المائع على أوّل النّهار وفوعته، ويُطلقون المائع على أوّل الشّباب السّن وفوعته وشرّته في أوّل أمره، فبالله عليكم الشّابّ في أوّل عمره حينما يكون عنده شيء من الانحراف هُنا وهنا يقولون عنه: مائع هذا بالله سائل من السّوائل؟ أنا أسألكم! هذا كُلّه مرصود في كتب اللّغة ولكنّ صاحبنا ما عرف إلاّ اثنين من كتب اللّغة ولم يُكملها نقل وبتر، فنقل عن مقاييس اللّغة لابن فارس ونقل عن كتاب آخر وُهو الصّحاح للجوهري مع أنّ الصّحاح فيه شيء من هذا لكنّه بتر الكلام ليُدلّل أنّ كلمة مائع لا تُطلق إلاّ على إيش؟ على السّوائل الذّائبة، وهذا كلام العرب إن شئتم راجعوه في (لسان العرب) وإن شئتم راجعوه في (القاموس) وإن شئتم راجعوه في (التّكملة والصّلة) لما فات القاموس من اللّغة، وإن شئتم فراجعوه في (تاج العروس شرح القاموس) هذه بعض الكتب هذا الكلام فيها إذا لم تجدوه فأنا ضمين لكم وموجود ومسجدي معروف فارجعوا وقولوا أنت تُخطئ أو تكذب على العلماء، فالعرب استخدمت ميوعة في هذه الأمور كلّها، وليست في السّوائل فقط.
فإذن: استخدامهم لها هنا ما هو؟ استعارة على لغة أهل البلاغة، استعاروا هذا اللّفظ من الذّائب المائع السّائل إلى الصّلب لمّا تليّن وتساهل حتّى سال أشبه السّائل فذوبان السُنِّي في أهل البدعة حتّى يغيب بينهم هذا ذوبان، وذوبان الرّجل بين أهل الفسق حتّى يذوب بينهم هذا ذوبان وهذه ميوعة -وهكذا- قُل ما شئت، فهذا استعارة استعاروها من السّوائل إلى الجامدات بجامع اللّيونة والجريان في كلّ، بجامع إيش؟ اللّيونة والذّوبان والجريان في كلّ، والعرب تعرف هذا، وأمّا في الشّرع فقد سُئل عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- عن قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ كَغَلْيِ الحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ﴾-إيش- ﴿الحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ﴾ هذا لمّا سُئل عنه عبد الله بن مسعود وكان على بيت المال بالكوفة وقد بقي ببيت المال شيء من فضّة فذهب إليه وأمر به فأخرج ثمّ أضرم عليه النّار يقول الرّاوي: (حتّى إذا أخذت تميّع وتتلوّن) فقال لهم عبد الله بن مسعود:(ما شيء ممّا سألتم عنه أشبه منه بهذا) تتميّع وتتلوّن ذابت بعد أن كانت صلبة كُتلة فضّة ذابت فلمّا ذابت وتلوّنت قيل فيها تميّعت وتلوّنت فقال لهم هذا -رضي الله تعالى عنه-.
فالتّلوّن في دين الله جلّ وعلا والذّوبان من هذا الرّجل في أهل الباطل من السُنِّي بين أهل الباطل هذه هي المُيوعة شاءها هو أم أباها، وكما قُلتُ لكم أيضاً التّشبّه بالكُفّار والتّحلّي بلباسهم والاتّصاف بصفاتهم تميّع للمسلم وإذهاب لشخصيته حتّى تذوب في هؤلاء الكُفّار، فالميوعة هي اللّيونة والتّلوّن والذّوبان والسّيلان -نسأل الله العافية والسّلامة- فاستُعيرت من السّوائل إلى الجامدات إذا صارت على هذا النّحو وهذا معروف في لُغة العرب، فالقول بأنّها لا أصل لها في لغة العرب ولا في الشّرع هذا قولٌ يرُدّه مُعجم أو معاجم لغة العرب وتردّه كتب التّفسير الموجودة بين أيدينا، وأمّا إطلاقها كما يقول هذا القائل يقول: يُطلقونها على من يتهيّبون أن يُبدّعُوه، نقول له: نعم، نقول متميّع، فإذا قام به وصف البدعة والله وبالله وتالله لَنُبدّعنّه ولا نُبالينّ به (ما الكريم على القلم مُحرّم)، ففي أوّل أمره يتميّع ثم ينتهي بعد آخر أمره إلى أن يُضيَّع فيذوب في أهل الكُفر إن كان من أهل الفسق والفجور، ويذوب في أهل البدع إن كان من أهل الإسلام والسُنّة، والله لو قامت به البدعة لوصفناه بها وما بالينا، والله الذي لا إله غيره لو قامت به البدعة لوصفناه بها وما بالينا ما الذي نخافه؟ نحنُ لا نخشى إلاّ الله -تبارك وتعالى-، ولكن هذه مُقدّمة يتميّع الإنسان حتّى يذوب في أهل البدع ويُصبح الحساسيّة عنده من البدع ومن أهلها ضعيفة أو منعدمة فيصبح بعد ذلك المبتدع قعيدُه جليسُه أكيلُه شريبُه صحيبُه كما سمعتم في هذه الآثار، فهذا هُو التميّع، فما كان بالأمس مُنكرا عنده أصبح اليوم معروفاً عنده، وما كان بالأمس معروفاً عنده أصبح اليوم مُنكراً عنده هذا هو التلوّن في دين الله وهو الذي قاله حُذيفة لأبي مسعود حينما وصّاه وقال له:(إيّاك والتلوّن في دين الله تبارك وتعالى).
فبالأمس (علي حسن) ويُسطّر هذا بيده في كتابه الذي يُسمّيه منهج السّلف الصّالح يقول: كان يُنكر هذا من زمان كم سنة وأنّه من سنين أحسّ بهذا الغلو الآن يُريد أن يرجع على عقبيه يُريد أن يرجع إلى أصحابه الذين قدموا عليه مؤخرا فيرضيهم بما؟ بالطّعن في أهل السُنّة وأنّه من قديم أحسّ بشيء من هذا الغلو فأصبح يُنكره عليهم الآن ويستغفر الله ممّا كان عليه قبل -هكذا يقول-، هذا الذي نقوله نحنُ بملء أفواهنا، البليّة كلّ البليّة والرّزيّة كلّ الرّزيّة أن تعرف ما كنت تُنكر وتُنكر ما كُنت تعرف وهذا مسطور هُو بنفسه كاتبه، فإذا كان هو الآن يُنكر هذا الحال ورجع إلى ما يقوله قبل سنين ويقول: إنّه كان يقصد به كذا وكذا وكذا فالآن يستغفر الله ممّا كان منه يعني الذي كان عليه من السُنّة قبل وثباته عليها قبل فرجع الآن إلى كلّ السّلفيّين فهذا هُو الذّوبان هذا هو الذّوبان -نسأل الله العافية والسّلامة-، فشيء عجيب يُقال أنّ التّميّع لفظ ما هو موجود لا في اللّغة ولا في الشّرع هذه كتب اللّغة وهذا كلام أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
أمّا قوله إنّهم لابدّ يستخدمه علماء الجرح والتّعديل علماء الجرح والتّعديل كلماتهم أنت شوف أنظر فيها، الجرح والتّعديل ماشي وتطوّر يتطوّر فتجد عند الأوّلين ألفاظ قليلة وهذا معروف عند أهل المُصطلح لمّا زاد وتقدّم التّاريخ زادت الألفاظ بعد ذلك زادت أكثر بعد ذلك ..وهكذا حتّى ضُبطت بمراتب، فهذا اللّفظ الذي استخدمه العلماء معروف إذا كان يُنكره (علي حسن) علينا مثلاً هو موجود في كلام شيخه الذي يدّعي أنّه شيخه و الألباني قد ضرب مثالاً بأنّ من المُستفيدين وليسوا من طلاّبه من المُستفيدين (علي حسن عبد الحميد)، وأنا سمعت هذا الشّريط وقلت: الحمد لله الذي لم يجعل الشيّخ ناصر -رحمه الله- يجعل مثالاً للمُستفيد الذي هو مُستفيد وليس من تلاميذه مُستفيد، لكن طالب تلميذ لا، ما جعل مثالاً إلاّ (علي حسن)؛ فقلت: الله أكبر كأنّ الله وفّق هذا الإمام لأن ينطق بهذه الكلمة لما يعلمه الله في مستقبل العصر والدّهر ممّا سيكون من هذا الرّجل، فضرب مثالاً للمستفيدين منه وما هم تلاميذ، تلاميذ بالمعنى العام إلّي استفادوا من كُتبه (علي حسن)؛ هذا موجود مُسجّل بصوت الشّيخ ناصر وهو موجود في النّتّ.
فالآن إذا كان يُنكره هو أو غيره ممّن يزعمون أنّ المشايخ الآن تغيّروا هذا كلام الشّيخ موجود فيه فقد تكلّم على هذه المسألة ومسألة تمييع الإنسان حتّى يذوب في غيره تكلّم عليها الشّيخ ناصر -رحمه الله- في مسألة ميوعة المرء حتّى يُشابه أعداء الله.
وهكذا أيضاً الشّيخ ابن عثيمين -رحمه الله- استخدم هذا اللّفظ وتكلّم عليه في مسألة التّميّع في دين الله تبارك وتعالى وأنّ الإنسان قد يلين ويلين حتّى تأخذه الميوعة حتّى يخرج ويترك ما عليه من الصّلابة في دين الله تبارك وتعالى ويخرج على الذّكورة والرّجولة وحزم الرّجال إلى التّميّع الذي ليس من طباع الرّجال وهكذا الشّيخ الفوزان استخدمه وهكذا...، بل بعض هؤلاء إلّي الآن يُنكرونه في كلماتهم القديمة موجود استخدام هذا اللّفظ فما بالهم اليوم يُنكرونه!! لأّنهم قد وقعوا في مدلوله، فلمّا وقعوا في مدلوله ذهبوا يُنكرونه، فافهموا هذه -بارك الله فيكم-.
فأقول: إنّ هؤلاء الذين يصفونكم ويقولون عنكم إنّكم حدّاديّة لأنّهم هُم تميّعوا وتركوا السُنّة وذهبوا وأصبحوا يُمالئون أهل الأحزاب والبدع.
فكما قُلتُ لكم: بالأمس إحياء التّراث لا يُؤخذ منها واليوم جمعيتنا المباركة، نعم.
بالأمس: فلان إخواني اليوم لا صاحبهم سلفي وتاب، اليوم يراه على مرأى ومسمع من عينيه ومن العالم كلّه، ويسمع صوته أنّه ( كلمة لم أفهمها) في المظاهرات ويقول عنها: هذه المظاهرات إلّي فيها وإلّي فيها ويمدحها ويقول عن الذين خرجوا فيها من الغوغاء والهمج والرّعاع يقول عنهم: هذا الشّباب المؤمن التقيّ الطّاهر ومع ذلك يمدحه، ثمّ يأتي ويقول: وخرجت أنا وزوجتي وأولادي ومع ذلك يمدحه، وبعد ذلك العذر أقبح من ذنب يقول: لا، أنا أذنت بالردّ عليه، أنتَ أنتَ الذي مدحته مُطالب بأن تُبيّن موقف الإسلام من هذا وأمثاله الذين يُضلّون النّاس، دَعكَ من غيرك، أنتَ الذي تكلّمت أمس الآن يجب أن تُبيّن موقفك هذا هو الذي نقوله.
فالحدّاديّة ما ردّ عليهم إلاّ نحن ولا بيّن أمرهم في أوّل الأمر إلاّ نحن ومشايخنا في المدينة لأنّهم تركوا طريق السُنّة إلى الغلوّ، وهؤلاء تركوا طريق السُنّة إلى البدع والميوعة وترك ما عليه السّلف الصّالح -رحمهم الله تعالى-، فبين تبذيرٍ وبُخلٍ رُتبة وكِلا هذين إن زاد قتل
فلا تغلو في شيءٍ من الأمر واقتصد *** كِلا طرفي قصد الأمور ذميمُ
والله سُبحانه وتعالى قد بيّن لنا ذلك، والنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد بيّن لنا ذلك فقال -صلّى الله عليه وسلّم-:(إنّ من إجلال الله إكرام ذي الشّيبة المُسلم، وذي السّلطان المُقسط وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه) فلا غلوّ ولا جفاء فلا إفراط ولا تفريط وأهل السُنّة وسط في جميع الأمور في إثبات ذات الله -تبارك وتعالى- وأسمائه وصفاته وإثبات توحيده وفي اتّباع رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- ومحبّته وفي باب القدر وفي باب الصّحابة وفي باب الأقوال والأفعال بإدخالها في مسمّى الإيمان إلى غير ذلك من أبواب العقيدة كما ذكر ذلك علماء السُنّة وعلماء الحديث -رحمهم الله تعالى-.
لكن هؤلاء لمّا رأوك تُحذّر منهم وصفوكَ بالغلوّ ولا يضيرك بإذن الله -تبارك وتعالى-، فاثبت على ما أنت عليه من التّمسّك بالحقّ والسُنّة ولن يضرّك بإذن الله جلّ وعلا.
أحد الإخوة: حتّى هذه أوترت على الشيخ عبد المالك فيما يقول: أشدّ من الحدّاديّة.
الشّيخ محمد: ما يخالف.
الأخ: جواب واحد؟
الشّيخ: نعم
السّؤال:
هذا يقول: هل يصح إطلاق وصف البدعة على ما أحدثه عثمان من آذان الجمعة؟
الجواب:
معاذ الله، هذا أنتم سمعتم قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قبل غداءكم:(عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ) وعثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- خليفة راشد -رضي الله تعالى عنه- وقد سنّ هذا الآذان ما نقول أحدثه نقول سنّه لأنّه صاحب سُنّة مأمورين نحن باتّباعها سنّه لمّا رأى الحاجة إليه فرأى النّاس يتأخرون عن الجمعة فسنّه وكان يُؤذن به خارج المسجد في الزّوراء خارج المسجد فيؤذّن به حتّى يُنبّه النّاس بقُرب صلاة الجُمعة فيذهب من يذهب ويستعدّ ويغتسل ويتهيّأ وينطلق إلى الجمعة مُبكّرًا فكان هذا منه –رضي الله تعالى عنه- فهو صاحبُ سُنّة أمرنا بأن نتّبعه وأمرنا بنص حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فلا يُقال عن ما أحدثه بدعة بل نقول: هو صاحب سُنّة أمرنا باتّباع سُنّته.
السّؤال:
وهذا يقول: ما قول القائل:"لا تكن طرفًا في الفتنة"؟
الجواب:
أيّ فتنة؛ أي فتنة؛ ماهي؟ الفتنة التي يُعرف فيها الحقّ يُبتلى فيها الخلق ويُعرف فيها الحقّ هذه يُمدح من يصبر على الحقّ فيها وثباته على الحقّ فيها؛ فمثلاً: فتنة الخوارج التي قامت كيف كان موقف أصحاب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- منها؟ كان موقفًا حازمًا وقد مدح النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- هؤلاء وقاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- ومعه الصّحابة وقد قال في ذلك -عليه الصّلاة والسّلام:(إنّ منكم من يُقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على تنزيله) فاشرأبَّ من اشرأبَّ من القوم وكان فيهم أبو بكر وعمر فقال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-:(إنّما ذاكم خاصف النّعل) وكان علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- فهو صاحب قتال الخوارج -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وقاتل معه الصّحابة ومن لم يحضر قتال الخوارج تأسّف على أن فاته فهذه فتنة ابتليت بها أمة الإسلام لكن الحق فيها واضح وظاهر فهذا الموقف منه، أما الفتنة التي لا يُعرف فيها الحق من الباطل ويشتبه الأم على الخلق فهذا الذي أمر النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالاعتزال فيه فما أدري ماذا يريد هذا من هذه الفتنة "لا تكن طرفًا في الفتنة" فإن أراد به الرّدّ على أهل الأهواء وبعض من ذكرنا فهذا مسكين ينبغي أن يُبيّن له أنّ هؤلاء هم الذين فارقوا الطّريق السّلفيّة الصّحيحة وينبغي عليه أن يتعلّم حتّى يعرف هذا الباب حقّ المعرفة.
السّؤال:
وهذا يقول: هل يجوز مع شدّة الشّهوة الاستمناء؟
الجواب:
نقول لا؛ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد أفتانا وبيّن لنا فقال -عليه الصّلاة والسّلام- في هذا الباب بيانًا شافيًا كافيًا:(يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنه له وجاء) الصّوم يُضعف هذه الشّهوة فعليكَ يا أخي السّائل بالصّيام وغضّ البصر فإنَّ غضَّ البصر من أعظم الأسباب التي تُعين على كسر الشّهوة وقطعها
فكلُّ الحوادث مبداها من النّظر *** ومُعظم النّاس من مُستصغر الشّرر
كم نظرةً فتكت في قلب صاحبها *** فتك السّهام بلا قوس ولا وتر
إلى أن قال:
لا مرحبًا بسرور عاد بالضّرر
فهذا النّظر الذي فيه سرور من أول شيء يرجع بالضّرر فلا مرحبًا بهذا السّرور فأنا أنصحك أخي السّائل ابني السّائل بما أرشدنا إليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبيّنه لنا.
السّؤال:
وهذا يسأل عن كتاب الإبانة لمحمد بن عبد الله الإمام؟
الجواب:
أنا ما قرأته نعم.
أحد الإخوة: (لم أسمع كلامه جيّدًا.....)
السّؤال:
هذا يسأل عن المشي مع المُخالف لأهل السُّنّة وإذا نصحته قال: أنا معه أنصحه.
الجواب:
فرق في الحقيقة هذا من التّلبيس تلبيس إبليس عليك يعني مشيك معه وهو مخالف لأهل السُّنّة هذا مُصيبة وكما قلنا قبل قليل وسمعتم:(ما في أضرّ على الرّجل من صاحب) أبدًا ما فيه أضر عليه من صاحبه فإذا كان صاحب شرّ وصاحب فسق وصاحب بدعة وصاحب هوى فلا شكَّ أنّه يجرّك إلى ما هو عليه ونحن ما علمنا الصّحيحة يُؤتى بها للمريضة لتصحّ المريضة بل الصّحيحة هي التي تمرض وهذه سُنّة الله الكونية،
وما ينفع الجرباء قرب صحيحة *** إليها ولكن الصحيحة تجربُ
والمداواة فرق بينها وبين المخالطة فالطّبيب يأتي إلى المرضى أصحاب الأمراض المعدية يداويهم في أوقات مع تحصّنه بإذن الله تبارك وتعالى وأخذه للقاحات ضدّ هذه الأمراض ويدخل فيهم ثم يعالجهم في أوقات معدودة ويعود ما يجلس معهم ويخالطهم أبدًا بدون تحصّن أيضًا فتحصّن ذاك باللّقاحات في أمور الأمراض المعدية هذا يتحصّن أيضًا بالعلم وبالسّنّة في أمر أيضا الأمراض المردية أمراض الأهواء -نسأل الله العافية والسّلامة- فإنّ العلم كما سمعتم قبل قليل يكشف الله سبحانه وتعالى به الحقّ لصاحبه ويدلّه على الحقّ ويدلّه على من كان على هذا الحقّ من الخلق فيعرف صاحب الحقّ ويعرف صاحب الباطل فالمناصحة لا تستلزم المخالظة، وأمَّا المخالطة فالغالب الغالب على أصحابها أنّ الصّاحب ساحب والمجالَس مُجانَس تُصحب أنت مثله من جنسه؛ فنحن نسأل الله العافية والسّلامة تكتب له كتابًا تُكلّمه في الهاتف تجلس معه جلسة لا مانع من ذلك تجلس معه جلسة فإذا رأيت قبولاً منه ورأيت أنّه مُلبّس عليه وجهله جهل بسيط بيّنت له والحمد لله ينتفع، رأيت أنه معاند وجهله جهل مركّب فهذا لا حيلة فيه لا حيلة فيه
قال حمار الحكيم توما *** لو أنصفوني لكنت أركب
لأنّني جاهل بسيط *** وصاحبي جاهل مركّب
فهو الذي لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري ولا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم ويريد أن يكون كأهل العلم وفي الحقيقة ليس عنده إلاّ الجهل فأنت إذا رأيت منه بوادر الاستفادة نعم، رأيت عنده أيضًا -رحمة به- رأيت عنده شبه تحتاج إلى تفنيد فالطف أيضًا واصبر لكن ليس يعني ذلك أن يكون هو الجليس والأكيل والخليط والقعيد والنّزيل..أبدًا هذا غير صحيح نعم.
يكفي خلاص، لعلّنا نكتفي بهذا القدر، والسّؤالات الباقية لعلّنا إن شاء الله يضمنا مجلس آخر ونجيب عليها. والله أعلم.
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد.
(كلام قليل خارج الدّرس.....................)
أحد الإخوة: شيخنا لو تعرّجون على هذه المسألة:"لا يلزمني".
الشّيخ:
يسأل الإخوان عن قضيّة قول القائل:(لا يلزمني) تُبيّن له ويقول:(لا يلزمني).
الجواب:
إذا كان تُبيّن له الحقّ بدليله ويقول:(لا يلزمني!) فما الذي يلزمه؟ ما الذي يلزمه؟ الله جلّ وعلا يقول:﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَّكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَّعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا﴾ ويقول:﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ويقول:﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعتُمْ وَاسْمَعُوا وأَطِيعُوا﴾ ويقول سبحانه وتعالى:﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾..إلى غير ذلك من الآيات؛ ويقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:(من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله) فإذا بيّنتَ للمرء المسألة بدليلها من الكتاب والسُّنّة دلالةً عليها دلالةً صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ولا خفاء ثمّ لا يُعارضك بشيء إلاّ بقوله:(لا يلزمني!) فاعلم أنّه صاحب هوى، أمّا لو أتى بدليل قائم من كتاب الله وسنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فعليك أن لا تعجل عليه أنظر في دليله فقد يكون الدّليل صحيحًا لكن الفهم غير صحيح فبيّن له فإن أبى بعد البيان له المدعّم بكلام الله من آيات أخرى فإنّ خير ما شرح القرآن القرآن ثمّ بعد ذلك الحديث وخير ما فسرّ السُّنّة السُّنّة فبعد ذلك كلام الصّحابة ثم في الجميع لغة العرب ويُطلب هذا من كلام العرب ومن أشعارهم فإن الشعر ديوان العرب كما قال عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، فإذا بيّنتَ له بعد ذلك بكلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وكلام أصحابه -رضي الله تعالى عنهم- وأبى فلا حيلة فيه لا حيلة فيه، وهذا الآن أصبح مركبًا يركبه كلّ من أراد أن يركب رأسه ويخالف ويفارق أهل السُّنّة (لا يلزمني!) هذه مسألة أبو الحسن نحنُ ما سمعناها إلاّ معه تُبيّن له بالحقّ والأدلّة والدّلائل المتتابعة يقول لك:(لا يلزمني!) إذًا ما الذي يلزمك؟ تريد وحيًا في قصّتك هذه بعينها؟ باسمك؟ هذا لا يمكن أن يكون؛ كتاب الله يتلوه كلّ تالي وسنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتلوها كلّ تالي بين أيدينا فنحن نحتكم إليها فإمّا أن تكون دلالة منطوق فهي أعلى الدّلالات؛ وإمّا أن تكون دلالة مفهوم فهي التي تليها ثمّ كلام أهل العلم نستعرضه من أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هل هو على فهمك أنت وإلاّ على فهمي أنا على أيّ الفهمين كان وجب على الثّاني الرّجوع له؛ فيه أكثر من هذا إنصافًا معشر الإخوة؟ إن كان يدل كلام السّلف في تفسيرهم لكلام الله وكلام رسوله -صلّى الله عليه وسلم- على ما ذهبت إليه فأنا معك وإن كان يدلّ على ما أنا عليه وأدعوك إليه فيجب عليك أن تتق الله وتترك هذه العبارة (لا يلزمني!) الحقّ يلزمك ويجب عليك قبوله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَّكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾.
وبهذه المناسبة هناك مقالة تنجرّ عن هذه؛ بعضهم يقول:(كلام السّلف يُستأنس به!) ما شاء الله وكلامك أنت يجب أن يُؤخذ به! كلام السّلف يقول:(يستأنس به!) فهم السلف يستأنس به وفهمك أنت! فهمنا نحن ملزم وفهم السلف لا يستأنس به مع أن فهم السّلف هذا قد ألزمنا به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- قال:(ما كان عليه اليوم أنا وأصحابي) فالذي عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فهو الدين وبعده ما كان عليه أصحابه مع الخلفاء الراشدين وبعدهم ما كان عليه بقية أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الدين وبعده ما كان عليه أئمة التابعين وخيار التابعين وكبار تلاميذ أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الدين وبعده ما كان عليه أئمة الأثر كمالك والسفيانين والحمّادين والأوزاعي وشعبة وأحمد والشافعي ونحوهم هذا هو الدين فما لم يكن هؤلاء عليه فليس دينًا فلا نحن نعرفه ولا يمكن أن نقبله من صاحبه إذا خالف ما عليه هؤلاء الأخيار إلى أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
فقوله:(لا يلزمني!) هو من باب الضّرب في صدر النّاصح والرّدّ عليه بغير ما حجة ولا دليل.
نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم حسن الاستماع والانتفاع والاتباع إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد.اهـ
وللاستماع إلى الدّروس المباشرة والمسجّلة والمزيد من الصّوتيات يُرجى زيارة موقع ميراث الأنبياء على رابط:
www.miraath.net وجزاكم الله خيرًا.
وفرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
10 / رجب / 1433هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
منقول من شبكة الآجري وفق الله القائمين عليها و بارك الله فيهم و في جهودهم