النصوص الثابتة في "دابة الأرض"
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن من أشراط الساعة الكبرى العظيمة العجيبة، التي إذا خرجت أولها تتابعت كالعقد إذا انفرط، والتي تكون قرب قيام الساعة «الدابة»، أو «دابة الأرض».
وسأذكر الآية الواردة فيها، ثم الأحاديث الصحيحة، ثم الآثار الصحيحة عن الصحابة رضي الله عنهم، مع التنبيه على بعض الأحاديث الضعيفة والآثار الضعيفة.
أولا: ما ورد في القرآن الكريم
قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82].
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره: «أي: إذا وقع على الناس القول الذي حتمه الله وفرض وقته. {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً} خارجة {مِنَ الأرْضِ} أو دابة من دواب الأرض ليست من السماء. وهذه الدابة {تُكَلِّمُهُمْ} أي: تكلم العباد {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}، أي: لأجل أن الناس ضعف علمهم ويقينهم بآيات الله، فإظهار الله هذه الدابة من آيات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون».
ثانيا: ما ورد فيما صح من الأحاديث النبوية.
* عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: «ما تذاكرون؟» قالوا: نذكر الساعة، قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات - فذكر - الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم».
رواه مسلم(2901).
وفي رواية عنده: عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا، فقال: ما تذكرون؟ " قلنا: الساعة، قال: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس، وريح تلقي الناس في البحر».
وفي رواية للطبراني في المعجم الكبير(3/ 172) من طريق الحسن بن الفرات، حدثني أبي قال: سمعت أبا الطفيل، حدثني حذيفة بن أسيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنا نتحدث في ظل غرفة، فأشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الغرفة، فقال: ما تحدثون؟ قلنا: نتحدث عن الساعة. قال: لا تقوم الساعة حتى يخرج عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، ودابة الأرض، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، ويخرج يأجوج ومأجوج، وتخرج نار من قعر عدن تحيط بالناس لا يتخلفها أحد تسوقهم إلى أرض المحشر، فتقيم حتى يقضوا حوائجهم، ثم تحرك بهم فترحلهم. قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من رومان أو ركوبة يضيء منها أعناق الإبل ببصرى»
وسنده صحيح.
وقال الدارقطني في الأفراد -كما في أطراف الغرائب والأفراد (3/ 36)-: «تفرد به أبو عاصم النبيل عن الحسن بن فرات القزاز عن أبيه عن أبي الطفيل عنه بهذا اللفظ».
ورواه أبو عوانة (4033)-كما في إتحاف المهرة وكنز العمال- من طريق أبي عاصم النبيل عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من ركوبة تضيء أعناق الإبل ببصرى».
وسنده صحيح على شرط مسلم.
وقال الحافظ في فتح الباري (13/ 80) : «وركوبة ثنية صعبة المرتقى في طريق المدينة إلى الشام مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ذكره البكري ورومان لم يذكره البكري ولعل المراد رومة البئر المعروفة بالمدينة فجمع في هذا الحديث بين النارين وأن إحداهما تقع قبل قيام الساعة مع جملة الأمور التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم والأخرى هي التي يعقبها قيام الساعة بغير تخلل شيء آخر وتقدم الثانية على الأولى في الذكر لا يضر والله أعلم».
وله شاهد من حديث واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " لا تقوم الساعة حتى يكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدجال، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تحشر الذر والنمل " رواه الطبراني في الكبير، وفي مسند الشاميين والحاكم في المستدرك وإسناده حسن، وهو حديث صحيح.
* عن عبد الله بن عمرو، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الآيات خروجا، طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريبا».
رواه مسلم(2941).
وفي لفظ له: عن أبي زرعة، قال: جلس إلى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفر من المسلمين، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات: أن أولها خروجا الدجال، فقال عبد الله بن عمرو: لم يقل مروان شيئا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر بمثله.
وفي رواية ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير والسراج وابن منده، عن أبي زرعة، قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بن الحكم بالمدينة فسمعوه يحدث عن الآيات أن أولها خروج الدجال , فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو فحدثوه بالذي سمعوه من مروان بن الحكم في الآيات أن أولها خروج الدجال , فقال عبد الله: لم يقل مروان شيئا , قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثا لم أنسه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها أو خروج الدابة على الناس ضحى , وأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا» , ثم قال عبد الله وكان يقرأ الكتب: وأظن أولهما خروجا طلوع الشمس من مغربها , وذاك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت، فاستأذنت في الرجوع فأذن لها في الرجوع، حتى إذا شاء الله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت فلم يرد عليها بشيء , ثم تعود فتستأذن في الرجوع فلا يرد عليها بشيء , ثم تعود فتستأذن في الرجوع فلا يرد عليها بشيء , حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب , وعرفت أنها لو أذن لها لم تدرك المشرق , قالت: رب , ما أبعد المشرق , قالت: من لي بالناس , حتى إذا أضاء الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع , قيل لها: من مكانك فاطلعي , فطلعت على الناس من مغربها , ثم تلا عبد الله هذه الآية وذلك {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]
* عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم أو أمر العامة».
رواه مسلم(2947).
وفي رواية عنده: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «بادروا بالأعمال ستا: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم».
وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، ودابة الأرض، والدجال، وخويصة أحدكم، وأمر العامة " رواه ابن ماجه(4056) وسنده حسن.
* وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض». رواه مسلم(158).
* وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بين يدي الساعة الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج والدخان وطلوع الشمس من مغربها» رواه الطبراني في الدعاء(2248) وسنده حسن.
ورواه إسحاق في مسنده، والفاكهي في فوائده، وابن بشران في أماليه، وابن مردويه في تفسيره من طرق أخرى..
* عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف المزني عن أبي أمامة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يغمرون-وفي لفظ: يعمرون- فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين».
رواه علي بن الجعد في مسنده، وعبدالملك بن حبيب في أشراط الساعة، وأحمد، والبخاري في التاريخ الكبير، وأبو نعيم في أخبار أصبهان وسنده صحيح. [الصحيحة:322].
وفي لفظ عبدالملك بن حبيب في كتابه أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار(3/ 121) : «تخرج الدابة فتوشم الناس على خراطيمهم فتبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه المنافقين ويمتاز هؤلاء عن هؤلاء، ثم يمرون بعد ذلك حتى يشتري الرجل الشيء فيقال له ممن اشتريته؟ فيقول من أحد المخرطمين» وهذا اللفظ غريب وفي ثبوته نظر.
فيتبين من الأحاديث الصحيحة السابقة:
1- أن الدابة أو دابة الأرض من علامات الساعة الكبرى، والتي تكون في آخر الزمان، والتي تخرج متسارعة يتبع بعضها بعضا كالعقد إذا انفرط.
2- أن الدابة مع كونها من جنس الحيوانات إلا أنها تتكلم بكلام عربي فصيح، ولو كانت من الإنس أو الجن لم يكن كلامها عجيبا ولا غريباً، وإنما الغرابة في كونها حيوانا يتكلم.
وتكلم الحيوانات من العجائب، ووردت عدة أحاديث في ذلك تشارك الدابة في أصل الصفة-صفة الكلام-، ولكن كلامها عجيب من حيث ارتفاع صوتها-كما ورد في الآثار الصحيحة-، ومن حيث قيامها مقام الواعظ والمذكر، وكذلك ما اتصفت به من الصفات الأخرى والتي سيأتي تفصيلها في الآثار الصحيحة.
3- أن هذه الدابة مع تكليمها للجميع إلا أنها تخص الكفار بجرحهم بالوسم على خراطيمهم (أنوفهم)، فهي رحمة للمؤمنين، وعذاب على الكافرين، وفاضحة للمنافقين.
4- أن وسمها لا يقتضي موت الموسوم، بل يكون الوسم علامة فاضحة فارقة، ويعيش بعدها من شاء الله أن يعيش منهم حتى يصبح علامة على الشخص فيقول القائل: اشتريت هذا البعير من أحد المخطّمين!
وأما الآثار فجاء في وصفها عجائب سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وبالله التوفيق.
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
28/ 11/ 1443هـ - 28/ 6/ 1443هـ