بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد،
رداً على من يزعم بأن صلاة الجماعة تُصلى (بالإطلاق) في مكان العمل (ويُلزم) العُمال بذلك رغم قرب المسجد وسماع النداء وعدم توفر الأعذار:
عن أبي هريرةَ ؛ قال : أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلٌ أعمى . فقال : يا رسولَ اللهِ ! إنه ليس لي قائدٌ يقودُني إلى المسجدِ . فسأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن يُرخِّصَ له فيُصلِّي في بيتِهِ . فرخَّصَ له . فلما ولَّي دعاهُ فقال: ((هل تسمعُ النداءَ بالصلاةِ ؟)) فقال : نعمْ . قال ((فأَجِبْ)). (صحيح مسلم)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ((والذي نفسي بيدِه، لقد هَمَمْتُ أن آمرَ بحَطَبٍ فيُحطَبَ، ثم آمُرَ بالصلاةِ فيؤذَّنَ لها، ثم آمُرَ رجلًا فيؤمَ الناسَ، ثم أخالفَ إلى رجالٍ فأُحَرِّقَ عليهم بُيوتَهم، والذي نفسي بيدِه، لو يَعلَمُ أحدُهم : أنه يَجِدُ عَرَقًا سَمينًا، أو مَرماتَينِ حسَنَتَينِ لشَهِدَ العِشاءَ)) . (صحيح البخاري)
أولاً: فتوى الإمام الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله-:
الأخ/ ع . م . من الرس بالمملكة العربية السعودية، يقول في سؤاله: نحن جماعة من الموظفين نعمل في إدارة حكومية تضم حوالي 30 موظفاً ونصلي في مصلى الإدارة خلف المسئول عن الإدارة وبعض زملائنا لا يصلون معنا بل يصلون في مسجد يبعد عنا حوالي 300 متر فما الصواب، هل نصلي في المصلى أم نذهب للصلاة في المسجد مع الجماعة علما بأن المسئول قال عندما قيل له في ذلك إنهم إذا ذهبوا إلى المسجد ربما تأخروا في العودة إلى أعمالهم. أفتونا جزاكم الله خيرا؟
الواجب على مثلكم أداء الصلاة في المسجد مع إخوانكم المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) قيل لابن عباس رضي الله عنهما - الراوي لهذا الحديث -: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض). رواه ابن ماجة والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح على شرط مسلم. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل أعمى ليس له قائد يقوده إلى المسجد هل له أن يصلي في بيته؟ قال له صلى الله عليه وسلم ((هل تسمع النداء للصلاة))؟ قال نعم قال ((فأجب)) أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وفق الله الجميع لما يرضيه.
نشرت في ( المجلة العربية ) ، في رجب 1414 هـ - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة الجزء الثاني عشر
ثانياً: فتوى صوتية للإمام الألباني -رحمه الله- بعنوان: (ما حكم الجمع في مصلى الجامعات والمؤسسات):
قال الإمام الألباني رحمه الله بخصوص الصلاة في مقرّ العمل والمسجد قريب:
"فمن كان موظفاً في شركة، كثيراً ما أُسأل، وقريباً سُئلت: هل يجوز من كان موظفاً في شركة لا تسمح له الشركة بأن يذهب لصلاة الجُمعة. قلت له بداية: لا يجوز له العمل في مثل هذه الشركة إلا بشرط أن يكون حراً ليس في أداء صلاة الجمعة فقط، بل وفي أداء صلاة الجماعة في أقرب مسجد لديهِ، هكذا نقول دائماً...".
أقول: وأما من قال بأنه يجوز الصلاة في مقر العمل حتى ولو سمع النداء وحتى لو كان المسجد قريباً، فلا أدري أي حُجة وأي دليل يملك أصحاب هذا القول! لا سيما وأن الأدلة تخالف هذا القول مخالفة صريحة بل أتى وعيد شديد في هذه المسألة!
فما بالكم بمن يقول من أصحاب الأعمال من العامّة الضلّال: "بل يلزم عدم الخروج من مقرّ العمل وتلزم الصلاة فيه وإن كان المسجد قريباً وإن سُمع النداء"!!
فبالنسبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل أعمى ليس له قائد يقوده إلى المسجد هل له أن يصلي في بيته؟ قال له صلى الله عليه وسلم ((هل تسمع النداء للصلاة))؟ قال نعم قال ((فأجب)). أقول: هذا الصحابي الأعمي -رضي الله عنه- قال بما معنى الكلام للنبي عليه الصلاة والسلام: ررخص لي يا رسول الله أن أصلي في البيت، فأنا أعمى لا أقوى على السير في الطريق، ولا أدلّ طريقاً، بل قد يدفعني هذا، ويصدمني هذا، ولا أجد من يقودني إلى المسجد. ولكن ما وجد له الرسول عليه الصلاة والسلام عذراً، فقال له: ((فأجب))، ولسان حاله عليه الصلاة والسلام يقول: هلمّ إلى المسجد يا عبد الله فلا أجد لك عذراً، هلمّ فلا صلاة لك في بيت، وإن كنتَ أعمى وإن كنتَ أعمى.
فكيف بمن يقول بكلّ وقاحة وبكل ضلال وفجور: "يلزمك أن تصلي في مكان العمل وإن سمعت النداء وإن لم يكن لك عذر من خوفٍ أو مرض وإن كان المسجد قريباً" ...؟! نسأل الله السلامة والعافية، آمين. فإن كان صحابي أعمى لم يرخص له النبي عليه الصلاة والسلام في ذاك الأمر، فما هو العذر الذي سنلقى الله به يوم القيامة ونحن نملك نعمة البصر التي لم يمتلكها ذلك الصحابي رضي الله عنه ونعمة السيارات المريحة والسريعة التي لم يمتكلها أحد من الصحابة رضي الله عنهم؟!
وأنا لا أتحدث أبداً عن حالة وجود عذر: كخوف أو مرض، أو حالة: عدم وجود مسجد قريب. إنما أتحدث عن حالات لا أدري بأي حق بعض الناس يدافع عنها؟! وما هي الأدلة التي يمتلكونها على ذلك؟! لا سيما أنها أتت أدلة تخالفها مخالفة صريحة واضحة.
ومن الضلالِ أن بعض المدراء الذين يعملون في الشركات يُلزمون الموظفين بأن يصلّوا في مقر العمل ويستدلون بأن هناك قضاة يصلون في المصلى في مقر عملهم!
فظن أولائك بأن العبرة بفعل الأشخاص وليس باتباع الدليل والحق. فأقول: الله أكبر، فإن كانوا هم قُضاة وصلّوا في مقر العمل من غير عُذر وهم يسمعون النداء والمسجد قريب منهم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام وسنته وأوامره أحب إلينا من فعل أولائك القضاة!
نسأل الله الثبات على الحق، آمين. على نهج وسنة النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام رضي اللهم عنهم، أجمعين، ونسأل الله أن يهدي من ضل من عباده المسلمين ويرشدهم إلى طريق الحق والصواب واتباع سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.