أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم

[أبو عبد الله هيثم فايد]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله, نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد:

فقد قال الإمام المبجل/ أحمد ابن حنبل -رحمه الله تعالى- كما في "أصول السنة" له:

أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والاقتداء بهم.

التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

قال فضيلة الشيخ العلامة/ أحمد بن يحيى النجمي -رحمه الله- كما في شرحه لأصول السنة:

قوله: ((أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)): الاستمساك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكون بالاستمساك بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين وأصحابه المهديين, وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف الفرقة الناجية من حديث الافتراق حيث قال: ((وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة, كلها في النار إلا واحدة. قالوا من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين على مثل ما أنا عليه وأصحابي)), إذا علمنا هذا فإنه يتعين على طالب العلم أن يقرأ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن يقرأ سير أصحابه وكيف كانوا؟ لقد طرأت البدع من بعدهم, ومن أوائل البدع التي طرأت بدعة الخوارج وبدعة الرفض ثم بدعة الاعتزال, والقدر, وهكذا.
ولقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقفون من هذه البدع وأصحابها موقف المنكر وموقف المغير فقد ثبت في صحيح مسلم أن عبد الله بن عمر لما أخبر ببدعة القدرية قال لمن بلغه: [إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برآء منهم وأنهم برآء مني ثم أنشأ يحدثهم بحديث أبيه في مجيء جبريل -عليه السلام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-].
وكذلك علي بن أبي طالب, وقف من بدعة الخوارج موقف المنكر, وأرسل إليهم ابن عمه حبر الأمة فناظرهم فرجع منهم أربعة آلاف وبقي الباقون على ما هم عليه ثم إنه قاتلهم يوم النهروان, وهكذا نرى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, قد وقفوا من البدع التي ظهرت في حياتهم موقف المنكر لها والمعادي لتلك البدع, ومما يتبين به بغضهم لأصحاب البدع حديث أبي أمامة في سنن ابن ماجة باب الخوارج حيث رأى رؤوس رجال من الخوارج قد صلبت فأخبر أنهم كلاب النار, وشر الخلق والخليقة. اهـ

وقال فضيلة الشيخ العلامة/ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله- كما في شرحه لأصول السنة:

هنا بعد أن ساق الإسناد إلى الإمام أحمد -رحمه الله- قال: ((أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-)) فالذي عليه أصحاب رسول الله هو المقياس للمحقين الذين يتمسكون بهذا الأصل, وهو ما كان عليه الرسول وصحابته الكرام, وما كان رسول الله وصحابته الكرام وخلفاؤه الراشدون إلا على الهدى والرشاد؛ على كتاب الله وعلى سنة رسول الله؛ في عقائدهم وعبادتهم ومعاملاتهم وسائر شئونهم, ولا سيما العقيدة؛ فأحمد -رحمه الله- يشير إلى هذا الأصل العظيم وهذه القاعدة العريضة التي لا يندُّ عنها شيء من الإسلام وخاصة العقيدة.
فيقول: ((أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)) خلافاً لأهل البدع فإنما يتبعون أهوائهم, ويعتمدون على عقولهم الفاسدة أو يزعمون أنهم يعتمدون على لغة العرب أو غيرها من القياسات الفاسدة.
أما الإمام أحمد ومن سَلَفَه من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام فإن الدين الذين يتمسكون به هو كتاب الله وسنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-, ولا سيما في مجال العقيدة, فهم لا يخرجون عن ذلك إن شاء الله, وفي ذلك الهدى المستقيم. اهـ

والاقتداء بهم

قال فضيلة الشيخ العلامة/ أحمد بن يحيى النجمي -رحمه الله-:

فمعنى ذلك أن نقتدي بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وأن نعتقد أنهم أفضل الأمة وأحبها إلى الله وأقربهم إليه وسيلة والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الصحابة هم أعلى الأمة إيماناً وأفضلهم عند الله مقاماً وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)).
إذن فهذه الآية يقصد فيها بالمؤمنين أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, أما الذي يتبع غير سبيلهم ويقتدي بغيرهم, فقد ضل ضلالاً بعيداً, وخسر خسراناً مبيناً ويكفيه أن الله توعده بأن يتخلى عنه ويوليه ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيراً والعياذ بالله.
وقد ظهر من هذا أن الواجب على كل طالب علم أن يتبع سبيل المؤمنين الذين هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه ينبغي له أن يستحضر هذا الوعد ويجعله نصب عينيه, ولنتذكر قول القائل من الإخوان:

إن للإخوان صرحاً *** كل ما فيه حسن
لا تـسلني من بناه *** إنـه البنا حسن

لننظر هل كان ما قرره حسن البنا في حزبه موافقاً لما عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو مخالفاً له؟!
لنكرر النظر من القاعدة إلى القمة ما هو الذي قرره حسن البنا في دعوته ومنهجه؟ هل أنكر الشرك الأكبر الذي يعمل في بلده؟ الجواب لا, هل أنكر البدع ومن أعظمها بدعة الصوفية التي تقول بوحدة الوجود؟ هل أنكرها على أصحابها؟! الجواب أيضاً: لا, فقد أثنى على الميرغني الصوفي السوداني الذي يقول بوحدة الوجود, وهكذا لننظر أيضاً في هذا المنهج وما فيه من بدع وشركيات وأمور يندى لها الجبين.
وهكذا أيضاً لننظر إلى منهج جماعة التبليغ فهل نراهم دعوا إلى التوحيد وعملوا به؟
الجواب: لا, بل ينكرون على من يدعو إلى التوحيد.
وهكذا يقال عن جماعة السرورية الذين يرون الخروج على الأئمة المسلمين أو الولاة المسلمين إذا فكرنا في هذه المناهج فهل نراها من سبيل المؤمنين أو من غير سبيل المؤمنين؟!
إذن؛ علمنا أن المقصود بالمؤمنين هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن سار على نهجهم, واقتفى أثرهم من أصحاب الحديث أئمة الهدى الذين حفظ الله بهم دينه وحفظ بهم سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. اهـ

وقال فضيلة الشيخ العلامة/ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-:

((والاقتداء بهم)): الاقتداء بأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهم القدوة وهم الأسوة ويشير إلى الحديث ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور)).
وكذلك حديث الفرقة الناجية حينما أخبر الرسول أن ((هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)). قالوا: من هي؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)).
ثم قال أيضاً في حديث آخر: (( تركتكم على البيضاء, ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها إلا هالك)).
فالصحابة تمسكوا بها, ولم نجد فيهم هالكاً -إن شاء الله-, وزاغ بعض الناس بعدهم؛ يعني: في آخر عصر الصحابة وكذلك في أوساط عهود التابعين, ثم انتشرت البدع فبدأت فرقة الخوارج والروافض الغلاة في آخر خلافة علي -رضي الله عنه-, فأرسل إليهم عبد الله بن عباس ليناظرهم, ثم بعد ذلك سلُّوا السيوف على المسلمين فقتلهم كما أمر بذلك رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأجمع على ذلك من كان في عهده من الصحابة لم يخالفه في ذلك أحد ولم ينتطح في ذلك قرنان.
الشاهد: أن الاقتداء بالصحابة فيه النجاة, هو سفينة النجاة؛ لأنهم شاهدوا نزول الوحي وتلقوا فقه القرآن والسنة وتطبيق ذلك من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فهم قدوة, ولهذا يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أنا عليه وأصحابي)).
ويقول: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)). اهـ

جمع وترتيب
الفقيرُ إلى ربِ العالمين
أبو عبد الله هيثم آل فايد