ما قولكم في وضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي وهل هو لا يأخذ حكم المساجد التي بها قبور ؟ الشيخ ربيع حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
جواب فضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
السؤال : ما قولكم ـ حفظكم الله ـ في وضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي وهل هو لا يأخذ حكم المساجد التي بها قبور ؟ نرجو توضيح المسألة .
الجواب :
هذا السؤال يأتي كثيرا ، ويورده أهل الضلال على أهل السنة ، والحق أنه لا الرسول أمر أن يوضع قبره في المسجد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولا الصحابة فعلوا ذلك ، والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إنما دفنوا رسول الله في حجرته خارج المسجد ولم يدفنوه في البقيع ، ما فعلوا هذا إلا لدرء فتنة أكبر ، لو دفنوه في البقيع لاتخذ من أول يوم قبره مسجدا .
كما قالت عائشة وابن عباس إن الرسول الكريم ـ عليه الصلاةوالسلام ـ وهو في حال الموت كان يضع الخميصة على وجهه فإذا اغتم بها كشفها وقال : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) قالت عائشة رضي الله عنها " يحذر ما صنعوا " يعني : يحذر أصحابه وهذه الأمة أن يصنعوا كما صنع اليهود فيتخذوا قبره مسجدا .
رأوا أنهم لو دفنوه في البقيع لاتخذ قبره مسجدا ، وفهموا من الرسول أنه يحذرهم من اتخاذ هذا القبر مسجدا ، فاجتهدوا ـ رضوان الله عليهم ـ إبعادا للأمة عن الوقوع في هذه الفتنة ، والوقوع في مشابهة اليهود فدفنوه في حجرته ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأن هذا أدفع للفتنة ـ رضوان الله عليهم ـ .
واستمر الصحابة على هذا لم يدخلوا قبر الرسول في المسجد وحاشاهم من ذلك ، حتى جاء أحد الخلفاء وهو الوليد بن عبد الملك رحمه الله ، وكان مولعا ببناء المساجد ويفعل خيرا كثيرا ، ولكن ـ والله أعلم ـ يرافقه طموحات ـ والله أعلم ـ طموحات الملوك ، فأمر بتوسعة مسجد الرسول الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فاقتضى ذلك أو بدا له أن يضموا إليها حجرات الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فضموها إلى المسجد .
ولما علم التابعون ومنهم سعيد ابن المسيب وهو من كبار التابعين ومن أئمة المسلمين استنكر ذلك ، بل استنكر ذلك كل أهل المدينة ، استنكروا أن تضم الحجرات إلى المسجد ، ولو وُفق لكانت الأٍض واسعة وكان يمكنه أن يوسع المسجد إلى الجهات الشمالية والجنوبية والغربية ، ولكن يعني حصل ما حصل من شراء الحجرات وضمها إلى المسجد .
وكان المشرف على البناء هو عمر بن عبد العزيز حينما كان أميرا على المدينة في خلافة الوليد ، وكان ذلك الوقت حاله حال الأمراء ، ما بلغ من العلم والزهد والورع ما بلغه في أيام خلافته ، وحينما أسند إليه أمر هذه الأمة ، يعني تغيرت حياته تماما وأصبحت خلافة راشدة ، وأما في حياة الوليد فكان واحدا من الأمراء وكان أفضلهم .
فأدخل الحجرات في المسجد وعمل احتياطا بنى على الحجرة وعلى القبر وعلى القبر سورا مثلثا يعني : الحائط ، هذا البناء يمنع من استقبال القبر ، فما يستطيع بهذا البناء أحد أن يستقبل قبر الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فهذا العمل من الخليفة الأموي الوليد ليس بحجة ن يعني : إدخال الحجرات في المسجد ليس بأمر الرسول حتى يكون حجة ، ولا بفعل الصحابة حتى يكون حجة ، وإنما كان من خليفة من الملوك ، يعني أدخله رغم أنوف العلماء ، فبعد ذلك ما استطاع الناس أن يخرجوه من هذا الموضع .
وأنا قلت مرة : حتى عمر بن عبد العزيز في خلافته الراشدة يمكن لم يستطع إخراج هذا القبر ، يهدم المسجد مرة أخرى لأنه وضع يترتب عليه مفسدة كبيرة وفتن قد تؤدي إلى القتال وإلى ...وإلى ...
ولما جاء العهد هذا عهد الدولة السعودية ، وكان فيها علماء أهل عقيدة وأهل علم وأهل غيرة ومن برنامجهم ومن دعواتهم هدم البناء على القبور ، وإخراج القبور من المساجد ، وهدموا القبور التي في البقيع ، وهدموا القبور التي في مكة ، وما أكثرها ، وكانت قبابا كبيرة وكان ...وكان ... فهدموها ، لكنهم لم يستطيعوا أن يهدموا هذا المسجد ، ولم يستطيعوا إخراجه ، بل ما استطاعوا أن يفعلوا ما هو دون هذا .فلو أردت الآن أن تزيل حرفا من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لتحرك العالم الإسلامي كله ، لأن أغلب الناس خرافيين ومبتدعين وروافض وكذا ...وكذا ...فيعذر الناس أو الحكام لو عجزوا عن إخراج هذا القبر .
كان بعض العلماء يقترح أنه إذا وسع المسجد أن يوسع إلى الجهات الثلاث حتى في هذا الوقت ، ويعود القبر إلى ما كان عليه ، لكن ما أحد يستطيع ذلك ، كما تعرفون ، وفي الشريعة الاسلامية : ارتكاب أدنى المفاسد لدرء أكبرها ، وفي الشريعة الإسلامية : (( لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها )) [ البقرة : 286 ] .
فلو أن الأمة الإسلامية كلمتها واحدة ، وعقيدتها واحدة ، ومنهجها واحد ، قالوا والله تعالوا نتفق على توسعة المسجد إلى الجهات الثلاث ، ونعيد القبر إلى ما كان عليه في عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ هذا طيب .
ولكن تعلمون أن الأمم مختلفة ومتفرقة ، وهناك أناس ـ بارك الله فيكم ـ يريدون الفتن ، فيعني تركه على ما هو عليه أدنى المفاسد لدرء أكبرها ، هذا ما أقوله حول هذا السؤال .
المصدر :
شريط بعنوان : إزالة الإلباس عما اشتبه في أذهان الناس
فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله [ ص 296 ج 2 ]
|