منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-23-2013, 09:53 PM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف - هداه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,340
شكراً: 0
تم شكره 33 مرة في 31 مشاركة
افتراضي جمعيّةُ ابنِ باديس نَصَبَتْ مِيزَانًا هُوَ الفَيْصَلُ... فَلِمَ المُصَادَرَة يا دكتور هَمّال؟ بقلم : الشَّيخ سمير سمراد -حفظه الله

جمعيّةُ ابنِ باديس نَصَبَتْ مِيزَانًا هُوَ الفَيْصَلُ... فَلِمَ المُصَادَرَة يا دكتور هَمّال؟

بقلم : الشَّيخ سمير سمراد -حفظه الله




بسم الله الرحمن الرحيم




ردًّا على ما كتبه الدّكتور محمّد همّال بعنوان: «شيوخ جمعيّة العلماء متأثّرون بمحمّد عبده فلماذا يحتمي بهم السَّلفيُّون؟»[ونشرته جريدة «الشّروق اليوميّ»، عدد (3939)، 27 فيفري 2013م/ 16 ربيع الثاني 1434هـ، (ص21)]





قرأتُ ما كتبه الدكتور همال حول تأثّر جمعية ابن باديس بمحمّد عبده أو بفكره، أو ما سمّاه بواقع الجمعية الفكري المغاير لفكر السّلفيّين، حيثُ صَنَّفَ استشهادات السّلفيّين بكلمات علماء الجمعيّة ومواقفهم في خانة الظّواهر (المتشابهة) (المشتبهة)؟ الّتي لا تَعْدُو عنده أن تكون مجرّد شُبهات، أمّا الدّليل -أو الدّلائل- عند الدكتور فهو ما قال عنه: (منطق التفكير) أو (الواقع الفكري)... قرأتُ ما سطّره، فإذا هو مُصادرةٌ وحَيْدةٌ عن محلّ النّزاع بين السّلفيّين ومخالفيهم، أو هُو تشويشٌ ليس إلاّ، وقلبٌ للحقائق، حيثُ جعل النُّصوص الّتي هي أصولٌ ظواهرَ مشتبهات، وجعلَ من مجرّد ثناء على إصلاح مدرسة عبده ورشيد رضا –الّذي هو في الحقيقة مجرّد محاولة واجتهاد لتطبيق تلك النّصوص (الظّواهر!) على حدّ تعبير الدكتور، أو النّصوص (الأصول) على حدّ تعبيرنا-، جَعَلَهُ هو الأصل الّذي تُردُّ إليهِ تلك الظّواهر، وينقشعُ عنده ذلك (التّشابه) أو تلك (الشّبهات). والدكتور في هذا أَشْبَهَ أهلَ الفِكر الاعتزاليّ (البدعيّ)، الّذي حَكَّمَ العقل-وهو عنده قاطعٌ- في نصوص القرآن والسّنّة –وهي عندهم ظواهر- وجعله قاضيًا عليها، فما لم يرتضه العقل ولم يشهد به فإنّه يُعَطَّلُ لفظه ومعناه أو يُعطَّلُ معناه دون لفظه، وليسَت تخفى أفاعيلُهم في بابِ صفاتِ الله تعالى. تلك جنايةُ المعتزلة ومن تأثّر بهم وورثَ تركتهم، وهذه جنايةُ الدكتور، في محاولةٍ يائسة منه، يُرِيدُ بها إثبات الاختلاف والتّباين بيننا معشر السّلفيّين وبين جمعيّة ابن باديس، والدكتور يعني الاِختلاف الجذريّ والتّباين الحقيقيّ... وهيهات أن ينطليَ ذلك على العارفين بحقائق الأمور الواقفين على تفاصيلها ودقائقها، وهذا البيان:

1 - ابنُ باديس ومَن معهُ نَصَبُوا لنا ميزانًا وقسطاسًا مستقيمًا، ورسموا حجَّةً ناصِعةً ووضعُوا برنامجًا دينيًّا واضِحًا، بيّنةً معالِمُهُ، مُشرقةً خصائصُهُ، هيَ أصولُ الدَّعوةِ السَّلفيَّة التّي رفعوا لواءَها وانتسبُوا إليها، وصارُوا يُلقّبُونَ أنفسهم لأجلها: جماعة السَّلفيِّين، وإلى تلك الأصول يردّون ما يكونُ مِن نزاعٍ بين المتنازعين، وبذلك الميزان يُميّزون بين الحقّ والباطل والسّنّة والبدعة والخطأ والصّواب، لأنّهُ الميزان المعصُوم، فقد أعلنَ ابن باديس وجمعيّتُه رُجُوعهم وتمسُّكهم بمذهبِ السَّلَف الصَّالح، وأنّهم يقصدون به «أهل القرون الثّلاثة المشهود لهم بالخيريّة على لسانِ الصَّادِق المصدوق»، وأنّ فهمَهُم: «أصدقُ الفُهُوم لحقائق الإسلام ونُصُوص الكتاب والسُّنّة» [«آثار ابن باديس»(5/154)]، وأنّهم يَعنون بالرُّجُوع إلى مذهبهم: «تَطبيق ما هُم عليهِ اليومَ مِن عقائد وأعمال وآداب على ما كان في عهِد السَّلَفِ الصّالح؛ فما وافقهُ، عَدَدْنَاهُ مِن دينِ اللهِ، فعمِلنا بهِ... ومالم يَكُنْ معروفًا في عهدِ الصَّحابةِ، عَدَدْنَاهُ ليسَ مِن دينِ اللهِ» [تقرير التبسي كاتب الجمعيَّة على «رسالة الشّرك»(ص27)]، «فكُلُّ عقيدةٍ»، «لم نجِدْهَا في كلامِ أهلِ ذلك العَصْرِ نكونُ في سَعَةٍ مِنْ رَدِّهَا وطَرْحِهَا وإِمَاتَتِهَا وإِعْدَامِهَا، كَمَا وَسِعَهُم عَدْمُها»، «ولا نَعْتَقِدُ في دِيننا إلاَّ مَا اعْتَقَدُوا ولا نَعْمَلُ فيهِ إلاَّ مَا عَمِلُوا ونَسْكُتُ عَمَّا سَكَتُوا»[«آثار ابن باديس»(3/155) بتصرّف يسير].
2 - ومِن الأُصُول السّلفيَّة التّي قرَّرُوها: «العُلماءُ الثِّقاتُ حُجَّةٌ فيما يَأْثِرُون-أي: فيما ينقلونه من الآثار عن الرّسول والصّحابة-، لا فيما يَفْعَلُون أو يُقِرُّون، ولا يكونُ الفعلُ أو التّقريرُ حُجّةً إلاّ مِن المعصوم» [«رسالة الشّرك»(ص54)]، «الحُجَّةُ لكتابِ اللهِ ولسُنّةِ رسوله، فلا حَقَّ في الإسلام إلاّ ما قام دليلُهُ منهما واتَّضَحَ سبيلُهُ مِن عملِ الصّحابة والتّابعين بهما، أو إجماعُ العلماء بشَرْطِهِ على ما يَسْتَنِدُ عليهما. وبهذا الميزان فأعمالُ النَّاسِ إمَّا حقٌّ فيُقْبَلُ أو بَاطِلٌ فيُرَدُّ» [«آثار الإبراهيمي»(1/174)]، «كان العلماءُ يَردُّون كلَّ ما اختلفوا فيه مِن كلِّ شيءٍ إلى كتاب الله وسُنّةِ رسوله، لا إلى قول فلان، ورأيِ فُلان، فإذا هُم متّفِقُون على الحقِّ الّذي لا يَتَعَدَّد» [«آثار الإبراهيمي»(4/111)].
ومِن أمثلةِ تطبيقاتِ الأوّل: ردُّهم لبدعِ الطّرائق الصّوفيّة وأوضاعها المخترعة التّي لم يعرفها السّلف، وهو معلومٌ مشهورٌ. وردّهم لبدع الطّرائق الكلاميّة من معنزلة وأشعريّة وماتريديّة، فالإبراهيميُّ في فصل «بدء تفرّق المسلمين في الدِّين» يقولُ: «فظهرَ أصحابُ المقالات في العقائد، وأَحْدَثُوا بدعةَ التَّأويل الّذي هُو في الحقيقةِ تحريفٌ مُسمًّى بغيرِ اسمه»، ويقول: «فما معنى إضاعة الوقت وإِعْنَات النَّفس في معرفة هذا العِلم المسمَّى بعلم الكلام» [(1/167)]، وقال عن علماءِ السَّلَف: «وكانوا يَقِفُون عند نُصُوصه مِن الكتاب والسُّنّة، لا يَتَعَدَّونها ولا يَتناولُونَها بالتّأويل» [(1/163)]، وابنُ باديس كذلك يُدينُ مناهجَ أهلِ الكلام مِن معتزلة وأشعريّةٍ، ويقول: «لقد ذهب قومٌ مع تشكيكاتِ الفلاسفة وفروضهم، ومُماحكات المتكلِّمين ومُناقضاتهم، فما ازدادوا إلاّ شكًّا، وما ازدادت قلوبهم إلاّ مرضًا، حتّى رجع كثيرٌ منهم في أواخر أيّامهم إلى عقائدِ القرآن وأدلّة القرآن، فشُفُوا بعد ما كادُوا كإِمامِ الحرمين والفخر الرّازيّ» [«تفسير ابن باديس»(ص257)]، كما قرّرَ ابنُ باديس تخلّصَ رشيد رضا «ممّا في كتاب «الإحياء» مِن الخطأِ الضّارّ وهو قليلٌ -، ولا سيّما عقيدةُ الجَبْرِ والتّأويلات الأشعريّة والصُّوفيّة...» [«الآثار»(3/85)]، وأبو يعلى الزّواويّ يُقرّرُ هذا أيضًا ويُلزِمُ المُخالفَ بالأصل المُقرَّر، ويقول: «ثمَّ لِنَنْظُر الآن هل العملُ كذلك مثل القول، لا يُمكنُ بحالٍ أن يخالف الكتاب والسُّنّة وما كان عليه محمَّدٌ (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابه رضي الله عنهم؟؟ لم يكن محمَّدٌ (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابُهُ أشعريِّين ولا ماتُريديّين ولا شِيعة ولا إباضيّة وهَلُمَّ جرًّا، وكذلك لم يكونُوا قادِرِيِّين ولا خَلْوَتِيِّين ولا شاذِلِيِّين ولا رِفَاعِيِّين ولا عِيسَاوِيِّين إلخ».
ومن أمثلةِ تطبيقاتِ الثّاني: ردُّ ابن باديس وإخوانه على شيخهم في جامع الزّيتونة: ابن عاشور، الّذي نصر بدعة القراءة على الجنائز، وهو معلومٌ مشهورٌ، شدّدوا فيه اللّهجة على هذا الشّيخ بل وعلى غيرهِ مِن شيوخ الزّيتونة، وذلك لأنّهم لا يُقلِّدون ولا يُقدّسون آراء الرّجال. وكذا إلزامُ ابن باديس الحُجّةَ لابنِ عليوة المستغانمي وأصحابه حينَ يُقرّر: «أنّ جميع علماء الإسلام مِن المفسّرين والمحدّثين والفقهاء والمتكلّمين وشيوخ الزُّهد المتقدّمين - تتّسعُ صُدُورُهم لأَنْ يُؤخذَ مِن كلامهم ويُرَدّ»، ليُبطلَ عقيدةَ العِصمة المستقرّة في أذهان أهل التّصوّف، ولِيدعُوَهم لأَنْ «يُوزَنَ كلامُ الشّيوخ بميزان الكتاب والسّنّة مثل غيرهم من علماء الإسلام»[(4/248)].
أمّا محمّد عبده ورشيد رضا، فما ثناءُ علماء الجمعيّة عليهم وإعلانهم بأنّهم يجرُونَ على طريقتهم، إلاّ لأنّهم كانوا يعتقدُونَ فيهم أنّهم يسيرُونَ على تلك الأصول وينصرُون تلكَ الطَّريقة السّلفيّة الّتي بيّنوها ووضّحوها وأعلنُوا بها، فلو طلبنا الإصلاحَ الّذي مدحُوا به أولئك فلن نجدَ إلاّ تلك الأصول والمعالم ليس هناكَ غيرُها. فإذا جاؤوا يمدحون (عبده) فإنّهم يذكرون ثورته على التّقليد والجمود ودعاة الجمود ودعوته إلى التّجديد في أساليب التعليم والدّراسة وإصلاح الأزهر، وبهذا أخذ ابن باديس حينَ تصدّى لتكوين نشءٍ علميّ، ولأجله قاومه أهل الجمود في الجزائر كما قاوموا (عبده) في مصر، ولأجله قالوا عن ابن باديس ومن معه (عبداويُّون)، وبمثل هذا مدحَ من مدحَ (عبده) من علماء نَجْدٍ مِن معاصريه، لِمَا بلغهم من الأمور المستحسنة عنهُ. وهم حينما يمدحون (عبده) يمدحونه بالدّعوة السّلفيّة ويذكرونه بدعوته إلى تلك الأصول لا إلى غيرها، فابن باديس لمّا يكتب «الدعوة الإصلاحيّة هنا وهنالك» يقرن بين ابن عبد الوهاب وعبده، ويُقرِّرُ: «...كان هؤلاء المجاهدون كلُّهُم: «يَدعون النّاسَ إلى الرُّجُوعِ في دينهم إلى الكتاب والسُّنَّة وإلى ما كان عليه أهلُ القرون الثّلاثة خير هذه الأُمّة الّذين هُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ فيها، وأَشَدُّهُمْ تَمَسُّكًا بِهِمَا». هذه الكلمات القليلة المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفة –أي: صحيفة «الشِّهاب»- منذُ نشأتِها ويُجَاهِدُ فيه المصلِحُون مِنْ أَنْصَارِهَا. وهي ما كان يدعو إليه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله، وهي ما كان يدعو إليه الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب (رحمه الله)..»اهـ.
ولا يُغْفَلُ كون (عبده) مِن أوائل أو هُو أشهر مَن نبَّهَ على فساد المتصوِّفة في العهد الأخير، وهو الّذي كانَ «يُثْنِي في دروسه بالأزهر على الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب، ويُلقِّبهُ بالمصلح العظيم، ويُلقي تبعة وقْف دعوته الإصلاحيّة على الأتراك وعلى محمّد علي...لجهلهم ومسايرتهم لعلماء عصرهم ممّن ساروا على سنّة مَنْ سَبَقَهم مِن مؤيِّدي البدع والخرافات ومجافاة حقائق الإسلام» [كتاب البنعلي عن ابن عبد الوهاب (ص118)]، وكانوا أيضًا يمدحون (عبده) لدعوته إلى رقيّ الأمّة الإسلاميّة والأخذ بأسباب القوّة والحياة والدّعوة إلى النّهضة السّياسيّة وغير ذلك، وكانَ لعلماءِ الجمعيّة مشاركاتٌ في هذا الميدان وجولاتٌ وصولاتٌ مع الاستعمار.
أمّا لو أجرينا تطبيقًا للتّأصيل الثّاني، فإنّهم ما كانوا يُقلّدون عبده ولا رشيد رضا ولا غيرهما في ما يُخالف الأصول المذكورة، وإذا توافقوا معهما فيما هو مِن الأخطاء عند غيرهم من السّلفيّين، فهو من اجتهادهم الّذي يُخَطَّؤون فيه ولا يُتابعُونَ عليهِ، وقد تعلّمنا منهم أنّ ميزان الكتاب والسّنّة وفهم السّلف هو الحَكَم وبه تُوزنُ الأقوال والأفعال.. إلخ، وتعلّمنا منهم أنّنا لا نَتْرُكُ دِينَ اللهِ لأحدٍ، وأنّ الدِّينَ هو الحجّةُ على كلِّ أحدٍ. فلا يضرّهم ولا يَعِيبُهُم أَنْ كُنَّا نعرضُ ما يصدُرُ عنهم على هذا الميزان، والسّلفيّون اليومَ دون غيرهم يُحاكِمونَ إلى هذا الميزان سائر الشّيوخ قديمًا وحديثًا، وحتّى الشّيوخ والأئمّة في هذا العصر، ابن باز والألباني وغيرهما.
لئن قيلَ إنّ عبده كان فكره اعتزاليًّا أو كلاميًّا –مع أنّ رشيد رضا يدافع عن شيخه ويقول كان ينصر مذهبَ السَّلف-، فإنّنا لا نجدُ في تطبيقاتِ ابنِ باديس وإخوانه هذه النّزعةَ الخَلَفيَّة في الاعتقاد، بل نجدُهم يُقرّرون التّوحيدَ السّلفيّ الّذي أغفلهُ عبده في «رسالة التوحيد» متأثّرًا بدراسةٍ خَلَفيّة قديمة، تفاداها ابن باديس ومِن قبلِهِ رشيد رضا الّذي استدركَ على شيخه، ونجدُ رشيد رضا يُقرّر بقوّةٍ مذهبَ السَّلف في الصّفات وإثبات عقيدة العُلُوّ ويَرُدُّ على من يقول إنّ الإيمان بظواهر النّصوص كفرٌ ردًّا على أحد مشيخات الأزهر، وينقلُ ذلكَ كلَّهُ مُقِرًّا لهُ: ابنُ باديس في مجلّته. ولئن طغت على (عبده) نزعة عقلانيَّة يتبرّأُ منها مذهبُ السَّلَف، تورّط فيها رشيد رضا زمانًا وبدأ يتخلّصُ منها شيئًا فشيئًا، فإنّنا لا نجدُ شيئًا من ذلك في تقريراتِ ابن باديس وإخوانه، بل على العكسِ من ذلك، وجدنا خلافه، فالإبراهيميُّ عقد مقارنةً بين علماء السَّلَف وعُلماء الخَلَف، وقال يَنْعَى على عُلماء الخَلَف: «لم يَفهموه –أي: الدِّين- على أَنَّهُ عقائدُ يَتْبَعُ العَقْلُ فيها النَّقْلَ»[(4/109–114)].
ولئن قيلَ: ألم يبلغ أهلَ الجزائر ما تكلَّمَ به المعاصرون لعبده من انتقاداتٍ عليهِ؟ أقول: لا شكّ أنّها تبلغهم أو يبلغهم بعضها، لكنَّها في كثيرٍ منها، كانت تصدرُ عن الحسدة، فما كانوا يقبلون شهادةَ هؤلاء على من يخاصمونه ويحسدونه، وكثيرٌ منها كان مصدره ومُشِيعُهُ الخرافيّون القبوريُّون الّّذين كانوا يعادون صاحب (المنار) وشيخه، كالنّبهاني الخرافيّ الشّهير، وهو الّذي كان يردّد بأنّ (عبده) كان يجاهر بترك الصّلاة، وقد قامت دلائلُ عند أهل الجزائر على براءته من ذلك وعلى أنّه كان من أهل الصّلاة والتمسّك بالدّين [انظر «مذكرات خير الدين»(1/88)]. أمّا الورطات الّتي دخل فيها رشيد وشيخه [انظرها في كتاب «منهج المدرسة العقليّة في التّفسير» فإنّنا لا نملكُ دليلاً على موقف علماء الجمعيّة منها قبولاً أو ردًّا، بل الّذي نجزم به أنّهم لم يكونوا يدعونَ إلى ذلك أو يُشهرونَ بهِ، والّذي أُرَجِّحُهُ أنّ الوضعَ في الجزائر لم يكن يسمح بإثارةِ ذلك-فالخصومة كانت شديدةً حول القطعيّات من أصول التّوحيد وكبائر الغلوّ في الاعتقاد وغيره-، وقد ثبتَ لدينا أنّ الطّرقيِّين المخرّفين كانوا يحاولون جَرَّ المصلحين في الجزائر إليها وينسبونَ تلك الشّذوذات إليهم، فما لقوا منهم إلاّ الإعراض، لأنّ هذا في نظر ابن باديس وجمعيّته –فيما يبدو- كلُّهُ تشويشٌ على الحقّ الّذي رفعه (عبده) ورشيد والّذي دعا إليه جميعُ المصلحين في العالم الإسلاميّ كما قرّره ابن باديس.
أمّا الشّيخ المكّي بن عزّوز الجزائريّ الأصل التّونسيّ النّشأة فقد أنكرَ –وهو بالمشرق- ذلك المسلك الّذي سلكه رشيد وشيخه وصرَّحَ بأنّ السّلفيَّة الحقَّةَ بريئةٌ من مسلكهما في ردّ بعض السُّنن والطّعن فيها.. إلخ، وأنكرَ ذلكَ تلاميذ رشيد رضا ومحبُّوهُ وأنصارُهُ.
وأكتفي بكلامٍ رصينٍ منصفٍ قرّره علاّمةٌ شهيرٌ من تلاميذ رشيد وهو عبد الرّزّاق حمزة خطيب المسجد النّبويّ والمدرس في المسجد الحرام في بدايات العهد السعوديّ، حيثُ يذكرُ في كتابه «ظلمات أبي ريّا»: تشكيك رشيد رضا في أحاديث أشراط السّاعة والخوارق والآيات والمعجزات، وكشفَ كيفَ رضعَ هو وشيخُهُ (عبده): «لبانَ فلسفة القرن الثّامن عشر والتّاسع عشر»، ليقول: «أنا تلميذ السّيّد رشيد رضا رحمه الله، واستفدتُ منه ما أشكر اللهَ عليه... ولكنّ ذلك لا يمنعني أن أُخالفه إلى ما يظهر لي من الحقّ»، ثمّ اعتذرَ عنهُ وعن شيخِهِ (ص236-237).
أقول: والظّنّ بالمصلحين الجزائريّين أنّهم يُنكرون على رشيد وشيخه ما هو منكرٌ، ولا يتبعونه في أخطائه وإن اعترفوا بفضلِهِ وحسن بلائه في نصرِ مذهبِ السَّلف في كثيرٍ.
نعم، ظهر في العهد الأخير وثائق تدينُ انحرافات (عبده) و(الأفغانيّ) وورطات أخرى خطيرة، لم تظهر من قبلُ، وظهرت دراساتٌ مُعمَّقةٌ تتبّعت وكشفت المستور، فلئن كانَ رأيُ السّلفيّين اليومَ في (عبده) غير رأي ابن باديس وجمعيّته فيه قبلَ اليوم، فلكلٍّ من الحُكمينِ ظروفٌ وملابساتٌ، ولا نشكُّ في أنَّها لم تظهر لهم، أو ظهرَ بعضُها فلم يثقوا بنقلِهِ أو اعتذرُوا لصاحبه أو تأوّلوهُ لهُ... إلخ، المقصود أنّ ما ادّعاه الدكتور همّال من كونِ هذا الّذي أثاره من موضوع (عبده) هو الدّليل القاطع الّذي يقضي على تلك الظّواهر والشّبهات، وجعلهُ أصل الأصول وهدمَ الأصول الحقيقيَّة، ما هو في الحقيقةِ إلاّ نوعُ مغالطةٍ، بل في ضوءِ ما بيّنَّا، موضوع (عبده) هو المشتبه، وقد رددناهُ بحمدِ الله إلى المحكمات الواضحات، وهي أصولٌ ومُقرَّرات وقواعِدُ خطَّها علماء الجمعيَّة وسطّروها شعارًا لهم ومنهاجًا يأخذون بهِ، وتأيَّدت بتطبيقات وشواهد مؤكِّدات.
وهناك أشياءُ لا يتبنّاها السّلفيّون اليومَ كان قد تبنّاها ابنُ باديس وجماعته، إنّما الحَكَمُ بيننا وبينهم تلك الأصول، فالرّدُّ إليها، واختلافُنا معهم فيها إنّما هو راجِعٌ في كثيرٍ منه إلى (الاِشتباهِ) في مخالفتها للمبدأ السَّلفيّ، وإلى تأثيراتٍ وغشاواتٍ كانت في زمانهم وبيئتهم، دون أن ننسى تأثير وهيمنة مدرسة (المنار)، على أهل الفِكر والزّعامة الدّينيّة الإصلاحيّة في ذلك العصر، والّتي كان لها –أي مدرسة المنار- تأويلاتٌ في كثيرٍ من القضايا العصريّة الّتي يُنكرها السّلفيّون اليومَ بالدَّلائل. ثمَّ أرجعُ لأقرّرَ ما قرّره الإبراهيميّ: «الحَكَمُ بينَنا هو الدّليل»[(1/272)].

التعديل الأخير تم بواسطة سفيان الجزائري ; 03-24-2013 الساعة 05:17 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-24-2013, 01:30 AM
أبو عبد الله بلال يونسي أبو عبد الله بلال يونسي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 194
شكراً: 10
تم شكره 7 مرة في 5 مشاركة
افتراضي

لا فض فوك أخي سمير فقد أجدت وأفدت وبينت فأحكمت
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-24-2013, 05:18 PM
سفيان الجزائري سفيان الجزائري غير متواجد حالياً
موقوف - هداه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,340
شكراً: 0
تم شكره 33 مرة في 31 مشاركة
افتراضي

شكر الله لك على مرورك الكريم
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:46 PM.


powered by vbulletin