الرد على تلبيس د. عبدالله الطريقي في كتابه طاعة ولي الأمر
كتب الدكتور عبدالله الطريقي كتاب أسماه " طاعة أولي الأمر" وقد لاحظت في بداية قراءتي للكتاب وأنا لم أكمل الكتاب بعد لكن لعلي أكمله الليلة ولكن أريد الاستفسار حول شيء:
في صفحة 26 في سياق ذكره طاعة ولاة الأمر بالمعروف فذكر أنهم يطاعون إذا أمروا بما هو واجب شرعاً وبما هو مندوب شرعاً، ومثل لكلٍ منهما، ثم عرج على الطاعة في المباح قال:" وأما الطاعة في المباح: مثل الأمر بالتزام التنظيمات الإدارية التي لا تتعارض مع الشريعة، كتحديد أوقات العمل (الدوام) الرسمي بدءاً ونهاية وتوزيع الصلاحيات والاختصاصات لكل موظف.
والأمر بتعلم العلوم التطبيقية والمهنية ..." ثم ذكر خلافا لبعضهم حول حكم الطاعة في المباح ، وآخر المطاف بذكره الخلافات ذكر ما يظهر له وهو أن يفصل بين إذا ما أمر الوالي بالمباح أو نهى عنه، فذكر أنه إذا أمر ولي الأمر بالأمر المباح شرعاً مثل التنظيمات الإدارية أو تعلم العلوم الدنيوية فهذا يجب امتثاله إلا إذا كان المباح وسيلة لمحرم، أما إذا نهى عن مباح -وهو محل الشاهد- قال: أما إذا نهى عن أمر مباح مثل أكل اللحوم وزراعة بعض الثمار و ركوب بعض المركبات والسكنى في أماكن معينة ومثل: الحديث في أمور السياسة أو التجمعات ومثل تعدد الزوجات والطلاق وغير ذلك ، فهذا محل نظر بحيث يفرق بين النهي الفردي والنهي الجماعي فإن كان فردياً أي مقصود به أفراد محدودين كأن ينهى الإمام شخصاً أو أشخاصاً محدودين عن السفر خارج البلاد أو عن سكنى في مدينة ما أو عن الزواج بالكتابيات.
فمثل هذا تجب الطاعة فيه إذا رؤي توخي الإمام للمصلحة العامة فيه والمخالف يعتبر عاصياً، ولعل مما يشهد بذلك ما اشتهر عن عمر -رضي الله عنه- أنه نهى بعض الصحابة عن الزواج بالكتابيات" .
قال بعد ذلك " .. وإن كان جماعياً -أي مقصود به جملة الناس- وذلك بأن يصدر تعميمات عامة وقوانين منظمة فهذا لا يطاع فيه لأنه يعتبر بمثابة التشريع .."
وقال في صفحة 30" .. وكذلك لو أمر بتعليم اللغات الأجنبية مع إهمال اللغة العربية أو أمر بالاختلاط بين الطلبة والطالبات في المرحلة الابتدائية مثلا أو أمر باتخاذ التاريخ الميلادي تاريخاً رسمياً ، أو نهى عن عقد الدروس والمحاضرات في المساجد فلا تجوز طاعته".
وأنا إذ أورد هذا الكلام للكاتب لايعني بالأول موافقتي عليه بل أريد التوضيح والبيان من طلبة العلم في هذا وهل مورد الخلاف هنا معتبر شرعأً بحيث أن لكلٍ حظ من الدليل؟ مع ما ليس يخفاني من كون هذا الأمر مسلم به بحيث إذا منع ولي الأمر الكلام بالسياسة فإن من المعلوم عندنا طاعته والسمع له ، ولكن إيرادي لمثل هذا الكلام ما أردت منه إلا تعقيباً أو رداً أو بياناً لحال الكاتب، وهذا الكتاب يوزع بين السلفيين وجزاكم الله خيرا وأرجو أن أكون عند حسن الظن والسلام عليكم.
قال الشوكاني: ((التقليد هو قبول رأي الغير دون روايته من دون مطالبة بالحجّة، وتعديل المعدّل للراوي ليس من الرأي في وِرْدٍ ولا صَدَرٍ، بل هو من الرواية لحال من يُعدّله أو يجرّحه؛ لأنّه ينقل إلينا ما كان معلوماً لديه من حال الراوي، وهذا بلا شك من الرواية لا من الرأي فلا مدخل لهذه المسألة في التقليد، وقد أوردها بعض المتأخّرين بقصد التشكيك على المدّعين للاجتهاد زاعماً أنّهم لم يخرجوا عن التقليد من هذه الحيثيّة، وأنت خبيرٌ بأن هذا تشكيك باطل نشأ من عدم الفرق بين الرواية والرأي)).
وقال أحمد: "ومن زعم انه لايرى التقليد, ولايقلد دينه احداً فهو قول فاسق عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم,انما يريد بذلك إبطال الأثر وتعطيل العلم والسنة,والتفرد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف.".
(لا يطعن في المشائخ السلفيين والعلماء الربانيين إلا صاحب هوى بغيض ..
عبدالله شعبان من القصيم)
الرد على رسالة أخي أقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
من ماهر بن ظافر إلى أخينا عبدالله شعبان ( طالب العلياء )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فإن التفريق بين طاعة ولي الأمر في الأمور المباحة بين التنظيم الجماعي الذي وجد المقتضى عند الحاكم المسلم لوضعه والأمر الفردي فيجب في الثاني ولا يجب في الأول محدث لا دليل عليه بل له طاعة واجبة في الأمرين كلاهما وذلك من عدة وجوه :
الوجه الأول : مارواه مسلم في صحيحه فقال: حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ .
ففي ذلك رد على الطريقي -هداه الله- وذلك أن إرجاع المرأة بعد طلاقها في مجلس واحد كان مباحا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وزمن أبي بكر وسنتين من خلافة عمر فمنع هذا الذي كان مباحا لا تشريعا نسبه عمر إلى الله وفادعى النسخ أو قال فيه أنه حكم الله أو أنه خالف فيه حكم الله بل لمقتضى رآه وهو أنه كثر الطلاق بتلك الصورة فنهى عن فعل ذلك المباح وهو إرجاع المرأة المطلقة ثلاثا في مجلس واحد بإمضاء الثلاث بثلاث ولم ينكر عليه أحد من الصحابة نهيه عن فعل ذلك المباح وهو إرجاع المرأة لمن طلقها ثلاثا في مجلس واحد فسمعوا له الصحابة وأطاعوا إجماعا ولم يكن نهي عمر عن فعل ذلك المباح فرديا بل تنظيما كما يقول الطريقي -هداه الله- جماعيا فتبين شذوذ الطريقي بمثل تفصيله ذلك المحدث .
الوجه الثاني : أن هذا التفريق الذي تكلم به الطريقي لاسلف له به وقد قال الإمام أحمد: " إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ".
الوجه الثالث : إذا لم يكن عند الطريقي أن نهي واحد أو اثنين من قبل الحاكم عن فعل مباح تشريع فلماذا يجعل نهي الثلاثة والأربع وكل أفراد الدولة تشريعا؟ فإن الشريعة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية لم تفرق بين متماثلين فما الفرق ؟...
فلا تجد إلا أنه تفريق عقلي لادليل عليه .
الوجه الرابع : أن النصوص الآمرة بطاعة الحاكم المسلم وإن عصى عامة لم تفرق بين طاعته إذا كان أمره فرديا وطاعته إذا كان الأمر جماعيا تنظيميا فالتفريق محدث .ولم تستثن النصوص إلا طاعته في فعل محرم لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إنما الطاعة بالمعروف".
الوجه الخامس: فرق بين التشريع المحرم والتنظيم المباح فالمشرع للتشريع هو الذي يأمر بأمر ويدعي أنه من عند الله كما قال تعالى: " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" فقيد التشريع بالدين بقوله: "من الدين" لتخرج التنظيمات الإدارية المباحة وأما المنظم فهو مثل الحاكم الذي قد ينهى عن أمر مباح أو يأمر به من غير أن ينسبه إلى الشرع لوجود مقتضى يراه سببا في تنظيمه لذلك الأمر كما فعل عمر في الطلاق الثلاث في مجلس واحد فإنه لم يسم أحد من الصحابة ما فعله عمر تشريعا فينكر عليه والعياذ بالله ولذلك قال مالك: " من استحسن في الدين بدعة يراها حسنة برأيه فقد زعم أن النبي قد خان الرسالة" فقوله: "في الدين" قيد أخرج من حسن في باب المباحات كإيقاف السيارات بإشارات المرور فإن الأصل في مواصلة السير بالسيارة أنه مباح فإذا أمرا الحاكم بإيقافها أحيانا لتنظيم السير وجعل ذلك نظاما فإنه لم يشرع شرعا يتدين الناس به فيقول مثل هذا التنظيم من الله بل استحسنه ولم ينسبه للشريعة فكيف يسمى تشريعا أيها الطريقي جعل الله السنة طريقنا.
الوجه السادس : ماذا يريد الطريقي من عدم وجوب السمع والطاعة للحاكم في منع الكلام في السياسة أليس منها ما يروجه اليوم خوارج العصر في المجالس والخطب من الإثارة على ولاة الأمر المسلمين وذكر مثالبهم وهل يعلم أن حكومة من الحكومات نهت عن الكلام في السياسة التي لاتضر و تثير الفتن فهاهي التعليقات السياسية معلنة في الإذاعات والقنوات صباح مساء بغير نكير من الحكومات العربية مثل حكومتنا فإنها لاتنهى عن الكلام في السياسة إلا إذا كان فيه فتنة و ضرر بذكر المثالب والإثارة ولذلك أوقفت سفر الحوالي وسلمان العودة فلم نسمع أن حكومة من الحكومات قد نهت عن التكلم في السياسة مطلقا وأما الإثارة على الحاكم المسلم بذكر مثالبه وتسمية ذلك سياسة يباح الكلام فيها ومعصية الحاكم الذي ينهى عنها فبدعة وقد جاء في السنة لابن أبي عاصم عن بن غنم مرفوعا: " إذا كان لك نصيحة عند ذي سلطان فلا تبدها علانية" أوكما قا صلى الله عليه وسلم ....الحديث. فليس من هدي السلف ترك المجال للسفهاء والجهال أن يتكلموا في تكفير الحكام وإثارة العوام عليهم بلمزهم و اعتبار أن هذه من السياسة المباحة أو المستحبة أو الواجبة واعتبار أن ذلك من الصدع بالحق بل معنى حديث: " أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند سلطان جائر" أن عند للظرفية أي في مجلسه لا في المنابر والصحف والمجالس الخاصة كما كان الخوارج في عهد عثمان يصنعون كلمة فكل ذلك بدعة بل يجب طاعة ولي الأمر في الكف عن مثل هذه السياسة الخارجة المحدثة والتي يربي عليها الإخوان المسلمون أتباعهم عليها تبعا لطاعة الشرع في ذلك فلم يحسن الطريقي طرق الكلام في هذه المسألة بل تكلم فيها بغير علم فليراجع ما قال لعله يرجع ويصيب الحق الذي مات عليه أهل الحديث في باب طاعة ولاة الأمر ...
والحمد لله رب العالمين.
منقول مع بعض التصحيح.