صحابي على وجهه مسحة ملك "يوسف هذه الأمة"
قصة وفادة جرير بن عبد الله البجلي بعد إسلامه -رضي الله عنه-
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
فمن خيار الصحابة وأجلائهم الصحابي اليماني جرير بن عبد الله البجلي .
ولقد حظي هذا الصحابي الجليل بمنزلة خاصة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان لا يراه إلا تبسم ، ولا يستأذن عليه إلا أذن له ، ودعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالثبات على الخيل ، وأن يكون هادياً مهدياً .
روى البخاري ومسلم عن جرير -رضي الله عنه- قال: ما حجبني النبي-صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل ، فضرب بيده في صدري ، وقال: اللهم ثبته ، واجعله هادياً مهدياً)) .
وقد بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- لتحطيم صنم دوس "ذي الخلَصة" .
فقد روى البخاري، ومسلم عن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: [ قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( يا جرير ، ألا تريحني من ذي الخلصة)) ، بيت لخثعم ، كان يدعى "كعبة اليمانية".
قال: فنفرت في خمسين ومائة فارس ، وكنت لا أثبت على الخيل ، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فضرب يده في صدري ، فقال : ((اللهم ثبته ، واجعله هادياً مهدياً)).
قال : فانطلق ، فحرَّقها بالنار ، ثم بعث جرير -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يبشره ، يُكْنَى أبا أرطأة [وهو حصين بن ربيعة] ؛ مِنَّا ،
فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال له: ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب .
فبرَّك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على خيل أحْمَس ورجالها ، خمس مرات ] .
برَّك : دعا بالبركة .
وكان قد آتاه الله جمالاً حتى روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة .
رواه الخرائطي في اعتلال القلوب(ص/160).
وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك حيث قال : ((على وجهه مسحة ملك)) .
وهذا ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وفد جرير -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر وفادته -رضي الله عنه- هي سبب كتابة هذا المقال .
وسأذكر قصة وفادته -رضي الله عنه- مع بيان تخريجها ، وبيان صحتها .
وأسأل الله أن ينفع به قارئه وكاتبه .
والله الموفق.
* لفظ القصة *
عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: لما دنوت من مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنخت راحلتي ، وحللت عيبتي ، فلبست حلتي ، فدخلت المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب ، فسلم علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فرماني الناس بالحدق ، فقلت لجليس لي: يا عبد الله ، ما بال الناس ينظرون إليَّ ؟
هل ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمري شيئاً؟
قال: نعم ، ذكرك بأحسن الذكر ، بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب آنفاً ؛ إذ عرض له في خطبته ، فقال : ((إنه سيدخل عليكم من هذا الباب -أو من هذا الفج- من خير ذي يمن ، وإن على وجهه لمسحة ملك))
فحمدت الله على ما أبلاني .
* تخريجه *
رواه أحمد في مسنده، وابن أبي شيبة في مصنفه، والنسائي في السنن الكبرى، وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم من طرق عن يونس بن إسحاق عن المغيرة بن شبل بن عوف عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- به.
وله طريق أخرى صحيحة ، ولكن دون ذكر القصة :
فقد رواه البخاري في الأدب المفرد، والحميدي، والنسائي في الكبرى وغيرهم من طريق سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن قيس عن جرير -رضي الله عنه- قال : ((ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسم في وجهي)) ، وقال : ((يدخل عليكم من هذا الباب من خير ذي يمن على وجهه مسحة ملك)) .
والحديث إسناده صحيح .
وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- [الصحيحة:3193].
وأما الرواية الأخرى المختصرة فسندها صحيح على شرط الشيخين .
معاني الكلمات:
حللت عيبتي: العيبة مثل الحقيبة في زماننا ، ومعناه : أنه فتح حقيبته!
لبست حلتي : الحلة ما يتحلى به المرء من الثياب.
فرماني الناس بالحدق: الحدق : العيون . أي: نظر إلي الناس.
هذا الفج: أي: هذا الطريق أو المكان .
الحمد لله على ما أبلاني: أي الحمد لله على ما أنعم علي .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
كتبه:
أسامة بن عطايا العتيبي
12/ 11- 1425هـ - 24/ 12/ 2004م