لقد مرت علي أيام وأسابيع وشهور بل وسنوات كان يظن الكثيرون أني انحرفت عن المنهج السلفي، وأني خالفت ما كنت أدعو الناس إليه، وأنا حزين على هذا التصور الفاسد، وكنت أحزن على انحرافهم، وعلى التدهور الأخلاقي الذي أصاب كثيرا منهم، وما زلت أصبر، وأصبر، وأحاول إنقاذ من أستطيع إنقاذه منهم، ولا أستثني في ذلك مشايخ وعلماء وطلاب علم وعوام-إلا من رحم الله منهم-..
لقد كانت فترة صعبة جدا، وأنا أنذرهم، وأحذرهم، وأبين لهم حجم المؤامرة عليهم، ولا أجد آذانا صاغية إلا من قلة قليلة من المشايخ وطلاب العلم والعوام، حتى انفرجت الأمور، وصاح بهم الشيخ محمد بن هادي حفظه الله فانتبه خلق كثير، وعرف كثيرون صدق مقالي، وصدق نصيحتي، وصاروا يفهمون كلامي الذي كانوا يقرؤونه ولا يفهمونه، بل يستنكرونه، لكن لما أفاقوا عرفوا مقدار الغفلة أو الغمة التي وقعت عليهم ..
كل هذا مع كثرة الدعاء والتضرع لله عز وجل أن يهدي الضال، وأن يكشف الغمة، وأن ينصر الحق ويعليه، وأن يخذل الباطل ويرديه..
وفي تلك الفترة وذلك الزمان كنت أستخدم الخشونة والشدة في أحوال عديدة-وليس دائما كما يزعم بعضهم- من باب استخدام الصدمة القوية لعلهم يفيقوا من غفلتهم، فمنهم من أفاق، ومنهم من زاد غيا وبغيا وبعد فترة وبعد بيان الشيخ محمد بن هادي أفاق كثير منهم، وندموا،وبعضهم أفاق لكنه ما زال يحمل حقدا ورواسب نسأل الله لهم الهداية والصلاح..
وكنت والحمد لله في مسيرتي ثابت الجأش، قوي الحجة، مصرحا بنصرة الحق، مع استخدام المداراة مع بعض رؤوس الشر-من المقربين عند بعض العلماء- لتخفيف شرهم وإبعاد مكرهم عن كثيرين، حتى كان كثير من الناس يستغربون مواقفي وشدة بأسي، وصراحتي وقوتي في الحق..
وقد استفدت من هذه الفتنة أشياء كثيرة، وزالت عني بعض العوائق التي كانت تعيقني-أحيانا- في الصدع بالحق، وبيان الحقيقة..
فقد كنت أحيانا أتهم نفسي، وأقدم رأي الشيخ ربيع أو الشيخ عبيد أو الشيخ محمد بن هادي أو غيرهم على رأيي، من باب أنهم أعلم مني، مع أن الحق قد لاح لي في موقفي، والحجة عندي قائمة في كون ما أراه هو الصحيح،ولكن لكون المسألة اجتهادية ليست نصية ولا إجماعية فكنت أتهم رأيي، ثم تبين لي أني مخطئ، والصواب كانت في مواقفي تلك!
حتى أني تركت رأيي مرة لرأي الشيخ ربيع في مسألة، وبعد سنوات جاء شخص يجادلني عند الشيخ ربيع وينكر علي أني وجهته برأي الشيخ ربيع، فإذا بالشيخ ربيع يخطئني، ويصوب من يخالف رأيه!! في حين أني لو خالفت رأي الشيخ حينها لغضب مني أشد الغضب!
فكانت ضربة موجعة أفاقتني.. وهذه فائدة من عشرات الفوائد استفدتها من فتنة الصعافقة..
كل هذا الذي حصل لي من خير هو بتوفيق الله عز وجل، فلا حول ولا قوة لي إلا بالله وحده لا شريك له، وهو العزيز الحكيم، العلي العظيم..
فأشكر الله على فضله وإحسانه، وأسأله العفو عن زلاتي، وأن يستر علي في الدنيا والآخرة..
وأسأله تعالى أن ينصر الحق وأهله، وأن يخذل الباطل وأهله، وأن يجعلني من عباده المتقين، وأن يحسن عاقبتي وخاتمتي..
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
16/ 5/ 1443هـ