المسلسل وصيغ الأداء:
س46 ـ عرف المسلسل عند أهل الحديث، وكم مرتبة لصيغ الأداء عندهم؟ وما هي؟ وأيها أصرح وأرفع مقداراً مع التعليل؟ وما الفرق بين التحديث والإخبار لغة وفي اصطلاح المحدثين؟ وما الذي تدل عليه الخمس الأولى من هذه الصيغ؟
ج ـ المسلسل هو أن يتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات كأن يقول الراوي: حدثني فلان وهو يبتسم قال حدثني فلان وهو يبتسم وما أشبه ذلك.
وصيغ الأداء على ثمان مراتب:
1 ـ سمعت وحدثني.
2 ـ ثم أخبرني وقرأت عليه.
3 ـ ثم قرىء عليه وأنا أسمع.
4 ـ ثم أنباني.
5 ـ ثم ناولني.
6 ـ ثم شافهني بالإجازة.
7 ـ ثم كتب إلي بالإجازة.
8 ـ ثم عن ونحوها.
وأصرح هذه الصيغ: سمعت لأنها لا تحتمل الواسطة، وأرفعها مقداراً ما يقع في الإملاء لما فيه من التثبت والتحفظ.
ولا فرق بين التحديث والإخبار من حيث اللغة، أما في اصطلاح المحدثين فالشائع عندهم التفريق بينهما بتخصيص التحديث بما سمع من لفظ الشيخ دون الإخبار.
واللفظان الأوّلان (سمعت وحدثني) يدلان على أن الراوي وحده سمع من لفظ الشيخ فإن جمع الراوي فقال: سمعنا فلانا أو حدثنا فلان فهو دليل على أنَّه سمع منه مع غيره، وقد يكون الجمع في مثل ذلك للتعظيم لكنه بقلة.
وأما الصيغة الثالثة وهي (أخبرني) والرابعة وهي (قرأت عليه) فتدلان على أن التلميذ قرأ على الشيخ بنفسه، فإن جمع فقال: (أخبرنا أو قرأنا عليه) فهي كالصيغة الخامسة التي هي (قرىء عليه وأنا أسمع).
الإنباء، والعنعنة، والإجازة، والمشافهة، والمكاتبة:
س47 ـ ما معنى الإنباء لغة وفي اصطلاح المحدثين؟ وعلى أي شيء تحمل عنعنة المعاصر؟ وما هي الإجازة؟ وعلى أي شيء يطلق المحدثون المشافهة والمكاتبة؟ وما هي حقيقة المشافهة والمكاتبة؟
ج ـ الإنباء في اللغة أخص من الإخبار كما تقدم. وأما في اصطلاح المحدثين فهو عند متقدميهم بمعنى الإخبار وعند المتأخرين للإجازة كعن فإنها في اصطلاحهم للإجازة.
وعنعنة المعاصر محمولة على السماع إلَّا أن تكون من مدلس، وقيل يشترط في حملها على السماع ثبوت اللقي بين الراوي والمروي عنه ولو مرة واحدة، قال ابن حجر رحمه الله: «وهو المختار كما ذكر ذلك عن البخاري وعلي بن المديني».
والإجازة هي: إذن الشيخ لتلميذه بأن يروي عنه مسموعاته وإن لم يسمعها منه أو يقرأها عليه.
والمحدثون يطلقون المشافهة على الإجازة المتلفظ بها وكذا المكاتبة يطلقونها على الإجازة المكتوب بها.
فحقيقة المشافهة، أن يشافه الشيخ تلميذه بالإذن له بالرواية عنه، وأما المكاتبة فهي أن يكتب له بالإذن له بالرواية عنه.
المناولة، والوجادة، والوصية، والإعلام، والإجازة العامة:
س48 ـ ما هي صورة المناولة؟ وما المراد بالوجادة والوصية والإعلام عند المحدثين؟ ومتى تقبل الرواية في ذلك على الأصح عندهم؟ وما حكم الإجازة العامة في المجاز له والمجاز به مع التمثيل لهما؟
ج ـ صورة المناولة: أن يدفع الشيخ أصله للطالب أو يحضر الطالب الأصل للشيخ ويقول له الشيخ في الصورتين: هذا روايتي عن فلان وفلان فاروه عني مع تمكينه للطالب من الأصل.
والوجادة هي: أن يجد الطالب كتاباً بخط يعرف كاتبه فيقول وجدت بخط فلان كذا وكذا.
والوصية: أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره لشخص معين بأصله أو بأصوله.
والإعلام: أن يُعلم الشيخ أحد تلاميذه بأنه يروي الكتاب الفلاني عن فلان.
فإن اقترن بأحد هذه الثلاثة الإذن بالرواية قبلت على الأصح وإلا رُدَّت، والإجازة العامة في المجاز به ـ كأن يقول الشيخ لتلميذه: أجزت لك أن تروي عامة مروياتي وما أشبه ذلك ـ تقبل على الأصح بخلاف الإجازة العامة في المجاز له ـ كأن يقول: أجزت لجميع المسلمين ونحو ذلك ـ فإنه لا عبرة بها على الأصح عند المحدثين.
المتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، والمتشابه:
س49 ـ عرف المتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، والمتشابه، وما الذي يتركب من ذلك مع التمثيل لما تقول.
ج ـ المتفق والمفترق هو: أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعداً وتختلف أشخاصهم.
ومن أمثلته: الخليل بن أحمد يطلق على جماعة منهم النحوي صاحب العروض ومنهم المزني.
والمؤتلف والمختلف هو: أن تتفق الأسماء خطاً وتختلف نطقاً سواء كان مرجع الاختلاف النقط أم الشكل.
ومن أمثلته: سلاّم ـ بتشديد اللام ـ وهو كثير، وسلام ـ بتخفيف اللام ـ وهو قليل.
والمتشابه هو: أن تتفق أسماء الرواة خطاً ونطقاً وتختلف أسماء آبائهم نطقاً مع ائتلافها خطاً أو بالعكس.
ومن أمثلته: محمد بن عَقيل بفتح العين، ومحمد بن عُقيل بضمها، الأول نيسابوري والثاني فريابي.
ومن أمثلة عكسه: شريح بن النعمان وسريج بن النعمان. الأول بالشين والحاء وهو تابعي يروي عن عليّ رضي الله عنه، والثاني بالسين والجيم وهو من شيوخ البخاري.
ويتركب من المتشابه وما ذكر قبله أنواع:
منها: أن يحصل الاتفاق في الاسم واسم الأب إلَّا في حرف أو حرفين فأكثر، مثل: محمد بن سنان ومحمد بن سيار.
ومنها: أن يحصل الاشتباه بين الاسمين مع زيادة حرف في أحدهما، مثل: عبد الله بن زيد وعبد الله بن يزيد.
ومنها: أن يحصل الاتفاق في الخط والنطق لكن يحصل الاختلاف في التقديم والتأخير، إما في الاسمين جملة أو في الاسم الواحد بالنسبة إلى ما يشتبه به.
مثال الأول: الأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود.
مثال الثاني: أيوب بن سيار وأيوب بن يسار، الأول مدني مشهور وليس بالقوي والثاني مجهول.
خاتمة، نسأل الله حسن الخاتمة.
معنى الطبقة ومراتب الجرح والتعديل:
س50 ـ ما المراد بالطبقة في اصطلاح المحدثين؟ وما فائدة معرفة طبقات الرواة؟ واذكر أسوأ مراتب الجرح وأسهلها، وأرفع مراتب التعديل وأدناها، وممن تقبل التزكية؟ وإذا تعارض الجرح والتعديل فأيهما يقدم مبيناً شرط تقديم ما تقول؟
ج ـ الطبقة في اصطلاح المحدثين عبارة عن جماعة اشتركوا في السن واللقي الذي هو الأخذ عن المشايخ مثل الصحابة والتابعين.
وفائدة معرفة طبقات الرواة: الأمن من تداخل المشتبهين، وللجرح مراتب أسوؤها الوصف بما دل على المبالغة فيه مثل قولهم: فلان أكذب الناس أو إليه المنتهى في الوضع أو ركن الكذب ونحو ذلك ثم دجال أو وضاع أو كذاب.
وأسهل الألفاظ الدالة على الجرح قولهم: فلان لين أو سيء الحفظ أو فيه مقال.
وبين أسوأ الجرح وأسهله مراتب مثل قولهم: فلان متروك أو فاحش الغلط أو منكر الحديث وهي أخف من أسوئه وأشد من أسهله.
وأرفع مراتب التعديل الوصف بما دل على المبالغة فيه كالوصف بأفعل مثل: فلان أوثق الناس، وكذا قولهم: فلان إليه المنتهى في التثبت. ثم ما تأكد بصفة أو صفتين من الصفات الدالة على التعديل مثل ثقة ثقة، أو ثقة حافظ أو عدل ضابط.
وأدنى مراتب التعديل ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح مثل قولهم: فلان شيخ يروى حديثه ولا بأس به ونحو ذلك.
والتزكية تقبل إذا صدرت من عارف بأسبابها ولو كان واحداً على الأصح.
ويقدم الجرح على التعديل إذا تعارضا، لأن المجرِّح معه زيادة علم خفيت على المعدِّل.
ويشترط لتقديم الجرح على التعديل: صدوره مبيناً من عارف بالأسباب لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإن كان صادراً من غير عارف بالأسباب لم يعتبر.
أبحاث تتعلق بالرواة:
س51 ـ اذكر شيئاً من الأمور المهمة التي يحتاج إلى معرفتها مما له تعلق بالرواة إجمالاً.
ج ـ من الأمور المهمة في ذلك معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ووفياتهم وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالة.
ومنها: معرفة كنى المسمين ممن اشتهر باسمه وله كنية لئلا يظن أنَّه آخر، ومنها معرفة أسماء المكنين، عكس الذي قبله.
ومنها: معرفة من اختلف في كنيته مثل: أسامة بن زيد، قيل كنيته: أبو زيد، وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو خارجة.
ومنها: معرفة من كثرت كناه مثل: ابن جريج المكي، يكنى بأبي الوليد وأبي خالد.
ومنها: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه مثل: أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق المدني.
ومنها: معرفة من وافق اسمه كنية أبيه مثل: إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي.
ومنها: معرفة من وافق اسم شيخه اسم أبيه مثل: الربيع بن أنس عن أنس ابن مالك، فإن والد الربيع بكري وشيخه أنصاري.
ومنها: معرفة من نسب إلى غير أبيه مثل: المقداد بن الأسود، نسب إلى الأسود ابن عبد يغوث الزهري لكونه تبناه، وإنما هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي.
ومنها: معرفة من نسب إلى أمه مثل: ابن علية وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، اشتهر بالنسبة إلى أمه علية.
ومنها: معرفة من نسب إلى غير ما يسبق إلى الفهم مثل: خالد الحذاء، فإن ظاهره النسبة إلى صناعة الحذاء أو بيعها وليس كذلك وإنما كان يجالس الحذائين فنسب إليهم.
ومنها: معرفة من اتفق اسمه واسم أبيه وجده مثل: الحسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ومنها: معرفة من اتفق اسمه واسم شيخه وشيخ شيخه مثل: عمران القصير عن عمران العطاردي عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
ومنها: معرفة من اتفق اسم شيخه والراوي عنه مثل: البخاري يروي عن مسلم ويروي عنه مسلم، فشيخه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، والراوي عنه مسلم بن الحجاج صاحب «الصحيح».
ومنها: معرفة الأسماء المفردة وهي التي لم يشارك صاحبها أحد في التسمية بها مثل: سندر مولى زنباع، ووابصة بن معبد، وسندر ووابصة صحابيان.
ومنها: معرفة الأنساب وهي تارة تقع إلى القبائل وتارة إلى الأوطان وقد تقع إلى الصنائع والحرف والعاهات مثل: الخياط والبزاز والأعرج، ويقع فيها الاشتباه والاتفاق كالأسماء مثل: القُرشي والقَرشي، بالضم نسبة إلى قبيلة وبالفتح نسبة إلى بلدة.
ومنها: معرفة الموالي من أعلى ومن أسفل بالرق أو بالحلف أو بالإسلام، لأن كل ذلك يطلق عليه مولى ولا يعرف التمييز بينها إلَّا بالتنصيص عليه.
ومنها: معرفة الإخوة والأخوات، وقد صنّف فيه علي بن المديني.
آداب الشيخ والطالب وسن التحمل والأداء:
س52 ـ ما هي الآداب التي ينبغي للشيخ والطالب التخلق بها اشتراكاً وانفراداً؟ وما هو السن المعتبر لتحمل الراوي وأدائه عند المحدثين؟
ج ـ يشترك الشيخ والطالب من الآداب في تصحيح النية وبذل النصيحة للمسلمين والعمل بالعلم وتطهير النفس من أغراض الدنيا وتحسين الخلق.
وينفرد الشيخ بأن يُسمع إذا احتيج إليه مع رغبته في الخير للطالب، ولا يترك إسماع أحد لنية فاسدة وأن يجلس بوقار وسكينة وأن يستنصت الطلبة، فإن رفع أحد صوته زجره لأن رفع الصوت عند حديثه عليه الصلاة والسلام مثل رفعه عنده، وقد نهى الله عن رفع الصوت عنده صلى الله عليه وسلم في آخر سورة النور وأول سورة الحجرات.
وينفرد الطالب بأن يوقر الشيخ ولا يضجره ويرشد غيره إلى ما سمع ولا يدع الاستفادة لحياء أو تكبر، ويكتب ما سمعه تاماً ويعتني بالتقييد والضبط وكثرة المذاكرة لما كتبه ليرسخ في ذهنه.
والأصح اعتبار سن التحمل بالتمييز وأما الأداء فلا اختصاص له بزمن معين بل يتقيد بالاحتياج والتأهل لذلك.
الرحلة في طلب الحديث وكيفية كتابته وتصنيفه:
س53 ـ اذكر صفة كتابة الحديث، وما هي الأشياء التي ينبغي اتباعها في الرحلة لطلب الحديث وفي تصنيفه؟
ج ـ صفة كتابة الحديث: أن يكتبه مبيناً مفسراً ويشكل المشكل منه ويجعل لكتابه حاشية ليكتب الساقط من أصله عند مقابلته ولا يكتب بين الأسطر.
وينبغي للطالب قبل الرحلة لطلب الحديث أن يبتدىء بحديث أهل بلده فيستوعبه ثم يرحل ليحصل بالرحلة ما ليس عنده ويكون اعتناؤه بتكثير المسموع أولى من اعتنائه بتكثير الشيوخ.
وينبغي له أن يعتني بصفة تصنيف الحديث إما على المسانيد بأن يجمع مسند كل صحابي على حدة، فإن شاء رتبهم على سوابقهم وإن شاء رتبهم على الحروف وهو أسهل تناولاً، وإما على الأبواب الفقهية بأن يجمع في كل باب ما ورد فيه من الأحاديث مما يدل على حكمه إثباتاً أو نفياً، والأولى أن يقتصر على ما صحّ أو حسن، فإن جمع إليهما الضعيف فليبين علّة الضعف.
إلى هنا انتهى بعون الله تعالى ما أردت ذكره في هذه المذكرة من الأسئلة والأجوبة
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
منقول من موقع راية الإصلاح .
http://www.rayatalislah.com/article.php?id=6