اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عيسى حمد بن عيسى
جزاك الله خيراً
والذي أعلمه والله أعلم أنّ المصحف ليس القرآن ، فالمصحف هو ذاك الأوراق التي تبدأ بالبسملة من سورة الفاتحة وتنتهي بسورة الناس مكتوب فيها القرآن بمداد.
فالمصحف منه ما هو مخلوق كالأوراق والكتابة والمداد ، لذلك لم يُجز العلماء الحلف بالمصحف مطلقاً ، بخلاف القرآن الذي هو كلام الله عزّ وجل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود ، فلا يوجّه إطلاق السلف لفظ :(المصحف) على بعض الحفظة للقرآن في تجويز إطلاق لفظ :(القرآن) عليهم ، والملاحظ من نقولات الشيخ أسامة حفظه الله أن جميعهم أطلق عليهم المصحف ، ولم يُطلق على أحد منهم القرآن ولو مرّة واحدة ، والله أعلم.
أما قول الأخ خالد :
[هل تقصد بقولك ( وأما تحريمه ) تعقيبك على كلام الشيخ حفظه الله ؟ هذا سؤال للاستفسار .
لأنه يوهم ذلك ، فالذي يظهر أن الشيخ لم يصرح بالتحريم وإنما قد قال (وما ينبغي) وبينهما فرق وهذا من ورع أهل العلم ].
فأقول:
لا شكّ أن الإمام الربيع يقصد التحريم ، ولفظ :(ما ينبغي) في اصطلاح العلماء أشدّ من لفظ :(لا يجوز) ، لذلك قال الله تعالى (وما ينبغي للرحمن أن يتّخذ ولداً)
ومما يدلّك على أنّ هذا هو حكم الإمام الربيع وصفه له بأنه من تقليد الغربيين ، وكونه في مقابل الإنكار على المعتزلة القائلين : بأنّ القرآن مخلوق ، والله أعلم.
واعلم أنّ الذي يجري على صفة من صفات الله فإن الأصل أنّه يجري على غيرها ، وهذ يفتح علينا باباً عظيماً ، وهو أن يأتي آتٍ ويقول في من عُرف بشدّة الكرام والسخاء ؛ فيقول : كأنّه كرم الله يمشي على الأرض ، وهكذا في بقية الصفات ، فالتزام كلام السلف والتزام النصوص هو الحق سيما نصوص الصفات والله أعلم.
|
أولاً: جزاك الله خيراً على أدبك وحسن كلامك..
ثانياً: لما يقال لفلان: إنه كالمصحف في الحفظ فهل الذي يحفظ القرآن الذي هو كلام الله الأوراق والحبر أم الحفظ هنا راجع إلى القرآن الذي هو كلام الله الذي قال الله فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر/9]
فلا يظهر لي فرق بين أن يقال:
كان الأعمش يسمى المصحف من صدقه
أو كان الأعمش يسمى القرآن لصدقه.
فالذي يوصف بالصدق هنا هو القرآن {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء/87]
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو والمراد نهى أن يسافر بالمصحف ..
فالمصحف قد يراد به القرآن الذي هو كلام الله ، وقد يراد به المداد والأوراق ولذلك اختلف في حكم الحلف به كما بينه شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ..
وفي كلام السلف السابق لا يظهر أنهم يقصدون بتشبيههم لضبط أولئك وحفظهم وصدقهم بالمداد والأوراق وإنما بكلام الله الذي هو حق وصدق {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت/42]
ثالثاً: قول العالم: (ما ينبغي) ليس صريحاً في التحريم، والعلماء قد يعدلون عن قول (حرام) ، و(لا يجوز) إلى (لا ينبغي) لتخفيف الحكم وبيان أن التحريم ليس ظاهراً كما هو معلوم من استخدام العلماء
وقد يراد بقول العالم: (لا ينبغي) أنه حرام حسب سياق كلامه ..
وظاهر كلام شيخنا الشيخ ربيع أنه أراد بذلك عدم الجواز والسياق يدل عليه، لكن حال كتابتي للتعليق لم يكن ذكري لعدم التجويز موجهاً لكلام الشيخ إنما لأحد الشباب كما سبق وأن ذكرته .
رابعاً: قول القائل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كأنه مصحف) أو (كأنه قرآن يمشي على وجه الأرض) مريداً بتطبيقه لما في القرآن لا يستقيم أن يقال في ما لا يكون كذلك كأن يقال: كأنه علم الله أو حلم الله أو نور الله أو كلام الله أو كأنه القرآن-هكذا بإطلاق- لأن هذه الصفات خاصة بالله تعالى ولا يحيط بها أحد من الخلق { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه/110]
وهنا تأتي مسألة: (التخلق بأخلاق الله) التي عند المتصوفة وبعض أهل الكلام والفلسفة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الصفدية (2/337) : [ولهذا ضل من سلك سبيل هؤلاء فصار مقوصدهم هو التشبه بالله واحتجوا بما يروون تخلقوا بأخلاق الله
وصنف أبو حامد شرح أسماء الله الحسنى وضمنه التشبه بالله في كل اسم من أسمائه وسماه التخلق حتى في اسمه الجبار والمتكبر والإله ونحو ذلك من الأسماء التي ثبت بالنص والإجماع أنها مختصة بالله وأنه ليس للعباد فيها نصيب كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره يقول الله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته
وسلك هذا المسلك ابن عربي وابن سبعين وغيرهما من ملاحدة الصوفية وصار ذلك مع ما ضموا إليه من البدع والإلحاد موقعا لهم في الحلول والإتحاد
وقد أنكر المازري وغيره على أبي حامد ما ذكره في التخلق وبالغوا في النفي حتى قالوا ليس لله اسم يتخلق به العبد
ولهذا عدل أبو الحكم بن بَرَّجان عن هذا اللفظ إلى لفظ التعبد ولبسط الكلام على ذلك موضع آخر فإن من أسمائه وصفاته ما يحمد العبد على الإتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك ومنها ما يذم العبد على الإتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر.
وللعبد من الصفات التي يحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الرب به كالعبودية والإفتقار والحاجة والذل والسؤال ونحو ذلك
وهو في كل ذلك كماله في عبادته لله وحده وغاية كماله أن يكون الله هو معبوده فلا يكون شيء أحب إليه من الله ولا شيء أعظم عنده من الله ويكون هو إلهه الذي يعبده وربه الذي يسأله فيتحقق بقوله إياك نعبد وإياك نستعين ]
وقال ابن القيم رحمه الله في الفوائد(ص26) : [وقوله أسألك بكل اسم الي آخره توسل اليه بأسمائه كلها ما علم العبد منها وما لم يعلم وهذه أحب الوسائل اليه فانها وسيلة بصفاته وأفعاله التي هى مدلول اسمائه.
وقوله: ((أن تجعل القرآن ربيع قلبى ونور صدرى)) الربيع المطر الذي يحيى الأرض شبه القرآن به لحياة القلوب به، وكذلك شبهه الله بالمطر، وجمع بين الماء الذى تحصل به الحياة والنور الذى تحصل به الإضاءة والإشراق كما جمع بينهما سبحانه فى قوله: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما توقدون عليه فى النار ابتغاء حلية} وفى قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} ثم قال: { أو كصيب من السماء}
وفي قوله: {الله نور السموات والارض مثل نوره} الآيات ثم قال: {ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه} الآية
فتضمن الدعاء أن يحيي قلبه بربيع القرآن وان ينور به صدره فتجتمع له الحياة والنور قال تعالى: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}
ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه الى القلب لأنه قد حصل لما هو أوسع منه ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب تسري الحياة منه الي الصدر ثم الى الجوارح سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فانها أحرى أن لا تعود وأما اذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فانها تعود بذهاب ذلك والمكروه الوارد على القلب ان كان من أمر ماض أحدث الحزن زان كان من مستقبل أحدث الهم وان كان من أمر حاضر أحدث الغم والله أعلم} انتهى كلامه رحمه الله
خامساً: قول القائل: (كأنه قرآن يمشي) لا يقصد بذلك تشبيه الشخص بصفة الكلام لله، بل المراد منها تشبيه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله كما هو مذكور في القرآن وكأن تلك الأوصاف والأحوال تمشي على الأرض ممثلة برسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ورب العزة والجلال قال: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام/122]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: [{أو من كان ميتا فأحييناه} يعني من كان كافرا فهديناه {وجعلنا له نورا يمشي به في الناس} يعني بالنور القرآن من صدق به وعمل به {كمن مثله في الظلمات} يعني بالظلمات الكفر والضلالة ]
وقال تعالى: { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا }
قال السعدي رحمه الله: [{ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا } التي من دخلها، كان من الآمنين، من جميع المخاوف، النائلين كل خير وسعادة، وبر، وسرور، وثناء، وذلك لأنه من الصالحين، الذين صلحت أعمالهم وزكت أحوالهم، وأصلح الله فاسدهم، والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله، كما أن الفساد، سبب لحرمانه الرحمة والخير، وأعظم الناس صلاحا، الأنبياء عليهم السلام ولهذا يصفهم بالصلاح، وقال سليمان عليه السلام: { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }]
وأوردت هذه الآية لأن الرحمة صفة من صفات الله، ومع ذلك فالأمور الجالبة لرحمة الله يقال لها أيضاً رحمة الله ولم يكن ذلك موهماً تشبه العباد بصفة الله أو إيهام أن صفات الله مخلوقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يوم خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ في خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الذي عِنْدَ اللَّهِ من الرَّحْمَةِ لم ييأس من الْجَنَّةِ وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الذي عِنْدَ اللَّهِ من الْعَذَابِ لم يَأْمَنْ من النَّارِ))
هذه جملة من الفوائد رجوت منها أن يوفقني الله وإياكم للصواب
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد