وتأتي ثم للاستبعاد
وهو استبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها وعدم مناسبته له. وتارة يعبر عن هذا المعنى بتفاوت مرتبة ما بعدها عما قبلها.
قال الرضى في شرح الكافية لابن الحاجب : وقد تجيء في الجمل خاصة لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها، وعدم مناسبته له.
كما في قوله تعالى{ ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ } .... فما معنى ثم؟ قلت : استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته،وكذلك { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ}؛ استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم .
وقال الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل ج2/ص2: " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون أي يسوون ويمثلون من قولك عدلت فلانا بفلان إذا جعلته نظيره وقرينه ودخلت ثم لتدل على استبعاد أن يعدلوا بربهم بعد وضوح آياته في خلق السموات والأرض والظلمات والنور وكذلك قوله ثم أنتم تمترون استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه أحياهم وأماتهم".
والشوكاني في فتح القدير ج4/ص254 :" ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها أى لا أحد أظلم منه لكونه سمع من أيات الله مايوجب الإقبال علي الإيمان والطاعة فجعل الإعراض مكان ذلك والمجىء بثم للدلالة على استبعاد ذلك وأنه مما ينبغى أن لايكون"..
وفي فتح القدير ج5/ص290:" ومن في الأرض جميعا أي ويود المجرم لو افتدى بمن في الأرض جميعا من الثقلين وغيرهما من الخلائق وقوله ثم ينجيه معطوف على يفتدي أي يود لو يفتدي ثم ينجيه الافتداء وكان العطف بثم لدلالتها على استبعاد النجاة وقيل إن يود تقتضي جوابا كما في قوله ودوا لو تدهن فيدهنون والجواب ثم ينجيه والأول أولى"..
وفي قوله تعالى وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه.
قال الرضى في شرح الكافية :2/341: " لاستبعاد مضمون ما بعدها مما قبلها، فإن بين توبة العبد، وهي انقطاع العبد إليه بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيدًا.
وانظر:الكشاف:2/207، البحر المحيط:5/201 ، الجمل:2/374 ، وتفسير القرطبي:4/31-32
قال الشوكاني في فتح القدير :" قوله : { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } استبعاد لصدور الشك منهم مع وجود المقتضى لعدمه".
وقال في تفسير قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بئايات رَبّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } أي لا أحد أظلم منه لكونه سمع من آيات الله ما يوجب الإقبال على الإيمان والطاعة ، فجعل الإعراض مكان ذلك ، والمجيء بثمّ للدلالة على استبعاد ذلك . وأنه مما ينبغي أن لا يكون".