الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة عباد الله المهتدين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الأخيار المهتدين، وعلى جميع من سار على نهجهم إلى يوم الدين،، أما بعد،،
ففي خضم هذه الفتن التي تموج كموج البحر. أمرنا الله تعالى بالاعتصام بكتابه ووشرعه، ولزوم هدي نبيه - صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:78]. ويقول - جلّ وعلا -: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25].
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
هذهِ الآية وإن كان المخاطَب بها هم صحابة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لكنَّها عامّة لكلِّ مسلم؛ لأنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يحذِّر من الفتَن. انتهى.
والفتنُ إنّما يقوَى تأثيرُها خاصة على متَّبعي الشهوات وضِعاف الإيمان، وفقراء الأخلاق الذين لا حياء لهم، تجدهم يحاربون الصالحين والعلماء والفضلاء من الناس، لا همّ لهم إلا شهواتهم، ونشر الشر، والإفساد بين الناس؛ فقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنّ في آخر الزمان سيخوَّن الأمينُ ويؤتمن الخائن. ويُصدّق الكاذب، قال - صلى الله عليه وسلم -: سيأتي على الناس سنواتٌ خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة. " رواه ابن ماجه وأحمد، وله رواية بلفظ: السفيه يتكلم في أمر العامة.
عباد الله
ابتلينا في الآونة الأخيرة ببعض الشباب، همهم النيل من الآخرين، وحتى ولو كانوا من أولي الفضل والعلم والحرص على نشر العلم وسبيلهم سبيل الدعوة إلى الله – سبحانه وتعالى – فيما يظهر للناس، وصار جهدهم الجهيد السعي لإسقاطهم، و التشهير بهم؛ فمنهم من أصبح - بداعي الحسد والحقد الدفين - شغله الشاغل تتبع الدروس التي ألقيها عبر الإنترنت، والتي تنقل عبر الغرف من حين لأخرعلى إخواني، وأبنائي السلفيين، يبحث لي عن الأخطاء، وعندما لم يصل الى مراده، وبعد هذه المحاولات العديدة المستميتة؛ لإسقاطي، والنيل مني، وأذيتي، انتقل إلى المقارنة بين كلامي وكلام أهل العلم، والبحث عن الجمل إذا كانت مطابقة لجمل أخرى، ويبحث عن أي تواجد لكلمة قلتها أثناء الدرس على الانترنت. واتهمني بسرقة كلام أهل العلم، و أيضاً اتهمني بذكر بعض الأقوال بدون ذكر المصدر، وهذه الاتهامات لم يسلم منها من هم أعلم مني من العلماء الراسخين البارزين الذين لهم قدم في الدعوة؛ قال تعالى: و َكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان:31].
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -:
من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل. انتهى
وكما قال خبيب بن عدي ـ رضي الله عنه ـ حين أجمعوا على صَلْبِهِ -:
لَقَدْ أَجْمَعَ الأَحْزَابُ حَوْلي وَأَلّبُوا . . . . قَبَائِلَهُم واسْتَجْمَعُوا كُلَّ مجْمَعِ
وكلُّهُمُ مبدي العداوة جاهدٌ عَلَيَّ . . . . لأني فى وِثاقٍ بِمَضْيَعِ
وقَدْ قَرَّبُوا أَبْنَاءَهُم ونسَاءَهُم . . . . وقُرِّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طوِيلٍ مُمَنَّعِ
إلَى اللهِ أَشْكُوا غُرْبَتِي بَعْدَ كُرْبَتِي . . . . وَمَا أَرْصَدَ الأَحْزَابُ لى عِنْدَ مَصْرَعِي
فَذَا العَرْشِ صَبِّرْني عَلَى ما يُرادُ بي . . . فَقَدْ بَضَّعُوا لحْمي وَقَد يَاسَ مَطْمَعِي
وَقَدْ خَيَّرُوني الكُفْرَ، والمَوْتُ دُونهُ . . . . فَقَدْ ذَرَفَتْ عَيْنَاي مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ
وَمَا بِي حِذَارُ المَوْت إنِّى لَمَيِّتٌ . . . . وإنَّ إلى ربِّي إيَابي ومَرْجِعي
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِما . . . . عَلَى أَي شِقٍّ كان فى اللهِ مَضْعَجِي
وَذلِكَ فى ذَاتِ الإلهِ وإنْ يَشأْ . . . . يُبارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شلْوٍ مُمَزَّعِ
فَلَسْتُ بمبدٍ للعدوِّ تَخَشُّعاً . . . . ولا جَزَعاً، إنيّ إلى الله مَرجعي
أقول لهؤلاء: كلامنا من كلام أهل العلم الربانيين، وأنا لا أسابق أبداً العلماء، ولا أُقبِل على أمر إلا بعد استشارتهم - حفظهم الله تعالى - وأنا دائما لا أخرج عن كلامهم؛ فمنهم أتعلم وأستفيد، وربما في بعض الأحيان كنت ذكرت كلاماً لأهل العلم بدون ذكر المصدر، وهذا والله بدون قصد، أو كنت اطلعت على مقال أو كنت قرأت كتابا، أو فتوى على الانترنت، فأجد نفسي أردد نفس الجملة التي اطلعت عليها أثناء الدروس، أو أثناء الإجابة على بعض الأسئلة، وهذا أيضاً بدون قصد.
ولكنْ اسأل هؤلاء: هل وجدتم لي انحرافاً عن المنهج الحق؟!
وأسألهم أيضاً: من أحقُّ بالبغض، الكفار وأهل الأهواء والبدع والحزبيين الذين يكيدون للدعوة السلفية وأهلها، ويخططون للقضاء على علمائها بالأكاذيب، والافتراءات، أم أهل الحق أهل السنة والجماعة، المتمسكين بالكتاب والسنة؟َ!
يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد.
وأذكِّرُ نفسي وأذكركم بقول الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ. [البقرة : 281].
أما والله إنَّ الظلمَ شؤمٌ . . . . وما زال الظلوم هو الملوم
إلى ديان يوم الدين نمضي . . . . وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في المعاد إذا التقينا . . . . غداً عند المليك من الظلوم
ولو اطلعتم كذلك على كتبي وأبحاثي لوجدتم أني دائما أذكر المصدر. وإذا كان البعض يرى أنّ هذا من السرقة، فأقول لهم: أنا تائب إلى الله - جلَّ وعلا من هذا الفعل، و أسأله سبحانه أن يتجاوز عني ما فعلته من معصية.
وعزمت أن لا أعود في المستقبل إلى هذا العمل، وأتحرَّى الإخلاص فيما أقوم به، واتحرى كلَّ الدقة في كل ما انقلة في المستقبل – إن شاء الله تعالى -، والقصد من هذا وجه الله تعالى، وإخلاص النية لله بذلك، والله أعلم بما تطويه سريرتي.
آخذاً بقول المليك المقتدر: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً. [الكهف: ].
يقول ابن كثير - رحمه الله – حول هذه الآية الكريمة:
فليعمل عملاً صالحاً: أي ما كان موافقاً لشرع الله. ولا يشرك بعبادة ربه أحدا، وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- انتهى من تفسير القرآن العظيم.
وقال تعالى ـ في الحديث القدسي ـ: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه"- رواه مسلم.
فعلى المرء أن يعرف قدر نفسه، و أنا لا أرى نفسي إلا أدنى من طويلب علم.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يُطَهِّرَ قلو بنا من الكبر والرياء، والحقد والحسد، وأن يرزقنا التواضع ويعيننا على طاعته، وأن يجعلنا من الأخفياء، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأن يهدينا ويهدي بنا إنه و لي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
كتبه الفقير إلى ربه سليم بن علي بن عبد الرحمان بن الصحراوي الجزائري
يوم الثلاثاء 15 رجب 1435هـ