التقليد و التعصب
قال الجرجاني:"التقليد عبارة عن اتباع الانسان غيره فيما يقول او يفعل،معتقدا للحقية من غير نظر و تأمل في الدليل،كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه."
قال الامام مالك رحمه الله:"إنما أنا بشر أخطئ و أصيب،فانظروا في رأيي،فكل ما وافق الكتاب و السنة،فخذوه وكل ما لم يوافق فاتركوه."
و قال الامام أحمد رحمه الله:"لا تقلدني،ولا تقلد مالكا و لا الشافعي و لا الأوزاعي و لا الثوري،و خذ من حيث أخذوا."
إن التقليد يترك الإنسان لا يستعمل عقله،ولايفكر في مآل عقيدته و أعماله،فيعمل أعمالا لو أعمل فيها عقله لمل عملها.
فما أصدق قول ابن مسعود رصي الله عنه :"ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا،إن آمن آمن،وإن كفر كفر،فإنه لا أسوة في الشر."
و قال عبد الله بن المعتز :"لا فرق بين بهيمة تقاد و أنسان يقلد."
و ما مات أبو طالب على ملة عبد المطلب إلا بتقليد من حوله و تضليلهم إياه،و كان أعقل العرب و أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم،وكان يصدق الرسول صلى الله عليه و سلم في دعوته و لكن لم ينطق بالشهادتين.
و كان تقليد الأباء سببا لضلال كثير من أقوام الأنبياء {قالوا بل نتبع مآ ألفينا عليه آباءنآ أولو كان ءابآؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون} و قال أيضا:{بل قالوا إنّا وجدنآ ءابآءنا على أمة و إنا على ءاثارهم مّهتدون}.
و للتقليد الأعمى في الدين مساوئ عظام و عظائم سيئة،فما خرجت القدرية و الشيعة و الخوارج إلا بالتقليد،و ترك الاتباع،و ما وجدت مذاهب عقدية أخرى من الاعتزال و الأشعرية،و الماتردية و غيرها الا بترك الاتباع و التزام ما لا يلزم،بل لا يجوز،و إيجاب ما لم يوجبه الله،بل بمخالفة أمر الله.
و كذلك لم يحصل التفرق و كيد بعضهم لبعض في المسلمين إلا بالتعصب لتقليد بعض الأئمة.
و ما وجدت في مدى القرون مذاهب أو أحزاب فكرية أخرى إلا بالتقليد و التعصب للأشخاص.
فمن قبائح التعصب :التفرق و التحزب،كل يوالي و يعادي لحزبه و شيخه،وقد أمر الله بالتآلف و الوحدة،وعدم التفرق،قال تعالى:{واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرّقوا}
قال ابن القيم رحمه الله:انه قال صلى الله عليه و سلم في نفس هذا الحديث:"فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا" و هذا ذم للمتخلفين و تحذيرهم من سلوك سبيلهم.
و إنما كثر الاختلاف و تفاقم أمره بسبب التقليد و أهله،و هم الذين فرقوا الدين و صيروا أهله شيعا،كل فرقة تنصر متبوعها و تدعو إليه.و تذم فيه من خالفها،ولا يرون العمل لقولهم حتى كأنهم ملن أخرى سواهم يدأبون و يكدحون في الرد عليهم،ويقولون كتبهم كتبنا،و أئمتهم و أئمتنا،و مذهبهم و مذهبنا،هذا و النبي واحد،و الدين واحد،والرب واحد.
فالواجب على الجميع أن ينقادوا الى كلمة سواء بينهم كلهم،و أن لا يطيعوا الا الرسول صلى الله عليه و سلم،و لا يجعلوا معه من تكون أقواله كنصوصه،ولا يتخذ بعضهم أربابا من دون الله،فلو اتفقت كلمتهم على ذلك و انقاد كل واحد منهم لمن دعاه الى الله و رسوله و تحاكموا كلهم الى السنة و آثار الصحابة لقل الاختلاف و ان لم يعدم من الأرض."اهــ
و قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :"و من تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد من الصحابة دون الباقين كالرافضي الذي يتعصب لعليّ دون الخلفاء الثلاثة و جمهور الصحابة،و كالخارجي الذي يقدح الذي يقدح في عثمان و علي رصي الله عنهما،فهذه طرق أهل البدع و الأهواء الذين ثبت بالكتاب و السنة و الاجماع أنهم مذمومون،خارجون عن الشريعة المنهاج الذي بعث به رسوله صلى الله عليه و سلم،فمن تعصب لواحد الأئمة بعينه ففيه شبه من هؤلاء،سواء تعصب لمالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد أو غيرهم.
ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلا بقدره في العلم و الدين،و بقدر الأخرين،و يكون جاهلا ظالما،و الله يأمر بالعلم و العدل،وينهى عن الجهل و الظلم،قال تعالى:{و حملها الانسان إنّه كان ظلوما جهولا&ليعذب الله المنافقين و المنافقات."اهــ {مجموع الفتاوى"22:356"}
التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس محمد أمين الجزائري ; 02-28-2012 الساعة 11:05 PM
|